.
اصطف الناس على جانبي شارع بويلستون، يهتفون بكل حماس مع اقتراب المتسابقين نهاية ماراثون بوسطن عام 2013، وفجأة كسا الجو دخان أبيض وتكسرت النوافذ بصوت مرعب، وبعد خمسة عشرة ثانية أخرى وقع ثاني انفجار، رُمي بعض المتسابقين على الأرض وانفجرت أحذية أرجل البعض الآخر، بالإضافة إلى الثلاثة عدائين الذين تم التأكد من وفاتهم وجرح 264 متسابق ومشارك آخر.
بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقه في الحادثة فور وقوعها، وفي خلال ثلاثة أيام – 101 ساعة فقط – تم القبض على المهاجمين! عمل مكتب التحقيقات الفيدرالية ارتكز على البحث من خلال 13000 شريط فيديو وأكثر من 120000 صورة، مستمدة من كاميرات المراقبة والهواتف المحمولة للمتفرجين. ولفرز تلك الأكوام من الصور تم التعامل بتكنولوجيا جديدة تمكن عملاء المكتب من تكثيف ساعة من الفيديو في دقيقة واحدة من التشغيل.
هذه التكنولوجيا المبنية على استدعاء اللقطات بصورة مكثفة اخترعتها إحدى الشركات الاسرائيلية اسمها “BriefCam”، والتي تعتبر الوكالات الاستخباراتية من أهم عملائها. (رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق على تفاصيل التحقيق ببوسطن).
إن برنامج “ملخص الفيديو” يعمل بمجموعة متنوعة من الطرق، ولكن معظمها يعتمد على استدعاء طبقات من الأحداث الزمنية التي تحدث في نفس المكان ولكن في أوقات مختلفة، مما يجعل من الممكن على سبيل المثال معرفة أي شخص يمر من باب محدد في كل الأوقات المرصودة .لذا نجد أن BriefCam استخدمت في تحقيقات أخرى مهمة، مثل تحقيق جهاز الأمن الوطني النرويجي في قضية “اندرس بريفيك” الذي ألقى قنابل على مخيم للأطفال هناك في عام 2011.
تسرد الكاتبة إحدى المفارقات وراء إحدى الاختراعات نقلًا عن “شموئيل فالج” المؤسس المشارك لـBriefCam وأستاذ علوم الكومبيوتر في الجامعة العبرية في القدس، إن النية الأصلية لهذا البرنامج كانت بعيدة تمامًا عن إنفاذ القانون. ولهذا قصة غريبة. “كان لأحد طلابي ثلاثة أطفال وكان يأمل في التوصل إلى طريقة أفضل لمشاهدة فيديوهاتهم المنزلية، وبينما هو كذلك فإن لحظة الاكتشاف جاءت عندما أخبرنا أحد أصدقائنا بأن معظم الفيديوهات تأتي من الكاميرات الثابتة”. وقتها كان “شمؤيل فالج” في الجيش ويراقب الحدود بكاميرات مراقبة، لمنع نشاطات بناء الأنفاق، ولكن كانت الصعوبة تكمن في تحديد أشكال المشتبه فيهم. وهذا كان دور BriefCam يجعل من الممكن دمج المعلومات التي تحدث في فضاء زماني كبير، مما يجعله مثاليًا للرصد الثابت، وفي لا وقت طارت الفكرة المدنية إلى الاستعمال العسكري.
قصة أصل BriefCam تكشف اتجاهًا شائعًا في إسرائيل. فتقول الكاتبة على لسان فالج أن الوعي العام عند الناس بالتهديدات دائمًا حاضر، وطغت هذه العقلية على مناخ الأعمال في البلاد، والتأثير على التطورات التكنولوجية، “ربما الإسرائيليين يتعلمون أمورًا قليلة في المدرسة ولكنهم يعرفون كيفية الخروج بأفكار تبقيهم على قيد الحياة”، ويضيف: “كل واحد منا معني بقضايا الأمن”. إن الحياة العسكرية تترك أثرًا لا يُمحى على مشهد ازدهار صناعة الـ start-up الخاصة بمشاريع ريادة الأعمال، إلا أن هذا الأمر يقود البلاد إلى الازدهار رغم أنه طريقة غريبة .
هذا التاثير ظهر بوضوح في عالم الأمن. فمثلا “غيورا إنجل” خريج الجامعة العبرية، أمضى ست سنوات في وحدة النخبة التكنولوجيا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعد ذلك شارك في تأسيس شركة ناشئة تدعى LightCybe، التي تكشف عن مواطن الخلل في الكومبيوترات التي تعمل في الشركات، مع التركيز على الموجة الجديدة من التهديدات الإلكترونية، التي نقلت البرمجيات الخبيثة التي كانت تستهدف الكومبيرتات الشخصية لتستهدف على وجه التحديد الشركات. يؤكد إنجل – صاحب الوجه ذو النمش والشعر الأحمر، الذي كان يعمل أثناء وجوده في جيش الدفاع (IDF) في إدارة المشاريع ذات المخاطر العالية، بما في ذلك تكويد أنظمة المهام الحرجة – أن إسرائيل رائدة عالميًا في أمن الفضاء الإلكتروني، لأن الناس تترك الجيش وهي حاصلة على خبرة في المعلوماتية لا توجد إلا في صناعة الدفاع”. وتابع: “إن القيود على البنية المعلوماتية التي اعتدنا عليها في الجيش نتيجة المخاوف التي تواجه دولتنا القومية أصبحت الآن تمثل نفس البيئة في الصناعة التكنولوجية”.
وردد “فالج” كلام “إنجل” بمعنى آخر قائلًا: “بسبب نظام التجنيد الإجباري في إسرائيل فان طلابي يمنعون من أبحاثهم بسبب خدمتهم في الجيش الاحتياطي”، وأضاف: “لا يمكنك التفكير بشكل خلاق أثناء الخدمة. لانك فقط تهتم بالبقاء على قيد الحياة. ولكن عند عودته كطالب فان الأفكار الجديدة تنهمر نتيجة البيئة الثرية من البرامج البحثية التي خدم فيها”.
بالإضافة إلى التفكير الطازج الذي يمتاز به جيل الشباب، فإن العمل في بيئة تصنع تطبيقًا لأي تطوير يتم إنشاء مناخ ابتكاري فعال ومؤثر في صناعة التكنولوجيا. شركة Mantis Vision التي تستخدم التصويرثلاثي الأبعاد في مجموعة متنوعة من تطبيقات رسم الخرائط تعتبر الحكومة الإسرائيلية من أقدم عملائها في مجال المشاريع السرية. وكما يقول “اميهاي لوفين” الشريك المؤسس للشركة “هذا لم يكن منتجًا يتم تطويره لاختباره في المعامل بل إننا نطوره لكي يستخدم مباشرة”.
يضيف “لوفين” كأسباب للازدهار هي “أن بيئة العمل في إسرائيل تمتاز بالـ zero tolerance أي ممنوع الخطأ” وأيضا “هناك الكثير من الضغوط لتطوير شيء يعمل فعلا، وليس فقط في بيئات المختبر”، وهذان يوفران إلحاحًا يجعل المقر الرئيسي للشركة في وادي السليكون تتناثر فيه المقاعد وطاولات البينج بونج بلا استخدام.
يضرب “لوفين” مثالًا بالحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل والتي اشتعلت في يوليو 2014 “إن أداء القبة الحديدية لا يمكن تطويره في معامل ال R & D بدون تهديدات خطيرة”. لأن تصميم النظام يعتمد على أنه يعمل كمضاد للصواريخ عن طريق تفجير الصواريخ القادمة قبل أن تهبط، وقد تم نشر كثير منها في الشهر الماضي. على الرغم من المخاوف فإن “القبة الحديدية” هي في الواقع أقل فعالية من متطلبات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع تنحية فرق القوة والتكنولوجيا بين جانبي الصراع فإن تعقد نظام القبة الحديدية أبعد ما يكون عن التطور بالمقارنة بالأنظمة الأخرى المضادة للصواريخ.
على المدى الطويل، الضغط المكثف لجعل الأنظمة تعمل في الواقع يمكن أن يكون شيئًا جيدًا للسوق. فيقول “لوفن” “المنتجات تحتاج منذ البداية الى رؤية شاملة للمخرجات لكي تنضج، خاصة في المنتجات الاستهلاكية”، وذلك نقلا عن بدايات أنظمة الـGPS كأداة دفاع أوضح، لو كان بدايتها مجرد أداة تتبع لكان لها سقف ضعيف يؤثر على عملها.
لذلك ربما كان من المنطقي وجود دعم حكومي غير عادي للحصول على أفكار جديدة . يقول “غيورا إنجل” الذي يعمل لدىLightCyber أن المؤسسات الحكومية غالبًا ما تكون بطيئة في التكيف لأنها تأخذ وقتها في استخدام التكنولوجيا الجديدة. ولكن إسرائيل كانت واحدة من أوائل الدول في تطوير قسم أمن الفضاء التخيلي، ويعود ذلك من عام 1997. ومنذ ذلك الحين، سيطرة تلك الأفكار بهدوء في كل مشاريع الإنترنت في البلاد، مثل ستكسنت، دودة الكمبيوتر المصممة الشهيرة في مشروع مشترك بين الولايات المتحدة والقوات الإسرائيلية التي ضربت بنجاح وأخرجت عن العمل خمسة من أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية في عام 2010.
وفي الآونة الأخيرة، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عام 2011 بإنشاء مكتب الفضاء التخيلي الوطني مكتب السايبر الوطني (NCB)، التي ترفع تقاريرها مباشرة إلى مكتب نتنياهو وزيادة ميزانيات دفاع الفضاء التخيلي في البلاد بنسبة 30 في المئة. ولم يضع أي معوقات حول الغرض منه، قائلا: “أنشأنا مكتب سايبر الوطنية لغرض تحويل دولة إسرائيل إلى دولة عظمى في الإنترنت”. ومن وقت تشغيله بدأفي السيطرة على مشاريع المبادرات في مجال الإنترنت في العالم، وأضاف نتنياهو “هناك الكثير من الدعم لتكنولوجيا جديدة من الحكومة”. تقول الكاتبة أنه بالرجوع إلى “إنجل” مستفسرة قال أن الحكومة تفعل ذلك لأنها تدرك أن الشركات الناشئة يمكن أن تحقق لهم أنجح المشاريع التكنولوجية في معظم القطاعات وذات قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد”. وتشير الإحصاءات أن هذه الاستراتيجية أدت إلى ان 14.5 في المئة من جميع الشركات التي تعمل في استثمارات الإنترنت في جميع أنحاء العالم مملوكة من قبل الإسرائيليين
تضيف الكاتبة بانه بالطبع هناك مساوئ في إدارة الأعمال التجارية في منطقة تعاني من العنف ويسيطر عليها الجيش، وتنقل عن “إنجل” “أنه في يوليو شهرالحرب على غزة 2014، استمر العمل على الأقل بمعدلاته العادية، فلقد تم استدعاء بعض الناس لخدمة الاحتياط في الوحدات العسكرية. وأنه من الصعب أن تجري مكالمات جماعية في حين عند أي لحظة قد تهرع الى الملاجئ ” .
وأضاف “لوفن” “في هذا البلد المجنون انت دائما تحت ضغط ، فاذا لم يكن ضغط البقاء حيًا فإنه ضغط السوق”.
* (ستوكسنت أو ستكسنت (بالإنجليزيةStuxnet: هو دودة حاسوب تصيب نظام الويندوز ويُعتقد أنه من صنع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل [1] ، تم اكتشافه أول مرة في حزيران \ يونيو 2010 من قبل “فيروس بلوك أد” بالإنجليزية (VirusBlockAda) وهي شركة أمن مقرها في روسيا البيضاء.
المصدر
( الموقع المفضل بالنسبه لي من ملايين المواقع )
وانصح الجميع بمتابعته
ساسة بوست
http://www.sasapost.com/why-are-isreal-startups-leading-the-tech-world/