بعد هزيمة ألفونسو السادس في معركة الزلاقة الشهيرة تهيب من الدخول في صدام مباشر مع المرابطين، بعد أن خبر قوتهم عن كثب وحين توفي أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» عاودته أحلامه في استرداد الأندلس وحاول استغلال ظروف الانتقال السياسي بالمغرب لصالح دولته، فالأخبار الواردة من المغرب تشير إلى أن خليفة يوسف بن تاشفين لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره وأن ابن أخيه رفض بيعته، كل ذلك أذكى في قلب ألفونسو حماسه القديم للانقضاض على الأندلس، ثم إنه بينه وبين المرابطين الذين أفنوا جيشه في الزلاقة ثأرا قديما لا يمكنه نسيانه، وقد أضاف المؤرخون «أشباخ» عاملا آخر إلى هذه العوامل التي دفعت ألفونسو إلى خوض حرب جديدة ضد المرابطين، فزوجته لم تكن غير «زايدة» ابنة المعتمد بن عباد التي لم تتوقف عن مطالبته بالانتقام لأبيها، وهكذا سيدفع «ألفونسو»برجاله لشن الغارات المتواصلة على الولايات المرابطية المتاخمة لحدود بلاده.
كان خطر ألفونسو يتعاظم يوما بعد يوم وعملياته الحربية تزداد خطورة وشراسة وليس هناك إلا أمر من بين اثنين، أن ينهض من المغرب من يعيد للأندلس مجد الزلاقة وبطولاتها أو أن تضيع الأندلس للأبد ، ولم يكن هذا البطل المخلص غير علي بن يوسف بن تاشفين.
تولى علي بن يوسف حكم دولة المرابطين بعد أبيه بمباركة كل الفقهاء المرابطين، ومع أنه لم يكن أكبر إخوته سنا إلا أن سجاياه أهلته للقيادة وكان أول مبايعيه أخوه الأكبر «أبو الطاهر تميم» يقول المراكشي: «كان حسن السيرة جيد الطوية نزيه النفس بعيدا عن الظلم، وكان إلى أن يعد في الزهاد والمتبتلين أقرب منه إلى أن يعد في الملوك والمتغلبين، واشتد إيثاره لأهل الفقه والدين، وكان لا يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء».
إن صغر سن علي بن يوسف لم يحل دون تمتعه بالحكمة وبعد النظر وما تقريبه للعلماء ومشاورتهم إلا دليل على نضجه المبكر، كانت الدولة المرابطية في عصره مترامية الأطراف يقول لسان الدين بن الخطيب عن ذلك: «ملك جميع بلاد المغرب إلى بجاية إلى الأرض الأندلسية والجزر الجوفية وبلاد القبلة بأسرها وخطب له على أكثر من ألفي منبر».
وإذا كان علي بن يوسف قد وجد نفسه منذ توليه زمام الحكم أمام مهمة عسيرة تتمثل في إدارة إمبراطورية عظيمة، فإن أمر الإدارة والسياسة لم يكن شيئا مذكورا عندئذ أمام خطر «ألفونسو»، فمستقبل الأندلس حينها كان متوقفا على ما ستتمخض عنه المواجهة بينهما. أصدر علي بن يوسف أوامره لأخيه تميم بالتحرك نحو مدينة «أقليش» الحصينة في أواخر رمضان سنة 501ه، برفقة قائدين عظيمين من قادة المرابطين وهما محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة، وحين علم ألفونسو باقتراب الجيوش المرابطية أرسل إليهم قائده «ألبرهانس» برفقة ولده «سانشو» الذي لم يكن يتجاوز الأحد عشر من عمره لملاقاتهم، وفي يوم الجمعة سادس عشر شوال اصطدم الجيشان في قتال عنيف ورغم تفوق الجيش الإسباني عدة وعتادا استطاع المرابطون هزيمته . قتل في المعركة يومها سبعة من الكونتات الذين كانوا يؤلفون حاشية الأمير فسميت المعركة بمعركة «الكونتات السبعة» كما قتل سانشو بعد اختلاطه ببعض الفرسان أثناء احتدام القتال، فحزن والده لمقتله حزنا عظيما.
إن معركة أقليش لم تنل ما تستحق من اهتمام في التاريخ الإسلامي مع أنها لا تقل أهمية عن الزلاقة والأرك وحطين وعين جالوت وغيرها من معارك الإسلام الكبرى، وقد كان عدد قتلى قوات ألفونسو فيها عشرين ألف مقاتل أو يزيد. بلغت الأندلس ذروة مجدها بعد هذا النصر المؤزر وأثبت علي بن يوسف أنه أهل لقيادة الأمة ولم تكن أقليش المعركة الوحيدة التي سيخوضها علي ضد أعدائه فقد عبر المضيق عام 503ه وحاصر طليطلة ثم هاجم مدريد وهزم النصارى في معركة «القضاة» في نفس السنة، وضم سرقسطة إلى ملكه عام 505ه وحارب القوى النصرانية عام 528ه وهزمها مجددا في معركة «إفراغة»، ومن مواقفه المشهودة في حرب الإسبان أنه انكشف عنه رجاله في معركة «البكار» عام 528ه، فنصحه بعض رجاله بالفرار فامتشق سيفه وولى وجهه شطر عدوه يطلب الموت في ساحة الوغى، كما يجدر بملك عظيم من ذرية يوسف بن تاشفين، صائحا في وجه من نصحه بالفرار « لا أسلمُ ولا أسلّم الأمة، لن أهرب وأترك العامة تضيع».
يقول ابن الصيرفي في وصف هذا الموقف :
يا أيها الملك الذي يتقنع
من منكم البطل الهمام الأروع
ومن الذي غدر العدو به دجى
فانفض كل وهو لا يتزعزع
كان مُلك علي عظيما وقد نقل المؤرخون عن عهده أن «البلاد كانت فيه ساكنة والأموال وافرة والرعايا آمنة»، غير أن حكمه تعرض لرجات عنيفة في نهايته بسبب قيام ابن تومرت عليه، وقد كانت وفاته عام 537ه بمراكش عن عمر يناهز ستين عاما .
http://almassae.press.ma/node/14434