يعرف معظمنا عن شعب الفايكنج المحارب لكن الكثيرين لا يعرفون عن علاقته بالعالم الاسلامي ويظنون انه كان محصورا في اوروبا فقط
كان الفايكنج يحضرون الى الشرق الاوسط للتجارة عن طريق نهر الفولغا قادمين من اسكندنافيا وكان العرب يسمونهم الروس وكانوا يحضرون معهم العبيد السلاف وجلود الحيوانات البرية الفاخرة لبيعها في اسواق بغداد والقوقاز وفارس و يشترون في المقابل بضائع الشرق التي كانت احسن (ماركة) في ذلك العصر ومنها الفولاذ والحرير والمصوغات الذهبية والعطور ليعودوا الى اوربا به والفايكنج كانوا وثنيين يعبدون اوثانا شتى وكانت لهم غارات على سواحل اذربيجان وشروان في الشرق وكذلك على سواحل الاندلس في الغرب لكن لوجود حكومات وجيوش قوية في العالم الاسلامي في تلك الفترة فقد ردهم على اعقابهم اكثر من مرة مما جعلهم في النهاية يتجنبون الموانئ الاسلامية ويكتفوا بالغارات على اوربا ويعملوا فيها بالقتل والسلب والنهب
كتب ابن الاثير في كتابه الكامل في التاريخ وذلك في عصر ضعف الخلافة زمن بني بويه (في هذه السنة خرجت طائفة من الروسية في البحر إلى نواحي أذربيجان ، وركبوا في البحر في نهر الكر- وهو نهر كبير- فانتهوا إلى بردعة . فخرج إليهم نائب المرزبان ببردعة في جمع من الديلم والمطوعة يزيدون على خمسة آلاف رجل ، فلقوا الروس . فلم يكن إلا ساعة حتى انهزم المسلمون منهم ، وقتل الديلم عن آخرهم وتبعهم الروس إلى البلد . فهرب من كان له مركوب ، وترك البلد فنزله الروس ، ونادوا فيه بالأمان ، فاحسنوا السيرة ؟؟(لا ادري كيف ذلك وهم المعروفون بالهمجية والغدر والقسوة وكثرة المذابح وسفك الدماء والسلب والنهب في كل مكان قصدوه) . وأقبلت العساكر الإسلامية من كل ناحية ، فكانت الروس تقاتلهم فلا يثبت المسلمون لهم . وكان عامة البلد يخرجون ويرجمون الروس بالحجارة، ويصيحون بهم فينهاهم الروس عن ذلك ، فلم ينتهوا سوى العقلاء فإنهم كفوا أنفسهم ، وسائر العامة والرعاع لا يضبطون أنفسهم . فلما طال ذلك عليهم نادى مناديهم بخروج أهل البلد منه ، وأن لا يقيموا بعد ثلاثة أيام ، فخرج من كان له ظهر يحمله ، وبقي أكثرهم بعد الأجل فوضع الروسية فيهم السلاح فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وأسروا بعد القتل بضعة عشر ألف نفس . وجمعوا من بقي بالجامع ، وقالوا : اشتروا أنفسكم وإلا قتلناكم " . وسعى لهم انسان نصراني فقرر عن كل رجل عشرين درهما فلم يقبل منهم إلا عقلاؤهم فلما رأى الروسية أنه لا يحصل منهم شيء قتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم إلا الشريد ، وغنموا أموال أهلها واستعبدوا السبي ، واختاروا من النساء من استحسنوها .
لما فعل الروس بأهل بردعة ، ما ذكرناه ، استعظمه المسلمون وتنادوا بالنفير ، وجمع المرزبان بن محمد الناس واستنفرهم ، فبلغ عدة من معه ثلاثين ألفا ، وسار بهم فلم يقاوم الروسية . وكان يغاديهم القتال ، ويراوحهم فلا يعود إلا مفلولا ، فبقوا كذلك أياما كثيرة . وكان الروسية قد توجهوا نحو مراغة ، فاكثروا من أكل الفواكه فأصابهم الوباء ، وكثرت الامراض والموت فيهم . ولما طال الأمر على المرزبان أعمل الحيلة ، فرأى أن يكمن كمينا ، ثم يلقاهم في عسكره ويتطارد لهم فاذا خرج الكمين عاد عليهم ، فتقدم إلى أصحابه بذلك ورتب الكمين ، ثم لقيهم واقتتلوا فتطارد لهم المرزبان ، وأصحابه وتبعهم الروسية ، حتى جازوا موضع الكمين فاستمر الناس على هزيمتهم لا يلوي أحد على أحد . فحكى المرزبان قال : صحت بالناس ليرجعوا ، فلم يفعلوا ، لما تقدم في قلوبهم من هيبة الروسية ، فعلمت أنه إن استمر الناس على الهزيمة قتل الروس أكثرهم ، ثم عادوا إلى الكمين ، ففطنوا بهم فقتلوهم عن آخرهم ، قال : فرجعت وحدي وتبعني أخي وصاحبي ووطنت نفسي على الشهادة فحينئذ عاد أكثر الديلم استحياء ، فرجعوا وقاتلناهم ، ونادينا بالكمين بالعلامة بيننا ، فخرجوا من ورائهم ، وصدقناهم القتال ، فقتلنا منهم خلقا كثيرا منهم أميرهم . والتجأ الباقون الى حصن البلد - وتسمى شهرستان - وكانوا قد نقلوا إليه ميرة كثيرة ، وجعلوا معهم السبي ، والأموال ، فحاصرهم المرزبان وصابرهم .
فأتاه الخبر بأن أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان ، قد سار إلى أذربيجان وأنه واصل إلى سلماس (أ) . وكان ابن عمه ناصر الدولة قد سيره ليستولي على أذربيجان فلما بلغ الخبر إلى المرزبان ترك على الروسية من يحاصرهم ، وسار إلى ابن حمدان فأقتتلوا ، ثم نزل الثلج فتفرق أصحاب ابن حمدان ، لأن أكثرهم أعراب ، ثم أتاه كتاب ناصر الدولة يخبره بموت توزون ، وأنه يريد الانحدار إلى بغداد ، ويأمره بالعود إليه فرجع ، وأما أصحاب المرزبان فإنهم أقاموا يقاتلون الروسية وزاد الوباء على الروسية ، فكانوا إذا دفنوا الرجل ، دفنوا معه سلاحه ، فاستخرج المسلمون من ذلك شيئاً كثيرا بعد انصراف الروس . وثم أنهم خرجوا من الحصن ليلاً ، وقد حملوا على ظهورهم ما أرادوا من الأموال وغيرها ، ومضوا الى الكر ، وركبوا في سفنهم ومضوا ، وعجز أصحاب المرزبان عن اتباعهم وأخذ ما معهم ، فتركوهم وطهر الله البلاد منهم)
وكتب المسعودي في كتابه مروج الذهب (والروس: أمم كثيرة وأنواع شتى، ومنهم من يقال لهم اللوذعانة، وهم الأكثرون، يختلفون بالتجارة إلى بلاد الأندلس ورومية وقسطنطينية والخزر، وقد كان بعد الثلاثمائة ورد عليهم نحو من خمسمئة مركب، في كل مركب مئة نفس، فدخلوا خليج نيطس المتصل ببحر الخزر، و هنالك رجال ملك الخزر مرتبين بالعدد القوية يصدّون من يرد من ذلك البحر، ومن يرد من ذلك الوجه من البر الذي شعبه من بحر الخزر تتصل ببحر نيطس، وذلك أن بوادي الترك الغز ترد إلى ذلك البر وتُشتِّي هنالك، فربما يجمد هذا الماء المتصل من نهر الخزر إلى خليج نيطس، فتعبر الغز عليه بخيولها، وهو ماء عظيم، فلا ينخسف من تحتهم لشدة استحجاره، فتغير على بلاد الخزر، وربما يخرج إليهم ملك الخزر إذا عجز من هنالك من رجاله المرتبين عن دفعهم ومنعهم العبور على ذلك الجمد.
وأما في الصيف فلا سبيل للترك إلى العبور، فلما وردت مراكب الروس إلى رجال الخزر المرتبين على فم الخليج راسلوا ملك الخزر في أن يجتازوا البلاد وينحدروا في نهره فيدخلوا نهر الخزر ويتصلوا ببحر الخزر الذي هو بحر جرجان وطبرستان وغيرهما من بلاد الأعاجم على ما ذكرنا، ويجعلوا لملك الخزر النصف مما يغنمون ممن هناك من الأمم على ذلك البحر، فأباحهم ذلك، فدخلوا الخليج واتصلوا بمصب النهر فيه، وساروا مصعدين في تلك الشعبة من الماء، حتى وصلوا إلى نهر الخزر، وانحدروا فيه إلى مدينة آمل واجتازوا بها وانتهوا إلى فم النهر ومصبه إلى البحر الخزري، ومن مصب النهر إلى مدينة آمل وهو نهر عظيم، وماء كثير فانتشرت مراكب الروس في هذا البحر، وطرحت سراياها إلى الجبل والديلم وبلاد طبرستان وآبسكون، وهي بلاد على ساحل جرجان وبلاد النفاطة، ونحو بلاد أذربيجان.
وذلك أن من بلاد أردبيل من بلاد أذربيجان إلى هذا البحر نحو ثلاثة أيام، فسفكت الروس الدماء، واستباحت النسوان والولدان، وغنمت الأموال، وشنت الغارات، وأخربت، وأحرقت، فضج من حول هذا البحر من الأمم، لأنهم لم يكونوا يعهدون في قديم الزمان عدوّا يطرقهم فيه، وإنما تختلف فيه مراكب التجار والصيد. وكانت لهم حروب كثيرة مع الجبل والديلم مع قائد لابن أبي الساج، فانتهوا إلى ساحل النفاطة من مملكة شروان المعروفة بباكة، وكانت الروس تأوى عند رجوعها من غاراتها إلى جزائر تقرب من النفاطة على أميال منها، وكان ملك شروان يومئذ علي بن الهيثم، فاستعد الناس، وركبوا في القوارب، ومراكب التجار، وساروا نحو تلك الجزائر، فمالت عليهم الروس، فقتل من المسلمين وغرق ألوف، وأقام الروس شهوراً كثيرة في هذا البحر على ما وصفنا لا سبيل لأحد ممن جاور هذا البحر من الأمم إليهم، والناس مهتابون لهم، حذرون منهم لأنه بحر غامر لمن حوله من الأمم، فلما غنموا و سئموا ماهم فيه ساروا إلى فم نهر الخزر ومصبه، فراسلوا ملك الخزر وحملوا إليه الأموال والغنائم على ما اشترط عليهم.
وملك الخزر لا مراكب له، وليس لرجاله بها عادة، ولولا ذلك لكان على المسلمين منهم آفة عظيمة، وعلم بشأنهم اللارسية ومن في البلاد الخزر من المسلمين، فقالوا لملك الخزر: خلنا وهؤلاء القوم فقد أغاروا على بلاد إخواننا المسلمين، وسفكوا الدماء، وسبوا النساء والذراري، فلم يتمكن الملك من منعهم، وبعث إلى الروس فأعلمهم بما قد عزم عليه المسلمون من حربهم، وعسكروا، وخرجوا يطلبونهم منحدرين مع الماء فلما وقعت العين على العين خرجت الروس عن مراكبها، وصافُّوا المسلمين، وكان مع المسلمين خلق من النصارى من المقيمين بمدينة آمل، وكان المسلمون نحو خمسة عشر ألفاً بالخيل والعدد، فأقام الحرب بينهم ثلاثة أيام، ونصر الله المسلمين عليهم، وأخذهم السيف:فمن قتيل، وغريق، ونجا منهم نحو خمسة آلاف، وركبوا في المراكب إلى ذلك الجانب مما يلي بلاد برطاس، وتركوا مراكبهم وتعلقوا بالبر، فمنهم من قتله أهل برطاس، ومنهم من وقع إلى بلاد البرغز إلى المسلمين فقتلوهم، وكان من وقع عليه الاحصاء ممن قتله المسلمون على شاطىء نهر الخزر نحواً من ثلاثين ألفاً، ولم يكـن للروس من تلك السنة عودة إلى ما ذكرنا. )
كان الفايكنج يحضرون الى الشرق الاوسط للتجارة عن طريق نهر الفولغا قادمين من اسكندنافيا وكان العرب يسمونهم الروس وكانوا يحضرون معهم العبيد السلاف وجلود الحيوانات البرية الفاخرة لبيعها في اسواق بغداد والقوقاز وفارس و يشترون في المقابل بضائع الشرق التي كانت احسن (ماركة) في ذلك العصر ومنها الفولاذ والحرير والمصوغات الذهبية والعطور ليعودوا الى اوربا به والفايكنج كانوا وثنيين يعبدون اوثانا شتى وكانت لهم غارات على سواحل اذربيجان وشروان في الشرق وكذلك على سواحل الاندلس في الغرب لكن لوجود حكومات وجيوش قوية في العالم الاسلامي في تلك الفترة فقد ردهم على اعقابهم اكثر من مرة مما جعلهم في النهاية يتجنبون الموانئ الاسلامية ويكتفوا بالغارات على اوربا ويعملوا فيها بالقتل والسلب والنهب
كتب ابن الاثير في كتابه الكامل في التاريخ وذلك في عصر ضعف الخلافة زمن بني بويه (في هذه السنة خرجت طائفة من الروسية في البحر إلى نواحي أذربيجان ، وركبوا في البحر في نهر الكر- وهو نهر كبير- فانتهوا إلى بردعة . فخرج إليهم نائب المرزبان ببردعة في جمع من الديلم والمطوعة يزيدون على خمسة آلاف رجل ، فلقوا الروس . فلم يكن إلا ساعة حتى انهزم المسلمون منهم ، وقتل الديلم عن آخرهم وتبعهم الروس إلى البلد . فهرب من كان له مركوب ، وترك البلد فنزله الروس ، ونادوا فيه بالأمان ، فاحسنوا السيرة ؟؟(لا ادري كيف ذلك وهم المعروفون بالهمجية والغدر والقسوة وكثرة المذابح وسفك الدماء والسلب والنهب في كل مكان قصدوه) . وأقبلت العساكر الإسلامية من كل ناحية ، فكانت الروس تقاتلهم فلا يثبت المسلمون لهم . وكان عامة البلد يخرجون ويرجمون الروس بالحجارة، ويصيحون بهم فينهاهم الروس عن ذلك ، فلم ينتهوا سوى العقلاء فإنهم كفوا أنفسهم ، وسائر العامة والرعاع لا يضبطون أنفسهم . فلما طال ذلك عليهم نادى مناديهم بخروج أهل البلد منه ، وأن لا يقيموا بعد ثلاثة أيام ، فخرج من كان له ظهر يحمله ، وبقي أكثرهم بعد الأجل فوضع الروسية فيهم السلاح فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وأسروا بعد القتل بضعة عشر ألف نفس . وجمعوا من بقي بالجامع ، وقالوا : اشتروا أنفسكم وإلا قتلناكم " . وسعى لهم انسان نصراني فقرر عن كل رجل عشرين درهما فلم يقبل منهم إلا عقلاؤهم فلما رأى الروسية أنه لا يحصل منهم شيء قتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم إلا الشريد ، وغنموا أموال أهلها واستعبدوا السبي ، واختاروا من النساء من استحسنوها .
لما فعل الروس بأهل بردعة ، ما ذكرناه ، استعظمه المسلمون وتنادوا بالنفير ، وجمع المرزبان بن محمد الناس واستنفرهم ، فبلغ عدة من معه ثلاثين ألفا ، وسار بهم فلم يقاوم الروسية . وكان يغاديهم القتال ، ويراوحهم فلا يعود إلا مفلولا ، فبقوا كذلك أياما كثيرة . وكان الروسية قد توجهوا نحو مراغة ، فاكثروا من أكل الفواكه فأصابهم الوباء ، وكثرت الامراض والموت فيهم . ولما طال الأمر على المرزبان أعمل الحيلة ، فرأى أن يكمن كمينا ، ثم يلقاهم في عسكره ويتطارد لهم فاذا خرج الكمين عاد عليهم ، فتقدم إلى أصحابه بذلك ورتب الكمين ، ثم لقيهم واقتتلوا فتطارد لهم المرزبان ، وأصحابه وتبعهم الروسية ، حتى جازوا موضع الكمين فاستمر الناس على هزيمتهم لا يلوي أحد على أحد . فحكى المرزبان قال : صحت بالناس ليرجعوا ، فلم يفعلوا ، لما تقدم في قلوبهم من هيبة الروسية ، فعلمت أنه إن استمر الناس على الهزيمة قتل الروس أكثرهم ، ثم عادوا إلى الكمين ، ففطنوا بهم فقتلوهم عن آخرهم ، قال : فرجعت وحدي وتبعني أخي وصاحبي ووطنت نفسي على الشهادة فحينئذ عاد أكثر الديلم استحياء ، فرجعوا وقاتلناهم ، ونادينا بالكمين بالعلامة بيننا ، فخرجوا من ورائهم ، وصدقناهم القتال ، فقتلنا منهم خلقا كثيرا منهم أميرهم . والتجأ الباقون الى حصن البلد - وتسمى شهرستان - وكانوا قد نقلوا إليه ميرة كثيرة ، وجعلوا معهم السبي ، والأموال ، فحاصرهم المرزبان وصابرهم .
فأتاه الخبر بأن أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان ، قد سار إلى أذربيجان وأنه واصل إلى سلماس (أ) . وكان ابن عمه ناصر الدولة قد سيره ليستولي على أذربيجان فلما بلغ الخبر إلى المرزبان ترك على الروسية من يحاصرهم ، وسار إلى ابن حمدان فأقتتلوا ، ثم نزل الثلج فتفرق أصحاب ابن حمدان ، لأن أكثرهم أعراب ، ثم أتاه كتاب ناصر الدولة يخبره بموت توزون ، وأنه يريد الانحدار إلى بغداد ، ويأمره بالعود إليه فرجع ، وأما أصحاب المرزبان فإنهم أقاموا يقاتلون الروسية وزاد الوباء على الروسية ، فكانوا إذا دفنوا الرجل ، دفنوا معه سلاحه ، فاستخرج المسلمون من ذلك شيئاً كثيرا بعد انصراف الروس . وثم أنهم خرجوا من الحصن ليلاً ، وقد حملوا على ظهورهم ما أرادوا من الأموال وغيرها ، ومضوا الى الكر ، وركبوا في سفنهم ومضوا ، وعجز أصحاب المرزبان عن اتباعهم وأخذ ما معهم ، فتركوهم وطهر الله البلاد منهم)
وكتب المسعودي في كتابه مروج الذهب (والروس: أمم كثيرة وأنواع شتى، ومنهم من يقال لهم اللوذعانة، وهم الأكثرون، يختلفون بالتجارة إلى بلاد الأندلس ورومية وقسطنطينية والخزر، وقد كان بعد الثلاثمائة ورد عليهم نحو من خمسمئة مركب، في كل مركب مئة نفس، فدخلوا خليج نيطس المتصل ببحر الخزر، و هنالك رجال ملك الخزر مرتبين بالعدد القوية يصدّون من يرد من ذلك البحر، ومن يرد من ذلك الوجه من البر الذي شعبه من بحر الخزر تتصل ببحر نيطس، وذلك أن بوادي الترك الغز ترد إلى ذلك البر وتُشتِّي هنالك، فربما يجمد هذا الماء المتصل من نهر الخزر إلى خليج نيطس، فتعبر الغز عليه بخيولها، وهو ماء عظيم، فلا ينخسف من تحتهم لشدة استحجاره، فتغير على بلاد الخزر، وربما يخرج إليهم ملك الخزر إذا عجز من هنالك من رجاله المرتبين عن دفعهم ومنعهم العبور على ذلك الجمد.
وأما في الصيف فلا سبيل للترك إلى العبور، فلما وردت مراكب الروس إلى رجال الخزر المرتبين على فم الخليج راسلوا ملك الخزر في أن يجتازوا البلاد وينحدروا في نهره فيدخلوا نهر الخزر ويتصلوا ببحر الخزر الذي هو بحر جرجان وطبرستان وغيرهما من بلاد الأعاجم على ما ذكرنا، ويجعلوا لملك الخزر النصف مما يغنمون ممن هناك من الأمم على ذلك البحر، فأباحهم ذلك، فدخلوا الخليج واتصلوا بمصب النهر فيه، وساروا مصعدين في تلك الشعبة من الماء، حتى وصلوا إلى نهر الخزر، وانحدروا فيه إلى مدينة آمل واجتازوا بها وانتهوا إلى فم النهر ومصبه إلى البحر الخزري، ومن مصب النهر إلى مدينة آمل وهو نهر عظيم، وماء كثير فانتشرت مراكب الروس في هذا البحر، وطرحت سراياها إلى الجبل والديلم وبلاد طبرستان وآبسكون، وهي بلاد على ساحل جرجان وبلاد النفاطة، ونحو بلاد أذربيجان.
وذلك أن من بلاد أردبيل من بلاد أذربيجان إلى هذا البحر نحو ثلاثة أيام، فسفكت الروس الدماء، واستباحت النسوان والولدان، وغنمت الأموال، وشنت الغارات، وأخربت، وأحرقت، فضج من حول هذا البحر من الأمم، لأنهم لم يكونوا يعهدون في قديم الزمان عدوّا يطرقهم فيه، وإنما تختلف فيه مراكب التجار والصيد. وكانت لهم حروب كثيرة مع الجبل والديلم مع قائد لابن أبي الساج، فانتهوا إلى ساحل النفاطة من مملكة شروان المعروفة بباكة، وكانت الروس تأوى عند رجوعها من غاراتها إلى جزائر تقرب من النفاطة على أميال منها، وكان ملك شروان يومئذ علي بن الهيثم، فاستعد الناس، وركبوا في القوارب، ومراكب التجار، وساروا نحو تلك الجزائر، فمالت عليهم الروس، فقتل من المسلمين وغرق ألوف، وأقام الروس شهوراً كثيرة في هذا البحر على ما وصفنا لا سبيل لأحد ممن جاور هذا البحر من الأمم إليهم، والناس مهتابون لهم، حذرون منهم لأنه بحر غامر لمن حوله من الأمم، فلما غنموا و سئموا ماهم فيه ساروا إلى فم نهر الخزر ومصبه، فراسلوا ملك الخزر وحملوا إليه الأموال والغنائم على ما اشترط عليهم.
وملك الخزر لا مراكب له، وليس لرجاله بها عادة، ولولا ذلك لكان على المسلمين منهم آفة عظيمة، وعلم بشأنهم اللارسية ومن في البلاد الخزر من المسلمين، فقالوا لملك الخزر: خلنا وهؤلاء القوم فقد أغاروا على بلاد إخواننا المسلمين، وسفكوا الدماء، وسبوا النساء والذراري، فلم يتمكن الملك من منعهم، وبعث إلى الروس فأعلمهم بما قد عزم عليه المسلمون من حربهم، وعسكروا، وخرجوا يطلبونهم منحدرين مع الماء فلما وقعت العين على العين خرجت الروس عن مراكبها، وصافُّوا المسلمين، وكان مع المسلمين خلق من النصارى من المقيمين بمدينة آمل، وكان المسلمون نحو خمسة عشر ألفاً بالخيل والعدد، فأقام الحرب بينهم ثلاثة أيام، ونصر الله المسلمين عليهم، وأخذهم السيف:فمن قتيل، وغريق، ونجا منهم نحو خمسة آلاف، وركبوا في المراكب إلى ذلك الجانب مما يلي بلاد برطاس، وتركوا مراكبهم وتعلقوا بالبر، فمنهم من قتله أهل برطاس، ومنهم من وقع إلى بلاد البرغز إلى المسلمين فقتلوهم، وكان من وقع عليه الاحصاء ممن قتله المسلمون على شاطىء نهر الخزر نحواً من ثلاثين ألفاً، ولم يكـن للروس من تلك السنة عودة إلى ما ذكرنا. )