رصــــــــــــــاص الرعـــــــــــــــــد فـــــــــــــي سمـــــــــــــاء العـــــــــــراق
A-10 Thunderbolt
A-10 Thunderbolt
قرار الحكومة الأمريكية إرسال سرب من طائرات الدعم الجوي القريب (عدد 12 طائرة) المسماة A-10 Thunderbolt إلى منطقة الشرق الأوسط لدعم العمليات العسكرية في العراق وكجزء من الحملة الجوية الكبرى لوزارة الدفاع الأمريكية تجاه تعاظم قوة الدولة الإسلامية Islamic State ، خصوصاً في ظل الانتصارات التي حققها مقاتلو هذا التنظيم الجهادي على أكثر من صعيد وسيطرتهم على الكثير من المناطق في العراق وسوريا مقابل تراجع وتقهقر ملحوظ للقوات العراقية المدعومة بمليشيات الحشد الشعبي . هذا القرار كان بمثابة محاولة جديدة لدعم الجهود الدولية التي ترعاها الولايات المتحدة لوقف تقدم الدولة الإسلامية ، والتي إستطاع مقاتلوها في الأيام الماضية تحقيق بعض الإنتصارات والإستحواذ على المزيد من الأراضي في الجانب العراقي . الطائرة A-10 التي يدور حولها الحديث هي طائرة متخصصة في أدوار الدعم الجوي القريب close air support ، واشتهرت كصائدة دبابات خلال حربي الخليج الأولى والثانية .. القيادة الأمريكية تعول الكثير على قدرات هذه الطائرة الضاربة ، لكن هل تستطيع هذه الطائرة بالفعل قلب المعادلة وتغيير ميزان القوى لصالح الأداء الحرج والهش fragile للقوات العراقية ؟؟ هذه الطائرة حقيقة ستواجه مصاعب حقيقية عند الرغبة في توجيه ضربات تكتيكية إلى أهداف صغيرة متداخلة مع بيئتها الحضرية ، كما أن قدراتها مقيدة ومحددة عند مواجهة حشود تتحرك في ظل تضاريس حضرية (هياكل مباني وإنشاءات متفاوتة الإرتفاع) أو في حالة حدوث إشتباك وتماس مباشر مع قوات العدو (تزداد حالات الإصابات والقتل الخطأ) . خصوصاً ونحن نتحدث عن إمتلاك مقاتلو الدولة الإسلامية لمنظومات مختلفة للدفاع الجوي . هذه تتضمن مدافع مضادة للطائرات من عيار 14.5 و23 و57 ملم ، التي يوصى مشغلوها عادة بتوجيه نيرانها بشكل رشقات قصيرة short bursts لتفادي الكشف . هناك أيضاً القذائف الصاروخية الكتفيه المضادة للطائرات من نوع SA-7 وSA-14 وبضعة صواريخ صينية تستخدم لنفس الغرض (عند اضطرارها للعمل من الارتفاعات المنخفضة لتحديد الأهداف بصرياً ، هذه الطائرات كما أثبتت خبرات العمل في كوسوفو العام 1999 ، لا تحقق الكثير من النجاح ودقة التعيين بسبب نيران المضادات الأرضية) .. لذا ، يرجح أو يوكل للطائرة A-10 مهمة إلتقاط أهدافها التي تتحرك بعيداً عن التضاريس الحضرية وفي ظل ما يطلق عليه بتكتيكات "الصيد الحر" free-hunt لتدمير أهداف متحركة بارزة في العراء . لذلك يبدو من المفيد التوصية بوجوب خفض البصمة الحرارية والبصرية للأهداف ، وكذلك الحرص على تمويه المواقع بعناية وتغييرها في أحيان كثيرة .
صممت الطائرة A-10 التي تكنى أيضاً برصاص الرعد Thunderbolt لتكون قابلة للبقاء رغم عدم إمكانية خلودها . وعند ظهورها أثارت هذه الطائرة خلافات عديدة بين الخبراء إلى حد الحكم عليها بالإعدام ، إلا أنها عادت لتفرض نفسها إلى واجهة الأحداث خلال حربي الخليج الأولى 1991 والثانية 2003 ، وكان مدفعها ذو السبطانات السبع عيار 30 ملم ورقتها الرابحة . جاء تصميم الطائرة الأمريكية A-10 كمدمرة دبابات ذات مدفع كبير وصواريخ دقيقة ، وعلى عكس المقاتلات السريعة ، فإنها مصممة للعمل دون الحاجة للطيران فوق منظومة الهدف ، وتسمح لها سرعتها البطيئة وقابليتها على المناورة ، بالهجوم والابتعاد بسرعة كبيرة عن منطقة الهدف .
بدأت الاختبارات مبكراً على هذا النوع من الطائرات ، لتدخل مرحلة الإنتاج في 10 يناير العام 1973 ، وطارت النسخة الأولى منها في أكتوبر من العام 1975 .. للطائرة A-10 قدرة مناورة متميزة ومتفوقة superior maneuver في السرعة والارتفاع المنخفض ، ويرجع ذلك بالفضل في أحد جوانبه ، للمساحة العريضة للأجنحة ونسبة واجهة الجناح الطويلة ، والجنيحات الكبيرة (الجزء المتحرك من جناح الطائرة) . وتسمح واجهة الجناح الطويلة بالإقلاع القصير أيضاً ، وهذا يسهل للطائرة قابلية الإقلاع والهبوط من مدرجات المطارات الأمامية الوعرة ، والتي يمكن أن تكون بالقرب من الخطوط الأمامية لمنطقة العمليات . تستطيع الطائرة A-10 التجول في سماء المعركة لفترات طويلة ، والعمل على ارتفاع منخفض . كما تستطيع الطيران بسرعة نموذجية بطيئة نسبياً تبلغ 555 كلم/س ، التي تجعلها منصة مثالية لإطلاق أسلحة الهجوم الأرضي مقارنة بالمقاتلات القاذفة السريعة التي تجد صعوبة في أغلب الأحيان لاكتساب وتعيين الأهداف الصغيرة المتحركة .
لقد كانت الطائرة F-16 المقياس الذي تقاس علية قابلية المناورة maneuver capability عند الطائرات المقاتلة ، ولكن في السرعات المنخفضة فإن طائرة A-10 تتجاوزها بسهولة ، وفي الكثير من الحالات تستطيع A-10 أن تهاجم وتبتعد دون الدخول مطلقاً في منطقة القتل لأنظمة الدفاع الجوي المعادية . ومع ذلك فقد ثبت من خلال التجارب ، أنه في دخان وفوضى ساحة المعركة ، تصبح عملية التفادي الكامل لأنظمة الدفاع الجوي أمراً مستحيلاً ، وأن التعرض للضربات أمراً وارداً ، ولهذا فقد صممت هذه الطائرة لتبقى حية بدرجة استثنائية ، فهي قادرة على العودة إلى القاعدة بنصف جناح ممزق ، أو عند فقدها جزء من الذيل أو أحد محركاتها ، أو عند إصابتها بأي ضرر هيكلي آخر .
وعند الحديث عن متانة الطائرة A-10 ، يمكن القول إن هيكل الطائرة القوي يمكن أن ينجو من ضربات مباشرة بطلقات خارقة للدروع armor-piercing ، أو شديدة الانفجار high-explosive من العيار 23 ملم . إن كابينة القيادة وأجزاء من منظومة الطيران ، محمية بحوض دائري يزن نحو 408 كلغم ، مصنوع من صفائح مادة شديدة الصلابة يطلق عليها التيتانيوم titanium ، تتفاوت سماكته بين 12-38 ملم . ولحماية الطيار من الشظايا المحتملة ، جرى تبطين السطح الداخلي للحوض بصفائح متعددة لكبت الشظايا ، مصنوعة من نسيج الكيفلار متعدد الطبقات multi-layer Kevlar . زجاج غرفة القيادة الأمامي هو أيضاً من النوع المقاوم للرصاص ، حيث تبلغ سماكته 38 ملم ويستطيع توفير حماية من مقذوفات العيار 23 ملم .
يدفع الطائرة A-10 محركين نفاثين نوع TF34-GE-100 من إنتاج شركة General Electric ، وقد يتساءل البعض عن أسباب الموقع غير العادي لهذه المحركات على جسم الطائرة ، والسبب الأول يعود لكون الطائرة معدة أساساً للانطلاق من القواعد الأمامية ، والتي تكون مدرجاتها عادة غير مهيأة ومنخفضة الاستعداد ، فالمستوى المرتفع للمحركات يقلل من احتمالية دخول الرمل أو الحصى لفتحة المحرك ومن ثم إعطابه . هذا يسمح للمحركات أيضاً للبقاء في وضع التشغيل دون الخوف من دخول أجسام غريبة لها ، كما يسهل هذا الترتيب من عملية صيانة المحرك . إن وضع الأجنحة الأقرب من الأرض (نتيجة رفع المحركات ووضعها بصورة مستقلة) يساعد على صيانة الطائرة وإعادة تسليحها أكثر مما لو كانت المحركات محملة على الأجنحة .
تحمل الطائرة A-10 عدد 11 نقطة تعليق تحت الجناحين والبدن ، ويمكن استخدام تسعة منها أو عشرة في وقت واحد . وتحمل النقطتين الخارجيتين صاروخي جو-جو نوع A1M-9 Sidewinders للدفاع عن النفس ، في حين يمكن استخدام نقطة أخرى لحاضن تشويش الكتروني ECM pod من نوع ALQ-131 . ويمكن للطائرة حمل موزع شعلات خداعية نوع ALE-40 بالإضافة إلى متعقب ليزري نوع AAS-35 Pave Penny . وهذا الأخير على الجهة اليمين من الطائرة ، هو عبارة عن مقتفي أثر ليزري laser spot tracker (وليس معين ليزري designator لإنارة الأهداف) لالتقاط الإشارات المرتدة عن الأهداف المعينة والمحددة ليزرياً ، ومن ثم مهاجمتها بأسلحة الطائرة بعد عرض معلومات الهدف على شاشة العرض الرأسية للطيار HUD . هناك أيضاً نظام LANTIRN (اختصار نظام الملاحة على الارتفاع المنخفض ، والاستهداف بالأشعة تحت الحمراء أثناء الليل) ويسمح هذا النظام للطائرة بالطيران على ارتفاع منخفض في الليل والأحوال الجوية غير الملائمة ، حيث يحتوي النظام على مجس تحت الأحمر infrared sensor يعرض صورة تحت الحمراء من الهدف للطيار .
تستطيع الطائرة A-10 أيضاً حمل تشكيلة كبيرة من القنابل حرة السقوط وتلك الموجهة ليزرياً LGB ، أمثال MK82 وMK84 وقنابل عنقودية من نوع MK20 Rockeye ، وتشكيلة أخرى من الذخائر المضادة للأفراد والدروع ، بما في ذلك قنابل النابالم وحاويات المقذوفات غير الموجهة . أما التسليح القياسي للطائرة A-10 بالإضافة إلى صواريخ "مافريك" Maverick ، فهو المدفع GAU-8/A والذي يعتبر المدفع الوحيد متعدد السبطانات المصمم خصيصاً لقتل الدبابات والهداف المدرعة الأخرى . هذا المدفع من أنتاج شركة "جنرال إلكتريك" General Electrics ويشتمل على سبعة سبطانات عيار 30 ملم ، ويمكن اعتباره من أقوى المدافع التي يمكن أن تركب على طائرة . معدل الرمي في المدفع يصل إلى 4,200 طلقة في الدقيقة ، أو 2,100 طلقة في الدقيقة ، حسب الاختيار ، كما يمكن أيضاً إطلاق رشقات من 10 إلى 250 طلقة .