20 عاما على حرب الشيشان الأولى في روسيا
اندلعت في جمهورية الشيشان قبل عشرين عاما، حرب أودت بحياة الآلاف من السكان المسالمين، وتركت بصماتها القوية على تطور روسيا لسنوات طويلة. "روسيا ما وراء العناوين" تتناول، بالإضاءة والتعليق، الآثار التي خلفتها تلك الأحداث.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، شهدت الجمهوريات ذاتية الحكم في روسيا الاتحادية، تعاظم الميول الانفصالية. وكان أشدها في جمهوية الشيشان، التي أعلنت استقلالها، وسُميت "جمهورية إيتشكيريا الشيشانية"، وأصبح الجنرال السابق جوهر دوداديف رئيسا لها.
اندلعت في جمهورية الشيشان قبل عشرين عاما، حرب أودت بحياة الآلاف من السكان المسالمين، وتركت بصماتها القوية على تطور روسيا لسنوات طويلة. "روسيا ما وراء العناوين" تتناول، بالإضاءة والتعليق، الآثار التي خلفتها تلك الأحداث.

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، شهدت الجمهوريات ذاتية الحكم في روسيا الاتحادية، تعاظم الميول الانفصالية. وكان أشدها في جمهوية الشيشان، التي أعلنت استقلالها، وسُميت "جمهورية إيتشكيريا الشيشانية"، وأصبح الجنرال السابق جوهر دوداديف رئيسا لها.
وحتى ذلك الحين، كان قد تم سحب العسكريين الروس من أراضي هذه الجمهورية، ولكن كميات هائلة من الأسلحة والمعدات العسكرية بقيت فيها. إيفان ريبكين، رئيس مجلس الدوما (1994-1992)، يعود بذاكرته إلى تلك الفترة، فيقول "إن التسيب كان سيد الموقف في الشيشان. والنزعات الراديكالية، المعززة باالسلاح، لم تكن تهدد شمال القوقاز وحسب، بل وروسيا أيضا". وكانت السلطة المركزية تخشى أن تحذو حذو الشيشان بقيةُ الكيانات ذاتية الحكم.
كان الوقت ضيقا للتحضير لعملية عسكرية، ومع ذلك دخلت القوات الروسية أراضي الشيشان في 11 كانون الثاني/ ديسمبر 1994، من الغرب والشمال والشرق. وكانت تعتزم الاستيلاء على الجمهورية في غضون ساعتين، ولكنها ووجهت بمقاومة عنيفة.
المفاوضات
عند الحديث عن حرب الشيشان الأولى، ينبغي ألا ننسى النفط، فلأنها منطقة تكرير للنفط الخام، كانت الشيشان بمثابة ملاذ ضريبي داخل روسيا. في كتابه "الشيشان.. الحياة في ظل الحرب"، يقول رئيس جمعية "ميموريال" ألكسندر تشيركاسوف، إن "أكثر من 6 ملايين طن من النفط الخام ضخت في العام 1992 إلى الشيشان بواسطة الأنابيب، لتكريرها في مصافي هذه الجمهورية. وكانت كميات النفط المكرر تتجه إما إلى مؤسسات خاصة، وإما نحو التصدير. ومن المحتمل أيضا أن الشيشان كانت تستخدم كملاذ للتهرب من دفع الضرائب".
ويرى إيفان ريبكين أن موسكو لم يكن في وسعها التسليم باستقلال الجمهورية لسبب آخر أيضا، هو أن الشيشان أخذت تهدد أمن روسيا القومي، فقد "تكررت الاستفزازات، وعمليات الاختطاف، واختلاس الأموال من مصارف روسيا بمبالغ ضخمة، مع استخدام وثائق مزورة أحيانا، فضلا عن بقاء حدود الجمهورية دون حراسة".
أما رئيس مجلس السوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية، رسلان حسبولاتوف، الذي ترأس عام 1994 "بعثة السلام" إلى الشيشان، فيؤكد أن الظروف كانت تسمح بتجنب التدخل العسكري. ويضيف حسبولاتوف قائلا :" لقد اقنعوني بالتوجه إلىى هناك بهدف إطاحة دودايف.. ونحن عمليا نجحنا في ذلك. وكان دودايف قد وافق آنذاك على التفاوض، ولكن الكرملين أقدم فجأة على التدخل عسكريا".

أما رئيس مجلس السوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية، رسلان حسبولاتوف، الذي ترأس عام 1994 "بعثة السلام" إلى الشيشان، فيؤكد أن الظروف كانت تسمح بتجنب التدخل العسكري. ويضيف حسبولاتوف قائلا :" لقد اقنعوني بالتوجه إلىى هناك بهدف إطاحة دودايف.. ونحن عمليا نجحنا في ذلك. وكان دودايف قد وافق آنذاك على التفاوض، ولكن الكرملين أقدم فجأة على التدخل عسكريا".
حرب "صغيرة ظافرة"
لم تكن لدى روسيا أهداف محددة بدقة. وهنا كانت تكمن المشكلة الرئيسة لحملة الشيشان الأولى، كما يرى المحلل السياسي، مدير "صندوق السياسة الفاعلة"، غليب بافلوفسكي. ويوضح الخبير الروسي أن شعبية الرئيس يلتسين انخفضت إلى 3% خلال العام 1994، ما كان دافعا أساسيا لشن الحرب، لأن حربا "صغيرة خاطفة" قد تحسن شعبيته في المجتمع.
غير أن روسيا لم تتمكن من دحر الانفصاليين بسرعة، بل أن دباباتها تعرضت لنيران الراجمات المضادة للدروع. ومن بقي حيا من العسكريين الروس وقع في الأسر.
استمرت الحرب سنة ونصف السنة. وبعد أن اقتحمت القوات الروسية العاصمة الشيشانية، غروزني، شرعت بعملية تطهير واسعة بين السكان، وشنت عملياتها العسكرية باستخدام الطيران والمدفعية. كان الدمار في المدينة كارثيا. وبحسب الأرقام التقريبية لجمعية "ميموريال"، بلغت الخسائر بين السكان المدنيين في الشيشان حوالي خمسين ألفا، وبين القوات الفدرالية حوالي 5 آلاف. أما خسائر المسلحين فغير معروفة. وردا على تصرفات روسيا، اجتاحت البلاد، بتدبير من المسلحين، موجة من العمليات الإرهابية.
ارتداد عن الديمقراطية
في الأشهر الأولى بعد الحرب غادر الجمهورية 300 ألف شخص، بعضهم حصلوا على حق اللجوء، ومن ثم تمكنوا من العودة إلى الشيشان. ولكن الغالبية منهم اضطروا للبدء من الصفر في حياتهم الجديدة.
يقول بافلوفسكي إن الحرب الشيشانية الأولى عززت عند سكان روسيا الإحساس بأن بلدهم يتفكك. ومع أن "هذا الإحساس لم تثبت صحته، فقد غدا عاملا قويا، ومؤثرا على مجمل العملية السياسية". ويضيف المحلل السياسي أن "الوعي الجماهيري أصيب بضربة قوية جراء خطر الإرهاب الذي سُمي بالإرهاب الشيشاني، بينما هو في حقيقة الأمر، إرهاب دولي. وأسطع مثال على ذلك، شامل باسايف وعملياته الإرهابية في روسيا. وهذا ما جعل المجتمع، بعد بضع سنوات، مستعدا لأن يقاتل ويحارب".
يقول بافلوفسكي إن الحرب الشيشانية الأولى عززت عند سكان روسيا الإحساس بأن بلدهم يتفكك. ومع أن "هذا الإحساس لم تثبت صحته، فقد غدا عاملا قويا، ومؤثرا على مجمل العملية السياسية". ويضيف المحلل السياسي أن "الوعي الجماهيري أصيب بضربة قوية جراء خطر الإرهاب الذي سُمي بالإرهاب الشيشاني، بينما هو في حقيقة الأمر، إرهاب دولي. وأسطع مثال على ذلك، شامل باسايف وعملياته الإرهابية في روسيا. وهذا ما جعل المجتمع، بعد بضع سنوات، مستعدا لأن يقاتل ويحارب".
ومع موجة أحداث الشيشان تغيرت التشكيلة الأساسية للحكومة الروسية، فتقدم ممثلو مؤسسات القوة إلى المواقع الأمامية في أجهزة السلطة. ومعهم جاءت، كما يشير ضيوف "روسيا ما وراء العناوين"، قيودٌ جدية على حرية التعبير. وارتفعدت معدلات الجريمة والفساد بوتائر انفجارية. يرى حسبولاتوف أن "عشرات آلاف العسكريين ممن أرسلوا إلى الحرب في كل مناطق البلاد، عادوا منها قطاعَ طرق، وأخذوا يؤلفون عصابات منظمة. وفي الأجواء المحيطة بالتوريدات الخاصة بالحرب، وتموين القوات، وأعمال الإعمار، انتشر الفساد على نطاق هائل. وكانت النتيجة أن ادت الحملة الشيشانية الأولى إلى ارتداد عن البدايات الديمقراطية".
انتهت حرب الشيشان الأولى في آب/اغسطس 1996، فسحبت روسيا قواتها، غير أن السلام لم يستمر سوى ثلاث سنوات، بدأت بعدها حرب الشيشان الثانية.
انتهت حرب الشيشان الأولى في آب/اغسطس 1996، فسحبت روسيا قواتها، غير أن السلام لم يستمر سوى ثلاث سنوات، بدأت بعدها حرب الشيشان الثانية.
http://arab.rbth.com/russian-world-politics/2014/12/24/20_28853.html