طريف بن مالك فاتح جزيرة طريف / محمود شيت خطاب

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,765
التفاعل
17,882 113 0
طريف بن مالك فاتح جزيرة طريف

محمود شيت خطاب


نسبه وحياته
هو طريف بن مالك من البربر، يكنى: أبا زُرْعَة، وهو طريف البربري مولى موسى بن نصير، الذي تُنسب إليه جزيرة طريف [1]. وطريف ينتسب إلى قبيلة بَرغَواطة البربرية [2] من البرانس، ومن المعلوم أن البربر قسمان: البرانس، والبتر، وكانت قبيلة بَرَغْواطة تسكن الإقليم المواجه للبحر المحيط شمال وادي أم ربيع، حول منطقة مدينة الرباط الحالية [3].

وسنجد أن طريف بن مالك ليس من قبيلة برغواطة حسب، بل هو رئيسها، وكان له دور كبير في تلك القبيلة، من ناحيتي: العقيدة، والقتال، أي في توجيهها الفكري، وفي قيادتها في ميادين القتال.

وتذهب بعض المصادر، إلى أنه كان من أهل اليمن، فهو أبو زُرعَة طريف بن مالك المَعَافِري [4]، الاسم طبق الكنية [5]، والمعافر باليمن والأندلس ومصر [6]، والأصل من اليمن لأنهم من سبأ. وهو طريف بن مالك النّخَعِي [7]، والنّخعُ بن عامر من سبأ [8] أيضاً، وسَبَأ من اليمن.

ومن الواضح، أن طريف بن مالك ليس عربيًا، فهو ليس من المعافر ولا من النخع، وهو بعد ذلك ليس من اليمن، بل هو بربري من المغرب، ظهر أثره في البربر على عهد موسى بن نصير، وظل أثره فيهم بعد عهد موسى بن نصير، ولم يبرح المغرب في العهدين، وظل مع البربر واحداً منهم حتى توفاه الله.

ويبدو أن والد طريف، وهو مالك، كان مسلماً، بدليل اسمه العربي الإسلامي، مما يدل على أن طريفاً ولد وشب وترعرع في بيت إسلامي، ولعلّ تدينه لفت إليه الأنظار، بالإضافة إلى مزاياه وكفاياته الأخرى، وكان قربه من موسى بن نصير قد أتاح له الفرصة السانحة لتولي منصباً قيادياً، فنجح في منصبه القيادي نجاحاً ظاهراً. وقد كان من أقرب المقرّبين إلى موسى بن نصير من البربر: طارق بن زياد، وطريف بن مالك، فاستعان بهما في قيادة البربر، وبخاصة في مهمة فتح الأندلس.

وأخبار طريف في أيامه الأولى نادرة جداً، وقد برز لأول مرة في توليته قيادة على جماعة من البربر، لتحقيق استطلاع في الأندلس، وربما بقي طريف مجهولاً لو لم يتَسنَّم هذا المنصب القيادي، الذي سترد أخباره وشيكًا.

طريف بن مالك .. صاحب أول سرية في الأندلس
كتب موسى بن نصير إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، يخبره بالذي دعاه إليه يليان (حاكم سبتة) من أمر الأندلس، ويستأذنه في اقتحامها. وكتب إليه الوليد: "أن خُضْها بالسرايا، حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال". وراجعه موسى: "أنه ليس ببحرٍ زَخّار، وإنما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه"، فكتب إليه: "وإن كان، فلا بد من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه" [9].

ويبدو أن طريف بن مالك، برز من جملة مَن برز في عمليات موسى العسكرية، فلفت إليه الأنظار، ومنهم نظر موسى. وكان موسى بعد أن سيطر على إفريقية والمغرب سيطرة كاملة، يتطلع إلى فتح الأندلس، فقد كان حاضر إفريقية والمغرب ومستقبلهما بالنسبة لتوطيد أركان الفتوح فيهما، مهدّداً من الروم أولاً ومن القوط الغربيين في الأندلس ثانياً، وقد هاجم موسى قواعد الروم في البحر الأبيض المتوسط: صِقِلِّيَة وسَرْدانِيَة، وفتح مَيُوْرَقَة ومَنُوْرَقَة، لغرض حماية فتوح إفريقية والمغرب من الروم، لأن الهجوم أنجع وسائل للدفاع؛ وبقي على موسى فتح الأندلس، لوضع حدّ نهائي لتهديد القوط الغربيين -الذين يحكمون الأندلس- لحاضر ومستقبل فتوح المسلمين في إفريقية والمغرب.

سرية طريف بن مالك إلى الأندلس
فبعد موافقة الخلافة الأموية أرسل موسى بن نصير في شهر رمضان من سنة 91هـ (آب: أغسطس - أيلول: سبتمبر 710 م) سرية استطلاعية إلى جنوبي الأندلس، مؤلفة من خمسمائة مجاهد، منهم مئة فارس، والباقي من المشاة، بقيادة أبي زُرْعَة طريف بن مالك [10].

وعبر هذا الجيش الزّقاق، والزّقاق اسم يطلق أحياناً على المضيق بين الأندلس وشمالي إفريقية [11]، من سبتة، بسفن يليان أو غيره، ونزل في جزيرة بالوما ( Isla de las Plomas) في الجانب الإسباني، وعُرفت هذه الجزيرة فيما بعد باسم هذا القائد: جزيرة طريف [12] ( Tarifa).

ومن ذلك الموقع، الذي اتخذه طريف وسريته الاستطلاعية القتالية قاعدة أمامية متقدمة، قام طريف وسريته بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل الأندلسي الجنوبي بإرشاد يليان وصحبه، وأغار على الجزيرة الخضراء، فأصاب غنيمة كبيرة، ورجع سالماً في رمضان أيضاً سنة إحدى وتسعين الهجرية، فلما رأى الناس ذلك تسرّعوا إلى الغزو [13]، وتشجعوا على فتح الأندلس.

وخفت قوة من أنصار يليان وأبناء غيطشة لعون المسلمين، كما قامت تلك القوة بحراسة موقع إنزال المسلمين في جنوبي الأندلس، وكانت نتيجة الغارة الاستطلاعية التي قادها طريف، أن المسلمين غنموا مغانم كثيرة وسبياً عديداً، وقوبلوا بالإكرام والترحيب، وشهدوا كثيراً من دلائل خصب الجزيرة وغناها، وعادوا في أمنٍ وسلام. وقصّ قائدهم طريف على موسى نتائج رحلته، فاستبشر بالفتح، وجدّ في أهبة الفتح، كما تشجع موسى وأخذ يستعد لإرسال حملة عظيمة تقوم بالفتح المستدام [14].

لقد كانت مهمة سرية طريف مهمة استطلاعية، هدفها الحصول على المعلومات عن طبيعة الأرض والسكان وأساليب قتالهم ودرجة ضراوتهم، وتفاصيل قيادتهم، ومبلغ الثقة المتبادلة بين القيادة والسكان، ومبلغ حرص السكان والقيادة على الدفاع عن أرضهم [15]، وكان لقيام طريف بعدّة غارات في المنطقة دون أن يلاقي أيّة مقاومة [16]، نتيجة مهمة واحدة، هي: عدم حرص القيادة والسكان على الدفاع عن أرضهم كما ينبغي، وهي نتيجة على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لخطط الفتح، وبالنسبة للمسلمين الفاتحين.

وقد تعدَّت مهمة طريف كذلك إلى استطلاع حقيقة نوايا يليان، ومَن معه تجاه السلطة القائمة في الأندلس، والمتمثلة بالملك لذريق ونظامه، وحقيقة نواياه ومَن معه تجاه المسلمين الفاتحين. وقد أثبتت سرية طريف الاستطلاعية، أن يليان ورجاله يحقدون على لذريق، ولا يتأخرون عن التشبث بكل وسيلة ممكنة للقضاء عليه، وأن غرضهم هو التعاون والمعاونة وليس خدعة بل حقيقة لا غبار عليها. المسلمين.

وقد أدَّى طريف ورجاله واجبهم الاستطلاعي المزدوج على أتم ما يرام، وكان استطلاعه تمهيداً لوضع خطة فتح الأندلس موضع التنفيذ العمليّ في ميادين القتال [17].

طريف بن مالك وثورة ميسرة الخارجي
لم نَعُد نسمع عن طريف، بعد هذه السريّة الاستطلاعيَّة الموفقة التي قادها مستطلعاً أحوال الأندلس سكاناً وأرضاً للمسلمين، وبدأ عملياً تطبيق خطة فتح الأندلس، ومهّد لهذا الفتح تمهيداً موفقاً.

ولكنه ظهر مرة أخرى من جديد، على مسرح الحوادث في المغرب، ولعب دوراً خطيراً في الثورة التي قادها مَيْسَرة البربري المَدْغَرِي [18] في المغرب الأقصى [19]، وكانت أول حركة خارجية قام بها المغرب على المسلمين، وكان ذلك سنة سبع عشرة ومائة الهجرية [20] (735 م).

وقد كان ميسرة يسعى إلى تحقيق المساواة في الأعطيات بين العرب والبربر في الجيش الإفريقي، وبعد أن خاب رجاء البربر في إنصاف الخليفة هشام بن عبد الملك، خرجوا من المعارضة الصامتة إلى الثورة المسلحة. وبدأت الثورة في طنجة في موطن مدغرة قبيلة ميسرة، حيث أعلن نفسه إماماً وبايعه الناس [21]. وسرعان ما انضمت إلى قبيلته جميع قبائل المنطقة من غمارة ومكناسة وبرغواطة، وكانت دعوة الخوارج منتشرة في قبيلة برغواطة بفضل طريف رئيسها [22]، الذي اعتنق مذهب الخوارج في بداية القرن الثاني الهجري، وكان سبب انضمام طريف إلى الخوارج وثورتهم، هو انحراف بعض ولاة الدولة عن العدل ومبادئ الإسلام، فكان الولاة يُخَمِّسون مَن لم يُجِبْ للإسلام.

وقد كانت ثورة البربر عارمة، لم يتخلف عنها أحد مسلمهم وكافرهم، فما كان بإمكان طريف بن مالك أن يتخلف وحده عنها، وقد جرفته روح الجماعة. كما أن شعار الثورة في مقاومة الانحراف لا غبار عليه، فلا يرضى الإسلام أن يُخَمّس البربر المسلمون ولا يرضى المسلمون الصالحون من الفقهاء والمحدثين بهذا التّخميس، كما أن التفرقة بين المسلمين على أساس الجنس لا يقرُّه الإسلام كما هو معروف.

وكان طريف من جملة قواد ميسرة ومَن جاء بعده في ثورة الخوارج الصُّفرية بالمغرب [22]، فلما انتهت تلك الثورة بالإخفاق، حلّ طريف ببلاد تامَسْنا (منطقة مدينة الرباط الحالية، وما حولها)، فقدَّمه البربر على أنفسهم، فوُلِّي أمرهم، وكان على دين الإسلام. وبقي أميراً على البربر في تلك البلاد -ليس على برغواطة حسب- بل على جميع بربر تلك البلاد، حتى تُوفي نة 124هـ (741 م).

وترك طريف أربعة أولاد، فَوَلِيَ الأمر بعده صالح بن طريف سنة 124هـ (741 م) [23]، تنبَّأ فيهم، وشرع لهم ديانة، وسمَّى نفسه: صالح المؤمنين، وعهد إلى ابنه إلياس بديانته، وأمره ألاّ يُظهر ذلك إلاّ إذا قوي أمره، وحينئذٍ يدعو إلى مذهبه، ويقتل مَن خالفه من قومه. وقد اقتصر انحراف عَقِب طريف على برغواطة، فنُسب هذا الانحراف إلى قبائل الإقليم، فعرف بـ: زندَقة بَرْغَواطة [24].

فاتِّهام طريف بانحرافه عن الإسلام [25]، فقد كذبه مَن اتَّهمه بهذه التهمة في كتابه الذي اتّهمه فيه [26]، كما لم تأخذ بهذا الاتهام المصادر المعتمدة الأخرى، فقد نسبت زندقة برغواطة إلى صالح ابن طريف لا إلى طريف [27]، فالتهمة الموجهة إلى طريف ولدت ميِّتة، لم يصدقها أحد، ولم يأخذ بها أحد.

طريف بن مالك القائد
لقد تقدَّم طريف على غيره من البربر المسلمين، بمزاياه القيادية التي لفتت إليه الأنظار، فولاه موسى منصباً قيادياً، في ظروف غير اعتيادية، لينهض بتحقيق هدف مصيري صعب، في أيام يصعب فيها على غير العرب المسلمين الوصول إلى المناصب القيادية، لأنها كانت للعرب المسلمين وحدهم دون سواهم، ولكن طريفاً وطارق بن زياد وحدهما من البربر توليا منصبين قياديين في فتوح الأندلس، وكانا قبل ذلك من أقرب المقربين إلى موسى بن نصير ومن أبرز المقربين إليه من البربر المسلمين.

ومفتاح مزايا شخصية طريف القيادية، تتركز في إيمانه العميق، فهو مجاهد صادق. وهو شجاع مقدام، يعتبر الشهادة أُمْنِية من أعزّ أمانيه، وهو متزن غير متهوِّر، لا يخطو خطوة بدون حساب، وهو كذلك ذكي ألمعي الذكاء.

لهذا وغيره كان طريف على حسن ظنِّ موسى بن نصير به، وعند حسن ظن طارق بن زياد أيضًا، وعند حسن ظن المسلمين الفاتحين في الأندلس، وكان تولّيه منصباً قيادياً مكسباً لا شك فيه للقيادة العامة وللفتح والفاتحين.

وعلى الرغم من أن المصادر المعتمدة، بخلت في الحديث عنه إنساناً بخلاً لا يناسب ما قدمه للمسلمين من جهود مثمرة، فأخباره في تلك المصادر قليلة جداً، إلاّ أنه يبدو بجلاء أنه كان رجلاً من رجال المسلمين الأبرار، الذين سخّروا مواهبهم لخدمة مصلحة المسلمين العليا، ولم يسخِّروها لخدمة مصلحتهم الشخصية، وحسبه بذلك عملاً من الأعمال الباقية التي لا تُنْسى.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنَّاته، جزاء ما قدَّم للإسلام والمسلمين من جهود مادية ومعنوية في الفتح وفي غير الفتح قائدًا وإنسانًا.

المصدر: محمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، الناشر: مؤسسة علوم القرآن - منار للنشر والتوزيع ، ط 1 ، 1424 هـ - 2003م، 1/ 416- 433.

عن موقع قصة الإسلام

الهوامش:
[1] البيان المغرب (2/ 5) ونفح الطيب (1/ 253). نفح الطيب (1/ 229 و 253 و 285).
- جزيرة طريف: جزيرة صغيرة في بحر الزقاق (مضيق جبل طارق)، وطريف بليدة في جنوبيّ الأندلس، انظر تقويم البلدان (188)، والجزيرة والمدينة منسوبتان إلى طريف بن مالك الذي فتحهما، انظر تقويم البلدان (166).
- الجزيرة الخضراء: مدينة أمام سبتة من برِّ الأندلس الجنوبي، وهي طيِّبة نزهة، توسَّطت مدن الساحل، وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع، وبخارجها المياه الجارية والبساتين النضيرة، ونهرها يعرف بوادي العسل، وهي من أجمع المدن لخير البر والبحر، انظر تقويم البلدان (172 - 173)، ومعجم البلدان (3/ 99).
[2] فتوح مصر والمغرب والأندلس (254) - - ليدن- 1920 م.
[3] ابن عبد الحكم: تاريخ المغرب العربي، نشر شارل توري ( Torrey) (43)، والإقليم حول منطقة مدينة الرباط الحالية.
[4] المعافري: نسبة إلى يَعْفُر بن مالك بن الحارث بن مُرَّة بن أُدَد بن زيد بن يَشْجُب بن عَرِيب بن زيد بن كَهْلاَن بن سَبَأ، انظر جمهرة أنساب العرب (418).
[5] نفح الطيب (1/ 254) برواية الرازي.
[6] جمهرة أنساب العرب (418).
[7] ابن خلدون (4/ 254)، ونفح الطيب (1/ 233)، نقلاً عن ابن خلدون.
[8] النّخِع بن عامر بن عُلَّة بن جَلد بن مالك بن أَُدَد بن زيد بن يَشْجُب بن عَرِيب ابن زيد بن كَهْلان بن سبأ، انظر جمهرة أنساب العرب (412 - 414).
[9] نفح الطيب (1/ 253).
[10] نفح الطيب (1/ 160 و 229 و 233 و 253) والروض المعطار (8 و 127) والبيان المغرب (2/ 5).
[11] تاريخ الأندلس (130) نصّ ابن الشباط، والروض المعطار (83 و 127)، ومقدمة ابن خلدون (1/ 427)، ونفح الطيب (1/ 127 و 129 و 145 و 229 و 232 و 245 و 252).
[12] دولة الإسلام في الأندلس (1/ 40)، وفجر الأندلس (67)، وانظر الفتح والاستقرار العربي والإسلامي في شمالي إفريقيا والأندلس (162).
[13] ابن الأثير: الكامل في التاريخ (4/ 561).
[14] Saavedra. OP. Cit. PP. 64
[15] الاستطلاع نوعان: الاستطلاع بدون قتال، بأفراد قلائل، والاستطلاع بالقتال، بقوة قادرة على القتال، تستطيع الحصول على المعلومات بالقتال، كسرية طريف، أنظر كتب التدريب التعبوي الرسمية.
[16] أخبار مجموعة (1) وفتح الأندلس (5) وابن الكردبوس (45) وذكر بلاد الأندلس (84) وابن الأثير (4/ 561) والبيان المغرب (2/ 5) والنويري (22/ 26) ونفح الطيب (1/ 160 و 253 - 254).
[17] انظر عن عملية طريف الإستطلاعية: نفح الطيب (1/ 253) والبيان المغرب (2/ 6) ووفيات الأعيان (5/ 320)، وانظر: التاريخ الأندلسي (46).
[18] انظر التفاصيل في: ابن الأثير (5/ 190 - 194) والبيان المغرب (1/ 52 - 54). وقائد الثورة ميسرة المدغري، نسبة إلى قبيلة مَدْغَرة، وهي من القبائل البترية من البربر.
[19] المغرب الأقصى: في ساحل البحر المحيط غرباً إلى تلمسان شرقاً، ومن سبتة إلى مراكش ثمّ إلى سجلماسة وما في سمتها شمالاً وجنوباً، أنظر تقويم البلدان (122) وأحسن التقاسيم (215 - 236) والأعلاق النفيسة (347 - 353) والمسالك والممالك لابن خرداذبة (85 - 93) ومختصر كتاب البلدان (78 - 88) وصفة المغرب (2 - 29) والمسالك والممالك للاصطخري (33 - 38) وهو المملكة المغربية في الوقت الحاضر، أنظر تاريخ المغرب العربي (12).
[20] ابن الأثير (5/ 191).
[21] ابن الأثير (5/ 191) وفتوح مصر والمغرب (218).
[22] فتوح مصر والمغرب (254).
[23] البيان المغرب (1/ 57).
[24] د. سعد زغلول عبد الحميد - تاريخ المغرب العربي، دار المعارف بالقاهرة- 1965م، (417).
[25] البيان المغرب (1/ 57).
[26] البيان المغرب (1/ 224).
[27] البكري (134) والاستبصار (197).​
 
سرية طريف بن مالك

الدكتور راغب السرجاني
shape1.jpg


استطاع موسى بن نصير أن يتغلَّب على قلَّة عدد الجيش من خلال الأمازيغ (البربر) أنفسِهم، وتغلَّب -كذلك- على العقبة المتمثِّلة في قلَّة السفن نسبيًّا ببناء موانٍ وصناعةِ سفنٍ جديدة، وبقيت أرض الأندلس -كما هي- أرضًا مجهولة له، وكذلك ظلَّت مشكلة ميناء سبتة قائمة لم تُحَلّ بعدُ، وهو ميناء حصين جدًّا يحكمه النصراني يُليان، وقد استنفد موسى بن نصير جهده وطاقته، وفعل كل ما في وُسْعِه، ولم يجد حلاًّ لهاتين المشكلتين، وهنا تدخَّل الأمر الإلهي والتدبير الرباني: { إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [الحج: 38]، { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى } [الأنفال: 17].

وهذا ما حدث بالفعل وتجسَّد في فعل يُليان صاحب سَبْتَة، وكان على النحو التالي:

- فكَّر يُليان جدِّيًّا في الأمر من حوله، وكيف أن الأرض بدأت تضيق عليه، وتتآكل من قِبَل المسلمين الذين يزدادون قوَّة يومًا بعد يوم، وتساءل: إلى متى سيظلُّ صامدًا أمامهم إن هم أتوا إليه؟

- ومن جانب آخر كان يُليان مع ذلك يحمل الحقد الدفين لـ لُذريق حاكم الأندلس؛ ذلك الذي قتل صديقه غِيطشَة ، وقد كان بين يُليان وغِيطشَة علاقات طيبة؛ حتى إن أولاد غِيطشَة من بعده استنجدوا بـ يُليان هذا ليُساعدهم في حرب لُذريق، ولكن لم يكن لـ يُليان طاقة بلُذريق، كما لم يكن لأولاد غِيطشَة -أيضًا- طاقة به، ومن هنا كان ثمة عداء دفين بين صاحب سَبْتَة وحاكم الأندلس؛ ومن ثَمَّ فإلى أين سيفرُّ يُليان إن استولى المسلمون على ميناء سَبْتَة؟!

- وتَذْكُر الكثيرُ من الروايات أن السبب الرئيس في توتُّر العلاقة بين يُليان حاكم سَبْتَة ولُذريق حاكم الأندلس، ما فعله الأخير بابنة يُليان؛ إذ إنه اغتصبها، فلمَّا أُخبر بذلك يُليان أقسم أن ينال منه، ولم يجد أمامه إلاَّ أن يُساعد المسلمين ويُوَفِّر لهم بعض التسهيلات[1].

- والأمر الأخير الذي نتوقَّع أنه دار في خَلَدِ يُليان هو أن ظروف الأندلس الداخلية كلها كانت تصبُّ في مصلحة المسلمين؛ إنْ هم أرادوا فتح الأندلس، فكان يُليان على علم بأن لُذريق قد بالغ في ظلم شعب الأندلس، وفَرَضَ عليهم الضرائب الباهظة؛ فعاشوا في فقر وبؤس شديدين؛ بينما هو في النعيم والمُلك؛ وهذا ما جعلهم يكرهونه ويتمنَّوْنَ الخلاص منه، كما أنه قد عاد إلى اضطهاد اليهود، وكان قد رُفع عنهم الاضطهاد أيام غِيطشَة، فلمَّا جاء لُذريق أعاد العنف والقهر؛ لدرجة أنهم أرسلوا وفدًا ليُقابل طارق بن زياد ويستحثُّه على فتح الأندلس[2]، هذا إلى جوار رغبة يُليان في استعادة ممتلكات وضِياع أولاد غِيطشَة الكثيرة في الأندلس، والتي كان لُذريق قد صادرها.

عرض يليان

من تدبير ربِّ العالمين أن اختمرت هذه الأفكار جيدًا في عقل يُليان، بينما كان موسى بن نصير -آنذاك- قد استنفد جهده وتحيَّر في أمره -فإذا بيُليان يُرسل إلى طارق بن زياد والي طَنْجَة (على بعد عدَّة كيلو مترات من ميناء سَبْتَة) برُسُلٍ من قِبَله يعرض عليه عرضًا للتفاوض، أمَّا تدبير العناية الإلهية والمفاجأة الحقيقية فكانت في بنود هذا العرض وهذا الطلب العجيب، الذي نصَّ على ما يلي:

1- نسلِّمُك ميناء سَبْتَة. (وكانت تلك معضلة حَارَ المسلمون أعوامًا في الاهتداء إلى حلٍّ لها؛ حيث كانت فوق مقدرتهم).

2- نمدُّك بالمعلومات الكافية عن أرض الأندلس.

أمَّا المقابل فهو: ضيعات[3] وأملاك غِيطشَة التي صادرها لُذريق، وكان لغِيطشَة ثلاثة آلاف ضيعة، وكانت مِلكًا لأولاده من بعده، فأخذها منهم لُذريق وصادرها[4].

ما أجمل العرض وأحسن الطلب!

بهذا العرض أراد يُليان صاحب سَبْتَة أن يتنازل للمسلمين عن سَبْتَة، ويُساعدهم في الوصول إلى الأندلس، ثم حين يحكمها المسلمون يسمع يُليان ويُطيع، على أن يردَّ المسلمون بعد ذلك ضيعات وأملاك غِيطشَة، فما أجمل العرض! وما أحسن الطلب! وما أعظم السلعة! وما أهون الثمن!

إن المسلمين لم يُفَكِّروا يومًا في مغنم أو ثروة أو مالٍ حالَ فتحهم البلاد، ولم يرغبوا يومًا في دنيا يملكها غِيطشَة أو يُليان أو لُذريق.. أو غيرهم؛ فقد كان هدفهم تعليم الناس الإسلام، وتعبيدهم لربِّ العباد ، فإذا دخل الناس في الإسلام كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ولو لم يدخلوا في الإسلام وأرادوا دفع الجزية فحينئذٍ يُترك لهم كل ما يملكون.

ومن هنا كان الثمن هيِّنًا جدًّا والعرض غاية الآمال، فبعث طارق بن زياد إلى موسى بن نصير -وكان في القيروان عاصمة الشمال الإفريقي آنذاك (وهي في تونس الآن)- يُخبره هذا الخبر، فسُرَّ سرورًا عظيمًا، ثم بعث موسى بن نصير بدوره إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يُطلعه -أيضًا- الخبر، ويستأذنه في فتح الأندلس، فكتب إليه الوليد: أن خُضْهَا بالسرايا؛ حتى تختبر شأنها، ولا تُغَرِّرْ بالمسلمين في بحرٍ شديد الأهوال. فراجعه: إنه ليس ببحر؛ وإنما هو خليج، يُتبيَّن للناظر ما وراءه[5]. وهنا أَذِنَ له الوليد بن عبد الملك، إلاَّ أنه شرط عليه شرطًا كان قد فكَّر فيه قبل ذلك موسى بن نصير نفسُه، وهو: ألاَّ يدخل بلاد الأندلس حتى يختبرها بسَرِيَّة من المسلمين، فما يُدريه أن المعلومات التي سيُقَدِّمها له يُليان عن الأندلس ستكون صحيحة؟! ومَنْ يضمن له ألاَّ يخون يُليان عهده معه، أو يتَّفق مِنْ ورائه مع لُذريق، أو مع غيره؟

سَرِيَّةُ طَرِيف بن مَالِك

19583_image003.jpg

جزيرة طريف

وصلت رسالة الإذن من الخليفة الوليد بن عبد الملك فجهَّز موسى بن نصير بالفعل سريةً من خمسمائة رجل، وجعل على رأسهم طَريف بن مالك، وكان طريف -أيضًا- من الأمازيغ (البربر).

سار طريف بن مالك -ويكنى أبا زرعة- من المغرب على رأس خمسمائة من المسلمين (أربعمائة راجل معهم مائة فارس) صوب الأندلس، واستقلَّ أربعة مراكب فوصلها في رمضان عام (91هـ=710م)، وتَذْكُر بعض الروايات أن طريفًا قام بعدَّة غارات وغنم غنائم كثيرة من أموال وأمتعة وأسرى أيضًا[6].

وقد قام طريف بن مالك / بمهمته على أكمل وجه في دراسته لمنطقة الأندلس الجنوبية، التي سينزل فيها الجيش الإسلامي بعد ذلك، (وقد عُرِفَت هذه الجزيرة فيما بعدُ باسم هذا القائد فسُمِّيَتْ جزيرة طريف)، ثم عاد بعد انتهائه منها إلى موسى بن نصير وشرح له ما رآه، وفي أناةٍ شديدةٍ وعملٍ دءوبٍ ظلَّ موسى بن نصير بعد عودة طريف بن مالك عامًا كاملاً يُجَهِّز الجيش ويُعِدُّ العُدَّة، حتى جَهَّزَ في هذه السنة سبعةَ آلافِ مقاتلٍ، وبدأ بهم الفتح الإسلامي للأندلس رغم الأعداد الضخمة لقواتِ النصارى هناك[7].

فتح الأندلس ومساعدة يُليان واليهود

شبهة مساعدة يليان

تكثر بعض الروايات العربية والأجنبية من ذِكْر يُليان حاكم سَبْتَة وتُقحمه في كل مرحلة من مراحل فتح المسلمين لبلاد الأندلس، وتُفيد بأن التفكير في فتح الأندلس لم يأتِ إلاَّ بعد عرض يُليان المساعدة على المسلمين، أو طلبه المساعدة من المسلمين لإرجاع أولاد غِيطشَة إلى حكم الأندلس، والانتقام من لُذريق الذي نال من عِرْض ابنته.

وحقيقة الأمر أن الاتصال بين يُليان حاكم سَبْتَة وبين طارق بن زياد وموسى بن نصير جاء مواتيًا في الوقت الذي كان فيه موسى بن نصير (والي إفريقية) يُفَكِّر في فتح الأندلس، وذلك بعد فتح طَنْجَة المشرفة على الأندلس، فمن الطبيعي جدًّا أن تكون الأندلس هي الخطوة الثانية التي يُفَكِّر فيها موسى بن نصير، ونحن لا ننفي الاتصال بين الجانبين الإسلامي والإسباني؛ ولكن لا نجعله السبب الرئيس لفكرة الفتح؛ لأنه يُقَلِّلُ من قيمة الفتح الإسلامي للبلاد؛ حيث يَدَّعِي البعض أن مساعدات يُليان وتسهيلاته لطارق هي التي ساعدت في نجاح الفتح، ولكننا لا نستبعد أن يكون ذلك عاملاً مساعدًا من عوامل نجاح عملية الفتح، ولا يُستبعد -كذلك- أن يكون يُليان قدَّم تسهيلات للمسلمين؛ خاصة فيما يتعلَّق بأماكن البلاد وسبل مداخلها ومخارجها، أمَّا أن يكون العامل الوحيد فهذا أمر تأباه الحقيقة التاريخية.

شبهة مساعدة اليهود

أمَّا ما يتعلَّق بمساعدة اليهود للمسلمين وتقديمهم التسهيلات اللازمة لإتمام عملية الفتح، فليس لها أساس من الصحَّة لأسباب عدة؛ منها:

لا توجد أي إشارة في المصادر والمراجع العربية عن أي تسهيلات قدَّمها اليهود للمسلمين؛ إذ لو كانت هناك مساعدة لذكرها المؤرخون للتاريخ الأندلسي وهم كثر، ولتناقلتها الرواة جيلاً بعد جيل؛ كما ذكروا مساعدة يُليان وتناقلوها.

ليس من الداعي أن نُقحم اليهود في عملية الفتح؛ خاصَّة بعد أن علمنا أن فكرة الفتح نفسها فكرة إسلامية صميمة؛ قبل أن يعرض يُليان أو أولاد غِيطشَة أو اليهود المساعدة على المسلمين، فكان من حكمة القائد الفذِّ موسى بن نصير أن يستغلَّ هذه الفرصة، خاصة وهم أدرى الناس بمداخل الأندلس ومخارجها.

المتتبِّع لسير عملية الفتح التي قام بها المسلمون للمدن الأندلسية، يتَّضح له أن المسلمين لم يكونوا على علم بوجود أعداد كثيرة من اليهود في بلاد الأندلس، فصاحب (أخبار مجموعة) يقول عن فتح إِلْبِيرة: «فحَصَروا مدينتها فافْتُتِحَتْ، فألْفَوا بها يومئذٍ يهودًا»[8]. ويقول لسان الدين بن الخطيب صاحب كتاب (الإحاطة في أخبار غرناطة) عن فتح طارق بن زياد لغَرْنَاطَة مدينة إِلْبِيرة: «فحاصروا مدينتها، وفتحوها عَنْوَة، وألفوا بها يهودًا ضمُّوهم إلى قَصَبَة[9] غَرْنَاطَة، وصار لهم ذلك سُنَّة مُتَّبَعَة؛ متى وجدوا بمدينة فتحوها يهودًا، يضمونهم إلى قصبتها، ويجعلون معهم طائفةً من المسلمين يسدونها»[10].

وهذا ينفي وجود أي صلة لليهود بالفتح؛ إذ لو كان لهم صلة لَعَلِمَ المسلمون بأماكن تواجدهم بالأندلس، وصيغة «ألفوا» توحي بعدم المعرفة المسبقة للأمر، وكأنَّ الأمر مفاجأة.

لا يُسْتَبْعَد أن يكون إقحام اليهود في عملية الفتح متعمَّدًا، ويكون الهدف من ذلك هو التقليل من عملية<a >الفتح الإسلامي العظيم، والنصر المؤزَّر الذي حَقَّقه طارق بن زياد على القوط على الرغم من قلَّة عدد المسلمين بالنسبة للجيش الأندلسي، الذي كان يفوقه أضعافًا.

عن موقع قصة الإسلام

الهوامش:
[1] في تفصيل ذلك انظر: الحِميري: الروض المعطار في خبر الأقطار ص34، والمقري: نفح الطيب 1/251، 252.

[2] حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/15، 16، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص23-33.

[3] ضيعات: جمع ضيعة؛ وهي تعني: عقَارًا وأرضًا مُغِلَّةُ. ابن منظور: لسان العرب، مادة ضيع 8/228، والمعجم الوسيط 1/547.

[4] المقري: نفح الطيب 1/258.

[5] مجهول: أخبار مجموعة ص16، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 4/267، والحميري: الروض المعطار ص35، والمقري: نفح الطيب 1/253.

[6] مجهول: أخبار مجموعة ص16، 17، والحميري: الروض المعطار ص35، والمقري: نفح الطيب 1/254.

[7] الحميري: الروض المعطار ص35، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص66.

[8] مجهول: أخبار مجموعة ص21، 22.

[9] القَصَبة: القلعة، والقصر وجوف الحصن. ابن منظور: لسان العرب، مادة قصب 1/674، والمعجم الوسيط 2/737، و هو استعمال أندلسي ذائع، وكانت القصبة الأندلسية تضم في معظم الأحيان قصرًا للحاكم ومسجدًا للصلاة وثكنات للجند. انظر ابن الخطيب: الإحاطة 1/101 (تعليق المحقق: محمد عبد الله عنان).

[10] لسان الدين ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة 1/101.
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى