تحديات إستراتيجية شائكة أمام إسرائيل

إنضم
12 ديسمبر 2013
المشاركات
2,924
التفاعل
5,296 0 0
رغم حديث بعض المحليين الإستراتيجيين الإسرائيليين عن مكاسب مهمة انتزعتها إسرائيل، في السنوات الماضية، يقر أولئك بوجود معضلات يواجهها صناع القرار في تل أبيب، وتشكِّل تحديات إستراتيجية أي خطأ في التعاطي معها سيؤدي إلى خسائر إسرائيلية كبيرة ستؤثر بعمق في ميزان الصراع.

372560764.jpg


تقييم الخبراء السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين لحصيلة التطورات في منطقة الشرق الأوسط، خلال عام 2013 والشهور الأولى من العام الجاري، أنها صبت في صالح إسرائيل، بتراجع التهديدات التي كانت تمثلها ثورات "الربيع العربي"، وغرق دول الجوار في أزماتها الداخلية، بما يقلص إلى حد بعيد التهديدات العسكرية التقليدية التي يمكن أن تواجهها إسرائيل، ونجاح الجيش الإسرائيلي في الاستفادة من دروس حرب تموز/ يوليو 2006 مع مقاتلي "حزب الله"، والحربين الأخيرتين على قطاع غزة، بتعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية في مواجهة تهديد الصواريخ.

ويضع من يدعمون هذا الرأي في حساباتهم وتقديراتهم أن حركة "حماس" تعاني من حصار سياسي ومالي خانق، أدى إلى تراجع شعبيتها وقدرتها على مواصلة سيطرتها على قطاع غزة، وأن "حزب الله" دخل في معركة استنزاف قاسية بتورطه عسكرياً في الأزمة السورية. بينما تنفست الأنظمة العربية التقليدية في الخليج العربي الصعداء بتراجع قوة جماعات "الإسلام السياسي" الرئيسية، التي حصدت في بداية ثورات "الربيع العربي" مكاسب سياسية كبرى.

إلا أن واضعي هذه الحسابات والتقديرات يستدركونها بوضع العديد من الملاحظات الاحترازية، تحسباً لعدم الوقوع في قراءات خاطئة تنطلق من اعتبار تلك الحسابات والتقديرات تستند إلى أحكام مطلقة وقطعية تنقض حقيقة أن الوقائع تظل متحركة ومتداخلة على الأرض، كما تنقض مبدأ التحليل ذاته إذا ما انحرفت نحو قراءات أحادية الجانب ومبتسرة.

فإسرائيل بقطع النظر عما حققته، وفقاً لأكثرية المحللين الإسرائيليين، ستبقى أمامها الكثير من التحديات الإستراتيجية، سياسية وعسكرية وأمنية، تفرض على صناع القرار في تل أبيب ليس فقط وضع خطط إستراتيجية تأخذ التحديات قبل المكاسب في حساباتها، بل وأيضاً وضع خطط بديلة تحسباً لاحتمال فشل الخطط الرئيسية.
رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، عاموس يادلين، نشر مؤخراً دراسة مطولة تحت عنوان "في مواجهة التهديدات الإستراتيجية للأمن القومي"، وترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، اعتبر فيها أن جردة حساب عام 2013 جاءت في صالح إسرائيل، للعديد من الأسباب يذكر منها:

تمتعت إسرائيل بهدوء شبه تام عند حدودها. الردع الإسرائيلي قوي جداً وذو فاعلية واضحة ضد البلدان المجاورة. على الرغم من الانتفاضات في العالم العربي تم الحفاظ على معاهدات السلام مع مصر والأردن. دعم إدارة أوباما للتفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، وتطوير القدرات الدفاعية الإسرائيلية. تعرض الجيش السوري لإنهاك شديد. مشاركة "حزب الله في القتال في سوريا. تحسن مكانة "فتح" مقابل تراجع مكانة "حماس". تجدد المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية ساهم في تخفيف الضغوط الدولية على إسرائيل، وفي إبطاء وتيرة حملة نزع الشرعية عنها، التي تتعرض لها في الأعوام الأخيرة. الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني وأدت إلى ضعف موقف طهران في مباحثاتها مع المجموعة الدولية (5+1). الاتفاق التمهيدي بين تركيا وإسرائيل لإنهاء الأزمة بينهما.. الخ.

بالمقابل؛ يقرُّ يادلين بأن نظرة إلى أمام نحو المدى الإستراتيجي تبيِّن وجود ثمة ما يدعو للقلق، جراء الاحتمالات التي تنطوي عليها تطورات سلبية إستراتيجية بعيدة المدى، تطرح تحديات ومخاطر كبيرة محتملة على الأمن القومي الإسرائيلي، تقع في صلبها أربع مسائل رئيسية تواجه التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي، وتتطلب سياسات استباقية تنأى بنفسها عن الوضع الراهن، وتحوِّل النزعات السلبية إلى وضع إستراتيجي أكثر ملائمة لإسرائيل.

المسائل الأربعة، حسب يادلين، هي: البرنامج النووي الإيراني، من زاوية احتمال وصول طهران إلى العتبة النووية، واحتمال توقيع اتفاق بينه وبين مجموعة (5+1) يجيز لها الاحتفاظ بالقدرة على التقدم في برنامجها النووي. التداعيات الأمنية السياسية التي ستترتب على فشل عملية المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، ونشوء أوضاع تفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة، وربما انهيار بنية السلطة الفلسطينية نتيجة الإخفاق السياسي والمشاكل الاقتصادية المتراكمة. تداعيات "الربيع العربي" على دول الجوار، فأي حالة من عدم الاستقرار في هذه البلدان ستهدد الأمن القومي الإسرائيلي. وأخيراً، تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد "الربيع العربي"، وانصراف أولويات إدارة أوباما إلى منطقة شرق آسيا، باعتبارها تستقطب المصالح الأمريكية في العقود القادمة.

المشكلة في قراءة يادلين، والقراءات الشبيهة لها من حيث المنطلقات والاستنتاجات والحلول المقترحة، تكمن في أنها تعتمد دائماً منطقاً متناقضاً، في تعاطيها مع ما تسميه الخيارات المعمول بها وإلى جانبها الخيارات البديلة. فتلك الدراسات فيما يخص الملف النووي الإيراني تنطلق من التشكيك في النوايا الإيرانية، واتهام غير مباشر للقوى الدولية الكبرى بأنها تتساهل مع طهران. والخيار أمام إسرائيل في هذه الحالة مواصلة الضغط على حلفائها الغربيين من أجل الإبقاء على العقوبات المفروضة على إيران وزيادتها في حال لم ترضخ للشروط الأمريكية والغربية. وإبقاء اللجوء إلى عمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، كخيار بديل مطروح على الطاولة دائماً.


وإزاء تعثر المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، غالباً ما تقع القراءات الإسرائيلية في تناقضات تؤشر إلى خلل في التفكير السياسي الإسرائيلي، ودراسة يادلين تقدم دليلاً دامغاً على ذلك، بمناقشتها لقشور الخلافات المستعصية، وعدم إدانتها للسلوك الرسمي الإسرائيلي الذي يقوض المفاوضات، لاسيما استمرار حكومة نتنياهو في بناء المستوطنات، ورفضها رسم الحدود بينها وبين الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967، ومطالبة الفلسطينيين الاعتراف بما يسمى" الطابع اليهودي لدولة إسرائيل".. الخ من شروط مجحفة بحق الجانب الفلسطيني.

ليصل يادلين بعدها إلى أن البديل الإسرائيلي الذي تُنصح إسرائيل بتبنيه هو نحو "حل الدولتين" باتفاق مع الجانب الفلسطيني أو بدونه، من خلال فرض اتفاقات مؤقتة، وتأجيل القضايا الجوهرية في الصراع مثل "الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات..." إلى مفاوضات مستقبلية غير مسقوفة زمنياً.

والدرس الذي يجب أن تستخلصه إسرائيل من "الربيع العربي" يبتعد كثيراً، وفقاً لمنطق تحليل يادلين ومن يشاركونه في نظرته، لا يصل إلى المطالبة بأن تستجيب تل أبيب لمتطلبات تسوية شاملة ومتوازنة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.


وهكذا، إن غالبية القراءات والتحليلات الإسرائيلية، التي يحاول أصحابها وضعها في قالب موضوعي، تبقى في الاستخلاصات بعيدة عن الهدف الذي تدعيه، وهذا تحد آخر يضاف إلى التحديات الأربعة المذكورة في دراسة يادلين، وتحديات أخرى لا تقل أهمية لكن لا يتسع المجال لذكرها في هذه المقالة.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها واسف لطول المقالة)
 
عودة
أعلى