ظلت إسرائيل سنوات طويلة، منذ نشأتها، تعاني من نقص واضح في قدراتها البحرية وعدم توازن هذه القوة بالنسبة للأفرع الأخرى، حيث كان سلاحها الجوي يتمتع بتفوق على الطيران المصري مدة طويلة، كما تمكنت إسرائيل من تحقيق درجة مناسبة من التوازن بين قواتها البرية والقوات البرية المصرية، إلا أن القوات البحرية الإسرائيلية ظلت تعاني من نقص عددي ونوعي، وضعف في القدرات القتالية وعدم توافر الخبرة البحرية، إذا ما قورنت بالقوات البحرية المصرية التي كانت دائما العدو الرئيس لها.
بناء على ذلك، كانت استراتيجية البحرية الاسرائيلية دائما تتجه إلى المبدأ الاستراتيجي المعروف عندما يكون هناك فارق كبير بين القوتين، فالقاعدة العامة تنص على أن البحرية التي لا تتمتع بالتفوق يجب أن تتجه إلى العمليات التي تهدف إلى حرمان القوة الأكبر من تحقيق السيطرة البحرية، ويكون ذلك بالاعتماد على العمليات الخاصة، مثل عمليات الضفادع البشرية، وعمليات الصاعقة، والعمليات الهجومية المفاجئة التي قد تتيح الظروف المناسبة لتحقيق كسب محدود عند الاشتباك مع القوة المتفوقة. ويرمز إلى هذا الأسلوب في مفهوم الاستراتيجية البحرية بفرض الحرمان البحري:
“SEA DENTAL” بعكس القوة البحرية المتفوقة التي تهدف للحصول على السيطرة البحرية:
“SEA CONTROL”.
هذا ويجب الإشارة هنا إلى أن اسرائيل عملت دائما على توفير قدر من الدعم الجوي لبحريتها لتعويض هذا النقص. وقد تمكنت فعلا اسرائيل من تحقيق نجاحات بحرية متعددة اعتمادا على استخدام ما لديها من تفوق جوي. أما محاولاتها في الاشتباك والدخول في معارك مع الأسطول المصري فكانت بصفة عامة دائما محدودة وغير مؤثرة.
التطورات الرئيسية
في استراتيجية البحرية المصرية والإسرائيلية
وفي هذا المقال نستعرض التطورات الرئيسية التي حدثت في مجال استراتيجية البحرية المصرية والاسرائيلية خلال السنوات الماضية وحتى وقتنا هذا وذلك على ضوء الصراعات والحروب التي اندلعت في هذا المجال.
حرب فلسطين عام 1948:
كانت البحرية المصرية في هذا الوقت محدودة العدد، ولا يوجد لديها قطع قتالية رئيسية، بل كانت تتكون من عدد من الزوارق المسلحة وبضع سفن مرور مسلحة بتسليح مدفعي يضم مدفعية متوسطة المدى من عيار 4 بوصات و 3 بوصات وأسلحة المجتمع . ط قريبة المدى عيار 20 مم وعيار 40 مم. ولكن بالرغم من ضآلة حجم البحرية المصرية، الا أن اسرائيل لم تكن تمتلك قوة بحرية بمعنى الكلمة، وكانت تستعين ببعض السفن واللنشات المدنية أصلا بعد تجهيزها ببعض الأسلحة من مدفعيات بأعيرة مختلفة. وعلى ذلك نجد أن البحرية المصرية تمكنت من تحقيق مهامها المختلفة حدود الامكانيات المتاحة التي شملت الآتي:
- القيام بالمرور أمام السواحل الاسرائيلية لمنع وصول المهاجرين اليهود والامدادات إلى الموانئ الاسرائيلية بفرض الحصار البحري على الموانئ الاسرائيلية.
- دعم وتأمين القوات البرية المصرية العاملة بمحاذاة الساحل وخاصة في منطقة المجدل.
- توفير مطالب النقل والدعم باتجاه البحر لصالح القوات البرية المصرية المتقدمة شرقا.
- توجيه ضربات باستخدام المدفعية ضد الموانئ والأهداف الساحلية ذات الأهمية.
في مقابل ذلك لم تقم البحرية الاسرائيلية بأية أعمال خلاف محاولات الاشتباك مع القطع البحرية المصرية التي كانت دائما متفوقة من حيث التسليح والسرعة. وقد حاولت فعلا الاستعانة بعنصر جوي محدود في هذه الاشتباكات، ولكن كانت الطائرات المستخدمة طائرات غير قتالية بالمعنى المفهوم ولم تستطع أن تحقق أية نتائج من هجماتها على القطع المصرية، هذا وقد نجحت عملية خاصة باللنشات المتفجرة ضد سفينة الحراسة الطوافة “الأمير فاروق” مستغلة فترة الهدنة الأولى وكان ذلك أمام ميناء غزة. والجدير بالذكر أن القيادة العامة المصرية أصدرت أوامر بعدم الاشتباك مع السفينة المقلة لهذه الزوارق عند اكتشافها ذلك على أساس التمسك بشروط الهدنة.
العدوان الثلاثي على مصر عام 1956:
مع تغير الأوضاع في مصر عقب ثورة يوليو 1952، التي كان أحد أهم مبادئها بناء قوات مسلحة مصرية قوية، فإن الوضع قد تغير تغيرا ملموسا فيما يخص توازن القوى بين البحرية المصرية والبحرية الاسرائيلية، فقد تمكنت مصر من عقد اتفاقية إعادة تسليح قواتها المسلحة مع الاتحاد السوفييتي عن طريق دول أخرى في الكتلة الشرقية، وقد تمكنت بموجب هذا الاتفاق من الحصول على عدد من المدمرات طراز” سكوري” التي كانت تعتبر من أقوى المدمرات الموجودة على المسرح البحري في ذلك الوقت، بالإضافة لحصول مصر على عدد كبير من الغواصات بلغ 12 غواصة، وذلك بالإضافة إلى عدد من الزوارق الصاروخية التي كانت مسلحة بصواريخ موجهة سطح/ سطح وغير المتوافرة على المستوى العالمي في ذلك الوقت، إلا في روسيا وبعض الدول الحليفة لها. كل ذلك بالإضافة إلى عدد من كاسحات الألغام وقناصات الغواصات وسفن الإبرار والسفن المساعدة.. الخ، الأمر الذي أعطى لجمهورية مصر العربية تفوقا ملموسا في القوة البحرية.
وعلى ذلك نجد أنه مع اندلاع الصراع في حرب 1956، خلال العدوان الثلاثي على مصر قررت اسرائيل تجنب الاشتباك مع القوات البحرية المصرية بالكامل وذلك حرصا على سلامة وحداتها البحرية وعدم تكبدها خسائر كبيرة في حالة محاولة الدخول في صراع مع الأسطول المصري القوي واتبعت مرغمة استراتيجية بحرية سلبية بالكامل. ولمعالجة هذا الموقف اعتمدت اسرائيل في مرحلة التحضير للعدوان الثلاثي على أن تتولى البحرية الفرنسية مهمة الدفاع عن اسرائيل من جهة البحر والعمل على منع تعرض مدن وموانئ اسرائيل الساحلية لأية هجمات من قبل القوات البحرية المصرية وبالذات المدمرات طراز “سكوري” التي كانت تحمل مدفعية عيار 130 مم بعيدة المدى وتستطيع أن تحدث خسائر كبيرة في موانئ اسرائيل وأهدافها الحيوية على الساحل.
وعلى ذلك لم تحاول البحرية الاسرائيلية الدخول في أية معارك مع الأسطول المصري وتركت ذلك للبحرية الفرنسية والبريطانية، وفي نطاق الصراع أثناء العدوان الثلاثي قامت البحرية المصرية بعدة عمليات تتسم بالشجاعة والتضحية ومنها معركة الفرقاطة “دمياط” بقيادة الرائد شاكر حسين ضد الطراد البريطاني “نيوفوندلاند” “H. M. S NEWFOUNDLAND” وكذا معركة لنشات الطوربيد بقيادة الرائد/ جلال الدسوقي مع قطع من الأسطول الفرنسي، وكذا معركة المدمرة “الناصر” والفرقاطة” طارق” ضد الطيران البحري البريطاني الذي حاول مرارا تكرارا إغراق هذه الوحدات، الا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة لما أبدته المدمرات المصرية من روح قتالية عالية وبسالة في الدفاع عن وحداتها باستخدام ما لديها من قدرات نيرانية وبالمناورة واستخدام ستائر الدخان أيضا.
حرب يونيه عام 1967:
بالرغم من أن موقف القوات البحرية الاسرائيلية كان قد تحسن نسبيا، إلا أن تفوق القوات البحرية المصرية مقارنة بوجود لنشات صاروخية وعدد كبير من الغواصات والمدمرات، أجبر اسرائيل على تجنب الدخول في معارك بحرية مع القوات البحرية المصرية، واستمرت الاستراتيجية البحرية الإسرائيلية تعتمد على أعمال القوات الخاصة والغواصات ومنع إشراك سفن السطح في القتال خوفا من تعرضها لخسائر جسيمة، وظل كالمعتاد الاعتماد على العمليات ذات الطابع الخاص والاستفادة من الغواصات.
ومع ذلك كانت اسرائيل تخشى إلى حد كبير أن تتعرض أهدافها الساحلية وموانيها الرئيسية التي على البحر المتوسط لهجمات بواسطة التشكيلات من المدمرات طراز “سكوري” المدعمة بزوارق صاروخية الموجودة لدى البحرية المصرية في ذلك الوقت، هذا ويجب الأخذ في الاعتبار أن الطيران الاسرائيلي لم يكن قد أتقن بعد أسلوب مهاجمة السفن والقطع البحرية بواسطة الطائرات ليلا، خصوصا أنه لم يكن هناك صواريخ موجهة جو/ سطح لدى اسرائيل، بل كانت تعتمد على الصواريخ غير الموجهة والقنابل التي تحتاج لدرجة مناسبة من الرؤية سواء الطبيعية أو الصناعية باستخدام مشاعل الاضاءة.
وحيال هذا الموقف، نجد أن اسرائيل خططت عملية خاصة لتدمير المدمرات طراز “سكوري” الموجودة بميناء الاسكندرية بواسطة غواصة قبيل حرب يونيه 1967، والمعروف أن الغواصات تحتاج إلى عدة أيام لتصل من قواعدها في اسرائيل إلى مشارف الاسكندرية وهو الأمر الذي يثبت بجلاء النية الهجومية لإسرائيل وأنها لم تكن تقوم بحرب دفاعية بل هي نفسها التي أشعلت هذه الحرب، وذلك يرجع إلى أن الغواصة الاسرائيلية “تنين” “TANIN” كانت موجودة أمام ميناء الاسكندرية ليلة 5 يونيه لإنزال مجموعة من الضفادع البشرية بهدف تدمير المدمرات طراز سكوري داخل ميناء الاسكندرية، وهذا يعني أن الغواصة “تنين” غادرت قواعدها قبل هذا الموعد بعدة أيام.
والجدير بالذكر أن القوات البحرية المصرية تمكنت من اكتشاف أفراد الضفادع البشرية والقبض عليهم وكذلك اكتشاف الغواصة الاسرائيلية صباح اليوم التالي حيث تم مهاجمتها بواسطة الفرقاطة “طارق” التي أحدثت بها أعطابا جسيمة منعتها من إعادة التقاط أفراد الضفادع، بل إنها لم تتمكن من العودة إلى قواعدها إلا بعد رحلة طويلة شاقة نتيجة لما حدث بها من إصابات جسيمة عقب الهجوم المؤثر الذي نفذته الفرقاطة “طارق”.
أما في اتجاه محور البحر الأحمر، فكانت المهمة الرئيسية للبحرية الاسرائيلية هي تأمين ميناء “ايلات” ضد أي هجمات من قطع الأسطول المصري الموجودة في البحر الأحمر. وفي سبيل ذلك نظمت اسرائيل طلعات مرور بواسطة زوارق الطوربيد بالاضافة لطلعات جوية متكررة في منطقة مدخل مضيق “تيران” وكذلك داخل خليج العقبة؛ بهدف كشف أي محاولات مصرية لتوجيه مدمراتها إلى ميناء “إيلات”. وبالرغم من هذه الاجراءات التي اتخذتها البحرية الاسرائيلية الا أن المدمرتين المصريتين “القاهر” و” الفاتح” تمكنتا من التوجه إلى ميناء ايلات بهدف توجيه قصفة نيران مركزة على منشآت الميناء، وكان ذلك بقرار من قائد القوات البحرية مساء يوم 5 يونيه حيث غادرت المدمرتان قواعدهما بعد آخر ضوء ذلك اليوم، وقد تمكنتا فعلا من تجنب الاجراءات الدفاعية الاسرائيلية حتى وصلتا إلى مسافة قريبة جدا من ميناء ايلات وأصبحتا على وشك الوصول الى موقع الفتح التكتيكي لبدء تنفيذ مهمة اطلاق النيران على منشآت الميناء، الا أنه في آخر لحظة وردت التعليمات لقائد التشكيل بإلغاء المهمة والعودة الى قواعده، وهذه المهمة في حد ذاتها تثبت فشل البحرية الاسرائيلية في تأمين أهدافها في منطقة خليج “العقبة” وبالذات بالنسبة لتأمين إيلات ضد القصف البحري وهي المهمة الرئيسية للبحرية الاسرائيلية.
وفي منطقة ميناء السويس حيث تمركزت عناصر عديدة من قوات البحرية المصرية، حاولت اسرائيل تعويض عجزها البحري بالاستعانة بما لديها من تفوق في القوة الجوية، خاصة بعد نجاحها في تدمير الأغلبية العظمى للطيران المصري، حيث أغارت الطائرات الاسرائيلية بصفة مستمرة على وحداتنا البحرية المتمركزة بميناء السويس ومشارفها، الا أنها لم تستطع أن تحدث بها أية خسائر، ووفرت هذه الوحدات ستائر من نيران الدفاع الجوي حققت التأمين لمنطقة ميناء “السويس” ولقواتنا البرية التي كانت موجودة على الضفة الشرقية في هذ0ا المكان.
إغراق المدمرة الإسرائيلية “إيلات”:
والجدير بالذكر أن التفوق البحري لدى البحرية المصرية أمكن إثباته بوضوح لإسرائيل عقب عمليات يونيه 1967، حيث تمكنت زوارق الصواريخ المصرية من إغراق المدمرة الاسرائيلية “ايلات” في معركة خاطفة ورائدة باستخدام الصواريخ الموجهة سطح/ سطح لأول مرة في الحرب البحرية، وذلك قبيل غروب يوم 21 اكتوبر 1967، إلا أنه بالرغم من وجود هذا التفوق فإن قصر مدة الحرب وعدم توافر التخطيط السليم قد منعا قوات البحرية المصرية من استغلال هذا التفوق خلال عمليات يونيه 1967، علما أن الأمر كان يستوجب اتباع استراتيجية بحرية هجومية ضد اسرائيل.
وعقب عملية إغراق المدمرة الاسرائيلية “ايلات” في عام 1967 حدثت تغييرات جذرية في مفهوم الاستراتيجية البحرية في اسرائيل، حيث تبنت اسرائيل مبدأ عدم جدوى السفن الكبيرة مع وضع كل اهتمامها في الحصول على الزوارق الصاروخية، وذلك بهدف إيجاد نوع من التوازن مع قدرات البحرية المصرية في هذا المجال، والعمل على دعم البحرية الاسرائيلية بزوارق صاروخية جديدة تحقق لها التفوق على البحرية المصرية. وبناء على ذلك شرعت البحرية الاسرائيلية في الحصول عليها بالشراء من فرنسا ثم بإنتاج زوارق في الترسانات المحلية في اسرائيل، وقد تم كل ذلك في نطاق تكوين أسطول من الزوارق الصاروخية الحديثة التي تحمل صواريخ موجهة سطح/ سطح ذات قدرات متميزة عن الصواريخ المتوافرة لدى البحرية المصرية، وفي نفس الوقت بذلت جهودا مضنية للحصول على المعلومات التفصيلية عن الصواريخ المصرية- أي الصواريخ السوفييتية الصنع- طراز “ستيكس” بهدف استنباط الأساليب التكنولوجية اللازمة لتعطيل نظام التوجيه الموجود بهذه الصواريخ وذلك بالاستناد على وسائل الحرب الالكترونية الايجابية والسلبية، وقد نجحت فعلا اسرائيل في التعرف على خصائص الصواريخ الموجودة لدى البحرية المصرية والطرق الكفيلة لتعطيل عملها والحد من خطورته، كما استمرت إسرائيل في الاعتماد على دعم القدرات البحرية بالمعاونة الجوية بهدف تعويض أي نقص أو ضعف في البحرية الاسرائيلية، وعلى ذلك نجد أن البحرية الاسرائيلية أصبحت في موقف قوي حيال الاشتباكات التي يمكن أن تحدث بين الزوارق الصاروخية المصرية والزوارق الصاروخية الاسرائيلية، بل إنها تمكنت من إيجاد قوة ضاربة تستطيع أن توقف وتدمر أعمال المدمرات في حالة قيامها بتوجيه قصفات نيران ضد الأهداف الساحلية، كما سبق أن فعلت البحرية المصرية مرارا، وفي الواقع فإن اسرائيل كانت تتمنى أن تحاول البحرية المصرية تنفيذ مثل هذه العمليات حتى تقابل بتشكيل من الزوارق الصاروخية المدعومة بالعنصر الجوي التي تستطيع أن تحقق التفوق مع الأخذ في الاعتبار ضعف قدرات الزوارق الصاروخية المصرية وكذلك عدم وجود أنظمة دفاع جوي حديثة على المدمرات المصرية.
وفي حقيقة الأمر فإن البحرية المصرية كانت على علم تام بنواحي الضعف والقصور الموجودة لديها وبالذات في الصاروخ السوفييتي المتوفر، وقد بذلت محاولات عديدة للحصول على زوارق جديدة وصواريخ ذات قدرات متميزة، إلا أن الاتحاد السوفييتي لم يلب هذا المطلب، الأمر الذي وضع الزوارق الصاروخية المصرية في موقف ضعيف للغاية، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن الصاروخ السوفييتي لم يكن مخصصا للتعامل ضد اللنشات، بل إنه يصلح فقط للاطلاق على سفن السطح المتوسطة الحجم مثل الفرقاطات والمدمرات على الأقل، علما بأن البحرية الاسرائيلية كانت قد قررت استبعاد إقحام مثل هذه الوحدات في الصراع المسلح مع البحرية المصرية.
وهكذا أصبح للبحرية الاسرائيلية درجة عالية من التفوق النوعي على البحرية المصرية لأول مرة في تاريخها، وعلى ذلك عدلت من استراتيجيتها، فبعد أن كان مجهودها موجها الى منع وصول أية وحدات بحرية إلى السواحل الاسرائيلية، تحول الموضوع إلى محاولة جذب الوحدات المصرية، وبالذات المدمرات واللنشات، الى النطاق القريب من السواحل الاسرائيلية حيث يسهل تدميرها بالأسلوب السابق ذكره، مع الأخذ في الاعتبار أن التفوق كان للتشكيلات الاسرائيلية.
البحرية المصرية قبيل حرب أكتوبر 1973:
تمكنت شعبة العمليات في القوات البحرية المصرية من مواجهة هذا الموقف الحرج وذلك بالتخطيط السليم والتوصل الى أساليب جديدة لاستخدام القوات تهدف إلى حرمان اسرائيل من الاستفادة مما لديها من عناصر تفوق كخطوة أولى ثم مواجهة اسرائيل بظروف قتال لم يسبق لها أن واجهتها في الجولات السابقة، بل حدث تغيير شامل في أسلوب استخدام القوات البحرية المصرية حيث اتخذ مبدأ الاستفادة من العمق الاستراتيجي العربي المتاح لمصر في اتجاه جنوب البحر الأحمر وغرب البحر المتوسط وكذلك الاستفادة من القيمة الاستراتيجية للمضايق التي تقع في نطاق السيطرة المصرية، ومن هنا كان اختيار مهمة التعرض لخطوط المواصلات من العوامل الرئيسية التي حققت للبحرية المصرية النجاح في هذه الحرب. أما مهام قصف الأهداف الساحلية الاسرائيلية، فقد تم تنفيذها بأسلوب مبتكر حيث استخدمت زوارق مجهزة محليا بالصواريخ غير الموجهة لتنفيذ هذه المهمة واستبعدت المدمرات تماما من العمل في النطاق القريب من السواحل الاسرائيلية، بل تفرغت للعمل في العمق الاستراتيجي بأعالي البحار بهدف إحراز السيطرة على المضايق الحاكمة وبالتالي عرقلة حركة النقل التجاري البحري الاسرائيلي في البحر المتوسط والبحر الأحمر، بل قطعت امدادات البترول كلية عن اسرائيل.
* التطورات الحديثة في استراتيجية البحرية الاسرائيلية:
على ضوء خبرات قتال حرب أكتوبر 1973 والدروس المستفادة من هذه الحرب ونواحي النقص التي أبرزتها العمليات الناجحة التي قامت بها القوات البحرية المصرية خلال هذه الحرب، فقد أجبرت إسرائيل على إعادة تقييم موقفها والعمل على تدعيم قدراتها البحرية بما يتيح لها تلافي أخطاء الماضي وخاصة عدم قدرتها على العمل في أعالي البحار مدة طويلة؛ لافتقار الأسطول الاسرائيلي للقطع المناسبة لتنفيذ مثل هذه المهام، كما استفادت اسرائيل من خبرات البحرية المصرية في استغلال ما لديها من غواصات في تحقيق مبدأ السيطرة على البحار.
بناء على ذلك قامت اسرائيل بتدعيم قواتها البحرية بشكل ملحوظ ولم تعد تكتفي بوجود تفوق كبير لها في الزوارق الصاروخية التي تحقق لها الدفاع الساحلي، بل أصبحت الآن تطمع في فرض وجودها البحري ونشر قواتها في أعالي البحار. وبناء على ذلك نجد أنه قد انضم للأسطول الاسرائيلي عدد 3 غواصات حديثة ألمانية الصنع طراز “دولفين” “DOLPHIN” وهي من الغواصات الحديثة الصغيرة نوعا ما، وذات القدرات القتالية العالية، وهي تستطيع أن تحمل الصواريخ الموجهة طراز: “HARPOON” الامريكية الصنع كما تفيد بعض المعلومات انه قد يتم تطوير هذه الغواصات لاطلاق الصواريخ طراز “توما هوك”: “TOMAHAWK” التي قد تجهز برؤوس حرب نووية، مما يعطي البحرية الاسرائيلية قدرات قتالية متفوقة، بالاضافة الى حرية العمل في جميع أرجاء المسرح.
وفي نفس الوقت أضيفت للبحرية الاسرائيلية- التي لم تكن مقتنعة بوحدات سفن السطح المتوسطة- فرقاطات خفيفة من طراز “صعر-5”: “SAAR 5” وهي وحدات قتالية تدخل في نطاق حجم الفرقاطة الخفيفة (حمولة حوالي 1250 طناً) وتتميز بتسليح قوي وتجهيزات إلكترونية متميزة سواء للحرب الالكترونية أو الحرب الالكترونية المضادة، وذلك بالإضافة للصواريخ بنوعياتها المختلفة، كما أن هذه السفن تستطيع أن تحمل طائرات هليوكبتر، مما يعطي الأسطول الاسرائيلي المرونة الكافية للعمل في أعالي البحار.
الخلاصة:
مما سبق يتضح أن البحرية الاسرائيلية في تطور مستمر، وأنها تعمل منذ سنوات على تلافى نواحي القصور التي أبرزتها حرب أكتوبر 1973، وتعمل على تنفيذ مخطط متقن يهدف الى رفع كفاءة القوات البحرية الاسرائيلية وتمكينها من زيادة القدرات القتالية وتوفر لها إمكانية نشر قواتها في أعالي البحار بهدف ممارسة مهام ذات طابع استراتيجي يمكنها من فرض السيطرة البحرية، وهو الأمر الذي يستلزم التقييم السليم واتخاذ ما يلزم حياله من إجراءات لمجابهة ما طرأ من تطور ودعم في قدرات البحرية الاسرائيلية.
مجلة الحرس الوطني