سحرت فتاة صينية أحد الضباط الأمريكيين، ولكن تبين أن المغامرات العاطفية التي استمرت مدة عامين ستكلف عاشق النساء الشرقيات حكماً بالسجن لمدة 20 عاماً.
لقد أفقدت هذه اللقاءات الرومانسية عقله بحيث تسربت المعلومات عن الخطط العسكرية السرية الأمريكية وعن القدرات النووية وأماكن وجود أنظمة الإنذار المبكرة والدرع المضاد للصواريخ البالستية التي يمكن أن تطلقها كوريا الشمالية، كل ذلك أصبح بين يدي الخبراء الصينيين. يشار إلى أن هذه القضية تمت مناقشتها في 13 من شهر آذار/مارس خلال جلسة استماع في المحكمة الفيدرالية الأمريكية.
القصة بدأت عندما تم اعتقال بنيامين بيشوبا البالغ من 59 عاماً في شهر آذار/مارس العام المنصرم وهو في مقر القيادة الأمريكية التابع للقوات البحرية في المحيط الهادي المتمركزة في هونولولو، حيث كان بإمكانه التواجد هناك كمسؤول في الشركة المتخصصة لتقديم خدمات مقاولات لوزارة الدفاع. أما فيما يتعلق بعشيقته البالغة من العمر 27 عاماً، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يعرف مكانها مع الإشارة إلى أن المخابرات الأمريكية لا تملك أدلة مباشرة تشير إلى أنها كانت تعمل لصالح المارد التنين.
عامان كاملان من العلاقات الحميمة بين المسؤول الأمريكي والفتاة الصينية، التي كانت تأتي إلى الولايات المتحدة قبل ذلك كطالبة عن طريق ما يسمى ببرامج التبادل، وقتها بدأت العلاقة الغرامية. ويشير المحللون أنه في حال كانت الفتاة الصينية مجرد طالبة فإنه كان ينبغي عليها أن تعرف كيف يمكن أن تنتهي العلاقة مع رجل مسن كهذا، وإذا جاءت إلى بلاد ما وراء المحيطات لاصطياد فرصة الزواج من شخص يرعاها ويوفر لها الحياة الهنيئة، فهذا يعني أنه من الواضح بأن الضابط المتقاعد لن يكون رفيق حياتها المطلوب. وبالتالي يرى الخبراء بأنه ليس من المستبعد بأن تكون قصة حبهما كانت مدبرة بشكل جيد.
يبدو أن أجهزة الأمن الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية كانت مخترقة، حيث يشير أوليغ ديميدوف الخبير في مركز شرطة التدخل السريع في مجال الأمن السيبراني إلى أن الصينيين أصبحوا يسببون صداعاً لأجهزة المخابرات الأمريكية أكثر فأكثر خلال السنوات الأخيرة وأضاف بهذا الشأن قائلاً:
"إن العديد من أفراد الجالية الصينية يهتم كثيراً في التقنيات الفائقة للشركات الأمريكية ويتعاملون معهم، هذا بالإضافة إلى وجود مقيمين صينيين مؤقتين في الولايات المتحدة يقومون بأعمال يمكن وصفها بالتجسس أو التجسس السيبراني، والتي هي في كثير من الأحيان تأتي من دوافع وطنية أو بسبب طلب حثيث من الأجهزة المختصة في الصين. وفي هذا الإطار تواجه الولايات المتحدة مثل هذه الحالات المتزايدة في السنوات الأخيرة".
وهنا ينبغي أن نتذكر الفضيحة الكبرى المتعلقة بمهندس الالكترونيات ستيف ليو وهو مواطن من أصل صيني كان يعمل لحساب الشركة الأمريكية ككبير المتعهدين لوزارة الدفاع الأمريكية. حيث حكم عليه بالسجن ست سنوات بتهمة سرقة تكنولوجيا الطائرات بدون طيار القادرة على ضرب الأهداف من مساعدة الأقمار الصناعية.
أما المواطن مين سوانتشانو فقد حكم عليه بالسجن خمس سنوات بسبب محاولته إخراج عدة أطنان من ألياف الكربون إلى الصين، مع العلم أن هذه الألياف تستخدم في الولايات المتحدة لصناعة الطائرات، وبالطبع فإن المحكمة لم تصدق الصيني عندما قال بأن هذه المواد ضرورية لتصنيع مضارب الهوكي.
هذه القضايا وغيرها كان لها ردود فعل كبير في الولايات المتحدة، وهي بحد ذاتها أثارت حملة جديدة سببت في توجيه أصابع الاتهام ضد الصين التي تحاول اصطياد وسرقة المعلومات السرية في مجال التكنولوجيات الصناعية. ونتيجة لذلك ومن دون تقديم أي دليل تم توجيه تهمة التجسس لصالح الصين بحق تيودور مورغان مستشار مدير الاستخبارات القومية في أواخر عام 2013. مع الإشارة إلى أن الاتهام كان مبنياً فقط على حقيقة أنه كان يقدم خدمات مشروعة لقطاع الاتصالات الصيني العملاقة "هواوي" التي أدرجت في وقت سابق من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية ضمن القوائم السوداء.
ويعتقد أندريه أوستروفسكي نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط أن ما يجري هو عملية ما يسمى "بمطاردة الساحرات" التي بدأت في منتصف القرن الماضي في الولايات المتحدة والتي أسفرت عن تشويه صورة جميع الذين اشتبه بهم على أنهم في تواصل مع الدول الشيوعية، وأضاف أوستروفسكي بهذا الشأن قائلاً:
"هذا استمرار لما يسمى بمطاردة الساحرات وتجسيد للعلاقات الأمريكية تجاه الصين بشكل عام. الولايات المتحدة هي الآن في مواجهة مع الصين وهذا يعني تجسيد للمقولة الشهيرة "من هو ليس معنا فهو ضدنا" وبالطبع فإن إتباع مثل هكذا سياسة ستكون لها النتائج التي نشهدها حالياً. ومع ذلك فإن الوضع يشوبه بعض الغموض، فمن جهة الحديث يدور عن السياسة لكن من الجهة الأخرى هناك جانب اقتصادي. فالصين دولة عظمى تشهد ازدهاراً في اقتصادها، وبطبيعة الحال فإن التجارة معها تعود بالفائدة إلى العديد من الشركات الأمريكية التي لا تتفق مع الرأي القائل بأن الصين وراء كل عمليات التجسس".
نذكر هنا أنه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013 وجهت الولايات المتحدة تهمة التجسس لعدد من العلماء الصينيين العاملين على أراضيها، حتى أنها لم تسمح لهم المشاركة في المؤتمر الدولي "كبلير" خوفاً من سرقة الأسرار، مع الإشارة إلى أن موضوع المؤتمر كان مكرساً لدراسة الكواكب التي تبعد عدة ألاف سنة ضوئية من الأرض. هناك فضيحة تجسس أخرى بدت مثيرة للسخرية، حيث قررت المحكمة الفيدرالية الأمريكية بأن المحطات الكهربائية الصينية التي تعمل على طاقة الرياح والتي كانت من المقرر أن يتم تثبيتها بالقرب من قاعدة ولاية أريزونا البحرية الحربية، يمكن أن تهدد الأمن القومي الأمريكي.
بالطبع فإن موجة فضائح التجسس في الولايات المتحدة الواقعية منها والخيالية سوف تزداد بازدياد قدرة الصين على تقليص المسافة التي تفصلها عن القدرات الأمريكية في المجالين التكنولوجي المدني والعسكري. ونحن هنا على موعد مع طفرة جديدة من موجات التجسس التي من المرجح أن تكتشفها بكين على أراضيها في محاولة للرد على واشنطن بالمثل.