نوم أصحاب الكهف ـ طريقة مبتكرة للترقيد ـ
المقدمة والهدف من القصة :
إن القرآن الكريم هو كتاب عقيدة ومنهاج حياة لإقامة وتكوين الإنسان الصالح والمجتمع الفاضل على هُدىً من الإيمان بالله سبحانه وتعالى وباليوم الآخر و أركان الإيمان الأخرى قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء/9] .
ومن هذا المنطلق فان ذكر القرآن الكريم لقصة أهل الكهف ( شأنها شأن باقي قصص القران) تهدف في جوهرها إلى:
1. توضيح عقيدة التوحيد (توحيد الربوبية والإلوهية) في قوله تعالى:
(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) [الكهف /14] .
2. إظهار وإثبات عقيدة البعث والنشور والإيمان باليوم الآخر في قوله عز وجل:
(وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا) [الكهف/21].
أما الإشارات العلمية والطبية والفلكية والجغرافية وغيرها[1], الواردة ضمن سياق هذه القصة المهمة فهي تابعة للحقيقتين أعلاه ودالة عليهما, فضلا عن الإشارات الطبية و العلمية الكثيرة الواردة في القران الكريم والتي يستطيع الأطباء و العلماء و كل في مجال تخصصه الدقيق أن يكتشفوا من خلالها حقائق كثيرة لها بالغ الأثر و الفائدة للبشرية جمعاء ( لزيادة التفصيل عن هذا الموضوع يمكن الرجوع لكتابينا الطب في القران و العلوم في القرآن ). فقد بدأت حقائق العلم ونواميس الكون المكتشفة تفسر لنا كثيراً من إشارات القرآن الكونية وتكشف لنا عن كنوزه ، وتخدمنا في فهم معانيه وبيان صدقه وأنه كلام الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء علماً ، قال تعالى: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان/6].
يقول الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر عن قصة أهل الكهف : (إن القرآن الكريم حريص بصفة عامة في قصصه على عدم النص على الأشخاص أو الأماكن أو الأعداد وغيرها من التفاصيل التي لا ضرورة لها فيما يتصل بالمغزى والسباق لما يريده ومع هذا يشير إلى قرائن يستطيع المدقق أن يكتشف من خلالها حقائق كثيرة كأنما يقصد القرآن بذلك تحميل نصوصه كنوزاً خفية من آيات يجليها للناس حيناً بعد حين) [2] .
ونحن في هذا البحث سنذكر طريقه جديدة للتخدير (التنويم و الترقيد العميقين) المستنبطة من قصتهم والتي من الممكن في حاله ثبوت صحتها الافاده منها و توظيفها في العلاج كطريقه جديدة للتخدير والترقيد دون الحاجة لاستعمال العقاقير الطبية المخدرة، و في ذلك فائدة للبشرة وإظهاراً للإعجاز والسبق العلمي في القرآن الكريم في عصر العلم والمعرفة .
زمان ومكان أحداث القصة:
شكل رقم (1): لوحة الدلالة في الموقع المكتشف لاصحاب الكهف
شكل رقم (2): واجهة الكهف
أما زمان القصة فهو على الأرجح في عهد الملك الروماني الوثني (تراجان) الذي حكم ما بين (98-117م) واستيقظ الفتيه بعد نومهم العميق لمدة 300 سنه في عهد الملك المؤمن (ثيودوسيس الثاني) الذي حكم ما بين (408 -450م) وبذلك تكون المدة الزمنية الفاصلة بينهما في حدود ثلاثة قرون شمسيه كما أشارالى ذلك القرآن الكريم.أما مكان الحادثة فهو في مدينة فيلادلفيا- عمان حاليا- التي كانت عاصمة الجزء الجنوبي من الإمبراطورية الرومانية التي تضم معظم بلاد الشام , وهذا ما يؤكده معظم المؤرخين والمفسرين المسلمين القدماء والمعاصرين[4]- [5], انظر شكل رقم (3).
شكل رقم (3): المدرج الروماني في مدينة فيلادلفيا (عمان حاليا)
أوجه الإعجاز العلمي:
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) [الكهف/9]. أي ليس الأمر أنهم كانوا عجبا دون باقي الآيات , حيث أن في صفحات هذا الكون من العجائب ما يفوق قصتهم.
وقد ذكر أبن كثير في تفسيره لهذه الآية ما نصه : (أي ليس أمرهم عجيباً في قدرتنا وسلطاننا فإن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير والقمر والكواكب وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء ، أعجب من أخبار أصحاب الكهف).[6]
ويقول صاحب تفسير الظلال ضمن هذا السياق : (وإن قصتهم على غرابتها ليست بأعجب آيات الله، وفي صفحات هذا الكون من العجائب وفي ثناياه من الغرائب ما يفوق قصتهم).[7]
وفي ذلك إشارة ضمنيه داله على أن طريقه نوم أصحاب الكهف هي من آيات الله الباهرة التي اتبعت ، والله اعلم، النواميس الكونية و الطبية حالها حال باقي آيات الله في الكون و الإنسان، ولم تكن معجزه خارقه كما هو الحال في معجزات الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام كما ذكرنا أعلاه خاصة أن أصحاب الكهف كانوا فتيه من أتباع سيدنا عيسى ابن مريم المؤمنين الموحدين وقد أيدهم الله و حفظهم بهذه الرعاية الألهيه وسخر من اجلهم النواميس والآيات الكونية لحفظهم و حمايتهم و رعايتهم و ما كانوا أنبياء أو مرسلين بل أولياء صالحين .
الإشارات العلمية و الطبية:
وسنذكر أدناه أهم هذه الإشارات العلمية والطبية التي حدثت لهم وصولا إلى الطريقة المستنبطة للتنويم والترقيد العميقين الذي حفظهم الله بها.
لكي ينام أصحاب الكهف بصورة هادئة وصحية هذه المدة الطويلة من دون تعرضهم للأذى والضرر ,وحتى يصبح هذا الكهف الموحش مناسباً لمعيشتهم ، فقد وفر لهم الباري عز وجل من الأسباب ما يحقق لهم ذلك، قال تعالى: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً) [الكهف/17].
يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: (وهنا ينكشف العجب في شأن القلوب المؤمنة فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم ويهجرون ديارهم، ويفارقون أهلهم ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة. هؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم هؤلاء يستروحون رحمة الله ويحسون هذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة (ينشر لكم من رحمته) ولفظة (ينشر) تلقي ظلال السعة والبحبوحة والانفساح فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها وتشملهم بالرفق واللين والرخاء.. إن الحدود الضيقة لتنزاح وإن الجدران الصلدة لترق وإن الوحشة الموغلة لتشف فإذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق).[8]
ومن أهم الأسباب التي وفرها لهم الله سبحانه وتعالى للمحافظة عليهم مدة رقودهم هي:
1. تعطيل حاسة السمع:Inhibition of hearing system
حيث أن الصوت الخارجي يوقظ النائم وذلك في قوله تعالى: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) [الكهف/11]. والضربهنا لغة: بمعنى التعطيل والمنع أي عطلنا حاسة السمع عندهم مؤقتاً والموجودة في الأذن والمرتبطة بالعصب القحفي الثامن( (cochlear nerve فرع السمعي( الشكل رقم 4) . ذلك أن حاسة السمع في الأذن هي الحاسة الوحيدة من بين الحواس الأخرى التي تعمل بصورة مستمرة في كافة الأحوال وفي النوم كما في اليقظة, وتربط الإنسان بمحيطه الخارجي.
شكل رقم (4): الفرع السمعي للعصب الثامن وارتباطاته في المراكز الدماغية
2. تعطيل الجهاز المنشط الشبكي:
Inhibition of ARAS (Ascending Reticular Activating System)
إن هذا النظام الحيوي و الضروري للحياة موجود في جذع الدماغ Brain Stem و يسيطر على إبقاء حاله اليقظة و الوعي استجابة للمحفزات الخارجية و الداخلية. ويرتبط هذا النظام بالعصب القحفي الثامن (فرع التوازن) الشكل رقم 2 (vestibular nerve).
إن هذا العصب ( العصب القحفي الثامن) له قسمان : الأول مسؤول عن السمع (cochlear nerve). والثاني ((vestibular nerve مسؤول عن التوازن في الجسم داخلياً وخارجياًويرتبط بجذع الدماغ و الجهاز المنشط الشبكي ( الشكل رقم 5)
شكل رقم (5 ): الفرع التوازني للعصب الثامن وارتباطاته المتعددة في الدماغ وجذعه والجهاز المنشط الشبكي
ولذلك قال الباري عز وجل : (فضربنا على آذانهم) ولم يقل : (فضربنا على سمعهم) ! أي أن التعطيل حصل للقسمين معاً. لذلك فأن تعطيل عمل العصب الثامن من خلال منع توريد المحفزات منه إلى الجهاز المنشط الشبكي سيؤدي إلى:
أ. تعطيل المحفزات الداخلية والتي توقظ النائم عادة بوساطة الجهاز المذكور أعلاه كالشعور بالألم أو الجوع أو العطش أو الأحلام المزعجة (الكوابيس). وفي حالة تعطيله أو تخديره يدخل الإنسان في النوم العميق وتقل جميع فعالياته الحيوية وحرارة جسمه كما في حالة السبات والانقطاع عن العالم الخارجي قال تعالى :
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) [النبأ/8] والسبات هو النوم والراحة و(المسبوت) هو الميت أو المغشي عليه (راجع مختار الصحاح ،ص214)
ب. تثبيط فعاليات أجهزة الجسم المختلفة ومنها الإحساس بالمحفزات جميعاً وفي نفس الوقت المحافظة على أجهزتهم حية تعمل في الحد الأدنى من استهلاك الطاقة.
وهذا ما نعتقد قد حصل لهم خلال فتره النوم الطويلة ، فتوقف النمو الجسدي والتقادم بالعمر بالنسبة لهم (Aging process) بالرغم من أن الحياة قد استمرت على منوالها و تقادم الزمن حولهم.
ويرى بعض المفسرين في قوله تعالى: (وازدادوا تسعاً):
( أن في هذه العبارة إضماراً يمكن تفسيره بوجهين أو أكثر فمن المشهور أن المضمر هو لفظ يدل على الزمن الذي مكثوا فيه في الكهف أي أن المعنى المقدر : (وازدادوا لبث تسع سنين) ويحتمل أيضاً أن تكون هذه الزيادة بالشهور أو الأسابيع أو الساعات . علماً أن جمهور المفسرين قالوا أن المراد بذلك : ثلاثمائة سنة شمسية وثلاثمائة وتسع سنين قمرية . ويجوز أن يكون المضمر هو لفظ يدل على مقدار ما ازدادوا في العمر لأن عمر أجسادهم حصل فيه توقف فلم يطابق الزمن الذي لبثوا فيه نائمين ويكون تقدير المضمر في هذه الحالة والله أعلم : (وازدادوا تسعاً في أعمارهم) وهي تسع ساعات بدليل قوله تعالى : (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم) [الكهف/19] أي نهارا أو جزء من نهار و مما يعضد هذا التفسير أن الفتيه عندما أفاقوا من رقودهم الطويل لم يلاحظوا و جود أي تغير في هيئاتهم و إشكالهم. ومعنى ذلك أنه لم يكن لتقدم العمر عندهم أثر ظاهر عليهم وهذا التقدير أقرب إلى ظاهر الآية لأن الازدياد هنا مسند إليهم كما هو في نص الآية وأما في التقدير الأول فإن الازدياد مسند إلى مضمر آخر تقديره : (وازدادوا لبث تسع سنين) في حساب من يحسب بالسنين القمرية).[9]
3. المحافظة على أجسامهم سليمة ً وحمايتها داخلياً وخارجياً والتي منها:
أ. التقليب المستمر لهم أثناء نومهم كما في قوله تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) [الكهف/18] ، لئلا تأكل الأرض أجسادهم بحدوث تقرحات الفراش في جلودهم والجلطات في الأوعية الدموية والرئتين أو ذات الرئة الفصي.
(Bed sores, Deep Venous Thromboses , Pulmonary Embolism and Hypostatic Pneumonia)
وهذا ما يوصي به الطب ألتأهيلي حديثاً في معالجة المرضى فاقدي الوعي أو الذين لا يستطيعون الحركة بسبب الشلل وغيرهبأجراء التقليب المستمر كجزء هام من العلاج.
ب. تعرض أجسامهم وفناء الكهف لضياء الشمس بصورة متوازنة ومعتدلة على مدار فصول السنة للمحافظة عليها ومنعاً من حصول الرطوبة والتعفن داخل الكهف في حالة كونه معتماً وذلك في قوله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَتَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) [الكهف/17] . والشمس ضرورية كما هو معلوم طبياً للتطهير بالاشعه فوق البنفسجيه ( Ultra Violet Rays ) أولاً ولتقوية عظام الإنسان وأنسجته بتكوين فيتامين د (Vitamin D) عن طريق الجلد ثانياً وغيرها من الفوائد الكثيرة الأخرى .وهذا من آيات الله الكونيه , كما قال تعالى في وصف هذه الحالة : (ذلك من آيات الله).
يقول القرطبي في تفسيره لهذه الايه : (وقيل (إذا غربت تقرضهم) أي يصيبهم يسير منها ، مأخوذ من قراضة الذهب والفضة أي تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها… إصلاحاً لأجسادهم… فالآية في ذلك أن الله تعالى آواهم إلى كهف هذه صفته لا إلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار والمقصود بيان حفظهم عن تطرق البلاء وتغير الأبدان والألوان إليهم والتأذي بحر أو برد).[10](انظر شكل رقم (6))
شكل رقم (6): الكهف من الداخل وتظهر فيه الصالة المركزية ودخول ضوء الشمس
وقد اجاد الباحث الدكتور المهندس يحيى الوزيري في بيان علاقة تصميم الكهف و موقعه الجغرافي بمسار الشمس الظاهري على مدار العام في بحثه ( دراسة ميدانية و شمسية لكهف الفتية في الاردن) حيث يقول :
( أن كهف الرقيم الواقع في جنوب شرق عمان على خط عرض 32 درجة شمالا تقريبا له مدخل واحد يواجه الجنوب الغربي باتجاه يميل أربعين درجة إلى غرب الجنوب.... حيث تشرق الشمس على مدار العام عن يمين الكهف و لا تدخل من بابه عند طلوعها, و بدءأ من غروب الشمس أي من الساعة 12 ظهرا تبدأ اشعة الشمس بالدخول إلى داخل الكهف على هيئة بقع ضوئية صغيرة المساحة و حتى غروبها في فصل الشتاء و ما قبل الغروب في فصلي الربيع و الخريف. أما في الصيف فإن الشمس تبدأ في الوصول لبداية عتبة المدخل في الساعة الواحدة ظهرا و تزداد مساحتها حتى تبلغ ذروتها في الساعة الرابعة من بعد الظهر و لكن لا تتعدى عتبة المدخل حيث أنها عمودية و لا يوجد احتياج لذلك لإرتفاع درجة حرارة الجو في ذلك الفصل في حين انها تدخل على الصالة المركزية فقط في الشتاء وفي فصلي الاعتدالين الخريفي والربيعي) [11].
ج. وجود فتحة في سقف الكهف من الجهه الشماليه تصل فناءه بالخارج بنفق هوائي رأسي ( شاهدته بنفسي عند زيارتي للموقع مرتين ) يساعد على تعريض الكهف إلى جو مثالي من التهوية وتبديل هواءه بصورة مستمرة والإضاءة عن طريق تلك الفتحة مع وجود الفجوة (وهي المتسع من المكان) في الكهف التي ذكرها القرآن في قوله تعالى: (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) [الكهف/17] . مما جعل هذا المكان مناسباً لمعيشتهم .حيث ان الكهف من الداخلي يتكون من صاله مركزيه بارتفاع نحو 3،35 متر و تفتح عليها غرفتين ( فجوتين) من الجهه الشرقيه و الغربيه للكهف، كما تفتح عليها ايضا غرفه (فجوه) من الجهه الشماليه و هي اكبر مساحه و اكثر ارتفاعا من الغرفتين او الفجوتين الشرقيه و الغربيه . و يفتح من الفجوه الشماليه الى خارج الكهف في سقفه قناه تهويه مائله تؤدي الى خارج الكهف و تساعد على تهويته من الداخل و كذلك تعريضه الى ضوء الشمس و نورها بصوره غير مباشره.(انظر الشكل 7)
الشكل رقم (7): سقف الكهف من الخارج يظهر فيه اعمدة المسجد المقام عليه وفتحة نفق التهوية
د.الصفات الجيولوجيه المناسبه لتربه و ارضيه الكهف: حيث يؤكد المهندس الجيولوجي ناظم الكيلاني و من خلال فحوصاته المختبريه على ان تربه الكهف و منطقه الرقيم تساعدان على صيانه الجسم و ان هذه التربه تتكون من الهايدروكاربونات و الكالسيوم و المغنيسييوم اضافه الى احافير النباتات والحيوانات المشبعه بالراديوم ، وهذه المواد توجد في معادن اليورانيوم و الثوريوم المشعه و التي من خصائصها انتاج اشعه الفا وبيتا وجاما، و هذه الانواع من الاشعه لها تأثير كبير في تعقيم اللحوم و النباتات و المحافظه عليها و تحول دون تفسخها .و يعتقد الكيلاني بأن وجود هذا النوع من التربه ربما يكون ( بالاضافه الى اشعه الشمس المتناوبه التي تتعرض لها و المذكوره في الفقره السابقه) من الوسائل التي حفظت اجساد الفتيه طوال فتره الرقود دون ان تؤثر فيهم عوامل الهواء والتربة.[12]
هـ. الحماية الخارجية : بإلقاء الرهبة عليهم وجعلهم في حالة غريبة جداً وغير مألوفة ,لاهم بالموتى ولا بالأحياء ولابالنيام نوما طبيعيا (إذ يراهم الناظر كالأيقاظ يتقلبون ولا يستيقظون كما سيأتي لاحقاً) بحيث أن من يطلع عليهم يهرب هلعاً من مشهدهم الغريب وكان لوجود الكلب في باب فناء الكهف دور في حمايتهم (كأنه يحرسهم) في قوله تعالى :
(وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) [الكهف/18] . إضافة إلى تعطيل حاسة السمع لديهم كما ذكرنا أعلاه كحماية من الأصوات الخارجية .
و. حمايته تعالى لأعينهم: ففي قوله تعالى (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود) [الكهف/18]. فيه إشارات علمية دقيقة جداً فقد ثبت طبياً:
· أن العين في حالة كونها منفتحة على الدوام(انفتاح الاجفان) ولأسباب مرضية متعددة تتعرض للمؤثرات الخارجية فتدخلها الجراثيم والأجسام الغريبة مما يؤدي إلى حدوث تقرحات القرنية (مقدمة العين) وعتمتها (Corneal Opacity) وبالتالي فقدان حاسة البصر كما في حاله شلل عضلات الأجفان الناتج عن ضرر العصب السابع ألوجهي ( Facial Palsy) أو متلازمة شوجرنز (Sjøgren's Syndrome) حيث يعاني المريض من قله إنتاج الدمع مع جفاف المقلة ما يؤدي إلى حدوث تقرحات القرنية وبالتالي الاصابه بالعمي.
· وكذلك فإن العين في حالة كونها منغلقة على الدوام يؤدي ذلك إلى ضمور العصب البصري بعدم تعرضه للضوء الذي يمنع العين من قيامها بوظيفتها إذ أنه من المعروف في علم وظائف الأعضاء (علم الفسلجة) أن أي عضو كان من أعضاء الإنسان أو أجهزته يصاب بالضمور والموت التدريجي إن لم تهيأ له الأسباب للقيام بوظيفته الطبيعية (Disuse Atrophy) . ودليل ذلك أن المسجونين لفترات طويلة في الأماكن المظلمة يصابون بالعمى حتى لو كانت أجفانهم منفتحة لعدم وجود الضوء أصلا.
· أما في الحالة الطبيعية (اليقظة) فإن أجفان الإنسان ترمش وتتحرك بصورة دورية لا إرادية على مقلة العين تعينها الغدد الدمعية التي تفرز السائل الدمعي النقي الذي يغسل العين ويحافظ عليها من المؤثرات الخارجية الضارة، فهذه العملية المركبة تحافظ على سلامة العين. فالله سبحانه وتعالى الذي حافظ على أجسادهم وجلودهم من التلف بالتقلب المستمر مع التعرض المناسب لضوء الشمس كما ذكرنا سابقاً قد حفظ عيونهم بهذه الطريقة العلمية من العمى فقد قال في محكم كتابه : (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود) ولم يقل : (وتحسبهم أمواتاً وهم رقود) لأن أحد علامات اليقظة حركة رمش أجفانهم وقد يكون في هذا أيضاً (والله أعلم) السر في إلقاء الرهبة من منظرهم في قوله تعالى : (لو أطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً) [الكهف/18] فهذا الوضع الغريب وغير المألوف حيال كونهم ليسوا موتى ولا مستيقظين ولا نائمين نوما طبيعيا (لأن النائم لا ترمش عينه) ، هذه الهيئة (والله أعلم) هي التي جعلت الناظر في حاله دخوله الكهف و الاطلاع عليهم يهرب فزعاً ويمتلئ قلبه رعباً من منظرهم وليس الفرار منهم بسبب طول شعورهم وأظافرهم وتغير شكلهم وهذا بعيد كما يقول القرطبي في تفسيره ما نصه : (لأنهم لما استيقظوا قال بعضهم لبعض (لبثنا يوما أو بعض يوم) ودل هذا على أن شعورهم وأظفارهم كانت بحالها.. والصحيح في أمرهم أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية . فلم يبل لهم ثوب ولم تغير صفة... وأيقظهم الله من نومهم على ما كانوا عليه من هيئاتهم في ثيابهم وأحوالهم).[13]
· أما أن أجفانهم كانت ترمش و تتحرك (وليست مغلقة أو مفتوحة على الدوام كما ذكرنا ) بمعنى إن عيونهم كانت تتعرض للضوء و النور نهارا و تمارس بعض وظائفها فأنه فقد ثبت علميا أن في هذه الحركات العينية و ألرمشيه اللاإرادية للأجفان , فائدة للمحافظة على حاسة السمع لديهم من التعطيل المؤدي إلى الصمم لعدم ممارسه وظيفة المراكز السمعية وأعصابها لوظائفها، حيث أن (المسارات العصبية للسمع قد تضمر أو تختفي وظائفها مع عدم استعمالها الناشئ عن الصمم، و يتناسب هذا الضمور طرديا مع طول مده الصمم و عكسيا مع الاعتماد على حاسة البصر كاله تعويضيه.... أي قطعا انه يوجد هناك تحفيز ما لهذه المسارات المختصة بالسمع عن طريق تلك الإشارات البصرية رغم تباعد و اختلاف المسارات العصبية للحاستين تشريحيا).[14]
4-الكلب حيوان تجريبي :
جرت على الكلب نفس أحوال أصحاب الكهف وفي ذلك إشارة احتمالية إلى أنه يصلح لإجراء التجارب العلمية عليه كنموذج تجريبي في حالة القيام بأبحاث طبية مستقبلاً ,كالتجارب على الجهاز المنشط الشبكي في الدماغ المسئول عن تنشيط الوظائف الحيوية ومنها الوعي واليقظة بواسطة تثبيط عمله باستعمال التقنيات الكهربائية الحديثة كالتأثير على العصب القحفي الثامن خاصة فرع التوازن. علما أن ذكر الكلب لم يرد في الأخبار التي وردت قبل الإسلام بخصوص قصة أصحاب الكهف وقد تفرد القرآن الكريم بذكره كمعلومة أصيله وربما للسبب المذكور أعلاه . علما أن عدم ذكره لا يؤثر في سياق القصة وأحداثها.
التوصيات
الآن وبعد أن استعرضنا أهم الإشارات الطبية التي جرت على أصحاب الكهف و جعلتهم يغطون في نوم عميق مع المحافظة على جميع أجهزتهم صالحه بالحد الأدنى و بدون تلف أو تغير مرضي فأننا و الله اعلم نستطيع أن نتوصل إلى طريقه مشابهه لرقودهم ونومهم الطويل بتعطيل مؤقت لمراكز معينه في جذع الدماغ باستعمال الأجهزة والتقنيات المتطورة ,و ملاحظه تأثير هذا التعطيل على وظائف الجسم المختلفة مع ضرورة تهيئه الأمور البيئية المحيطية المناسبة لضمان ذلك و منها:
1- التقليب المستمر لأن الباري عز وجل قال " ونقلبهم" و لم يقل و يتقلبون بأنفسهم أي يحتاجون إلى مساعده خارجية لإجراء ذلك.
2- وضعهم في جو صحي مناسب من التهوية و التعرض للشمس و الحرارة المناسبة و المعتدلة
3- لا حاجه لإعطائهم سوائل وريديه أو تغذيه اصطناعية فموية لان أجهزتهم ستعمل في الحد الأدنى من استهلاك الطاقة حيث إن إعطاء هذه الأشياء سيؤدي إلى تحفيز الجهاز الهضمي و البولي مما يسبب حصول التبول و البراز الذي لم يحدث عندهم.
4- إجراء هذه التجارب على الكلب أولا و ليس على الإنسان لخطورتها قبل التأكد من طريقتها الصحيحة و المناسبة والمفيدة و هذا يتطلب تضافر جهود كبيره و متعددة الاختصاصات و تمويل مناسب في مراكز طبية بحثيه متخصصة لدعم هذه النظرية و إخراجها إلى حيز الواقع والتطبيق .
الخلاصة
إن قصة أصحاب الكهف في القران الكريم قد ذكرها الله تعالى على مدى 18آية في سورة الكهف ( من الآية 9 إلى الآية 26 ), حيث شملت الكثير من الإشارات العلمية و الطبية و من أهمها طريقة النوم الطويل لهؤلاء الفتيه المؤمنين مدة 300 سنة و إفاقتهم بعدها في حالة طبيعية لم يحصل لهم أي تغير ظاهر في أحوالهم .و إننا نعتقد أن طريقة رقودهم هذه قد اتبعت نواميس وآيات كونية و طبية أشار الله تعالى إليها في كتابه في ثنايا قصتهم بصورة مباشرة و غير مباشرة من أهمها:
1- أن الله تعالى هيأ لهم كل أسباب الحماية الطبيعية و الطبية.
2- عطل حواسهم عن التأثر بالمحفزات الداخلية و الخارجية بالضرب على آذانهم (العصب القحفي الثامن) مؤديا إلى نومهم العميق بالتعطيل المؤقت للجهاز المنشط الشبكي في جذع الدماغ المسؤول عن حالة اليقظة والوعي .
3- جعل أشعة الشمس تدخل كهفهم بصورة متوازنة و ترعى اجسادهم و كهفهم على مدار فصول السنة
4- قلب أجسادهم فحفظها من التلف وتقرحات الفراش.
5- جعل أعينهم ترمش فحافظ عليها من العمى.
6- جعل فوق الكهف فتحه لتغيير الهواء بصوره متواصلة وللإنارة .
7- حماهم كذلك من دخول احد عليهم والعبث بهم... و غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى و قد يكشف عنه العلم مستقبلا في اشارات قرانيه لنا معاشر الأطباء و العلماء المسلمين في عصر العلم و التكنولوجيا للتوصل إلى طريقه مشابهه للترقيد القصير و الطويل و من دون الحاجة لاستعمال الادويه المخدرة .
وقد ذكر الكلب في ثنايا قصتهم عده مرات كقرينه للافاده منه كحيوان تجريبي للتوصل إلى معرفه هذه الطريقة المبتكرة باستعمال التقنيات الحديثة في هذا العصر قبل تطبيقها على الإنسان، والله اعلم بمراده.
والحمد لله رب العالمين.
ألاستاذ الدكتور محمد جميل عبد الستار الحبال
طبيب باطنية استشاري و باحث في الاعجاز العلمي في القران و السنة
منقول/موقع الدكتور محمد جميل الحبال
المصادر والمراجع
1. ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم ـ الطبعة الأولى ـ دار الجيل ـ بيروت ـ 1988.
2. القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن ـ الطبعة الأولى ـ دار الكاتب العربي ـ القاهرة ـ 1967 .
3. رفيق رجا الدجاني-اكتشاف كهف أهل الكهف- مديرية الآثار في المملكة الأردنية الهاشمية عمًان- 1963م.
4. حيدر المؤمن ـ كهف الرجيب في عمان ـ مجلة منار الإسلام ـ العدد 6 ـ ص38ـ43 ـ 1999 .
5. سيد قطب ـ في ظلال القرآن ـ الطبعة الرابعة ـ الدار العربية للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ 1968 .
6. عبد الله العمراني ـ النيام السبعة وأصحاب الكهف ـ مجلة العربي ـ العدد 216 ـ ص33ـ35 ـ نوفمبر 1976.
7. محمد تيسير ظبيان ـ أهل الكهف وظهور المعجزة القرآنية الكبرى ـ الطبعة الأولى ـ دار الاعتصام ـ القاهرة ـ 1978 .
8. محمد تيسير ظبيان ـ هل هذا هو الكهف الذي تحدث عنه القرآن ـ مجلة الوعي الإسلامي ـ العدد 47 ـ السنة الرابعة ـ ص52ـ57 ـ 1996 .
9. محمد جميل الحبال ووميض العمري ـ الطب في القرآن ـ الطبعة الأولى ـ دار النفائس للطباعة والنشر ـ بيروت ـ 1997 .
10. محمد جميل الحبال ومقداد الجواري ـ العلوم في القرآن ـ الطبعة الأولى ـ دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ 1992 .
11. محمد جميل الحبال ـ العلوم المعاصرة في خدمة الداعية الإسلامي (مطابقة الحقائق العلمية للآيات القرآنية) مكتبة دار المنهاج القويم – دمشق-2006م.
12. محمود العبادي ـ الآثار الإسلامية في فلسطين والأردن ـ الطبعة الأولى ـ المطبعة التعاونية ـ عمان ـ 1973 .
13. محمود شلبي ـ حياة أصحاب الكهف ـ الطبعة الأولى ـ دار الجيل ـ بيروت ـ 1985 .
14. مصطفي مسلم , مباحث في التفسير الموضوعي , الطبعه الثانيه- دار القلم – دمشق, 1997
الهوامش[1]محمد جميل الحبال-العلوم المعاصرة في خدمة الداعية الإسلامي - أهم الإشارات الطبية والعلمية المستنبطة من قصة أهل الكهف.(ص143-159)
[2] محمد تيسير ظبيان-أهل الكهف وظهور المعجزة القرآنية الكبرى (ص0 13)
[3] نفس المصدر اعلاه و رفيق وفا الدجاني - اكتشاف كهف اهل الكهف - و محمود العبادي- الاثار الاسلامية في فلسطين و الاردن
[4] حيدر المؤمن-كهف الرقيم في عمان-مجله منار الاسلام( ص 38-43).
[5] عبد الله العمراني – النيام السبعه و اصحاب الكهف – مجله العربي ( ص 33-35 )
[6] ابن كثير – تفسير القران العظيم ( 3/ 71-72 )
[7] سيد قطب – في ظلال القران ( 5/85 )
[8] سيد قطب-في ظلال القران ( 5-86 )
[9] وميض رمزي العمري ( اتصال شخصي ) و مصطفى مسلم –مباحث في التفسير الموضوعي ( ص 207 )
[10] القرطبي-الجامع لاحكام الفران ( 10/369 ).
[11] يحيى وزيري – دراسة ميدانية و شمسية لكهف الفتية في الاردن.- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن و السنة- موقع على الشبكة العنكبوتية www.55a.net
[12] حيدر المؤمن-كهف الرقيم في عمان-مجله منار الاسلام( ص 38-43).
[13] القرطبي – الجامع لاحكام القران ( 10/373 -374 )
[14] اسلام محمد الشبراوي – اشراقات علميه لايات قرانيه في الانف و الاذن و الحنجره- موسوعه الاعجاز العلمي في القران و السنه ( موقع على الشبكه العنكبوتيه) نشر في تاريخ 21-12-2005 www.55a.net