الملائكة تحفهم
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه وهم في المسجد جلوسٌ حوله، يرشفون من بيانه عذبَ الكلمات، وأطيب العظات، لا يرتوون إلا إذا كانوا متحلقين حوله، فإذا ابتعدوا لحاجة من حوائج الدنيا وغابوا لأمر ما عادوا ظامئين يستقون من أحاديثه سلسبيلاً، ومن تعاليمه أنساماً، كلهم آذان مستمعة.. قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
اضطربت قلوبهم فرحاً، واهتزت نفوسهم سعادة، فهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثاني الحرمين الشريفين يتدارسون كتاب الله وأحاديث رسول الله من فمه الشريف، فالله –إذاً- يباهي بهم الملائكة، ويذكُرهم بينهم، وهذه رحمة الله تحيط بهم، وتغشاهم، يا الله .. يا الله إنك تطلب منا القليل القليل ولست بحاجة إليه، لتعطينا الكثير الكثير ونحن بحاجة إليه، ما أرحمك، سبحانك.
وأقبل ثلاثة نفر إلى المسجد فرأوا حلْقة الصحابة كبيرة، والناسُ تشرئب أعناقهم إلى الرحمة المسداة، والهبة المعطاة، فرأى الأوّل فرجة بين الناس فخطا إليها دون أن يزعج الآخرين، ودنا من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أقرب إليه وأحسن سمعاً لتعاليمه، واستحيا الثاني أن يتجاوز المتحلقين، فكما فعل صاحبه فنظر هنا وهناك، وبحث عن أقرب مكان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الناس فجلس فيه ونظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأرهف الاثنان سمعهما إليه كما يفعل الآخرون، أما الثالث فلم يفعل ما فعله الآخرون بل أدبر ذاهباً.
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رأى ما فعل هؤلاء الثلاثة، فأراد أن يثّمنَ أفعالهم ليعتبر المسلمون ويتعظوا فقال: " ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟"
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: ( أما الأوّل: فإنه آوى إلى الله فآواه، لقد سدّ فرجة وانضم إلى المسلمين في مجلسهم ،فاستمكنت الحلقة وزال الفراغ فيها، وأما الثاني: فهو كالأوّل رغبة في العلم وحباً له، لكنّه استحيا أن يؤذي من سبقه فاستحيا الله منه فأكرمه على تلطفه، وهما من المغفورين لهم – إن شاء الله – وأما الآخر فأعرض عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم – مجلس العلم – بغير عذر فتعرض لسخط الله تعالى ) ،
ألم يقل الرسول الكريم عن أصحاب العلم: ( هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم )؟!.
فإذا ما طارت أفكارنا في ذاكرة الزمن ثلاثين سنة إلى الإمام تجاه الشام، رأينا دمشق عاصمة الخلافة الأموية، تمتلئ بالمساجد، ورأينا قرب دار معاوية أوّلِ خليفة أموي مسجداً فيه حلقة علم، وذِكر، وها هو الخليفة يدخل المسجد عليهم، ليشجعهم على الاستزادة من العلم وبذل الجهد له، والتفرغ لتحصيله، فيقول لهم: ما أجلسكم؟ ماذا تفعلون؟
قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى وندرس آيات الكتاب المبين وأحاديث الرسول المصطفى.
قال: أتحلفون بالله أنكم اجتمعتم في هذا المسجد للتلاوة والمدارسة؟
قالوا: نحلف بالله على ذلك، وإلا فما أجلسنا في بيت الله، إنّه لهذا الأمر فقط؟
قال: فاعلموا أني لم أستحلفكم تهمةً لكم، فأنتم صادقون إلا أنني كنت قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم،أرى ما يفعل وأسمع ما يقول، وما أحدثكم إلا بما رأيت وسمعت.
قالوا: فماذا رايت؟ وماذا سمعت؟
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه في حلقتهم كحلقتكم هذه،
فقال: ( ما أجلسكم؟)
قالوا مثل ما قلتم: جلسنا نذكر الله تعالى، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، فاستحلفهم على ذلك دون تهمة كما استحلفتكم،
ثم قال لهم: ( أتاني جبريل عليه السلام، فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة ).
رياض الصالحين/ باب فضل حلق الذكر
اضطربت قلوبهم فرحاً، واهتزت نفوسهم سعادة، فهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثاني الحرمين الشريفين يتدارسون كتاب الله وأحاديث رسول الله من فمه الشريف، فالله –إذاً- يباهي بهم الملائكة، ويذكُرهم بينهم، وهذه رحمة الله تحيط بهم، وتغشاهم، يا الله .. يا الله إنك تطلب منا القليل القليل ولست بحاجة إليه، لتعطينا الكثير الكثير ونحن بحاجة إليه، ما أرحمك، سبحانك.
وأقبل ثلاثة نفر إلى المسجد فرأوا حلْقة الصحابة كبيرة، والناسُ تشرئب أعناقهم إلى الرحمة المسداة، والهبة المعطاة، فرأى الأوّل فرجة بين الناس فخطا إليها دون أن يزعج الآخرين، ودنا من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أقرب إليه وأحسن سمعاً لتعاليمه، واستحيا الثاني أن يتجاوز المتحلقين، فكما فعل صاحبه فنظر هنا وهناك، وبحث عن أقرب مكان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الناس فجلس فيه ونظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأرهف الاثنان سمعهما إليه كما يفعل الآخرون، أما الثالث فلم يفعل ما فعله الآخرون بل أدبر ذاهباً.
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رأى ما فعل هؤلاء الثلاثة، فأراد أن يثّمنَ أفعالهم ليعتبر المسلمون ويتعظوا فقال: " ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟"
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: ( أما الأوّل: فإنه آوى إلى الله فآواه، لقد سدّ فرجة وانضم إلى المسلمين في مجلسهم ،فاستمكنت الحلقة وزال الفراغ فيها، وأما الثاني: فهو كالأوّل رغبة في العلم وحباً له، لكنّه استحيا أن يؤذي من سبقه فاستحيا الله منه فأكرمه على تلطفه، وهما من المغفورين لهم – إن شاء الله – وأما الآخر فأعرض عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم – مجلس العلم – بغير عذر فتعرض لسخط الله تعالى ) ،
ألم يقل الرسول الكريم عن أصحاب العلم: ( هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم )؟!.
فإذا ما طارت أفكارنا في ذاكرة الزمن ثلاثين سنة إلى الإمام تجاه الشام، رأينا دمشق عاصمة الخلافة الأموية، تمتلئ بالمساجد، ورأينا قرب دار معاوية أوّلِ خليفة أموي مسجداً فيه حلقة علم، وذِكر، وها هو الخليفة يدخل المسجد عليهم، ليشجعهم على الاستزادة من العلم وبذل الجهد له، والتفرغ لتحصيله، فيقول لهم: ما أجلسكم؟ ماذا تفعلون؟
قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى وندرس آيات الكتاب المبين وأحاديث الرسول المصطفى.
قال: أتحلفون بالله أنكم اجتمعتم في هذا المسجد للتلاوة والمدارسة؟
قالوا: نحلف بالله على ذلك، وإلا فما أجلسنا في بيت الله، إنّه لهذا الأمر فقط؟
قال: فاعلموا أني لم أستحلفكم تهمةً لكم، فأنتم صادقون إلا أنني كنت قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم،أرى ما يفعل وأسمع ما يقول، وما أحدثكم إلا بما رأيت وسمعت.
قالوا: فماذا رايت؟ وماذا سمعت؟
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه في حلقتهم كحلقتكم هذه،
فقال: ( ما أجلسكم؟)
قالوا مثل ما قلتم: جلسنا نذكر الله تعالى، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، فاستحلفهم على ذلك دون تهمة كما استحلفتكم،
ثم قال لهم: ( أتاني جبريل عليه السلام، فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة ).
رياض الصالحين/ باب فضل حلق الذكر