السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته, في إطار متابعتنا لموضوع المعالم العمرانية العسكرية المغربية و بعد موضوعي السابق عن المدرسة العسكرية بمكناس واحدة من أعرق المدارس العسكرية المغربية سنتحدث اليوم عن الحامية العسكرية في (كاب جوبي) أو قلعة كاسامار في الصحراء المغربية.
عقب الهزائهم المتكررة التي تكبدها الجيش المغربي أولا في (الحرب المغربية الفرنسية 1844) ثم في (الحرب المغربية الإسبانية الأولى 1859/1860) و العديد من الثوارت و التمردات الداخلية ظهر جليا للقوى الأوروبية ضعف الدولة و الجيش المغربي على عدة مستويات. فبدأت تدخلات الجيشين الفرنسي و الإسباني من الجنوب حيث الأقاليم الصحراوية و على الحدود مع نهر السينغال ثم في الشرق حيث الواحات و الحدود مع الجزائر المحتلة أنذاك و بدأت القوتين الإستعماريتين تقضمان شيئا فشيئا من أراضي الإمبراطورية المغربية الشريفة, في هذه الفترة بالذات إستشعر الإنجليز ضعف (الرجل المريض) في الغرب الإسلامي بعد (الرجل المريض في الشرق الإسلامي أي الإمبراطورية العثمانية) و قرروا إقامة مركز تجاري على السواحل الصحراوية المغربية من أجل المتاجرة مع السكان الصحراويين.
قام الإنجليز بالظبط سنة 1882 ببناء هذا المركز التجاري الذي سمي لاحقا بـ (كاسامار) وهي كلمة إسبانية ترجمتها (دار البحر) و المتواجد بمدينة طرفاية أو ما يسطلح عليه بـكاب جوبي (رأس جوبي), وبدأ فعلا بعض السكان الصحراويين يتعاملون معه تجاريا مما أغضب السلطان مولاي الحسن رحمه الله و بعد إتصالات مع قادة القبائل الصحراوية أطلق حملة عسكرية إنطلقت من سوس و إنتهت بطرد الإنجليز من دون مقاومة ثم تفاوض على حقوق الإنجليز في هذه المعلمة و من أجل إحتواء الخلاف قام السلطان بتقديم تعويض لإنجلترا مقابل التنازل عنه و الإعتراف بملكية المغرب لتلك الأراضي الصحراوية من قبل الدولة الإنجليزية و هو ما وقع فعلا سنة 1885.
في سنة 1885 قرر المغرب تحويل كاسامار أو قصر البحر إلى قاعدة عسكرية على الساحل الصحراوي المغربي من أجل الحد من توغلات القوات الأوربية و التصدي لها (قدر الإمكان) خصوصا تلك الأتية من البحر و بالخصوص جزر الكناري بالإضافة إلى مساعدة السفن التجارية و العسكرية المغربية و غيرها المارة بإتجاه الصحراء أو غرب إفريقيا.
بالإضافة إلى أن كاسامار كانت يوجد من ميناء طرفاية الذي كان مخصصا للأغراض العسكرية و المدنية و الذي بني في نفس الفترة تقريبا من طرف المهندسين المغاربة.
و يتحدث القبطان الألماني (ليونارد كاروڤ) و الذي كان يعمل في البحرية المغربية الشريفة ما بين 1899 و 1909 على متن الفرقاطة المغربية (سيدي التركي) أن هذه القلعة كانت تضم حامية عسكرية مكونة من قرابة 40 رجلا و أن فرقاطة سيدي التركي هي التي كانت تتكفل بتزويدهم بشكل دوري بالمؤن فيما كانوا هم يعيشيون في شبه عزلة بسبب كون طرفاية نقطة بعيدة في الصحراء و سكانها فقط من البدو الرحل الصحراويين المغاربة و هو ما جعل الجنود المغاربة يصعب عليهم التحمل فكانت القيادة تقوم بإستبدال أفراد الحامية كل سنتين .
ويقول ليونارد كاروڤ : (لم يكن في مقدور حتى الإنسان المغربي أن يتحمَّل البقاء طويلاً في هذه المنطقة.فلا يمكن تصور وجود منطقة أكثر من هذه بؤساً وإيحاشاً؛ فليس يكتنفها غير الرمل، والرمل ثم الرمل! وإنه ليعسر علينا أن نفهم أين تجد بعض الخراف البائسة التي يمتلكها الأهالي والعدد اللا يُحصى من الغزلان غذاءَها في هذا القفر.)
ويشي هذا التصريح بصعوبة العيش في المناطق الصحراوية لغير أهلها وصعوبة الحياة المدنية في عمق الصحراء.
ويزيد ليونارد كاروڤ (كان يتعيَّن علينا جلب جميع المواد الغذائية للحامية، بما فيها الماء وخشب التدفئة، ولذلك يكون وصول سفينتنا دائماً، عيداً صغيراً للحامية. فبالإضافة إلى المواد الغذائية الطرية، كنا نحمل إليهم رسائل الأهل وأخبار البلاد).
أما أهل طرفاية المجاورين لقصر البحر أو كاسامار فكانو يعيشيون بالإضافة إلى الرعي من التجارة مع أفراد الحامية العسكرية, فيقول ليونارد كاروڤ وإلى جوار قصر البحر كان الكثير من أبناء الصحراء يعيشون تحت الخيام. وكانوا يكاد أن يكون كل عيشهم على العمل لفائدة الحامية.
ومن الطرائف الجميلة و التي تدل على الفساد و المحسوبية اللذين كانا مستشريين في كل مفاصل الدولة المغربية أن أحد المهندسين المغاربة ويدعى (سيدي الحسين) كان قد تلقى تكوينا في الهندسة على حساب الدولة لكنه حينما عاد وبدل أن يعمل في أحد مشاريع الإنشاءات الهندسية (على قلتها) فإنه تم إرساله إلى طرفاية حيث كاسامار ليعمل مترجما في الميناء و الحامية العسكرية وهي مهنة لا فائدة منها أبدا بحكم أن كل سفن الحكومة المغربية يعمل على متنها مترجمون ورغم أنه لم يكن يفعل أي شيء إلا أنه كان دائما بشوشا و مستسلما لقدره مادام يتلقى راتبه في إنتظار نقله إلى مكان أخر إن كان له حظ في ذلك
يذكر أن ميناء طرفاية الذي تعمل الحامية على حمايته كان يقوم بدور مهم منذ بداية سنة 1901 و هو نقل الأسلحة و العتاد لرجال الشيخ ماء العينين أكبر شخصية في الصحراء و موريتانيا من أجل محاربة الفرنسين و الإسبان هذا الرجل و العالم الجليل عاصر خمس سلاطين مغاربة و عينه السلطان مولاي الحسن و مولاي عبد العزيز و مولاي عبد الحفيظ نائبا للسلطان على الصحراء بعد أن قدم لهم فروض البيعة كممثل لقبائل الصحراء.
وقد كان الشيخ ماء العينين يمضي فقط 5 أشهر من كل سنة في الصحراء فيما يقضي شهر في القصر السلطاني بفاس و الباقي في الطريق ما بين المغرب و الصحراء لأنه لم يكن يحب سلك طريق البحر فيما كانت تتكفل البواخر الحربية المغربية بنقل رجاله ذهابا و إيابا بالإضافة إلى هدايا السلطان كموظف حكومي مغربي.
ظل جنود الحامية العسكرية المغربية مرابطين في مواقعهم بعد توقيع إتفاقية الحماية (الإحتلال) في ماي من سنة 1912 إلى غاية 29 يوليوز 1916 تاريخ توقيع إتفاقية بين إسبانيا و فرنسا لتقسيم مناطق النفوذ في الصحراء المغربية حيث ضمتها إسبانيا لما كانت تسميه أنذاك الصحراء الإسبانية.
المنطقة تم إسترجاعها بعد حرب سيدي إفني بين جيش التحرير المغربي و الجيش الإسباني سنة 1958.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن ندعو السلطات في هذه المنطقة إلى المسارعة في ترميم قلعة (قصر البحر) كاسامار هذه المعلمة العسكرية هي والجنود الذين رابطوا فيها قبل أكثر من 130 سنة يستحقون منا كل تكريم.
كاسامار
بالإضافة إلى أن كاسامار كانت يوجد من ميناء طرفاية الذي كان مخصصا للأغراض العسكرية و المدنية و الذي بني في نفس الفترة تقريبا من طرف المهندسين المغاربة.
و يتحدث القبطان الألماني (ليونارد كاروڤ) و الذي كان يعمل في البحرية المغربية الشريفة ما بين 1899 و 1909 على متن الفرقاطة المغربية (سيدي التركي) أن هذه القلعة كانت تضم حامية عسكرية مكونة من قرابة 40 رجلا و أن فرقاطة سيدي التركي هي التي كانت تتكفل بتزويدهم بشكل دوري بالمؤن فيما كانوا هم يعيشيون في شبه عزلة بسبب كون طرفاية نقطة بعيدة في الصحراء و سكانها فقط من البدو الرحل الصحراويين المغاربة و هو ما جعل الجنود المغاربة يصعب عليهم التحمل فكانت القيادة تقوم بإستبدال أفراد الحامية كل سنتين .
ويقول ليونارد كاروڤ : (لم يكن في مقدور حتى الإنسان المغربي أن يتحمَّل البقاء طويلاً في هذه المنطقة.فلا يمكن تصور وجود منطقة أكثر من هذه بؤساً وإيحاشاً؛ فليس يكتنفها غير الرمل، والرمل ثم الرمل! وإنه ليعسر علينا أن نفهم أين تجد بعض الخراف البائسة التي يمتلكها الأهالي والعدد اللا يُحصى من الغزلان غذاءَها في هذا القفر.)
ويشي هذا التصريح بصعوبة العيش في المناطق الصحراوية لغير أهلها وصعوبة الحياة المدنية في عمق الصحراء.
ويزيد ليونارد كاروڤ (كان يتعيَّن علينا جلب جميع المواد الغذائية للحامية، بما فيها الماء وخشب التدفئة، ولذلك يكون وصول سفينتنا دائماً، عيداً صغيراً للحامية. فبالإضافة إلى المواد الغذائية الطرية، كنا نحمل إليهم رسائل الأهل وأخبار البلاد).
أما أهل طرفاية المجاورين لقصر البحر أو كاسامار فكانو يعيشيون بالإضافة إلى الرعي من التجارة مع أفراد الحامية العسكرية, فيقول ليونارد كاروڤ وإلى جوار قصر البحر كان الكثير من أبناء الصحراء يعيشون تحت الخيام. وكانوا يكاد أن يكون كل عيشهم على العمل لفائدة الحامية.
ومن الطرائف الجميلة و التي تدل على الفساد و المحسوبية اللذين كانا مستشريين في كل مفاصل الدولة المغربية أن أحد المهندسين المغاربة ويدعى (سيدي الحسين) كان قد تلقى تكوينا في الهندسة على حساب الدولة لكنه حينما عاد وبدل أن يعمل في أحد مشاريع الإنشاءات الهندسية (على قلتها) فإنه تم إرساله إلى طرفاية حيث كاسامار ليعمل مترجما في الميناء و الحامية العسكرية وهي مهنة لا فائدة منها أبدا بحكم أن كل سفن الحكومة المغربية يعمل على متنها مترجمون ورغم أنه لم يكن يفعل أي شيء إلا أنه كان دائما بشوشا و مستسلما لقدره مادام يتلقى راتبه في إنتظار نقله إلى مكان أخر إن كان له حظ في ذلك
يذكر أن ميناء طرفاية الذي تعمل الحامية على حمايته كان يقوم بدور مهم منذ بداية سنة 1901 و هو نقل الأسلحة و العتاد لرجال الشيخ ماء العينين أكبر شخصية في الصحراء و موريتانيا من أجل محاربة الفرنسين و الإسبان هذا الرجل و العالم الجليل عاصر خمس سلاطين مغاربة و عينه السلطان مولاي الحسن و مولاي عبد العزيز و مولاي عبد الحفيظ نائبا للسلطان على الصحراء بعد أن قدم لهم فروض البيعة كممثل لقبائل الصحراء.
وقد كان الشيخ ماء العينين يمضي فقط 5 أشهر من كل سنة في الصحراء فيما يقضي شهر في القصر السلطاني بفاس و الباقي في الطريق ما بين المغرب و الصحراء لأنه لم يكن يحب سلك طريق البحر فيما كانت تتكفل البواخر الحربية المغربية بنقل رجاله ذهابا و إيابا بالإضافة إلى هدايا السلطان كموظف حكومي مغربي.
المنطقة تم إسترجاعها بعد حرب سيدي إفني بين جيش التحرير المغربي و الجيش الإسباني سنة 1958.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن ندعو السلطات في هذه المنطقة إلى المسارعة في ترميم قلعة (قصر البحر) كاسامار هذه المعلمة العسكرية هي والجنود الذين رابطوا فيها قبل أكثر من 130 سنة يستحقون منا كل تكريم.
كل الحقوق محفوظة للشبح
التعديل الأخير: