تعتبر العلاقات بين الجزائر و الانجليز من أقدم العلاقات بين الدولتين، وأكثرها تأثيرا من تلك التي كانت بينها وبين أمريكا، ومن جهة أخرى كانت هذه العلاقات أكثر تعقيدا في كل التفاصيل المتعلقة بالعلاقات الجزائرية البريطانية، فالجزائر أقامت علاقات ودية مع بريطانيا حتى قبل مجيء الأتراك في أوائل القرن السادس عشر، فأهمية الجزائر الجغرافية والسياسية والتجارية، جعلت كل من بريطانيا وفرنسا تتنافسان بشأنها، حيث تعاملت الجزائر مع كليهما واستفادت من هذه المنافسة.
تمتعت بريطانيا بامتيازات خاصة لم تتمتع بها إلا فرنسا منذ عهد لويس الرابع عشر، وخلال عام 1806 و بينما كانت فرنسا تخوض حربا في أوروبا تحت قيادة نابوليون، أعطت الجزائر تلك الامتيازات إلى بريطانيا بنفس المعاملة التي كانت لفرنسا، لما خرجت بريطانيا منتصرة بعد مؤتمر فيينا، هاجم أسطولها في البحر الأبيض المتوسط الجزائر، لكي يجبر الجزائريين على إطلاق سراح الأسرى البريطانيين والمالطيين والإيطاليين، وفي معركة الجزائر التي جرت سنة 1816 وهي مشهورة في تاريخ البحرية تحالف البريطانيين مع هولاندا ومع بعض الأساطيل الإيطالية. بعد دلك استأنف البريطانيون علاقاتهم مع الجزائر وواصلوا تأييدهم القوى لها ضد فرنسا .
اعتداءات الانجليز على الجزائر لم تتوقف عند قنبلة اهل الجزائر بعد تعداه الى حرق اسطولهم البحري، في هدا الشأن اعد الأميرال اكسموث تقريرا وهو على متن السفينة الملكة شار لوط التي كانت راسية بمرسى الجزائر يوم 28 اوت 1816 جاء فيه ".. سيدي.. من كل أحداث الحياة التي كرستها كاملة لخدمة بلادي ليس منها ما اوجد لدي الشعور بالسرور والغبطة، مثل الذي شعرت به نهار أمس، وهدا الحادث سيبقى دائما مصدر المتعة والشعور بالسعادة بالنسبة للإنسان، بكونه كان واحدا من الأدوات المتواضعة التي استخدمها القدر ليرد إلى الصواب حكومة همجية، ومن اجل التحطيم والى الأبد نظام استعباد المسيحيين. وفي غمرة هدا الشعور، أقدم سيدي تهاني الخالصة للنجاح الكامل الذي تكللت به الجهود البطولية التي قام بها أسطول جلالته الملك في مدينة الجزائر أمس 27، والنتائج السعيدة التي أدت إليها اليوم بتوقيع معاهدة الصلح... كل السفن كانت موجودة في الميناء وكان عددها مابين 40 و50 سفينة مسلحة بالمدافع والمهاريس، كما كان يجري إصلاح عدد من السفن الاخرى. لم يحدث على ما اعتقد ، أن شوهدت نيران بمثل هده الشدة وهاته الكثافة مثل تلك التي اندلعت والتي استمرت مند الساعة الثالثة إلا ربعا، والتي لم تتوقف إلا بعد أن مر نصف ساعة من منتصف الليل، فالسفن التي كانت تحت قيادتي اخدت مواقعها بهدوء ودقة تجاوزت ما كنت أمله .. ولقد حدث أثناء المعركة فترات حرجة لن أحاول وصفها والتي تسببت فيها التي كانت تحترق والتي كانت قريبة جدا منا. وعلى الساعة العاشرة سكتت البطارية التي تحيط بفرقتي لقد هدمت تهديما كاملا، لقد اقتصدت السفن في إطلاق نيرانها للمحافظة على البارود، ولم ترد سوى على بعض الطلقات التي كانت ترسل نحونا من حين لآخر، في حين انه يوجد في الزاوية الأكثر ارتفاعا في المدينة حصنا يقع خارج مرمى مدافعنا، والدي لم يتوقف عن مضايقتنا طوال مدة الهجوم .
لقد أفادتنا الأخبار التي وصلت من الساحل أن خسائر العدو كانت ما بين ستة وسبعة آلاف، بين قتيل وجريح وان مخازن الترسانة وما فيها من الأخشاب والمعدات البحرية الأخرى قد هدم جزء منها مع عدد كبير من عربات ونقلات المدافع . "
وبشان اعتداء الانجليز على الأسطول الجزائري تقول رواية جزائرية ".. وفي تلك السنة اتفق جميع الملوك مع السلطان محمود على إلغاء الأسر، فالمسلمون لا يأسرون النصارى والنصارى لا يأسرون المسلمين واتفقوا على دلك، فقدم الإنجليز بعمارة للجزائر واخبر الأمير بدلك، وما اتفقوا عليه مع السلطان محمود وان الاسارى النصارى الدين بكامل الاجاقات كلهم تسرحوا من غبر فدية. أما الاسارى الدين بالجزائر فانه أتي لكي يحملهم ولكن بعد دفع الفدية وقالوا للأمير.. إننا ندفع نصف الفدية هده المرة و ناخد كامل الأسرى بعد أيام نكمل بقية أموال الفدية فقال لهم الأمير ..انه لا يعطيهم الأسرى إلا على مقدار ما يدفعونه من المال، وعندما يأتي ببقية الدراهم ياخد بقية الأسرى، وكان الميرانتي الأميرال الإنكليزي قد طلب من الأمير حمل كافة الأسرى واغتاظ وتكلم بكلام قوي فاطرده الأمير فقال له ..لا نعطيك ولا أسيرا واحدا ولا نبطل الأسر وافعل ما بدا لك..
ثم إن الانجليز قدم بعمارة للجزائر، وعندما خرج من مالطة التقى مع عشر من فراكط الفلامنك، وكان الإنكليز قبل دلك قد رغب من الأمير أن يجعل معهم الصلح، فلم يقبل الأمير الصلح واشترط عليهم شروطا لا يطيقونها. فلما لقي الفلامنك عمارة الإنجليز طلب منها أن تأتي معها لكي يتوسط لهم في الصلح مع الأمير مرة أخرى، ووصلوا الجزائر في اليوم الثالث من عيد الفطر قبل الزوال، فلما توسطوا الجون, أرسى سفنه وبعث زورقا يحمل رسالة للأمير، وجعل الرايات البيضاء فوق السفن علامة الأمان إلى آن يتكلموا فتلقاه قائد المرسي وسأله عن مجيئه فناوله الكتاب، وقال له نريد الجواب في ساعتين وبقي هناك يترجى الجواب عند باب المرسي ودهب قائد المرسي للأمير بدار الإمارة فوجده نائما ولم يوقظوه حتى انتهى الأجل ورجع زورق الإنكليز... وكان الأمير قبل دلك يجلس كل يوم في باب الجهاد من الصبح إلى المساء، وبعض الليالي يبقى هناك لكن ادا أراد الله أمر هيا أسبابه حتى كان دلك اليوم، فدخلت العمارة رافعة راية الأمان البيضاء فبعث القبطان لوكيل الحرج، وقال له أن هده العمارة داخلة للمرسي فيجب ان نضربها قبل أن تدخل تحت الارياح لأنها إن دخلت تحت المدافع أهلكتنا. فقال لهم.. كيف نضربه وهو حامل للراية البيضاء ؟ قالوا له هده خدعة فمنعهم من الضرب فأغلظوا له القول فقال لهم من ضربه بمدفع قتلته إلا ادا أتى الأمر من الأمير.
بعث الاميرانتي سفن الفلامينك تحت برج يسمى برأس سفورة مقابل باب المرسى، رتب مراكبه كيف شاء فعند دلك استيقظ الأمير من رقدة أهل الكهف، ونظر فرأى العمارة أرست بباب المرسي فخرج فازعا وهو يهرول حتى خرج من باب الجزيرة، وقابل الأبراج وهو يجر رداءه وصار يشير وينادي أهل الأبراج ويأمرهم بالضرب فضربوا المدافع في الهواء إلا ما قل قبالة بعض مراكب العدو، فلما رأى العدو أن الضرب ابتدأ من عندنا أخد يضرب هو أيضا حتى تصمم جميع الناس وبقي يضرب في ظهور الأبراج وفي البلد. فجاء العسكر إلى الجامع الأعظم وضربوا منه العدو بالرصاص لان سفينة الميرانني كانت تحته، قتلوا النصارى الدين كانوا على ظهر السفينة وكان جانب السفينة محاذيا للجامع فسار يرمي الكور على الجامع حتى هدم شطره، وهرب من مكان به من العسكر وكثيرا الهدم في الأبراج وتعطلت المدافع. وفي أول المعركة ضربت سفينة للعدو اللنجون الذي بداخل المرسي، ففسد جله واستشهد اكثر رجاله فما منع منهم إلا القليل هربوا للأبراج .
ولما كان وقت الاصفرار بعث فلوكة لداخل المرسي لكي يحرق مراكبنا فضربها بعض الناس من سفينة برج رأس المول فمات أكثر من فيها ورجعت الفلوكة ثم بعث فلوكة أخرى، وصار يضرب الموضع الدى ضربوا منه الفلوكة بالمدافع، إلى أن دخلت واوقدتت النار في السفن المحاذية لها فالتهبت نار، إلا مركبين كانا داخل المرسي قريبتين من البروصار الليل نهارا من ضياء النار وبقي الأمر كذلك إلى شطر الليل .