من سجلات المخابرات الحربية المصرية : مهمة خلف خطوط العدو
كتبها / م . محمد عبد السميع
( الفصل الاول )
في صباح يوم 6 أكتوبر .. استدعى المقدم صلاح رئيس عمليات كتيبة الاستطلاع.. الملازم أول نصر . وعندما ذهب إليه في خيمة القيادة كلفه بالمهمة التي سيقوم بها فى نفس اليوم .
كانت مهمة الملازم أول نصر هي عملية استطلاع لقوات العدو ..بعد دفعه إلى عمق سيناء بواسطة الابرارالجوى بطائرة هليكوبتر فى منطقة ما ...خلف خطوط العدو وإسقاطه فى مكان ما بصحراء سيناء جنوب العريش هو ومجموعته المكونة من ضابط الصف فني الاتصالات ويدعى جنيدي والمجند المدرب على عمليات الاستطلاع ويدعى عادل .
ولنتوقف هنا قليلا لنتعرف على الشابين.. جنيدي كالمارد. يملك جسدا قويا متناسقا طويلا كالمارد .. قويا كالوحش.. ومع ذلك فهو فى غاية الطيبة والحنان .. لا يكره أحدا سوى عدوه وعدو بلاده, أما عادل فكان على نقيضه, جسمه صغير.. ماكر نوعا ما .. يملك روحا مرحة .. يتعامل بها مع زميله جنيدى وكان الاثنان يكملان بعضهما ...
ففي إحدى المرات ضغط عادل بمكره وخبثه على جنيدي فاغتاظ الأخير ، وامسك بزراعه ولواها قليلا .. فصرخ عادل متألما ،وعندما شاهده جنيدي على هذه الحالة دمعت عيناه ورتب عليه بحنان .
ونعود ألان إلى ماكنا نسرده .. فقد كان خط السير هو إسقاط نصر ومجموعته خلف خطوط العدو فى مكان ما بصحراء سيناء جنوب العريش ومن مكان الإسقاط هذا كان عليهم أن يترجلوا لمسافة خمسين كيلومترا سيرا على الأقدام ... إلى أن يصلوا للموقع المحدد الاستطلاع منه ..كان هذا الموقع احد المحاور المهمة للعدو .. وكان عليهم ان يمكثوا به مدة ستة ايام .. يقومون خلالها بلابلاغ عن عدد قوات العدو فى هذه المنطقه وتحركاته ونوعية معداته ودرجة استعداده .. ثم ينسحبون الى نقطة الالتقاط المحدده لتلتقطهم الهليكوبتر والعودة بهم .
وبعد ان لقن نصر بالمهمة التى سيقوم بها هو ومجموعة استطلاعه .. اجتمع بجنيدى وعادل .. ولقنهما بالمهمة التى حددها له القائد وطلب منهما الاستعداد مع آخر ضوء فى نفس اليوم وهو 6 اكتوبر.. وكما قلنا ان احد لم يعلم ان الحرب ستكون بعد اقل من ساعتين وقبيل الظهر كان نصر ومجموعته على أتم الاستعداد للقيام بالمهمة .. فقد كانوا بالشده الكاملة .. ومعهم جهاز الاسلكى والمعدات التى يجب ان تكون مع فرد الاستطلاع .. وهى فى الغالب ماتزن خمسون كيلوجراما يحملها فردالاستطلاع على ظهره.. وايضا كان مع كل منهم تعينه الذى يكفيه لمدة ستة ايام .. وتعين الفرد من الطعام لليوم الواحد 750 جرام من الماكولات المعبأة فى انابيب تشبه انابيب معجون الاسنان .. وزمزمية مياه للفرد فى اليوم .. وايضا كلا منهم تسليحا شخصيا محرم عليهم استخدامه مهما تكن الظروف .. فمجموعات الاستطلاع لاتقاتل بالسلاح .. بل تقاتل بالعقل والتمويه والخداع ودقة الملاحظه ودقة الاختفاء .. وسرعة البلاغ .
وبعد الظهر بقليل .. وصلت السيارة التى ستنقل نصر ومجموعته الى المطار ليستقلوا الهليكوبتر والتى سوف تقوم بعملية اسقاطهم خلف خطوط العدو ..
ووصلت بهم السيارة الى ارض المطار .. فقد كانت هناك مفاجأة .. فقد سمعوا وسمع كل من معهم اصواتا مرعبه كانت لموجات من الطائرات المقاتلة تمرق فى السماء فى اتجاه الشرق .. وهنا فقط علموا ان الحرب بدأت ...
ومع ذلك لم تلغ العملية بل اصبحت واجبة التنفيذ اكثر من ذى قبل .. وتوالت موجات طائراتنا الى الشرق وكان لابد ان تنطلق الهليكوبتر بالمجموعة فى موعدها فانطلقت بين الطائرات المتجهة الى الشرق وبينما كانت طائراتنا المقاتلة تناور لمهاجمة قوات العدو كانت الهليكوبترالتى تقل نصر ومجموعته .. تناور حتى لاتصاب بطلقات العدو من الارض .. الى ان اقتربت الى اقرب مكان من النقطة المحددة للابرار واسقاط نصر ومجموعته بها .
اسرع نصر بالهبوط من الطائرة ومعه جنيدى وعادل وزحفوا على الارض ليبتعدوا عن مجال دورات مروحة الهليكوبتر التى اقلعت واخذت طريقها للغرب كان الظلام قد حل .. ولكن اضواء الاشتباكات على ضفتى القناه كانت واضحة حيث كان نصر ومجموعته مختفين فى مكان ما .. ليراجع الخريطة التى يحملها .. فوجد نفسه فى مكان يبعد عن المكان الذى كان من المفروض ان يسقط فيه بحوالى عشرين كيلو مترا .. معنى ذلك ان نصر سيسير فرق المسافة مضافا اليها خمسين كيلوا التى كان مقررا اصلا انه سيترجلها ليصل الى نقطة الملاحظه والاستطلاع المحددة له فى العملية ..
وبذلك اصبح على نصر ورفاقه السير سبعين كيلومتر حاملا كلا منهم شدته التى تزن خمسين كيلوجراما .
لم تكن تلك هى المشكلة فافراد الاستطلاع مدربون على قوة التحمل لقطع المسافات الطويلة سيرا على الاقدام .. بل المشكلة ان هذا التحرك اصبح الآن تحت ظروف الحرب . وليس كما كان سابقا .. وظروف الحرب تختلف كثيرا عن ماقبل الحرب ومع ذلك بدأ نصر ورفاقه المشوار بعد ان حقق هدفه على الخريطه.. وقطع فى هذه الليلة العشرين كيلو الاولى حتى وصل الى تلك النقطه التى كان مقررا ان يسقط فيها .. وكان اول ضوء بدأ يظهر.. فعمل هو ومن معه بأدوات الحفر الصغيرة التى كانت ضمن حمولتهم . وحفروا اماكن تحت الارض ليختفوا فيها طوال نهار ذلك ذلك اليوم 7 اكتوبر .
من هذا المكان وفى ضوء النهار بدأ نصر يتعرف على المكان حوله ومقارنته على الطبيعة بما هو لديه فى الخريطه . وعندما قرأ نصرالارض حوله ، وهو فى مكان اختفائه وجد انه يجب أن يغير زاوية خط السير الموضوعة له على الخريطه وذلك من اجل ان يتحاشى قوات العدو التى من الممكن ان تكشفه هو ومجموعته .. وانقضى نهار يوم 7 اكتوبر ونصر ومجموعته فى الخنادق تحت الارض كل فى خندقه لايتحرك تقريبا حتى لايشاهده العدو الذى كان كثيرا مايمر بالقرب منهم ومن المحتمل ان تمر عرباتهم فوقهم لولا انهم كانو يختارون أماكن لو مر العدو بقربها فانه سيضطر للانحراف عنها فكانوا يسيرون بين مجموعة صخور او كودى عشب واعتقد انه لايستهان بان يقضى انسان او شاب فى عز حيويته مدة اثنتى عشرة ساعة من اول ضوء الى آخر ضوء فى حفرة تحت الارض بالكاد تكفى جسده وبدون حراك وفى صمت .. خاصه جنيدى فمن اجل جسده الضخم كان تعبه أكثر منهما لانه كان مضطر لان يحفر حفرة اكبربكثير من حفرتيهما ,, وايضا لم يدعه تلك(السوسة) عادل فى حاله .. فقد كان يسلى نفسه طوال النهار بمعاكسة جنيدى بالقاء الحصى الى حفرته .. كلما عرف انه نائم .. كل ذلك وهم مدفونون فى الحفر إلى أن انقضى النهار .. وحل آخر ضوء ..
وخرج الثلاثة نصر , وجنيدى , وعادل من حفرهم .. ثم استأنفوا السير على الزاوية الجديدة التى حددها نصر .. حيث قطعوا مسافة تقترب من الأربعين كيلومترا على مدى ثماني ساعات دون توقف أو راحة.. فقد كانو يسيرون بسرعة 5 كيلو متر فى الساعة لكى يتمكنوا من الوصول الى جبل معين موجود فى خط السير قبل حلول اول ضوء ..وبعد قطع هذه المسافة توقف نصر ومجموعته وبدأ يقرأ الارض حوله فى ظلام الليل .. فشاهد على بعد خمسة كيلو مترات شيئا ما اسود ضخم .. فعرف انه ذلك الجبل الذى يقصده ..
وكان هذا الجبل يقع فى منطقه تسمى ( تمادا ) ..وعلى حسب خط السير الموضوع اصلا كان المفروض ان يلتف ليصل الى حضن الجبل من الناحية الاخرى .. لاحظ نصر ان اول ضوء بدأ يقترب ..وحسب المسافه مع الزمن فوجد انه لو سار على خط السير , والتف حول الجبل لادركه اول ضوء.. فكان عليه ان يختصر الطريق ليكسب وقتا .. فقرر ان يسير فى خط مستقيم الى الجبل مباشرة .. وفعلا استأنف السير هو ومجموعته وعندما اقتربوا من الجبل اكتشف انه محاط بكردون من الاسلاك الشائكة .. فوجئ نصر بذلك السلك الشائك .. وأصبح عليه ان يتخذ قرارا من اثنين .. اما ان يلتف حول السلك الشائك ليصل الى المكان المقصود وفى ذلك مضيعة للوقت الذى اصبح عاملا مهما فقد اقترب ظهور اول ضوء .. وايضا فان اى التفاف حول السلك سيبعد المجموعه عن الجبل .. اما القرار الثانى فهو اختراق السلك مباشرة .. لم يكن امام نصر سوى الاختيار الثانى رغم مابه من مخاطرة .
اخترق نصر السلك الشائك , وسار بمجموعته فى خط مستقيم حتى وصل الى الجبل .. وهنا كان عليه اولا اخفاء اى آثار اقدام لهم .. فقام جنيدى وعادل بذلك بمساعدته .. حيث كان يتم باسلوب علمى متقن مدربين عليه .. حتى انهم كانوا يرتبون الظلط الذى تحرك من مكانه نتيجة دهس اقدامهم .. وذلك لان قصاصى الاثر يلاحظون بما يسمى درجة الاستضاءة .. ويكتشفون الاثر عن طريق اكتشاف اختلاف فى درجة الاستضاءة نتيجة تحرك الظلط من مكانه ومعنى درجة الاستضاءة هى ان كل نوع من الارض له انعكاساته فالارض الملساء درجة استضاءتها اكبر من الارض الخشنه .. فاذا نظر قصاص الاثر الى الارض ووجد انسجاما فى انعكاس الضوء او درجة استضاءته فان ذلك يدل على ان احدا داس تلك الارض.. وعليه كان على نصر ورجاله ان يعيدوا ترتيب حبات الظلط بعد المرور عليها تفاديا لترك مايسمى بدرجة الاستضاءة ولنا ان نتصور مدى صعوبة ذلك , ومدى الجهد الذى ان يبذل حتى لاتنكشف الجماعة للعدو .
خلع نصر الشده التى كان يحملها فوق ظهره وكان وزنها 50 كيلوجرام وبدأ السير الى الجبل .. ولكن بعد خطوات وجد نفسه فاقد الاحساس بنصفه السفلى كله .. وفجأة فقد اتزانه ووقع على الارض فأسرع اليه جنيدى وعادل .. وهما مفزوعان عليه .. وساعداه لينهض ووقف ثم سقط منهما مرة اخرى .. فطلب منهما ان يحضرا له الشده الخاصة به التى خلعها من على ظهره وطلب مساعدتيهما فى وضعها على ظهره مرة اخرى وربطها .. وبعد ان اتم ذلك .. حاول نصر النهوض فنهض .. حاول السير لعدة خطوات فلم يقع .
ان الدرس المستفاد مما قبله وممن دربوه افادته وقت الشدة .. فمن الدروس المستفادة من معلميه ومدربيه عرف نصر بعد تفكير سبب ماحدث له لقد سار مترجلا حاملا على ظهره حمولة 50 كيلو جرام كل تلك المسافه المقدرة ب 40 كيلو مترا .. فكان من الطبيعى عند نزعها ان يشعر بهذا الخلل فى الاتزان .. وعندما حملها مرة اخرى عاد الى اتزانه وبدا السير للبحث عن مكان للاختفاء فيه وكان مازال الظلام يسود المكان .
بحث نصر وجنيدى وعادل عن أى فجوة ليحاولوا الاختفاء فيها وشاهد جنيدى فى الظلام فجوة صغيرة فاقترب منها .. ففوجئ باندفاع شئ من داخلها وأصبح خارجها وفى مواجهته .. بهت جنيدى .. وبهت ايضا عادل ونصر .. وهما يشاهدان جنيدى يواجه هذا الذئب ..
ظلت المعركة بين جنيدى وذلك الذئب لمده خالها نصر وعادل كأنها الدهر .. كان فيها جنيدى يحاول ان يمسك الذئب من رقبته والذئب يعافر ليقضى عليه .. الى ان تمكن جنيدى من الرقبه وظل يقبض عليها بقوة وهو على الارض وجسم الذئب فوقه يتحرك بهستيرية ليخلص رقبته من تلك الضغطه المميته .. واخيرا ضعفت حركة جسم الذئب قليلا ثم سكنت تماما .. فقد قضى جنيدى على الذئب .
اسرع الاثنان الى جنيدى ليطمئنا عليه .. وحاولا مساعدته ليقوم .. ولكنه قفز ناهضا وهو يتشاجر مع عادل .. معاتبا له على التهور الذى كان سيقوم به باطلاق النار على الذئب .. فقد كان على حد تعبير جنيدى " كان هيوديهم فى داهيه " بعد ان يكتشف العدو مكانهما .. وانفعل عادل عليه .. وصرخ فيه يعنى الحق عليا أنى خفت عليك من الديب ..
وانفعل الاثنان على بعضهما بصوت وشوشه .. ثم فجأه توقفا واحتضنا بعضهما .. وأثناء احتضانهما لبعض .. خرج من تلك الفجوة شيئان صغيران يتحركان .. كانا ذئبين صغيرين.. هما ابنا أنثى الذئب التي قتلها جنيدي .. وصارا يلعقان جثة أمهما ..ويحاولان الوصول إلى ثديها للرضاعة .. وكان الثلاثة ينظرون إلى هذا المشهد وفجأة انهار جنيدي حزينا .. فقد صعب عليه الذئبين الصغيرين الذي تسبب في يتمهما .. ولم يتوقف حزنه الا بعد ان سمح له نصر باخذهما معه ورعايته لهما قدر المستطاع ..
امر نصر جنيدى ان يوارى جسد الذئب القتيل التراب بعد حفر حفرة له ..وفعلا قام بذلك وحمل الصغيرين كطفلين معه.. وساروا يبحثون عن مكان للاختفاء .. فعثروا على صخرة فى الجبل ترتفع عن الارض بمقدار 20 سم فبدأ نصر ورفاقه فى ازالة بعض الرمال بواسطة جاروف صغير معهم بجوار هذه الصخرة الى ان اصبح هناك مكان يستطيع ان يدخل فيه الثلاثه منبطحين على بطونهم تحت هذه الصخرة قبل سطوع اول ضوء ..
كان الثلاثه قد وصلوا الى اقصى درجه من الارهاق .. فما كادوا ينبطحون ارضا على وجوههم الا وقد غلبهم النعاس عدا جنيدى لم يستسلم للنوم الابعد ان اطعم طفليه ببعض طعامه ومائه.. ثم استسلم للنوم ومعه الذئبين الصغيرين ... ذهب الثلاثة فى نوم عميق ولم يوقظهم منه سوى اشعة شمس اول النهار التى سقطت عليهم .. وعندما فتح نصر عينه كانت المفاجأة المفزعة ...
وقع نظر نصر عندما استيقظ على شدة ميدان عسكريه على بعد امتار من الصخرة التى هم تحتها فأيقظ عادل وجنيدى .. فقد اعتقد لاول وهلة ان احدهما خلع شدته ووضعها فى هذا المكان .. وكان فزعه انها ظاهرة بعد ان سقط ضوء النهار . ولكن اتضح انها لاتخص احدا منهما .. وبعد ان زحف نصر بهدوء واقترب منها اتضح انها شدة عسكرية لجندى اسرائيلى وبسبب الظلام لم يشاهدها احدهم عندما وصلوا لهذا المكان .. وهنا بدأ نصر ينظر حوله لمعاينة المكان وللتعرف عليه فى ضوء النهار .. بدأ ينظر فى بانوراما .. وفى لحظات تعرف على المكان وكانت المفاجأة .. لقد وجد نصر نفسه فى وسط قلب معسكر لواء مدرع اسرائيلى ..
فسر نصر سريعا ماحدث .. فعند اختراقه للسلك الشائك كان هذا الاختراق من ناحية ارض التدريب الخاصة بهذا المعسكر .. اما تلك الصخرة التى هم تحتها فقد اتضح له بعد الرؤيا النهارية انها كانت من بروز الجبل المطل على أرض المعسكر نفسه.. وباختصار فقد اصبحت مجموعة استطلاعنا بافرادها الثلاثة فى احشاء العدو من الداخل ..
ومن مكانه استطاع نصر أن يميز الدبابات في خنادقها مغطاه بالشباك فبدأ يقوم بعدها واتضح انها لواء مدرع بالكامل ..وكانت تلك اول معلومة ثمينة يحصل عليها من هذا المكان .. واستكمل نصر البانوراما .. فشاهد من الجانب الآخر مطارا لطائرات العدو .. ايضا وجد ان مكانه هذا يشرف على ثلاثة محاور محورا رئيسيان ومحور عرضى يصل بينهما ..
والمحور هو الطريق الرئيسى الذى تتحرك عليه الآليات .. وكانت هذه المحاور تصل الى عمق الاراضى الفلسطينية المحتلة وتعبر سيناء الى قناة السويس .. وكان العدو يتحرك على هذه المحاور ليدفع بقواته الى ارض القتال بالقرب من القناه .. عندما استكمل نصر معاينته للمنطقة .. كان لابد من الابلاغ عن ذلك الكنز الثمين من المعلومات
هنا وجد نصر نفسه فى مأزق .. فلكى يبلغ عن تلك المعلومات فانه يجب ان يستخدم جهاز اللاسيلكى الذى معه .. ولكى يستخدم الجهاز فانه لابد ان يفرد الهوائى الخاص به .. ولكى يقوم بذلك لابد ان يتقدم للامام خارج الصخرة المختقى فيها لمسافة 15 مترا على الاقل .. واذا فعل ذلك فانه من المؤكد ان العدو سوف يرى هذا الهوائى .. وبالتالى يكشف امرهم .
وبسرعة وبلا تردد فكر نصر .. انه مكلف بمهمة وعليه ان يؤديها وهاهو صيد ثمين امامه اذا تركه سيشكل قوة ضاربه للعدو تهدد قواتنا بعد دفعه الى خط القتال اذن فلابد من الابلاغ عنه فورا .. ايضا ماشجعه على اتخاذ قراره انه موجود حاليا فى مكان الخطورة فيه اكثر من الامان.. فهو بداخل فم العدو .. واحتمال كشف العدو له ولمجموعته اكبر بكثير من عدم كشفهم .. فالكشف وارد أكثر .. والنهاية شبه مؤكدة فيجب أن يستفيد بالإبلاغ عن ذلك الكنز من المعلومات . فتدمير ذلك اللواء المدرع يعتبر ثمنا مناسبا لارواحهم الثلاثة .. وكان عليه ان يغامر .. وعليه ان تكون المغامرة محسوبه ..
وبدأ نصر .. امسك ببكرة سلك الهوائى وزحف بها على الارض خارج مخبأه لمسافة 15 مترا وأصبح فى المكان المكشوف للعدو .. وبدأ يفرد السلك بحيث يصبح طرفا منه فى اتجاه الشمال وغرزه فى الارض .. وزحف بالطرف الآخر فى اتجاه الجنوب وغرزه فى الارض .. وعاد زاحفا فى داخل الحفرة . . قام نصر باخراج بلوك نوت صغير وقلم من داخل شدته وقام بصياغة المعلومات التى شاهدها بدقه وباختصار .. وسلم هذا التقرير للعريف جنيدى فنى الاتصال والذى كان منهمكا فى ارضاع طفليه كما كان يطلق عليهما عادل ...
وترك جنيدي الذئبين الصغيرين وامسك جداول الكود واختار الشفرة وشفرة المعلومات .. وانطلقت تلك الرسالة المشفرة حاملة تقرير معلومات كاملا ومفصلا عن ذلك الكنز الثمين إلى القيادة... واطمأن نصر على وصول رسالته من رد القيادة عليه بالاستلام ..
بعد ذلك .. بدأ نصر تجهيز المكان من ناحية دقة الاختفاء.. فقد قرر التمركز فى هذا الموقع الحيوى الممتلئ بالمعلومات المتجددة فهو يعتبر منطقة تجمع لقوات العدو والانطلاق منها الى الجبهه للقتال .
بعد ظهر ذلك اليوم .. بدأت الدبابات تدير محركاتها للتسخين استعدادا للتحرك للجبهه وبعد ان اصطفت فى قول متحرك .. اذا بنصر وافراده يسمعون اصواتا مرعبه .. وعندما نظروا الى السماء شاهدوا طائراتنا تناور فوق الموقع وانقضت احداها على اول مدرعة فى القول .. وفى نفس اللحظه كانت اخرى تنقض على آخر مدرعة فى القول ..
وبعد ذلك بدأت طائراتنا تناور وترشق مدرعة وأخرى بالصواريخ.. وحدث هرج ومرج فى الموقع وصارت الدبابات تهرب من الضرب بشكل عشوائى لدرجة انها كانت تصطدم ببعضها .. وظهر ارتباك العدو جليا لنصر ومجموعته حيث كان يوالى الاتصال بقيادته لابلاغهم بنجاح الضربه ..
وماكانت تبتعد هذه الموجه من طائراتنا .. الا ولحقت بها موجه اخرى ركزت ضربتها على مخازن الذخيرة ومنطقة الشئون الادارية..
كان نصر يبلغ القيادة اولا باول بنجاح الضرب ويوجهها الى اهداف اخرى ..وكانت الاتصالات سريعة وكثيرة فارسلت له القيادة امرا له بعدم استخدام الكود والشفرة ولتصبح الاتصالات والرسائل مفتوحة .. وذلك لانجاز السرعة فى تبادل الاشارات اكتفت طائراتنا بما قامت به وعادت الى قواعدها ..
وبدأ العدو يجمع اشلاءه من الافراد وخسائرة من المعدات .. ودخل ماتبقى من الدبابات الى خنادق اخفائها واسدلت عليها الستائر .. وكان نصر ورفاقه سعداء برؤيتهم لسيارات الاطفاء وسيارات الاسعاف وهى تخلى القتلى والجرحى من افراد العدو.
ظن نصر انه وجماعته قد انتهوا من المهمه التى كلفوا بها باسرع مما قدر لها وهى مدة سته ايام .. فقد اعتقد انه ارسل الى هذا الموقع لذلك الواجب فقط وعندما مر يوم آخر ولم تصله اشارة الانسحاب والتحرك الى الموقع الذى سيلتقطون منه.. ارسل هو اشارة متسائلا .. وكان رد القيادة ان ينتظر ويتابع تصرفات العدو فى ذلك المعسكر وتلك المنطقه.. وانتظر نصر وعرف بعد ذلك ان القيادة كانت لها مبررها فى تاخير عودتهم .. فقد بدأ العدو بنشاط غريب فى اعادة تجهيز المعسكر واصلاح مادمر منه .. وفكر نصر فوجد العدو لن يستغنى فعلا عن هذا الموقع الحيوى فهو متصل بثلاثة محاور للحركة وملحق به مطار يستخدمه فى طلعاته وابلغ نصر بما يشاهده .. وظل متصلا بالقيادة الى ان انتهى العدو من اعادة تجهيز الموقع . فأبلغ بذلك.. وبعد ظهر نفس اليوم شاهد نصر تحركات نشيطة للعدو . ثم شاهد المدرعات وهى تخرج من اماكن اختفائها وتصطف فى أرض المعسكر استعدادا للحركة .. فأبلغ فورا بالوضع
وفجأة سمع صوت طائرات فى الجو فشاهد محاولة الدبابات الهروب بسرعة وتفزع من ارض المعسكر الى خنادقها .. ومن الذعر صارت ايضا تصطدم ببعها البعض . ومرت الطائرات ولم يحدث شيئ .. فقد اتضح ان هذه الطائرات للعدو
ويبدوا ان العدو اكتشف ان خوفه ليس له مبرر فالطائرات التى مرت كانت طائراته فعادت وخرجت مدرعاته مرة اخرى من مخابئها .. واصطفت فى قول للتحرك .. وهنا سمع صوت طيران وهذه المرة لم يفزع العدو ولم تتحرك مدرعاته من ارض المعسكر فقد اعتقد انها طائراته ايضا .. وفجأة اشتعلت النيران فى الدبابات فقد كانت الطائرات مصرية هاجمت اللواء واحدثت فيه الذعر مرة اخرى وكانت الضحايا كثير .
فظن العدو ان احدا يتجسس على تلك المنطقه.. فخرجت مجموعات منه لتنشيط المنطقه المحيطة بالمعسكر ...
يتبع
كتبها / م . محمد عبد السميع
( الفصل الاول )
في صباح يوم 6 أكتوبر .. استدعى المقدم صلاح رئيس عمليات كتيبة الاستطلاع.. الملازم أول نصر . وعندما ذهب إليه في خيمة القيادة كلفه بالمهمة التي سيقوم بها فى نفس اليوم .
كانت مهمة الملازم أول نصر هي عملية استطلاع لقوات العدو ..بعد دفعه إلى عمق سيناء بواسطة الابرارالجوى بطائرة هليكوبتر فى منطقة ما ...خلف خطوط العدو وإسقاطه فى مكان ما بصحراء سيناء جنوب العريش هو ومجموعته المكونة من ضابط الصف فني الاتصالات ويدعى جنيدي والمجند المدرب على عمليات الاستطلاع ويدعى عادل .
ولنتوقف هنا قليلا لنتعرف على الشابين.. جنيدي كالمارد. يملك جسدا قويا متناسقا طويلا كالمارد .. قويا كالوحش.. ومع ذلك فهو فى غاية الطيبة والحنان .. لا يكره أحدا سوى عدوه وعدو بلاده, أما عادل فكان على نقيضه, جسمه صغير.. ماكر نوعا ما .. يملك روحا مرحة .. يتعامل بها مع زميله جنيدى وكان الاثنان يكملان بعضهما ...
ففي إحدى المرات ضغط عادل بمكره وخبثه على جنيدي فاغتاظ الأخير ، وامسك بزراعه ولواها قليلا .. فصرخ عادل متألما ،وعندما شاهده جنيدي على هذه الحالة دمعت عيناه ورتب عليه بحنان .
ونعود ألان إلى ماكنا نسرده .. فقد كان خط السير هو إسقاط نصر ومجموعته خلف خطوط العدو فى مكان ما بصحراء سيناء جنوب العريش ومن مكان الإسقاط هذا كان عليهم أن يترجلوا لمسافة خمسين كيلومترا سيرا على الأقدام ... إلى أن يصلوا للموقع المحدد الاستطلاع منه ..كان هذا الموقع احد المحاور المهمة للعدو .. وكان عليهم ان يمكثوا به مدة ستة ايام .. يقومون خلالها بلابلاغ عن عدد قوات العدو فى هذه المنطقه وتحركاته ونوعية معداته ودرجة استعداده .. ثم ينسحبون الى نقطة الالتقاط المحدده لتلتقطهم الهليكوبتر والعودة بهم .
وبعد ان لقن نصر بالمهمة التى سيقوم بها هو ومجموعة استطلاعه .. اجتمع بجنيدى وعادل .. ولقنهما بالمهمة التى حددها له القائد وطلب منهما الاستعداد مع آخر ضوء فى نفس اليوم وهو 6 اكتوبر.. وكما قلنا ان احد لم يعلم ان الحرب ستكون بعد اقل من ساعتين وقبيل الظهر كان نصر ومجموعته على أتم الاستعداد للقيام بالمهمة .. فقد كانوا بالشده الكاملة .. ومعهم جهاز الاسلكى والمعدات التى يجب ان تكون مع فرد الاستطلاع .. وهى فى الغالب ماتزن خمسون كيلوجراما يحملها فردالاستطلاع على ظهره.. وايضا كان مع كل منهم تعينه الذى يكفيه لمدة ستة ايام .. وتعين الفرد من الطعام لليوم الواحد 750 جرام من الماكولات المعبأة فى انابيب تشبه انابيب معجون الاسنان .. وزمزمية مياه للفرد فى اليوم .. وايضا كلا منهم تسليحا شخصيا محرم عليهم استخدامه مهما تكن الظروف .. فمجموعات الاستطلاع لاتقاتل بالسلاح .. بل تقاتل بالعقل والتمويه والخداع ودقة الملاحظه ودقة الاختفاء .. وسرعة البلاغ .
وبعد الظهر بقليل .. وصلت السيارة التى ستنقل نصر ومجموعته الى المطار ليستقلوا الهليكوبتر والتى سوف تقوم بعملية اسقاطهم خلف خطوط العدو ..
ووصلت بهم السيارة الى ارض المطار .. فقد كانت هناك مفاجأة .. فقد سمعوا وسمع كل من معهم اصواتا مرعبه كانت لموجات من الطائرات المقاتلة تمرق فى السماء فى اتجاه الشرق .. وهنا فقط علموا ان الحرب بدأت ...
ومع ذلك لم تلغ العملية بل اصبحت واجبة التنفيذ اكثر من ذى قبل .. وتوالت موجات طائراتنا الى الشرق وكان لابد ان تنطلق الهليكوبتر بالمجموعة فى موعدها فانطلقت بين الطائرات المتجهة الى الشرق وبينما كانت طائراتنا المقاتلة تناور لمهاجمة قوات العدو كانت الهليكوبترالتى تقل نصر ومجموعته .. تناور حتى لاتصاب بطلقات العدو من الارض .. الى ان اقتربت الى اقرب مكان من النقطة المحددة للابرار واسقاط نصر ومجموعته بها .
اسرع نصر بالهبوط من الطائرة ومعه جنيدى وعادل وزحفوا على الارض ليبتعدوا عن مجال دورات مروحة الهليكوبتر التى اقلعت واخذت طريقها للغرب كان الظلام قد حل .. ولكن اضواء الاشتباكات على ضفتى القناه كانت واضحة حيث كان نصر ومجموعته مختفين فى مكان ما .. ليراجع الخريطة التى يحملها .. فوجد نفسه فى مكان يبعد عن المكان الذى كان من المفروض ان يسقط فيه بحوالى عشرين كيلو مترا .. معنى ذلك ان نصر سيسير فرق المسافة مضافا اليها خمسين كيلوا التى كان مقررا اصلا انه سيترجلها ليصل الى نقطة الملاحظه والاستطلاع المحددة له فى العملية ..
وبذلك اصبح على نصر ورفاقه السير سبعين كيلومتر حاملا كلا منهم شدته التى تزن خمسين كيلوجراما .
لم تكن تلك هى المشكلة فافراد الاستطلاع مدربون على قوة التحمل لقطع المسافات الطويلة سيرا على الاقدام .. بل المشكلة ان هذا التحرك اصبح الآن تحت ظروف الحرب . وليس كما كان سابقا .. وظروف الحرب تختلف كثيرا عن ماقبل الحرب ومع ذلك بدأ نصر ورفاقه المشوار بعد ان حقق هدفه على الخريطه.. وقطع فى هذه الليلة العشرين كيلو الاولى حتى وصل الى تلك النقطه التى كان مقررا ان يسقط فيها .. وكان اول ضوء بدأ يظهر.. فعمل هو ومن معه بأدوات الحفر الصغيرة التى كانت ضمن حمولتهم . وحفروا اماكن تحت الارض ليختفوا فيها طوال نهار ذلك ذلك اليوم 7 اكتوبر .
من هذا المكان وفى ضوء النهار بدأ نصر يتعرف على المكان حوله ومقارنته على الطبيعة بما هو لديه فى الخريطه . وعندما قرأ نصرالارض حوله ، وهو فى مكان اختفائه وجد انه يجب أن يغير زاوية خط السير الموضوعة له على الخريطه وذلك من اجل ان يتحاشى قوات العدو التى من الممكن ان تكشفه هو ومجموعته .. وانقضى نهار يوم 7 اكتوبر ونصر ومجموعته فى الخنادق تحت الارض كل فى خندقه لايتحرك تقريبا حتى لايشاهده العدو الذى كان كثيرا مايمر بالقرب منهم ومن المحتمل ان تمر عرباتهم فوقهم لولا انهم كانو يختارون أماكن لو مر العدو بقربها فانه سيضطر للانحراف عنها فكانوا يسيرون بين مجموعة صخور او كودى عشب واعتقد انه لايستهان بان يقضى انسان او شاب فى عز حيويته مدة اثنتى عشرة ساعة من اول ضوء الى آخر ضوء فى حفرة تحت الارض بالكاد تكفى جسده وبدون حراك وفى صمت .. خاصه جنيدى فمن اجل جسده الضخم كان تعبه أكثر منهما لانه كان مضطر لان يحفر حفرة اكبربكثير من حفرتيهما ,, وايضا لم يدعه تلك(السوسة) عادل فى حاله .. فقد كان يسلى نفسه طوال النهار بمعاكسة جنيدى بالقاء الحصى الى حفرته .. كلما عرف انه نائم .. كل ذلك وهم مدفونون فى الحفر إلى أن انقضى النهار .. وحل آخر ضوء ..
وخرج الثلاثة نصر , وجنيدى , وعادل من حفرهم .. ثم استأنفوا السير على الزاوية الجديدة التى حددها نصر .. حيث قطعوا مسافة تقترب من الأربعين كيلومترا على مدى ثماني ساعات دون توقف أو راحة.. فقد كانو يسيرون بسرعة 5 كيلو متر فى الساعة لكى يتمكنوا من الوصول الى جبل معين موجود فى خط السير قبل حلول اول ضوء ..وبعد قطع هذه المسافة توقف نصر ومجموعته وبدأ يقرأ الارض حوله فى ظلام الليل .. فشاهد على بعد خمسة كيلو مترات شيئا ما اسود ضخم .. فعرف انه ذلك الجبل الذى يقصده ..
وكان هذا الجبل يقع فى منطقه تسمى ( تمادا ) ..وعلى حسب خط السير الموضوع اصلا كان المفروض ان يلتف ليصل الى حضن الجبل من الناحية الاخرى .. لاحظ نصر ان اول ضوء بدأ يقترب ..وحسب المسافه مع الزمن فوجد انه لو سار على خط السير , والتف حول الجبل لادركه اول ضوء.. فكان عليه ان يختصر الطريق ليكسب وقتا .. فقرر ان يسير فى خط مستقيم الى الجبل مباشرة .. وفعلا استأنف السير هو ومجموعته وعندما اقتربوا من الجبل اكتشف انه محاط بكردون من الاسلاك الشائكة .. فوجئ نصر بذلك السلك الشائك .. وأصبح عليه ان يتخذ قرارا من اثنين .. اما ان يلتف حول السلك الشائك ليصل الى المكان المقصود وفى ذلك مضيعة للوقت الذى اصبح عاملا مهما فقد اقترب ظهور اول ضوء .. وايضا فان اى التفاف حول السلك سيبعد المجموعه عن الجبل .. اما القرار الثانى فهو اختراق السلك مباشرة .. لم يكن امام نصر سوى الاختيار الثانى رغم مابه من مخاطرة .
اخترق نصر السلك الشائك , وسار بمجموعته فى خط مستقيم حتى وصل الى الجبل .. وهنا كان عليه اولا اخفاء اى آثار اقدام لهم .. فقام جنيدى وعادل بذلك بمساعدته .. حيث كان يتم باسلوب علمى متقن مدربين عليه .. حتى انهم كانوا يرتبون الظلط الذى تحرك من مكانه نتيجة دهس اقدامهم .. وذلك لان قصاصى الاثر يلاحظون بما يسمى درجة الاستضاءة .. ويكتشفون الاثر عن طريق اكتشاف اختلاف فى درجة الاستضاءة نتيجة تحرك الظلط من مكانه ومعنى درجة الاستضاءة هى ان كل نوع من الارض له انعكاساته فالارض الملساء درجة استضاءتها اكبر من الارض الخشنه .. فاذا نظر قصاص الاثر الى الارض ووجد انسجاما فى انعكاس الضوء او درجة استضاءته فان ذلك يدل على ان احدا داس تلك الارض.. وعليه كان على نصر ورجاله ان يعيدوا ترتيب حبات الظلط بعد المرور عليها تفاديا لترك مايسمى بدرجة الاستضاءة ولنا ان نتصور مدى صعوبة ذلك , ومدى الجهد الذى ان يبذل حتى لاتنكشف الجماعة للعدو .
خلع نصر الشده التى كان يحملها فوق ظهره وكان وزنها 50 كيلوجرام وبدأ السير الى الجبل .. ولكن بعد خطوات وجد نفسه فاقد الاحساس بنصفه السفلى كله .. وفجأة فقد اتزانه ووقع على الارض فأسرع اليه جنيدى وعادل .. وهما مفزوعان عليه .. وساعداه لينهض ووقف ثم سقط منهما مرة اخرى .. فطلب منهما ان يحضرا له الشده الخاصة به التى خلعها من على ظهره وطلب مساعدتيهما فى وضعها على ظهره مرة اخرى وربطها .. وبعد ان اتم ذلك .. حاول نصر النهوض فنهض .. حاول السير لعدة خطوات فلم يقع .
ان الدرس المستفاد مما قبله وممن دربوه افادته وقت الشدة .. فمن الدروس المستفادة من معلميه ومدربيه عرف نصر بعد تفكير سبب ماحدث له لقد سار مترجلا حاملا على ظهره حمولة 50 كيلو جرام كل تلك المسافه المقدرة ب 40 كيلو مترا .. فكان من الطبيعى عند نزعها ان يشعر بهذا الخلل فى الاتزان .. وعندما حملها مرة اخرى عاد الى اتزانه وبدا السير للبحث عن مكان للاختفاء فيه وكان مازال الظلام يسود المكان .
بحث نصر وجنيدى وعادل عن أى فجوة ليحاولوا الاختفاء فيها وشاهد جنيدى فى الظلام فجوة صغيرة فاقترب منها .. ففوجئ باندفاع شئ من داخلها وأصبح خارجها وفى مواجهته .. بهت جنيدى .. وبهت ايضا عادل ونصر .. وهما يشاهدان جنيدى يواجه هذا الذئب ..
ظلت المعركة بين جنيدى وذلك الذئب لمده خالها نصر وعادل كأنها الدهر .. كان فيها جنيدى يحاول ان يمسك الذئب من رقبته والذئب يعافر ليقضى عليه .. الى ان تمكن جنيدى من الرقبه وظل يقبض عليها بقوة وهو على الارض وجسم الذئب فوقه يتحرك بهستيرية ليخلص رقبته من تلك الضغطه المميته .. واخيرا ضعفت حركة جسم الذئب قليلا ثم سكنت تماما .. فقد قضى جنيدى على الذئب .
اسرع الاثنان الى جنيدى ليطمئنا عليه .. وحاولا مساعدته ليقوم .. ولكنه قفز ناهضا وهو يتشاجر مع عادل .. معاتبا له على التهور الذى كان سيقوم به باطلاق النار على الذئب .. فقد كان على حد تعبير جنيدى " كان هيوديهم فى داهيه " بعد ان يكتشف العدو مكانهما .. وانفعل عادل عليه .. وصرخ فيه يعنى الحق عليا أنى خفت عليك من الديب ..
وانفعل الاثنان على بعضهما بصوت وشوشه .. ثم فجأه توقفا واحتضنا بعضهما .. وأثناء احتضانهما لبعض .. خرج من تلك الفجوة شيئان صغيران يتحركان .. كانا ذئبين صغيرين.. هما ابنا أنثى الذئب التي قتلها جنيدي .. وصارا يلعقان جثة أمهما ..ويحاولان الوصول إلى ثديها للرضاعة .. وكان الثلاثة ينظرون إلى هذا المشهد وفجأة انهار جنيدي حزينا .. فقد صعب عليه الذئبين الصغيرين الذي تسبب في يتمهما .. ولم يتوقف حزنه الا بعد ان سمح له نصر باخذهما معه ورعايته لهما قدر المستطاع ..
امر نصر جنيدى ان يوارى جسد الذئب القتيل التراب بعد حفر حفرة له ..وفعلا قام بذلك وحمل الصغيرين كطفلين معه.. وساروا يبحثون عن مكان للاختفاء .. فعثروا على صخرة فى الجبل ترتفع عن الارض بمقدار 20 سم فبدأ نصر ورفاقه فى ازالة بعض الرمال بواسطة جاروف صغير معهم بجوار هذه الصخرة الى ان اصبح هناك مكان يستطيع ان يدخل فيه الثلاثه منبطحين على بطونهم تحت هذه الصخرة قبل سطوع اول ضوء ..
كان الثلاثه قد وصلوا الى اقصى درجه من الارهاق .. فما كادوا ينبطحون ارضا على وجوههم الا وقد غلبهم النعاس عدا جنيدى لم يستسلم للنوم الابعد ان اطعم طفليه ببعض طعامه ومائه.. ثم استسلم للنوم ومعه الذئبين الصغيرين ... ذهب الثلاثة فى نوم عميق ولم يوقظهم منه سوى اشعة شمس اول النهار التى سقطت عليهم .. وعندما فتح نصر عينه كانت المفاجأة المفزعة ...
وقع نظر نصر عندما استيقظ على شدة ميدان عسكريه على بعد امتار من الصخرة التى هم تحتها فأيقظ عادل وجنيدى .. فقد اعتقد لاول وهلة ان احدهما خلع شدته ووضعها فى هذا المكان .. وكان فزعه انها ظاهرة بعد ان سقط ضوء النهار . ولكن اتضح انها لاتخص احدا منهما .. وبعد ان زحف نصر بهدوء واقترب منها اتضح انها شدة عسكرية لجندى اسرائيلى وبسبب الظلام لم يشاهدها احدهم عندما وصلوا لهذا المكان .. وهنا بدأ نصر ينظر حوله لمعاينة المكان وللتعرف عليه فى ضوء النهار .. بدأ ينظر فى بانوراما .. وفى لحظات تعرف على المكان وكانت المفاجأة .. لقد وجد نصر نفسه فى وسط قلب معسكر لواء مدرع اسرائيلى ..
فسر نصر سريعا ماحدث .. فعند اختراقه للسلك الشائك كان هذا الاختراق من ناحية ارض التدريب الخاصة بهذا المعسكر .. اما تلك الصخرة التى هم تحتها فقد اتضح له بعد الرؤيا النهارية انها كانت من بروز الجبل المطل على أرض المعسكر نفسه.. وباختصار فقد اصبحت مجموعة استطلاعنا بافرادها الثلاثة فى احشاء العدو من الداخل ..
ومن مكانه استطاع نصر أن يميز الدبابات في خنادقها مغطاه بالشباك فبدأ يقوم بعدها واتضح انها لواء مدرع بالكامل ..وكانت تلك اول معلومة ثمينة يحصل عليها من هذا المكان .. واستكمل نصر البانوراما .. فشاهد من الجانب الآخر مطارا لطائرات العدو .. ايضا وجد ان مكانه هذا يشرف على ثلاثة محاور محورا رئيسيان ومحور عرضى يصل بينهما ..
والمحور هو الطريق الرئيسى الذى تتحرك عليه الآليات .. وكانت هذه المحاور تصل الى عمق الاراضى الفلسطينية المحتلة وتعبر سيناء الى قناة السويس .. وكان العدو يتحرك على هذه المحاور ليدفع بقواته الى ارض القتال بالقرب من القناه .. عندما استكمل نصر معاينته للمنطقة .. كان لابد من الابلاغ عن ذلك الكنز الثمين من المعلومات
هنا وجد نصر نفسه فى مأزق .. فلكى يبلغ عن تلك المعلومات فانه يجب ان يستخدم جهاز اللاسيلكى الذى معه .. ولكى يستخدم الجهاز فانه لابد ان يفرد الهوائى الخاص به .. ولكى يقوم بذلك لابد ان يتقدم للامام خارج الصخرة المختقى فيها لمسافة 15 مترا على الاقل .. واذا فعل ذلك فانه من المؤكد ان العدو سوف يرى هذا الهوائى .. وبالتالى يكشف امرهم .
وبسرعة وبلا تردد فكر نصر .. انه مكلف بمهمة وعليه ان يؤديها وهاهو صيد ثمين امامه اذا تركه سيشكل قوة ضاربه للعدو تهدد قواتنا بعد دفعه الى خط القتال اذن فلابد من الابلاغ عنه فورا .. ايضا ماشجعه على اتخاذ قراره انه موجود حاليا فى مكان الخطورة فيه اكثر من الامان.. فهو بداخل فم العدو .. واحتمال كشف العدو له ولمجموعته اكبر بكثير من عدم كشفهم .. فالكشف وارد أكثر .. والنهاية شبه مؤكدة فيجب أن يستفيد بالإبلاغ عن ذلك الكنز من المعلومات . فتدمير ذلك اللواء المدرع يعتبر ثمنا مناسبا لارواحهم الثلاثة .. وكان عليه ان يغامر .. وعليه ان تكون المغامرة محسوبه ..
وبدأ نصر .. امسك ببكرة سلك الهوائى وزحف بها على الارض خارج مخبأه لمسافة 15 مترا وأصبح فى المكان المكشوف للعدو .. وبدأ يفرد السلك بحيث يصبح طرفا منه فى اتجاه الشمال وغرزه فى الارض .. وزحف بالطرف الآخر فى اتجاه الجنوب وغرزه فى الارض .. وعاد زاحفا فى داخل الحفرة . . قام نصر باخراج بلوك نوت صغير وقلم من داخل شدته وقام بصياغة المعلومات التى شاهدها بدقه وباختصار .. وسلم هذا التقرير للعريف جنيدى فنى الاتصال والذى كان منهمكا فى ارضاع طفليه كما كان يطلق عليهما عادل ...
وترك جنيدي الذئبين الصغيرين وامسك جداول الكود واختار الشفرة وشفرة المعلومات .. وانطلقت تلك الرسالة المشفرة حاملة تقرير معلومات كاملا ومفصلا عن ذلك الكنز الثمين إلى القيادة... واطمأن نصر على وصول رسالته من رد القيادة عليه بالاستلام ..
بعد ذلك .. بدأ نصر تجهيز المكان من ناحية دقة الاختفاء.. فقد قرر التمركز فى هذا الموقع الحيوى الممتلئ بالمعلومات المتجددة فهو يعتبر منطقة تجمع لقوات العدو والانطلاق منها الى الجبهه للقتال .
بعد ظهر ذلك اليوم .. بدأت الدبابات تدير محركاتها للتسخين استعدادا للتحرك للجبهه وبعد ان اصطفت فى قول متحرك .. اذا بنصر وافراده يسمعون اصواتا مرعبه .. وعندما نظروا الى السماء شاهدوا طائراتنا تناور فوق الموقع وانقضت احداها على اول مدرعة فى القول .. وفى نفس اللحظه كانت اخرى تنقض على آخر مدرعة فى القول ..
وبعد ذلك بدأت طائراتنا تناور وترشق مدرعة وأخرى بالصواريخ.. وحدث هرج ومرج فى الموقع وصارت الدبابات تهرب من الضرب بشكل عشوائى لدرجة انها كانت تصطدم ببعضها .. وظهر ارتباك العدو جليا لنصر ومجموعته حيث كان يوالى الاتصال بقيادته لابلاغهم بنجاح الضربه ..
وماكانت تبتعد هذه الموجه من طائراتنا .. الا ولحقت بها موجه اخرى ركزت ضربتها على مخازن الذخيرة ومنطقة الشئون الادارية..
كان نصر يبلغ القيادة اولا باول بنجاح الضرب ويوجهها الى اهداف اخرى ..وكانت الاتصالات سريعة وكثيرة فارسلت له القيادة امرا له بعدم استخدام الكود والشفرة ولتصبح الاتصالات والرسائل مفتوحة .. وذلك لانجاز السرعة فى تبادل الاشارات اكتفت طائراتنا بما قامت به وعادت الى قواعدها ..
وبدأ العدو يجمع اشلاءه من الافراد وخسائرة من المعدات .. ودخل ماتبقى من الدبابات الى خنادق اخفائها واسدلت عليها الستائر .. وكان نصر ورفاقه سعداء برؤيتهم لسيارات الاطفاء وسيارات الاسعاف وهى تخلى القتلى والجرحى من افراد العدو.
ظن نصر انه وجماعته قد انتهوا من المهمه التى كلفوا بها باسرع مما قدر لها وهى مدة سته ايام .. فقد اعتقد انه ارسل الى هذا الموقع لذلك الواجب فقط وعندما مر يوم آخر ولم تصله اشارة الانسحاب والتحرك الى الموقع الذى سيلتقطون منه.. ارسل هو اشارة متسائلا .. وكان رد القيادة ان ينتظر ويتابع تصرفات العدو فى ذلك المعسكر وتلك المنطقه.. وانتظر نصر وعرف بعد ذلك ان القيادة كانت لها مبررها فى تاخير عودتهم .. فقد بدأ العدو بنشاط غريب فى اعادة تجهيز المعسكر واصلاح مادمر منه .. وفكر نصر فوجد العدو لن يستغنى فعلا عن هذا الموقع الحيوى فهو متصل بثلاثة محاور للحركة وملحق به مطار يستخدمه فى طلعاته وابلغ نصر بما يشاهده .. وظل متصلا بالقيادة الى ان انتهى العدو من اعادة تجهيز الموقع . فأبلغ بذلك.. وبعد ظهر نفس اليوم شاهد نصر تحركات نشيطة للعدو . ثم شاهد المدرعات وهى تخرج من اماكن اختفائها وتصطف فى أرض المعسكر استعدادا للحركة .. فأبلغ فورا بالوضع
وفجأة سمع صوت طائرات فى الجو فشاهد محاولة الدبابات الهروب بسرعة وتفزع من ارض المعسكر الى خنادقها .. ومن الذعر صارت ايضا تصطدم ببعها البعض . ومرت الطائرات ولم يحدث شيئ .. فقد اتضح ان هذه الطائرات للعدو
ويبدوا ان العدو اكتشف ان خوفه ليس له مبرر فالطائرات التى مرت كانت طائراته فعادت وخرجت مدرعاته مرة اخرى من مخابئها .. واصطفت فى قول للتحرك .. وهنا سمع صوت طيران وهذه المرة لم يفزع العدو ولم تتحرك مدرعاته من ارض المعسكر فقد اعتقد انها طائراته ايضا .. وفجأة اشتعلت النيران فى الدبابات فقد كانت الطائرات مصرية هاجمت اللواء واحدثت فيه الذعر مرة اخرى وكانت الضحايا كثير .
فظن العدو ان احدا يتجسس على تلك المنطقه.. فخرجت مجموعات منه لتنشيط المنطقه المحيطة بالمعسكر ...
يتبع