- الغارات الجوية على السودان.. حين تمطر السماء موتاً
-
لا يمكن النظر إلى العدوان الإسرائيلي على مجمع اليرموك للتصنيع الحربي في الخرطوم، مؤخراً، والذي لم يحظَ بما يستحق من الاهتمام السياسي والدبلوماسي والإعلامي، فقط من زوايا استهدافاته المباشرة التي أجمع على أنها تنحصر في اعتباره بمثابة "البروفة" على الضربة المقبلة لإيران، ومحاولة تنفيس الاحتقان الذي خلّفه تراجع نتنياهو أمام أوباما في قضية الضربة العسكرية ضد طهران، وتوجيه رسائل تهديد إلى كل من سوريا و"حزب الله" والمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن كونه يشكل رسالة داخلية انتخابية، ومحاولة لفرض الطابع الأمني والسياسي على الانتخابات التي يحاول خصوم رئيس الوزراء أن يجعلوها استفتاءً على السياسة الاقتصادية والاجتماعية.
وإنما ينبغي النظر إليه (العدوان) كذلك من زاوية اندراجه في سياق الخيبة العسكرية العربية.
أورد هنا بعض الحقائق التي لابد من توضيحها خصوصا بعد نفى مستشار الرئيس المصري للشئون القانونية دخول الطائرات الإسرائيلية التي قامت بالإغارة على السودان من الأجواء المصرية او على حد تعبيره "لم تقترب منا ارضا ولا بحرا ولا جوا":
(ملحوظة "النقاط القادمة يجب ان تتابعها عزيزي القارئ واضعا في اعتبارك ان اقصى عرض للبحر الأحمر بين مصر والسعودية هو 280 كيلومتر") .
- الطائرات الإسرائيلية انطلقت من قاعدة "عوفادا" الجوية جنوب فلسطين المحتلة هذا المطار بينه و بين الحدود المصرية "14" كيلو متر فقط (اذن كان من الممكن رصد هذه الطائرات اثناء انطلاقها من قاعدتها الجوية).
- التشكيل الإسرائيلي المكون من 8 طائرات اف 15 قطع مسافة تقارب ال 200 كيلو متر في اجواء خليج العقبة وكان في مدى رصد كل من (رادار مطار العقبة الأردني – رادار مطار تبوك السعودي الذى يبعد عن ساحل البحر الأحمر مسافة 200 كيلو متر - رادار مطار سانت كاترين الذى يبعد 50 كيلو متر عن ساحل البحر الأحمر)
- التشكيل الإسرائيلي عبر مسافة 720 كيلو متر امام السواحل المصرية على البحر الأحمر و كان في مدى رصد كل من (رادار مطار شرم الشيخ الدولي – رادار مطار الغردقة – رادار مطار مرسي علم – رادار مطار فايد ) .
- التشكيل الإسرائيلي عبر مسافة تقارب الـ 1000 كيلو متر امام السواحل السعودية على البحر الأحمر وكان في مدى رصد (مطار محلى بمدينة الوجه يقع قريبا جدا من ساحل البحر الأحمر – مطار الأمير عبد المجيد ابن عبد العزيز الإقليمي بمدينة العلا – مطار ينبع – مطار جدة – مطار الطائف الإقليمي – مطار محلى بمدينة الباحة – مطار محلى بمدينة رابغ – بل وحتى مطار الملك عبد العزيز الدولي الذى يبعد عن ساحل البحر الأحمر 6 كيلو متر فقط).
- اذن الطائرات الإسرائيلية خلال رحلتها كانت على بعد 3 دقائق طيران من الأجواء العربية و لم تتوقف "المهزلة" عند هذا الحد.. بل ان التشكيل الإسرائيلي فعليا عبر في مدى رصد رادارات قواعد جوية عربية بها ما يفترض انه احدث الرادارات واحدث المقاتلات و هي كالتالي :
- قاعدة الملك فيصل الجوية في مدينة تبوك والتي تعتبر اقرب القواعد السعودية الى الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تبعد عن الحدود مسافة 200 كيلومتر وعن مكان انطلاق طائرات الغارة الإسرائيلية بمسافة 240 كيلو متر وتحتوى على اسراب مقاتلة منها السرب الثاني الذى يحتوى على مقاتلات اف 15 و السرب 21 مقاتلات هوك.
- قاعدة الأمير عبد الله الجوية في جدة (هذه القاعدة خاصة بطائرات النقل العسكرية من طراز سى 130) – قد يقول قائل ان هذه القاعدة لا يوجد بها أي طائرات مقاتلة.. هذا صحيح لكن بها رادارات خاصة بشبكة الرادار السعودية "درع السلام".
- قاعدة الملك فهد الجوية التي تقع في محافظة الطائف السعودية ومسئولة عن تأمين المنطقة الغربية ومن ضمنها مكة المكرمة وتبعد عن ساحل البحر الأحمر ما يقرب من 150 كيلو متر و بها عدد من الأسراب المقاتلة منها السرب الثالث الذى يحتوى على مقاتلات التايفون والسرب 34 الذى يحتوى على مقاتلات اف 15 (و للمفارقة هذا هو نفس نوع الطائرات التي قامت بالأغارة على السودان) و السرب 17 الذى يحتوى على مقاتلات أف 5.
- بالنسبة لمصر فإن التشكيلات الإسرائيلية عبرت في نطاق المدى العملياتي لقاعدة الغردقة الجوية التي يتواجد بها اللواء الجوى 53 و به سرب مقاتلات اعتراضية من نوع ميج 21 و تقع هذه القاعدة على بعد اقل من 2 كيلو متر عن ساحل البحر الأحمر – كما ان هذه التشكيلات عبرت في نطاق المدى العملياتي لقاعدة فايد الجوية التي تعتبر اقرب قاعدة مصرية تمتلك طائرات مقاتلة الى فلسطين المحتلة حيث تبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة 250 كيلو متر ويتمركز بها اللواء الجوي 282 و به السرب 86 و 88 لمقاتلات اف 16 المصرية.
-تمتلك السعودية و مصر عدد من الرادارات الحديثة التي تستطيع العمل في ظروف التشويش و منها :
- الرادار الروسي POST-3M وهو يعد اقوى نظام رادار تمتلكه مصر وهو يعتمد على آلية الكشف السلبى أي لا يقوم بأرسال أي موجات رادارية بل يقوم بكشف الموجات الصادرة من رادارات و اجهزة طائرات العدو و يبلغ مداه الأقصى 800 كيلو متر في النسخ الحديثة منه
- الرادار الأمريكي SPS-48 وهو من اهم الرادارات الأمريكية ويستخدم على سطح حاملات الطائرات الأمريكية ويستطيع الكشف 360 بمدى يصل الى 400 كيلو متر مع امكانية كشف الأهداف المنخفشة الارتفاع او ذات البصمة الرادارية المحدودة "مثل صواريخ التوماهوك او الكروز".
- الرادار الفرنسي Tiger 2 – 2100 المعد خصيصا لرصد الأهداف ذات الارتفاع المنخفض و مقاومة التشويش مهما كانت شته و يبلغ مداه ما يقرب من 400 كيلو متر
-الرادار lion بريطاني الصنع و يبلغ مداه 500 كيلو متر .
-الرادار الصيني p-35 المتخصص في الإنذار المبكر ويبلغ مداه 370 كيلو متر
- الرادار الروسي p-14 و هو ايضا مخصص للإنذار المبكر و يصل مداه الى 600 كيلو مترو له قدرة على تعقب مصادر التشويش
- كل ما سبق يضاف اليه القواعد البحرية للسعودية ومصر على البحر الأحمر وقواعد المراقبة بالنظر على طول الساحل و طائرات الأواكس السعودية لتكتمل منظومة الفشل العربي في التصدي للطائرات الإسرائيلية او حتى تحذير السودان منها.
- لم اذكر السودان ولا دفاعاته الجوية ولا حتى مطاري بورسودان والخرطوم لأن السودان معروف بالتواضع النسبي لإمكانيات راداراته ودفاعاته الجوية وهذا لأسباب كثيرة لا مجال لها هنا لكن اقول ان الدول العربية الغنية ماليا وعسكريا تركت هذا البلد الجار والشقيق يتعرض لست غارات اسرائيلية دون ان تحرك ساكنا سواء بالتحذير او حتى بالدعم و الأمداد... وهذه جريمة عربية – عربية جديدة تضاف سجل "النيران الصديقة".
في هذا الموضوع لا اقول ان القوات الإسرائيلية اخترقت الدفاع الجوي العربي او لم تخترقه.. لا اهاجم الجيوش العربية ولا امدحها, فقط اضع الحقائق امامك ايها القارئ حول فشل عسكري عربي اظنه كبيرا للغاية ولا يجب ان يمر مرور الكرام.. لأنه لم يعد مقبولا ان نظل أسرى لما يقوله قادتنا العسكريين عند كل نكسة عسكرية عربية.. لنا عقول فلنفكر بها ونستخلص العبرة مما حدث ونحدد من هو المخطئ ومن هو المسئول.. ومن هو المتواطئ وكل هذا لغرض واحد فقط, ألّا نذهب الى نكسة جديدة.
ووفقاً لمحللين عسكريين فإن ثمة ثغرات واضحة في تغطية الرادارات السودانية، ويشرحون كيفية عمل الرادارات بالقول أنها تعمل بنظام دوائر متصلة، بحيث يسلم الرادار للدائرة التي تليه، عبر نظام مربوط بأجهزة الحاسوب. أما على مستوى جهاز الرادار نفسه فإنه يكون محمياً بمدافع 100 ملم تعمل بطريقة أوتوماتيكية في إطار منظومة التشغيل ككل، ويضيفون أن هناك دائرة أخرى لتأمين الرادار عبر حراسته بمدافع مضادة للطائرات، ويزيدون أن الغارة الإسرائيلية الأخيرة تكشف بجلاء عن وجود خطأ تأميني، جعل الأجواء السودانية مستباحة.
غير أن وزير الدفاع السوداني؛ عبد الرحيم محمد حسين، يشدد على أن الأجواء السودانية ليست مستباحة، ويستدرك أن التغطية التي يملكها السودان عبر راداراته تغطي الأجواء العليا، ويكشف حسين عن أن الرادارات السودانية تعمل بقدرات محدودة على ارتفاع 1000 متر فما دون، وهو أمر يجعل أية طائرة تطير أسفل هذا الارتفاع بمنأى عن الرصد، إلا أن وزير الدفاع يؤكد أن ما حدث من غارات كان حالات استثنائية، فعندما تكون الدولة في حالة حرب يستوجب عليك أن تكون في حالة استعداد وحماية، لكن ما حدث حالة استثنائية. ويزيد أيضاً أن الوضع يسهل هجوم الأعداء ويصعب علينا دور الحماية، وعندما تنظر إلى التقانة الموجودة لدى إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى كمية العلوم الموجودة عندهم والتقنيات الحديثة وأنواع الأسلحة التي يمتلكونها إلى جانب التعاون والتنسيق الكبير بين إسرائيل وبين هذه الدول؛ فكل هذا يجعل مهمتنا صعبة.
ويضيف خبراء عسكريون أنه يمكن تجاوز الرادارات بعدة طرق، أبرزها إطلاق صفائح معدنية أو ما شابه ذلك، أو عبر التحليق بارتفاعات منخفضة، أو عبر إطلاق موجات إلكترونية تقوم بالتشويش اللازم.
من جهة أخرى يقول قائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق؛ إيتان بن إلياهو، إن السودان بصفة عامة وبالتحديد معظم أراضيه لا تغطيها دفاعات رادارية، لذا فإنهم لا يعرفون أنك قادم إلى مناطق صحراوية نائية، وأضاف في تصريحات صحفية لإذاعة الجيش الإسرائيلي "من المؤكد أن القوات الجوية الإسرائيلية قادرة على تنفيذ غارات جوية تتضمن قطع مسافة 1400 كيلومتر ذهاباً وإياباً للوصول إلى السودان، لا سيما إذا كان الممر الجوي خالياً فوق البحر مثلاً فسيكون الأمر أسهل ويمكن إعادة تزويد الطائرة بالوقود في الجو".
المصادر
محمد منصور || الجزيرة توك || مصر
aljazeera.net
www.sudaress.com