القرآن الكريم ودعاوى تحريفه
الدكتور جمال الحسيني أبوفرحة
الدكتور جمال الحسيني أبوفرحة
يقول تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}(فصلت) ويقول سبحانه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}(الحجر).
وقد زعم بعض الناس أن القرآن ليس بمنأى عن التحريف؛ وقالوا بأن الآيتين سابقتي الذكر وأمثالهما من الآيات التي تقرر حفظ القرآن من التحريف إنما تهدف إلى الهروب من النقد باللجوء إلى السلطة الإلهية، وهو منطق مرفوض؛ هذا بالإضافة إلى أن الشهادة للذات غير مقبولة عقلا وفي كل شرع صحيح.
وأقول لهؤلاء:
إن القرآن لا يهرب من النقد؛ بل يحثنا ويلح في حثنا على تدبره وفحصه واختباره بالعقل والعلم "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة" الأنفال:42.
وإنما مقصود هذه الآيات التي تقرر حفظ القرآن من التحريف فهو لفت الأنظار إلى أن الحفظ من التحريف والذي يبرهنه العلم والتاريخ لهو دليل على كون القرآن خاتم الكتب المنزلة من عند الله تعالى القادر وحده على هذا الحفظ الإعجازي؛ فعلينا أن نبدأ بتدبر القرآن حتى نعلم أنه محفوظ فنعلم أنه من عند الله وأنه خاتم كتب السماء؛ وهو ما يرشدنا إليه قوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)}(النساء).
واستثارة لنا على هذا الفحص والتدبر أعلن المولى عزّ وجل أنه أوكل حفظه إليه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}(الحجر) , ولم يوكله لبشر كما كان الوضع مع الكتب السماوية السابقة؛ يقول تعالى في حق أهل الكتاب: { بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ...(44)}(المائدة)، فجعل حفظه إلى البشر فحرف وضاع.
فبنو "ليوي" استحفظوا وحدهم التوراة فضاعت، يقول عزرا – كاتب التوراة- : إن الرب قال له: عندما ينتهي عملك من كتابة التوراة "عليك أن تجعل عددًا من هذه الكتب مفتوحًا للجمهور وتلك هي الكتب الأربعة والعشرون الأولى. وكل إنسان يستطيع الاطلاع عليها إن كان يستحق أن يقرأها أو لا يستحق، أما الكتب السبعون الباقية فهي كتب سرية يجب أن تحفظ في مكان أمين ولا يجب أن تعطى إلا للرجال الحكماء من شعبك الذين يستحقون قراءتها" (راجع: أس دراس: بشارات عزرا بالنبي العربي).
ورجال الدين في المسيحية الكاثوليكية استحفظوا وحدهم الكتاب المقدس ومنعوا العامة من قراءته فحرف وضاع (انظر البند العاشر من الفصل الثاني من دستور مجمع الفاتيكان الثاني والمسمى بـ "الوحي الإلهي دستور عقائدي").
أما القرآن وقد أوكل تعالى حفظه إليه فلم يضع ولم يحرف منه شيء، وهو ما يثبته التاريخ وأجمعت عليه جميع فرق المسلمين، ويبرهنه ما نراه من وجوه إعجازه المتجدد والمتنوع؛ وأما ما يروى من القول بالتحريف عن بعض فرق المسلمين فهي روايات ضعيفة ولا تمثل رأي فرقة أو مذهب يعتد به في تاريخ الإسلام، ويرجع معظمها إلى خلط بين الناسخ والمنسوخ، أو التفسير والتنزيل، أو سهو أو خطأ سرعان ما يعود صاحبه إلى المجمع عليه المتواتر.
بل إن سلامة النص القرآني وحفظه ليشهد لها كثير من علماء غير المسلمين:
يقول المستشرق الفرنسي لوابلوا: "إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر".
ويقول المستشرق الإنجليزي لين بول أستاذ الدراسات العربية بجامعة دبلن: "إن أكبر ما يمتاز به القرآن أنه لم يتطرق شك إلى أصالته؛ إن كل حرف فيه نقرؤه اليوم نستطيع أن نثق بأنه لم يقبل أي تغيير".
ويقول هانس كونج – مدير معهد أبحاث تطوير الكنائس المسيحية التابع لجامعة توبنجن بجنوب غرب ألمانيا الاتحادية: "إن القرآن قد استطاع أن يحتفظ بمحتواه عبر تطورات التاريخ والبلاد والأجيال بشكل يثير الإعجاب ولم يتغير فيه شيء عن الأصل".
ويقول المستشرق الألماني نولدكه في كتابه تاريخ القرآن: "لقد جاء النص القرآني على أحسن صورة من الكمال والمطابقة".
ويقول القس وهيري في ترجمته للقرآن: "إن القرآن أبعد الصحف القديمة بالإطلاق عن الخلط والإلحاق وأكثرها صحة وأصالة".
ويقول سير وليم ميور- وهو من أشد المتحاملين على الإسلام – في كتابه "حياة محمد": "فلعله – أي القرآن الكريم- هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظا من التحريف".
بل إن باول شفارتزيناو – أستاذ علم اللاهوت البروتستانتي وعلوم الأديان بجامعة دور تموند بألمانيا نجده يصرح في كتابه "دروس قرآنية للمسيحيين" معلنا بأن "القرآن هو الصورة الأصلية الأولى لتعاليم الكتاب المقدس". ويؤكد على ذلك بقوله: "إنها لحقيقة، إن أقوال عيسى وأقوال المسيحيين الأوائل لم تصل بشكل خال من النقص إلى العهد الجديد المعاصر، ثم يقول: إن القرآن هو التكملة الحقيقية للعهد الجديد".
ونحن إذا أردنا أن نقف على الأسباب العلمية في وصول القرآن إلينا في عصرنا الراهن دون أدنى تحريف فسنجد أن من أهم الأسباب لذلك أن القرآن لم يعتمد في نقله على الكتابة فقط كالكتاب المقدس، ولكنه اعتمد على حفظ القلوب مع الكتابة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن ربي قال لي: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ). رواه مسلم في صحيحه.
فالقرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة قد تغسل بالماء فتفسد، بل يقرأ في كل حال فهو : {... آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)}(العنكبوت).
ولعل ذلك هو ما بشر به نبي الله إرمياء عليه السلام من قبل حسبما ورد في الكتاب المقدس على لسان الرب عن الأمة المنتظرة: "وأجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم". سفر إرمياء 33:31
ومن ثمة يتبين لنا أن أية محاولة لإثارة أية شبهة حول النص القرآني هي في الحقيقة محاولة فاشلة؛ وبذا امتازت الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم؛ فما تيقنت أمة من صحة كتابها تيقن الأمة الإسلامية؛ فصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ( ما أعطيت أمة من اليقين أفضل مما أعطيت أمتي ) . رواه الحكيم عن سعيد بن مسعود، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ...(73)}(آل عمران).
عن موقع الفسطاط
وقد زعم بعض الناس أن القرآن ليس بمنأى عن التحريف؛ وقالوا بأن الآيتين سابقتي الذكر وأمثالهما من الآيات التي تقرر حفظ القرآن من التحريف إنما تهدف إلى الهروب من النقد باللجوء إلى السلطة الإلهية، وهو منطق مرفوض؛ هذا بالإضافة إلى أن الشهادة للذات غير مقبولة عقلا وفي كل شرع صحيح.
وأقول لهؤلاء:
إن القرآن لا يهرب من النقد؛ بل يحثنا ويلح في حثنا على تدبره وفحصه واختباره بالعقل والعلم "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة" الأنفال:42.
وإنما مقصود هذه الآيات التي تقرر حفظ القرآن من التحريف فهو لفت الأنظار إلى أن الحفظ من التحريف والذي يبرهنه العلم والتاريخ لهو دليل على كون القرآن خاتم الكتب المنزلة من عند الله تعالى القادر وحده على هذا الحفظ الإعجازي؛ فعلينا أن نبدأ بتدبر القرآن حتى نعلم أنه محفوظ فنعلم أنه من عند الله وأنه خاتم كتب السماء؛ وهو ما يرشدنا إليه قوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)}(النساء).
واستثارة لنا على هذا الفحص والتدبر أعلن المولى عزّ وجل أنه أوكل حفظه إليه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}(الحجر) , ولم يوكله لبشر كما كان الوضع مع الكتب السماوية السابقة؛ يقول تعالى في حق أهل الكتاب: { بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ...(44)}(المائدة)، فجعل حفظه إلى البشر فحرف وضاع.
فبنو "ليوي" استحفظوا وحدهم التوراة فضاعت، يقول عزرا – كاتب التوراة- : إن الرب قال له: عندما ينتهي عملك من كتابة التوراة "عليك أن تجعل عددًا من هذه الكتب مفتوحًا للجمهور وتلك هي الكتب الأربعة والعشرون الأولى. وكل إنسان يستطيع الاطلاع عليها إن كان يستحق أن يقرأها أو لا يستحق، أما الكتب السبعون الباقية فهي كتب سرية يجب أن تحفظ في مكان أمين ولا يجب أن تعطى إلا للرجال الحكماء من شعبك الذين يستحقون قراءتها" (راجع: أس دراس: بشارات عزرا بالنبي العربي).
ورجال الدين في المسيحية الكاثوليكية استحفظوا وحدهم الكتاب المقدس ومنعوا العامة من قراءته فحرف وضاع (انظر البند العاشر من الفصل الثاني من دستور مجمع الفاتيكان الثاني والمسمى بـ "الوحي الإلهي دستور عقائدي").
أما القرآن وقد أوكل تعالى حفظه إليه فلم يضع ولم يحرف منه شيء، وهو ما يثبته التاريخ وأجمعت عليه جميع فرق المسلمين، ويبرهنه ما نراه من وجوه إعجازه المتجدد والمتنوع؛ وأما ما يروى من القول بالتحريف عن بعض فرق المسلمين فهي روايات ضعيفة ولا تمثل رأي فرقة أو مذهب يعتد به في تاريخ الإسلام، ويرجع معظمها إلى خلط بين الناسخ والمنسوخ، أو التفسير والتنزيل، أو سهو أو خطأ سرعان ما يعود صاحبه إلى المجمع عليه المتواتر.
بل إن سلامة النص القرآني وحفظه ليشهد لها كثير من علماء غير المسلمين:
يقول المستشرق الفرنسي لوابلوا: "إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر".
ويقول المستشرق الإنجليزي لين بول أستاذ الدراسات العربية بجامعة دبلن: "إن أكبر ما يمتاز به القرآن أنه لم يتطرق شك إلى أصالته؛ إن كل حرف فيه نقرؤه اليوم نستطيع أن نثق بأنه لم يقبل أي تغيير".
ويقول هانس كونج – مدير معهد أبحاث تطوير الكنائس المسيحية التابع لجامعة توبنجن بجنوب غرب ألمانيا الاتحادية: "إن القرآن قد استطاع أن يحتفظ بمحتواه عبر تطورات التاريخ والبلاد والأجيال بشكل يثير الإعجاب ولم يتغير فيه شيء عن الأصل".
ويقول المستشرق الألماني نولدكه في كتابه تاريخ القرآن: "لقد جاء النص القرآني على أحسن صورة من الكمال والمطابقة".
ويقول القس وهيري في ترجمته للقرآن: "إن القرآن أبعد الصحف القديمة بالإطلاق عن الخلط والإلحاق وأكثرها صحة وأصالة".
ويقول سير وليم ميور- وهو من أشد المتحاملين على الإسلام – في كتابه "حياة محمد": "فلعله – أي القرآن الكريم- هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظا من التحريف".
بل إن باول شفارتزيناو – أستاذ علم اللاهوت البروتستانتي وعلوم الأديان بجامعة دور تموند بألمانيا نجده يصرح في كتابه "دروس قرآنية للمسيحيين" معلنا بأن "القرآن هو الصورة الأصلية الأولى لتعاليم الكتاب المقدس". ويؤكد على ذلك بقوله: "إنها لحقيقة، إن أقوال عيسى وأقوال المسيحيين الأوائل لم تصل بشكل خال من النقص إلى العهد الجديد المعاصر، ثم يقول: إن القرآن هو التكملة الحقيقية للعهد الجديد".
ونحن إذا أردنا أن نقف على الأسباب العلمية في وصول القرآن إلينا في عصرنا الراهن دون أدنى تحريف فسنجد أن من أهم الأسباب لذلك أن القرآن لم يعتمد في نقله على الكتابة فقط كالكتاب المقدس، ولكنه اعتمد على حفظ القلوب مع الكتابة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن ربي قال لي: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ). رواه مسلم في صحيحه.
فالقرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة قد تغسل بالماء فتفسد، بل يقرأ في كل حال فهو : {... آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)}(العنكبوت).
ولعل ذلك هو ما بشر به نبي الله إرمياء عليه السلام من قبل حسبما ورد في الكتاب المقدس على لسان الرب عن الأمة المنتظرة: "وأجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم". سفر إرمياء 33:31
ومن ثمة يتبين لنا أن أية محاولة لإثارة أية شبهة حول النص القرآني هي في الحقيقة محاولة فاشلة؛ وبذا امتازت الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم؛ فما تيقنت أمة من صحة كتابها تيقن الأمة الإسلامية؛ فصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ( ما أعطيت أمة من اليقين أفضل مما أعطيت أمتي ) . رواه الحكيم عن سعيد بن مسعود، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ...(73)}(آل عمران).
عن موقع الفسطاط
التعديل الأخير: