رغم أن الصين تعتبر إحدى القوى العالمية الواعدة والمؤثرة على الساحة الدولية إلى حد كبير، إلا أنها لم تصل بعد لنقطة التكامل فى قدراتها الشاملة حتى الآن، خاصة من منظور قدرتها التكنولوجية والعسكرية رغم الجهود الكبيرة المبذولة لتطويرهما واللتان لم تتوازنا رغم ذلك مع قدراتها الضخمة الأخرى سواء البشرية لذلك اعتمدت لفترة طويلة، وعلى التطوير الذاتى (البطىء) لنظم تسلحها الذى كان الاتحاد السوفيتى (السابق) هو مصدرها الرئيسى لفترة طويلة منذ إعلان الدولة منذ نصف قرن وحتى بداية مرحلة التحديث الاقتصادى التى شهدتها الصين منذ أوائل الثمانينات، والتى كان لها انعكاساتها على خطط التسلح الصينى (1)، وأيضا على الحجم المحدود لصادراتها العسكرية فى السوق الدولية للسلاح، والذى يعتبر الشرق الأوسط جزءا رئيسيا منه أولا: تطور الصناعات والتقنيات العسكرية للصين: فطنت الصين إلى أن السبب الرئيسى فى صغر حجم مشاركتها فى سوق السلاح الدولية، هو تخلف صناعاتها العسكرية إذا ما قورنت بالمعروض فيه وتمشيا مع سياسة الانفتاح وتطوير الفكر الاقتصادى الصينى، فقد واكبه تطور مماثل فى الصناعات العسكرية الصينية حتى يمكنها أن تحصل على نصيبها من سوق السلاح العالمى من خلال منافستها للدول المصدرة الكبرى للسلاح بأسعار رخيصة وبتقنية عالية لقد أدى ذلك إلى الانفتاح غربا للحصول على التقنيات الحرجة والحديثة، حيث نجحت فعلا فى الحصول على أحدثها بغض النظر عن الأيديولوجيات، وذلك من منطلق السعى لتحديث صناعاتها العسكرية المتخلفة، من خلال التعاون على عدة مسارات:
مسار التصنيع المشترك ـ مسار الحصول على تقنيات التسلح الحديثة من الشرق والغرب، خاصة روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك من أجل نقل التقنيات المتقدمة ثم توطينها وصولا إلى تقنية صينية وذلك لأن الصين تفضل تطوير معداتها القديمة مستفيدة من الخبرة الأجنبية أكثر من شراء معدات جديدة أو إنتاجها من هذا المنطلق بدأت الصين جهودا مكثفة لتحديث الجيش والصناعات العسكرية الصينية جنبا إلى جنب منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات على نمط نظم التسلح الغربية، حيث أنفقت حوالى ـ مليارى دولار ـ منذ منتصف عام 1989 حتى عام 1991 لاستيراد معدات عسكرية متطورة، كما أعلنت فى حينه أن الميزانية العسكرية لتحقيق التحول العسكرى ستبلغ حوالى ـ 10 مليارات دولار ـ عام ـ 1997 وقد كان لتفكك الاتحاد السوفيتى وخفض التهديد أثره التحديثى غير المباشر على ترسانة الصناعات العسكرية حيث بدأ التركيز على الكيف بدلا من الكم (2) ـ 1 ـ انعكاسات تحويل الصناعات والتقنيات العسكرية للأغراض المدنية: شرعت الصين عام 1981 فى تقليص الجيش الصينى وتحويل عدد من الصناعات العسكرية إلى صناعات مدنية، حتى وصل حجم ما تحول من صناعات عسكرية إلى مدنية فى التسعينات حوالى ثلثى وسائل الإنتاج العسكرية والبحوث العلمية الخاصة بها والذى رصد له ـ 10 مليارات يوان ـ فى الخطة الخمسية 1991 ـ 1995، وفى هذا السياق أقامت مركزا للتطبيقات التقنية فى المجال العسكرى بالإضافة إلى شبكة معلومات متكاملة من أجل التحول الأنسب لمثل تلك التقنيات إلى الاستخدام المدنى بصورة مخططة، حيث تم السماح بأكثر من ـ 2500 ـ تقنية عسكرية للاستخدام المدنى للاستفادة منها فى التطوير والتقدم فى المجالات المماثلة (3) لقد ساعد ذلك فى التركيز على رفع المستوى التقنى حتى يمكن المنافسة الفعلية فى سوق السلاح، وتدل القدرة الصينية على تصدير السلاح على أنها نجحت فى تحسين إنتاجها العسكرى فى بعض نظم التسلح بالقدر الذى يمكنها من المنافسة المحدودة عالميا كما أدى نقل التقنية العسكرية للاستخدام المدنى إلى دعم الاقتصاد القومى للصين، كما أمد دولا أخرى عديدة فى العالم بخبرة ناجحة لمثل هذا التحول فى وقت السلم (4) فى هذا السياق يمكن الإشارة إلى الآتى: أ ـ أنه ابتداء من 1980 انخفضت ميزانية الجيش الرسمية انخفاضا حادا وأعطيت الأولوية للتنمية الاقتصادية والعلمية (5) ب ـ أن ميزانية الدفاع عادت للارتفاع منذ أوائل التسعينات، فقد زادت من ـ 86 مليار دولار ـ عام 1996 إلى ـ 79 مليار دولار ـ عام 1997 وذلك فى إطار برامج تطوير نظم التسلح (6) ج ـ أن الصين مازالت رغم ذلك غير قادرة على اختراق سوق السلاح للآتى: ـ (1) أنها مازالت تستعين بالتقنية الروسية حيث حصلت منها على ـ 24 طائرة ـ سوخوى ـ 24 عام 1992، ثم على 48 طائرة أخرى عام 1996 وتحاول الحصول على سوخوى ـ 30، وقد بلغت مشتروات الصين من روسيا ـ 22 مليار ـ دولار عام 1996 ينتظر أن تصل إلى ـ 3 مليارات دولار ـ فى التسعينات (7)، وقد شكلت المبيعات العسكرية الروسية نحو 97% من جملة المشتروات العسكرية للصين فى عام 1996 ـ (2) وتستعين كذلك بالخبرتين الأمريكية والفرنسية فى تحديث الطائرات الصينية والصواريخ بعيدة المدى كذلك (8) ـ (3) وجدير بالذكر أن إسرائيل تقف وراء كثير من التطور الكيفى الصينى فى المجال العسكرى من خلال تقديم الخبرة والمساعدة الفنية عموما لقد أسفر ذلك عن طفرة كبيرة دفعت بالصين إلى الشريحة الثانية للدول المصدرة للسلاح حيث تشغل الولايات المتحدة الشريحة الأولى منفردة، وتجىء الصين فى المركز السابع بين الدول المصدرة للسلاح عامة، وفى المركز السادس والأخير بالنسبة لدول الشريحة الثانية حيث يسبقها كل من: المملكة المتحدة ـ روسيا ـ إسرائيل ـ ألمانيا ـ ثم فرنسا (9)، ورغم ذلك يمكن اعتبارها أحد المصادر الأساسية فى سوق السلاح العالمى ـ 2 ـ حجم المشاركة الصينية فى سوق السلاح العالمى (10) : ماذا تعنى قراءة ومدلولات الجدول المرفق رقم (1) ؟ أن ذلك يعنى أن تجارة السلاح الصينية فى عقد التسعينات فى تراجع يعزوه المحللون إلى المنافسة الغربية خاصة الولايات المتحدة من منظور تفوقها التقنى، وكذلك المنافسة الروسية من منظورى تفوقها التقنى والسعرى، الأمر الذى أدى إلى شبه إغلاق للأسواق ـ الآسيوية ـ الشرق الأوسط، ورغم ذلك تشير الدراسات الأمريكية إلى أن الصين سوف تصبح مركز منافسة حقيقية فى السنوات القادمة (11) ـ 3 ـ السياسة العامة للصين فى مجال تجارة السلاح (12) : تخضع هذه السياسة مثلها مثل باقى الدول الرئيسية المصدرة للسلاح إلى مجموعة من المحددات والشروط المحلية والدولية أ ـ على المستوى المحلى: وفقا للسياسة الرسمية الصينية، فإن الدفاع القومى الصينى غير موجه ضد أية دولة، باستثناء مشكلة تايوان، ولا تسعى لتمركز أى قوات لها أو قواعد عسكرية فى الدول الأجنبية، من هذا المنطلق فهى تلتزم بمبادئ معينة فى بيع الأسلحة، وتلتزم بأحكام معاهدة الحد من تداول تقنية الصواريخ ـ MTCR ـ قدر الإمكان، باعتبار أن نقل المواد الحرجة والمعدات العسكرية هو أساس موضوعات نزع التسلح وضبطه ب ـ على المستوى الدولى: تؤكد السياسة الرسمية الصينية على ما يلى: ـ (1) أن المجتمع الدولى يتعين عليه أن يتبنى نظاما لضبط ونزع السلاح يتصف بالتوازن ـ (2) لا يجب أن يشكل منع انتشار الأسلحة عقبة للحقوق العادلة ومصالح جميع الدول فى الاستخدام السلمى والتقنى فى الدول النامية ـ (3) أن لجميع الدول الحق فى الحفاظ على قدرات دفاعية مناسبة، وعلى الدفاع المشروع عن الذات ـ (4) يتعين على جميع الدول خاصة النامية السيطرة الحازمة على نقل المواد والتقنيات والمعدات العسكرية المنظورة والحرجة وتشير القراءة المتأنية إلى أنها مجموعة من المبادئ المرنة التى تبيح للصين حرية الحركة فى تجارة السلاح رغم إعلانها الالتزام بالاتفاقات الدولية ثانيا: تجارة السلاح والتقنيات ـ التقليدية ـ الصينية للشرق الأوسط: رغم أن العلاقة فى هذا المجال تعتبر قديمة خاصة مع العرب، إلا أنها ظلت محدودة إلى حد كبير رغم مرحلة التطور والتحديث الصينى الأخيرة، فقبل تفكك الاتحاد السوفيتى كان سوق الشرق الأوسط يقتسم الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة أكثر من 80 ـ ـ 85% من احتياجاتها التسليحية، غير أن ما فقده الاتحاد السوفيتى بعد تفككه تحول معظمه إلى الولايات المتحدة، ولم تنل الصين من حصته إلا قدرا ضئيلا، وترجع الأسباب الرئيسية لذلك إلى: تحول تسلح بعض دول المنطقة إلى نظم التسلح الغربية، ومن ثم اكتفائها بإطالة أعمار أسلحتها الشرقية (قطع غيار ـ عمرات)ـ ـ فقط، أيضا التخلف النسبى لنظم التسلح الصينية فى مواجهة النظم الغربية المعروضة، بالإضافة لاستخدام الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى (بريطانيا ـ فرنسا) لنفوذها على أعلى المستويات خاصة بعد حرب الخليج الثانية من أجل تسويق سلاحها، بالإضافة للمحاولات الروسية لاستعادة سوقها فى المنطقة تلك هى الإشكاليات التى تعوق توسع حجم تجارة الأسلحة الصينية مع دول الشرق الأوسط، غير أنه فى مقابل ذلك يمكن ملاحظة استفادة الصين من عمليات الحظر التى فرضتها الولايات المتحدة على بعض دول المنطقة (إيران ـ السودان)، وذلك من خلال ارتباطها بالحد الأدنى منها، ومن ثم فقد انتهزت هذه الدول الفرصة لتوفير احتياجاتها من الصين، وقد برزت تبعا لذلك ظاهرة تجديد الأسلحة القديمة التى دخلتها الصين مع عدد من الدول الأخرى وإن كانت بشكل محدود، كما دخلت كذلك تجارة السوق السوداء خاصة بعد الحظر الأمريكى على مبيعات السلاح لإيران حيث تعتبر الصين من أبرز تجار هذا القطاع (13) ـ 1 ـ مع الدول العربية: يعد حجم التعاون فى مجالى التقنية والمعدات العسكرية بين الدول العربية والصين محدودا إلى حد كبير بالرغم من العلاقات العسكرية الصينية السودانية النامية، ولولا اتجاه المنطقة بحكم عوامل عديدة إلى محاولة تنويع مصادر السلاح بحيث لا تعتمد على مصدر واحد، بالإضافة لعمليات الحظر والحصار لبعض الدول، لما وجدت الصين لها موطئ قدم فى سوق السلاح بالشرق الأوسط على ضوء ذلك يمكن ملاحظة ثلاث دوائر مؤثرة فى تسليح دول الشرق الأوسط: الدائرة الأولى: هى الدائرة المركزية وتضم الدول الأربع الكبرى فى تجارة السلاح بالمنطقة (الولايات المتحدة ـ المملكة المتحدة ـ روسيا ـ الصين) الدائرة الوسطى: وتشمل الصين الشعبية ودولا أخرى الدائرة الخارجية: وتشمل دول أوروبا الشرقية كما يمكن ملاحظة أن المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة فى تجارة السلاح بدخول الصواريخ متوسطة المدى إليها التى جاء معظمها باستثناء ما لدى إسرائيل عن طريق البائع الجديد وهو الصين الشعبية، وفى المقابل بذلت الولايات المتحدة جهودا مكثفة وضغوطا كبيرة على الصين لوقف بيع هذه الصواريخ للعرب وإيران، وعموما فإن ما دخل المنطقة من صواريخ حتى الآن مازال محدود العدد؟ أو من حيث عدد الدول التى حصلت عليها (14) أ ـ وفيما يلى نموذجان لتطور مشتروات الدول العربية من الأسلحة الصينية، انظر جدول 2 و3 ب ـ كما تجدر الإشارة إلى الصفقات والنوعيات التالية: ـ 1 ـ حصول مصر على ـ 4 ـ غواصات طراز روميو من الصين (17) ـ 2 ـ حصول السعودية عام 1988 على صواريخ متوسطة المدى ـ CSS ـ 2 ـ يصل مداها إلى 2700 كم (18) ـ 3 ـ تعتبر الصين أهم مصدر لإمداد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية، حيث وقعت اتفاقية بين الجانبين عام 1991 (300 مليون دولار) بتمويل من إيران وماليزيا شملت: طائرات إف ـ 6 ـ ذخائر طائرات ـ هاونات ـ دبابات T ـ 62 ـ عربات جيب ولوارى، بالإضافة للدعم الفنى بالخبرات الصينية فى مجالات القوات الجوية والدفاع الجوى يشير ذلك بشكل عام إلى ضعف علاقات التعاون فى مجال مبيعات السلاح ونقل التقنية التقليدية من الصين للدول العربية، كما لا ينتظر أن تشهد الحقبة القادمة تطورا كبيرا فى زيادة حجم المبيعات العسكرية الصينية للدول العربية نظرا لإحكام الدول الغربية السيطرة على معظم سوق السلاح فى المنطقة لصالحها خاصة دول الخليج العربى، بالإضافة لعدم وصول السلاح الصينى إلى مستوى تقنيات الدول الغربية وروسيا، غير أنه رغم ذلك من المنتظر أن يستمر وربما يزيد حجم المبيعات العسكرية الصينية لدول المنطقة التى تعانى من الحظر أو الحصار، أما غالبية دول المنطقة التى تعتمد على نظم التسلح الغربية فلا ينتظر أن تغير من مصادر تسلحها لما يشكله ذلك من صعوبات فنية وتدريبية ـ 2 ـ مع دول الجوار الجغرافى العربى: إن ما يلفت النظر فى طبيعة علاقات التسلح بين الصين وبعض دول الجوار الجغرافى أنها تختلف جذريا عن طبيعة تلك العلاقات مع الدول العربية، فبينما الدول العربية لا تسعى إلى نقل التكنولوجيا وتسعى فقط للحصول على نظم تسلح متكاملة وإن كانت محدودة فإن علاقة الصين دول الجوار تختلف تماما فهى تعتمد أساسا على نقل التقنية، كما أن هذه العلاقة ليست من جانب واحد، فبينما تحصل إيران على نظم تسلح وتقنية صينية، نجد الصين على الجانب الآخر هى التى تحصل على نظم التسلح والتقنية المتقدمة من ـ إسرائيل، ورغم العلاقات التاريخية العربية الصينية، إلا أن ظروف الصين الاقتصادية والعسكرية أملت عليها أن يكون لها علاقات متطورة مع دول الجوار الجغرافى العربى وبصفة خاصة إيران وإسرائيل أ ـ بالنسبة لإيران: كانت حرب الخليج الأولى وما نجم عنها من خسائر كبيرة، بالإضافة للحظر الذى فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على واردات السلاح لإيران، السبب الرئيسى فى توجه إيران اعتبارا من الثمانينات إلى الحصول على احتياجاتها التسليحية من دول أوروبا الشرقية وكوريا والصين، رغم أن أغلب هذه الأسلحة من الأنواع غير المتطورة، وبعد انتهاء الحرب عام 1988 بدأت إيران فى تنفيذ برنامج شامل لإعادة بناء وتحديث القوات المسلحة على نطاق واسع، وكانت إيران قد كشفت عن تعاونها خلال الحرب مع الصين وحصلت على صواريخ سكود ـ ب، فروج ـ 7، وتعاونت مع الصين وكوريا الشمالية فى تصنيع نماذج لصواريخ قصيرة المدى يتراوح مداها بين ـ 60 ـ 150 كم وفى عام 1991 عقب حرب الخليج الثانية ازدادت قوة دفع برامج التسلح الإيرانية عقب تفكك الاتحاد السوفيتى وقامت بتكثيف تعاونها مع الصين حيث وقعت معها اتفاقا تسليحيا عام 1991 شمل: ـ 70 طائرة إف ـ 7، وأيضا التعاون فى مجالات تقنية المدفعية والصواريخ والطاقة النووية السلمية وفى الفترة من عام 1992 حتى عام 1998 حصلت إيران على ـ 14 طائرة ـ نقل عسكرية ـ Y ـ 7، ـ 10 ـ زوارق دورية سريعة طراز ـ هو دنج ـ (19) وقد تركز التعاون مع الصين فى نقل الخبرة لتصنيع الصواريخ قصيرة المدى وتطوير النوعيات الإيرانية مثل ـ عقاب ـ وأيضا إنتاج الصواريخ ـ سلك وورم ـ ـ C80, C801، وتوفير المنظومات التقنية والحواسب الخاصة بالأنظمة الصاروخية الإيرانية (زلزال ـ شهاب)، وقد تطور ذلك إلى تقنيات الصواريخ البالستية (سكود ـ : 93 ـ س س س 8) وهكذا تتطور العلاقات الإيرانية الصينية، بينما على الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة مازالت تمارس ضغوطها على الصين لتقليص تعاونها العسكرى مع إيران خاصة فى مجال تقنيات الصواريخ أرض/ أرض متوسطة المدى ب ـ بالنسبة لإسرائيل: أملت ظروف الصين الاقتصادية والعسكرية كما أسلفنا ضرورة تنمية علاقاتها مع دول الجوار الجغرافى العربى خاصة إسرائيل، وذلك كإحدى أدوات علاقاتها مع الولايات المتحدة، فى المقابل انتهزت إسرائيل فرصة الانفتاح والتحول الاقتصادى فى الصين لتوطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية معها باعتبارها همزة الوصل بينها وبين العالم الغربى خاصة الولايات المتحدة ولامتلاكها كذلك التقنية المتطورة التى تحتاجها فى المجالين الاقتصادى والعسكرى فى هذا السياق أعلنت الصين أنها مستعدة لتطوير العلاقات مع جميع الدول، ولا يعنى ذلك الموافقة على سياستها الخارجية، وأنها فى هذا الإطار تتعاون مع إسرائيل علميا وتكنولوجيا وعسكريا، وأن حجم تعاونها العسكرية معها لا يصل أبدا لحجم تعاونها مع العرب (20) فى المقابل أعلن ـ ديفيد ليفى ـ وزير خارجية إسرائيل أن أحد أهداف العلاقات الإسرائيلية مع الصين هو عزمها عقد اتفاقية معها لمراقبة الأسلحة التى ترسل للشرق الأوسط، وأنها أبلغتها قلقها من احتمالات بيع صواريخ بعيدة المدى لسوريا وإيران (21) لقد تجسد كل ذلك بصورة واضحة فى توسيع آفاق التعاون العسكرى بين الجانبين حتى خرجت علاقاتهما الثنائية وتعاونهما المشترك من دهاليز الخفاء والسرية إلى حيز الوجود والعلانية، خاصة عام 1985 الذى شهد أول صفقة علانية بينهما ليصبح المجال العسكرى هو القاعدة الصلبة التى تنمو من خلاله باقى المجالات فى هذا الإطار بدأ تطور ونمو العلاقات بين البلدين اعتبارا من عام 1980، ففى نوفمبر من هذا العام أشير إلى قيام وفد إسرائيلى بزيارة الصين لدراسة بيعها تقنيات متقدمة، وفى عام 1983 تردد كذلك وجود عناصر عسكرية إسرائيلية تقوم بالمشاركة فى تحديث بعض قطاعات الجيش الصينى، وقد واكب ذلك عقد الصين صفقة عسكرية مع إسرائيل قيمتها ـ مليار دولار ـ حصلت بموجبها على ـ 54 طائرة كافير، وعلى عدد من الدبابات ـ الميركافا، وصواريخ جبرائيل ومعدات إلكترونية مختلفة، بالإضافة للخبراء العسكريين الإسرائيليين وفى عام 1984 أعلن أن عقودا عسكرية أخرى تزيد على ـ ثلاثة مليارات دولار ـ قد عقدت بين البلدين (22) وفى عام 1985 عقدت صفقة أخرى بين البلدين قامت إسرائيل بموجبها بتغيير عدد من مواسير الدبابات الصينية ب ـ 62 لتعمل بالمدفع 105 مم الإسرائيلى وفى عام 1986 أنتجت الصين الصاروخ المضاد للدبابات إس ـ إل 8 بفضل التقنية الإسرائيلية، وأشير فى نفس العام إلى قيام إسرائيل بتطوير المقاتلة الصينية ـ ف ـ 8، كما تم الاتفاق بينهما على تحديث الدبابة الصينية ت ـ 59 بالاستفادة من تقنية الدبابة ميركافا، وكذلك قيام إسرائيل بمساعدة الصين فى تطوير وبناء غواصة تقليدية من طراز ـ ـ Song، ويلاحظ فى هذا السياق أن إسرائيل لا تتردد فى سبيل تحقيق أهدافها، أن تنقل بعض التقنيات الأمريكية غير المسموح بنقلها إلى الصين مما أغضب الولايات المتحدة عدة مرات، غير أن علاقاتها الوثيقة معها كانت عاملا رئيسيا فى سرعة تجاوز الأزمة وراء الأخرى استمرت العلاقات فى التطور التدريجى إلى أن شهدت طفرة كبيرة خلال الخمس سنوات الماضية تركزت فى الآتى: ـ تطوير تصنيع ونقل التقنية للطائرات المقاتلة والغواصات بخبرة إسرائيلية ـ التعاون فى مجال تصنيع الصواريخ البالستية من حيث المدى وأنواع الوقود وإمكانيات التتبع ـ نقل الخبرة الإسرائيلية والمعاونة فى تطوير منظومات التسلح ذات التقنية المتقدمة خاصة بالنسبة لاستخدامات الليزر والذخائر الذكية Smart وقد أثمر ذلك عن عدد من مشروعات التعاون العسكرى الرئيسية: ـ تعاون مشترك عام 1997 لتصنيع طائرة مقاتلة صينية ـ إف ـ 10 ـ بالاستفادة من تقنية الطائرة ـ لافى ـ ـ تعاون مشترك عام 1998 لإنتاج طائرة مماثلة للطائرة الروسية ـ ميج ـ 29، ـ إف سى ـ 1 ـ بعد إدخال تعديلات إسرائيلية عليها ـ قيام إسرائيل عام 1998 بتسريب معلومات حول البرنامج الإسرائيلى ـ الأمريكى لإنتاج سلاح مضاد للصواريخ كاتيوشا ـ نيوتلس، وهو ما أثارته الجهات الأمريكية المعنية ـ قيام إسرائيل عام 1999 بتجهيز طائرة روسية ـ اليوشن ـ 76 ـ لتحويلها إلى طائرة إنذار مبكر (بقيمة 250 مليون دولار)، وكذلك التعاون فى تطوير نظام رادار ـ فالكون ـ نخلص من ذلك إلى أن العلاقات العسكرية فى البلدين من المنتظر أن تستمر فى التطور لحاجة كل منهما إلى الأخرى، وأن كان لكل هدفه المختلف من ذلك عن الآخر، يتم كل ذلك فى غياب أى قدرة تنافسية عربية، أو أى رؤية مستقبلية للتوازنات المنتظرة على المسرح الدولى والتى من المنتظر أن تكون الصين ضمن مقدمتها ثالثا: تجارة ونقل التقنيات غير التقليدية الصينية للشرق الأوسط: ـ 1 ـ فى مجال الأسلحة فوق التقليدية: (كيماوية ـ بيولوجية) : لا تنتج الصين ولا تمتلك أسلحة كيماوية أو بيولوجية، وهى تدعو إلى الحظر الشامل والتدمير الكامل لها، ولم يشر إلى أى نوع من التعاون بينها وبين دول الشرق الأوسط فى هذا المجال ـ 2 ـ فى مجال الأسلحة النووية: ما تزال الصناعة النووية الصينية فى مرحلة التطور شأنها شأن الأسلحة التقليدية، وقد واجهت الصين العديد من المشكلات فى تجهيز بعض مفاعلاتها وفى مواصلة تشغيلها (مضخات تبريد أساسية من ألمانيا ـ وعاء المفاعل من اليابان)، وهو لابد أن يترك أثره على أية محاولات تصدير صينية للتقنية النووية، علما بأن الصين كانت قد انضمت عام 1992 إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ـ N P T أما عن سياستها فى مجال التعاون النووى (23) : فهى ترى أنه لا يمكن تجاهل الحقوق والمصالح العادلة لمختلف الدول خاصة النامية، فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية وعدم إلحاق الضرر بهذه المصالح بحجة منع انتشار الأسلحة النووية، مع عدم القيام بمساعدة الدول الأخرى لتطوير أو صناعة أسلحة نووية ويحكم تصديرها للمواد النووية عدد من المبادئ: ـ أن يكون ذلك للأغراض السلمية ـ قبول ضمان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورقابتها ـ عدم السماح بالنقل لدولة ثالثة بدون إذن الصين ـ حظر تصدير تقنية تخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل وغير ذلك من التقنيات الحرجة فى إطار هذه السياسة شهد الشرق الأوسط تعاونا نوويا صينيا مع دولة واحدة هى ـ إيران، حيث وقعت عام 1985 اتفاقية للتعاون النووى بين البلدين فى بادرة لعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية (24)، وعقب حرب الخليج الثانية قامت إيران بتكثيف التعاون النووى مع الدول الصديقة لاسيما روسيا والصين، حيث وقعت مع الصين عام 1991 اتفاقا لتوريد أجهزة للفصل الكهرومغناطيسى، ومفاعل تجريبى صغير (25) وفى سبتمبر 1992 اتفق الجانبان على بيع 1 ـ 2 مفاعل صينى بطاقة من 300 ـ 330 ميجاوات لكل منهما، إلا أن الولايات المتحدة احتجت، الأمر الذى أدى إلى تأجيل الصفقة وفى يوليو 1994 (عقب تدهور علاقات الصين مع الولايات المتحدة) أعلن الجانبان عن توقيع اتفاقية تحصل إيران بموجبها على مفاعل نووى بطاقة 300 ميجاوات، ويعتقد أن إيران دفعت ما بين 800 ـ 900 مليون دولار كجزء من تمويل العملية، ومن ثم فقد بدأت الصين فى نقل تقنية البحوث النووية إلى إيران (26) لقد أدى ذلك مرة أخرى إلى إثارة عدة قضايا خلافية بين الولايات المتحدة والصين خاصة ما يتم من تعاون فى مجالى تقنية المفاعلات النووية والصواريخ (27)، ورغم أن الصين حاولت استمرار تعاونها مع إيران من منطلق أن ذلك لا يخرج عن المجال السلمى، ومن ثم ليس خروجا عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تلتزم بها، إلا أنه يبدو رغم ذلك أنها أوقفت تعاونها النووى مع إيران لعدة أسباب: ـ الضغوط الأمريكية المستمرة وعلى رأسها زيارة الرئيس ـ كلينتون ـ للصين فى يونيو 1998 التى كان من ضمن نتائجها الاتفاق على: التعاون فى منع تصدير المعدات والتقنية النووية إلى إيران ـ ـ نقص التمويل الإيرانى وهكذا توقف التعاون الصينى مع إيران فى مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية (28) الخاتمة: رغم توجه الصين نحو الانفتاح منذ حوالى عقدين مضيا، إلا أن مسألة الشفافية خاصة ما يتعلق بالموضوعات العسكرية وقفت حجر عثرة عند أى تناول تفصيلى فى هذا المجال، وقد كان من اللازم إلقاء نظرة مسحية فى البداية على تطور الصناعة والتقنية العسكرية الصينية، كمقترب ضرورى لابد منه قبل تناول تجارة السلاح الصينية مع دول الشرق الأوسط وقد تم تناول الصناعات العسكرية الصينية وتجارتها مع دول الشرق الأوسط من خلال ثلاثة عناصر رئيسية هى: ـ 1 ـ تطور الصناعات والتقنيات العسكرية للصين ـ 2 ـ تجارة السلاح والتقنيات ـ التقليدية ـ الصينية للشرق الأوسط ـ 3 ـ تجارة ونقل التقنيات ـ غير التقليدية ـ الصينية للشرق الأوسط ومن خلال تلك العناصر توصلت الدراسة للخلاصات التالية: أن حجم المبيعات العسكرية الصينية لدول المنطقة مازال محدود الحجم ودون المستوى الذى تهدف إليه الصين وذلك لعدة أسباب موضوعية فى مقدمتها ضعف المستوى التقنى لنظم الأسلحة التقليدية الصينية، إذا ما قورن بنظم التسليح الغربية، والنفوذ السياسى الغربى بشكل عام وفى مقدمته الولايات المتحدة وما تشكله من ضغوط متعددة المستويات لتسويق نظم تسلحها وذلك من قبل حرب الخليج الثانية، والزخم الذى اكتسبته بعدها كذلك ما بدأت روسيا الاتحادية عرضه منذ أوائل التسعينات من نظم تسلح متقدمة وسعر مناسب وقد فطنت الصين لكل ذلك، ومن ثم فهى تعمل بقوة على تحديث صناعاتها العسكرية من خلال التقنيات المختلفة من الشرق والغرب الأمر الذى دفعها كذلك للتعاون الكبير مع إسرائيل كمدخل لها إلى التقنيات الغربية، حيث قطعت الدولتان مشوارا طويلا فى هذا الاتجاه، حتى أن الصين لا تكتفى بنقل التقنيات الإسرائيلية فقط بل قامت كذلك بشراء بعض نظم التسلح المتقدمة منها أما إيران فإن عمليات الحظر والحصار دفعتها إلى دول المعسكر الشرقى السابق ومنها الصين، وخاصة فيما يتعلق بالصواريخ أرض/ أرض، سواء بالحصول عليها أو بنقل تقنياتها وبالنسبة لمبيعات الأسلحة للدول العربية فيمكن اعتبارها محدودة للغاية حيث لم تنجح الصين فى اختراق أسواقها لصعوبة المنافسة، عدا السودان الذى ربما لجأ إليها نتيجة للحصار ولنقص التمويل كذلك، والذى نابت عنه فيه إيران كما تم تناول التعاون النووى للصين مع دول المنطقة والذى انحصر فى إيران من خلال عدة محاولات لنقل تقنية بناء المفاعلات النووية (بقدرة 300 ميجاوات)، غير أن الضغوط الأمريكية على الصين أوقفت ذلك فى النهاية يمكن القول أنه رغم كل ذلك فإن الصين تعمل بدأب على تطوير إنتاجها العسكرى حتى يمكنها دخول سوق السلاح العالمى خلال العقدين القادمين، بالقدر الذى يتناسب مع قوتها الشاملة، ومع ما يتطلع إليه من اعتبار الصين إحدى القوى العالمية الجديدة فى القرن القادم .