" الفابريكة " 1893/1912 فخر صناعة السلاح المغربية

الشبح

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
9 مارس 2008
المشاركات
6,974
التفاعل
25,984 133 0
الدولة
Morocco
السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته إخواني .. في إطار بحثنا عن المستمر عن تلك الصفحات الوضاءة و المشرقة من التاريخ العسكري المغربي من معارك خالدة و أسلحة عظيمة و مواصلة مني للإهتمام بالمعالم العسكرية العمرانية العريقة للمغرب و بعد موضوعي عن المدرسة العسكرية الدار البيضاء ثم الحامية العسكرية (كاسامار) في طرفاية ننتقل اليوم لمعلمة أخرى تشكل جزء من التاريخ المغربي العسكري وهي (فابريكة) السلاح بفاس.

RbunIw.jpg


منذ عهد الأدارسة و المرابطين و الموحدين و المرينين ثم السعديين عرف المغرب على أنه قلعة اسلامين حصينة في الغرب الاسلامي, ملاصقة لأوروبا الصليبية لكنها حافظت على اصالتها و اسلامها, وظلت على هذا المنوال الى حين سقوط الاندلس فإحتلت السواحل المغربية لعشرات السنين قبل ان تنهض الدولة المغربية من جديد عقب معركة (وادي المخازن) التي أعادت للمغرب هيبته الدولية .. فأصبح واحدا من القوى العالمية التي لا محيد عنها .. واستمر الامر قرابة 266 سنة ليكتشف العالم ضعف المغرب عقب الهزيمة المذلة امام الجيش الفرنسي سنة 1844 ثم أمام الجيش الاسباني في 1860 وقبلهما تفكيك الاسطول البحري العسكري المغربي بالقوة في 1817.
وامام هذه الهزائم المتككررة ساد وعي عام لدى الشعب و الدولة بضرورة اصلاح الجيش اصلاحا جذريا تجلى ابتداءا من 1844 بتنظيم الجيش المغربي على النمط الأوروبي و استيراد السلاح المتطور ثم كذلك صناعته من اجل تفادي تكاليف الاستيراد وذلك من خلال انشاء مصانع للسلاح (فابريكات) حيث كانت الأولى في مراكش منذ سنة 1860 في ساحة جامع الفنا الشهيرة, علما ان المغرب عرف مصانع السلاح الناري و المدافع منذ عهد المرينين .. لكن السلاح الناري عرف تطورا هائلا في القرن التاسع عشر حيث لم تعد التقنية المغربية تواكب العصر, وأمام ضعف الطاقة الانتاجية لمصنع مراكش و ضعف جودة الاسلحة تقرر انشاء مصنع اكثر تطور

wHqxST.jpg


قرر السلطان مولاي الحسن الأول رحمه الله التوجه إلى دولة اوروبية اقل (طمعا) في المغرب من اجل عقد اتفاقيات عسكرية لشراء الاسلحة و "نقل التقنية" وهو ما كان يتوفر في إيطاليا, علما ان التنسيق و التعاون الجاد بين البلدين منذ سنة 1869 بعد وصول البعثة الايطالية الى المغرب, و مع توالي السنوات تزايد الاهتمام الايطالي بالمغرب و توج هذا الاهتمام في سنة 1886 بعد إستقبال حظي به السفير الايطالي (سكوفاصو) تم الإتفاق فيه بين المغرب و إيطاليا على (إقامة مصنع للسلاح في فاس بخبرات إيطالية) و (إرسال بعثات عسكرية مغربية إلى إيطاليا) ثم أخيرا (صفقة شراء بارجة حربية إيطالية لفائدة القوات البحرية المغربية ستحمل لاحقا إسم " بشير الإسلام) و اريد لهذا الاتفاق ان يكون سريا بين البلدين, الا ان مخابرات فرنسا و بريطانيا و اسبانيا ما لبثت ان اكتشفت الامر.

صور خاصة بتصميم السفينة الحربية المغربية " بشير الإسلام بخوافق الأعلام "

LDEjwD.jpg


gnAL5n.jpg


أما فيما يخص مصنع السلاح في فاس فقد كان يشرف عليه ثلات مهندسين ايطالين و هم ايضا من اشرف على مكان بنائه وهم الكولونيل (جيورجيو بريكولي) و الميجور قائد مدفعي (لويجي فالطا) ثم الميكانيكي (باتيستا نوتاري) و تم منحهم جميع الامتيازات من مسكن و رواتب و امكانية للتنقل و بعد الكثير من الدراسات تم اتخاذ قرار بناء المصنع في رحاب القصر السلطاني على نهر فاس قرب موقع (بوجلود) او (ابي الجلود) وكان المصنع من تصميم الكولونيل بريكولي و ظل محاطا بسرية تامة و بدأت أشغال البناء في 1889 و انتهت في 1893 و قامت البعثة لذلك الغرض بإقامة مشاريع كبيرة من بينها تزويد مناطق كثيرة من فاس بالكهرباء بما فيها جامعة القرويين و بحكم ان المصنع كان يحتاج للكهرباء التي لم تكن متوفرة بشكل كبير في المغرب انذاك و اعتبارا لأهمية المشروع فقد تم ربط المصنع مباشرة بخط هاتفي من القصر في 1890 يمكن السلطان من الاطلاع على سير الاشغال.

تصميم مصنع السلاح بفاس

Efoqxy.jpg


المشروع كان بالإمكان الإنتهاء منه بفترة اقل من 4 سنوات الا ان مشاكل دبت منذ السنوات الاولى, هذه المشاكل التي ستتواصل طوال فترة عمل المصنع و الاسباب في ذلك متعددة, ما بين تكبر الإيطاليين على المغاربة بالإضافة إلى الدسائس التي روجها الفرنسين و الاسبان من اجل ضرب المشروع الذي سيمكن الجيش المغربي من قدرة انتاجية ضخمة بالإضافة الى ان بعضا من كبار رجال الدولة و المستفيدين من صفقات السلاح مع الغرب و التي كانت تدر عليهم اموال طائلىة حاولوا ايقافه بشتى الوسائل.

بعد الإنتهاء من انجاز المشروع بدأت عملية الانتاج في 1893 بأول نموذجين من بنادق مارتيني, وقد كانت هذه البنادق ذات جودة عالية حتى افضل من البنادق الاصلية المصنعة في انجلترا, بمدى اطول و دقة افضل بكثير, مما جعل السلطان و رجال الجيش يعجبون بالأداء الجيد للمصنع ولم يكد يتم تصنيع 20 بندقية اخرى حتى ابدى السلطان رغبة سريعة في التخلي عن الطاقم الايطالي و تسريع نقل التكنولوجيا للتقنيين المغاربة الذين ابدوا مهارة كبيرة و تأقلم جيد و هو ما اثار حنق الايطالين الذين رفضوا ذلك.
وبسبب هذا الامر طلب الايطاليون من مفوضية بلدهم في المغرب اعادة التفاوض من اجل شروط افضل لهم وهو ما حصل بعد ذلك بسنوات من دون اغفال المصالح المغربية.

كان المصنع يسيره التقنيون الايطاليون الثلاتة ومن الجانب المغرب أمناء يقومون بالتسير المالي و الاداري بالإضافة إلى المترجمين و ثم العمال الذين كانوا مشكلين اساسا من حرفي صناعة الاسلحة من كل مناطق المغرب اهتموا بإكتساب التقنية و العمل في هذا المصنع الحديث بالإضافة إلى خبراء مغاربة لفحص الأسلحة و الذخيرة المصنعة في الفابريكا و هو ما اثار حنق الإيطالين لأنهم كانوا يرون في ذلك تنقيصا من قيمتهم بمقابل عدم إعترافهم بكفائة الخبراء و العمال المغاربة
NwjTmq.jpg


ولعل مصنع السلاح بفاس مر بالعديد من الفترات ما بين ازدهار و انكماش وذلك راجع لعدة عوامل ذكرتها في السابق لكن إنضافت لها عوامل جديدة, من بينها وفاة السلطان مولاي الحسن الاول في 1894 و تقلد ابنه المراهق مولاي عبد العزيز وهو ابن 14 سنة فقط سدة الحكم رغم ان الحاكم الحقيقي كان هو الوزير الأول (ابا احمد) و الذي حاول المحافظة على نفس النسق في التصنيع, ثم كذلك الحرب الأهلية المغربية ما بين 1900 و 1909 و لم يستعد مصنع السلاح تألقه إلا في سنة 1910 بعد نهاية الحرب الاهلية و تم توقيع اتفاقية جديدة كتعديل على الاتفاقية الاولى تحول البعثة الايطالية من عسكرية الى مدنية ثم تحديد عددها في ايطاليان فقط و وجوب موافقة السلطات المغربية عليهما .. كما ان البعثة الايطالية ستتكلف بمشاريع كثيرة من بينها صيانة اسلحة الجيش و توسيع مشاريع الانارة الكهربائية على كل المناطق المغربية خصوصا ادرارات الدولة و المرافق الحكومية.
استمر العمل في مصنع السلاح بفاس الى غاية 1912 قبل توقيع الدولة المغربية لإتفاق الإستسلام و الخيانة للقوات الفرنسية و الاسبانية الغازية, و بعد احداث الجيش المغربي بفاس سنة 1912 و الذي رفض المعاهدة تم حل الجيش المغربي و تحويل مصنع السلاح الى مصنع للنسيج و الزرابي !!

wmEIcC.jpg


نموذج من البنادق التي كانت تصنع في مصنع السلاح بفاس.

اتمنى ان اكون اجملت في هذا الموضوع المختصر تاريخ هذه المعلمة التي تحتاج منا تخصيص اكثر من ذلك ..

جميع الحقوق محفوظ للشبح
 
كالعادة استاذي العزيز محمد

لايعلى على مواضيعك الرائعه

شكرا ....... تقييم
 
موضع ممتاز اخي الشبح شكرًا لك إستمتع به
 
خاي محمد ( :rolleyes: ) .. موضوع رائع كعادتك أستاذي الكريم ..

أيام رائعة .. حين كنا نصنع سلاحنا الثقيل و الخفيف ..

لدي سؤالين .. هل تحول الآن الى معلمة تاريخية ؟ و هل له علاقة بمصنع الأسلحة بفاس الذي تم الحديث عنه في السنوات الأخيرة ؟
 
موضوع ممتاز إن شاء الله سأكون بفاس في أواخخر هذا الشهر و سأحاول زيارة المعمل و أيضا دار السلاح المريني الذي يعد أقدم متحف في العآلم العربي.

أناط مولاي الحسن بضباط إيطاليين إدارة مصنع الأسلحة بفاس أي" دار السلاح" أو " المكينة" التي تولى تخطيطها المهندس الإيطالي" نوطيرا". وكان يديرها الكولونيل الإيطالي" كافيني"، وكان يصنع فيها الفنيون المغاربة المتخرجون من بعض المعاهد الحربية الأوروبية البندقيات من نوع " مرتيني هودي" و" شنيدر" و" مكسيم" وكذلك الرشاشات.
ويقول المؤرخ مولاي عبد الرحمن بن زيدان في كتابه" الدرر الفاخرة": إن مولاي الحسن أودع في معمل السلاح هذا آلافا من المكاحل والمدافع والمهاريس والسيوف. وقد وصف أحد الرحالة الإنجليز هذا المعمل بقوله: توجهنا لمشاهدة دار السلاح فرأينا هنالك عددا كبيرا من السلاح المخزون في الصناديق وثلاثة أسطر من السروج... مع عدد كبير من السيوف.
وكان يحرس تلك الدار عشرون بحريا من أسرى الإنجليز. وهنالك بيوت عظيمة مملوءة بالبنادق وفي وسطها رمح كان أهداه أحد ملوك الهند. ورأينا هناك أنوعا كثيرة من أسلحة أخرى منها:" قرابيلات" من نحاس ودروع غنمت من الجنود الاسبانيين والبرتغاليين.
والجدير بالذكر أنه كان بالمعمل أيضا مدافع دنماركية استوردها مولاي يزيد بن سيدي محمد بن عبد الله.
 
خاي محمد ( :rolleyes: ) .. موضوع رائع كعادتك أستاذي الكريم ..

أيام رائعة .. حين كنا نصنع سلاحنا الثقيل و الخفيف ..

لدي سؤالين .. هل تحول الآن الى معلمة تاريخية ؟ و هل له علاقة بمصنع الأسلحة بفاس الذي تم الحديث عنه في السنوات الأخيرة ؟

العفو اخي الأميرال..
اظن بان المعلمة لان تحولت لمزار سياحي و تشرف عليه وزارة الثقافة .. كما ان باب المكينة يشهد اقامة حفلات مهرجان فاس الدولي السنوي
 
موضوع ممتاز إن شاء الله سأكون بفاس في أواخخر هذا الشهر و سأحاول زيارة المعمل و أيضا دار السلاح المريني الذي يعد أقدم متحف في العآلم العربي.

أناط مولاي الحسن بضباط إيطاليين إدارة مصنع الأسلحة بفاس أي" دار السلاح" أو " المكينة" التي تولى تخطيطها المهندس الإيطالي" نوطيرا". وكان يديرها الكولونيل الإيطالي" كافيني"، وكان يصنع فيها الفنيون المغاربة المتخرجون من بعض المعاهد الحربية الأوروبية البندقيات من نوع " مرتيني هودي" و" شنيدر" و" مكسيم" وكذلك الرشاشات.
ويقول المؤرخ مولاي عبد الرحمن بن زيدان في كتابه" الدرر الفاخرة": إن مولاي الحسن أودع في معمل السلاح هذا آلافا من المكاحل والمدافع والمهاريس والسيوف. وقد وصف أحد الرحالة الإنجليز هذا المعمل بقوله: توجهنا لمشاهدة دار السلاح فرأينا هنالك عددا كبيرا من السلاح المخزون في الصناديق وثلاثة أسطر من السروج... مع عدد كبير من السيوف.
وكان يحرس تلك الدار عشرون بحريا من أسرى الإنجليز. وهنالك بيوت عظيمة مملوءة بالبنادق وفي وسطها رمح كان أهداه أحد ملوك الهند. ورأينا هناك أنوعا كثيرة من أسلحة أخرى منها:" قرابيلات" من نحاس ودروع غنمت من الجنود الاسبانيين والبرتغاليين.
والجدير بالذكر أنه كان بالمعمل أيضا مدافع دنماركية استوردها مولاي يزيد بن سيدي محمد بن عبد الله.

بارك الله فيك اخي المستقبل العربي .. شكرا على الاضافة القيمة اخي العزيز
 
فقط للتذكير فالإنتاج كان في الاحوال الجيدة ما بين 130 و 150 بندقية شهريا و بضع عشرات من المدافع اضافة الى الاف عيارات الخرتوش.. اما الشهور الصعبة فقد لا يتجاوز الانتاج 35 بندقية شهريا
 
شكرا على مجهودك الاحترافي
شرف لي أن أشارك في مواضيعك الأقل مايقال عنها أنها ذات فائدة عظيمة​
 
شكرا على مجهودك الاحترافي
شرف لي أن أشارك في مواضيعك الأقل مايقال عنها أنها ذات فائدة عظيمة​

بارك الله فيك اخي الحبيب .. شرف لي ان تمر في موضوعي .. تحياتي اخي
 
فقط للتذكير فالإنتاج كان في الاحوال الجيدة ما بين 130 و 150 بندقية شهريا و بضع عشرات من المدافع اضافة الى الاف عيارات الخرتوش.. اما الشهور الصعبة فقد لا يتجاوز الانتاج 35 بندقية شهريا


مرحبا اخي محمد
موضوع ثري في محتواه و طريف في مجاله

انوه الى نقطة معدل الانتاج فقد ثم انتاج ما معدله 340 بندقية سنويا في الفترة بين 1893 و 1903 و فعلا كانت بجودة عالية و معدن ممتاز
لكن بعد ذلك دخلت الفابريكا في دوامة الفساد حيث انخفظ الانتاج الى اقل من 20 بندقية في السنة اضافة الى انخفاظ جودتها و كثرة اعطالها و الحاقها الاذى ببعض الجنود نتيجة انفجارها اثناء الاستعمال

للاسف كانت الفترة ما بين النصف الثاني من القرن 19 و توقيع معاهدة الحماية فترة اصلاحات جوهرية لكنها اصطدمت باكراهات و تربصات داخلية و خارجية جعلتنا نسقط في فخ الاستعمار بالنهاية

بالتوفيق
 
مرحبا اخي محمد
موضوع ثري في محتواه و طريف في مجاله

انوه الى نقطة معدل الانتاج فقد ثم انتاج ما معدله 340 بندقية سنويا في الفترة بين 1893 و 1903 و فعلا كانت بجودة عالية و معدن ممتاز
لكن بعد ذلك دخلت الفابريكا في دوامة الفساد حيث انخفظ الانتاج الى اقل من 20 بندقية في السنة اضافة الى انخفاظ جودتها و كثرة اعطالها و الحاقها الاذى ببعض الجنود نتيجة انفجارها اثناء الاستعمال

للاسف كانت الفترة ما بين النصف الثاني من القرن 19 و توقيع معاهدة الحماية فترة اصلاحات جوهرية لكنها اصطدمت باكراهات و تربصات داخلية و خارجية جعلتنا نسقط في فخ الاستعمار بالنهاية

بالتوفيق

بارك الله فيك استاذي الموريسكي على الاضافة القيمة .. في الواقع كان من الصعب الحفاظ على هذه (الجوهرة الصناعية) في مجتمع فلاحي منغلق لا يقدر العلم و لا الصناعة الحديثة و يعتقد ان (العلوم الشرعية) فقط هي كل شيئ .. بل ان منهم من كان يكفر اي علوم اخرى بل و حتى طلبها في المجتمعات الغربية المتطورة انذاك .. الفساد و التخلف و العوامل الخارجية كلها سارعت بسقوط المغرب في براثين الاحتلال
 
بما أننا بدأنا نتحدث عن إحياء الصناعات العسكرية المغربية أحببت إغناء هذا الموضوع الذي كنت تطرقت فيه إلى أول مصنع حديث لصناعة الأسلحة في المغرب نهاية القرن التاسع عشر و بالضبط انطلاقا من عام 1886 بشراكة مع الحكومة الإيطالية لتزويد الجيش المغربي بحاجياته من الذخائر و البنادق و المدافع.
و أتأسف أن الصور الأولى التي وضعتها لم تعد تظهر.


107827904_10220399512370974_726066974828815332_n.jpg


107873895_10220399511650956_4355574362617024462_n.jpg


109035106_10220399511970964_5628026620250629649_n.jpg
 
عودة
أعلى