المخابرات الصهيونية تعلن : اكتشفنا جاسوس مصري داخل الجيش

JUGURTHA

عضو
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
3,441
التفاعل
4,784 1 0
بقلم : د . سمير محمود قديح

باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية

كيبورك يعقوبيان.. هو الجاسوس الذى زرعته مصر فى الفترة بين عامى 61 و64 داخل صفوف الجيش الصهيوني، وكان وراء الكشف عن موقع مفاعل ديمونة، وأسهم فى تحديد معسكرين للجيش الإسرائيلى، علاوة على إبلاغه معلومات خاصة بهيئة الدفاع المدنى.

الإعلام الصهيوني يقوم بعمليات «فبركة» و«تزييف» للعمليات الاستخباراتية التى نجحت من خلالها القاهرة فى اختراق تل أبيب وصفوتها الأمنية والسياسية من الداخل، الأمر الذى يأخذ شكل عملية تمويه إسرائيلى للواقع ومحاولة إظهار الانتصارات الاستخبارية المصرية على أنها فشل وإخفاق من قبل القاهرة.

يعقوبيان قدم مثالا على هزيمة تل أبيب فى عقر دارها وإصابتها فى مقتل، لكن تل أبيب ومن خلال آلتها الإعلامية، تخرج علينا كل فترة وأخرى بمزاعمها. فمثلما قالت أن رأفت الهجان جاسوسا لإسرائيل، زعمت أن كيبورك يعقوبيان الجاسوس المصرى الذى استطاع اختراق المؤسسة العسكرية «علمها المسبق» بعمالته للقاهرة.

لكن نوعية وحجم المعلومات التى قام يعقوبيان بنقلها إلى مصر، وبشهادة تل أبيب نفسها، التى من بينها الكشف عن موقع مفاعل ديمونة، وتحديد معسكرين للجيش الصهيوني، علاوة على معلومات خاصة بهيئة الدفاع المدنى هناك وغيرها، تكشف أن الرواية الصهيوني بها قدر كبير من الكذب.

الصهاينة كعادتهم يحاولون التقليل من تاريخ المخابرات المصرية فى كشف كثير من عملاء الموساد داخل القاهرة أو حول العالم أو زرعها للعملاء داخل أهم المناطق الحساسة داخل تل أبيب.

ففى شهر أبريل الماضى زعمت صحيفة «هآرتس» أن رفعت الجمال - المعروف برأفت الهجان - كان عميلا للصهاينة، والآن تخرج علينا تل أبيب بتقرير للقناة السابعة الصهيونية - نقلته بالنص عن موقع الشاباك (جهاز الأمن الداخلىالصهيوني) الإلكترونى- مؤخرا يزعم فشل المخابرات المصرية فى زرع عميل لها داخل جيشالصهيوني هو كيبورك يعقوبيان المصرى من أصل أرمنى، والذى تم تجنيده باسم يتسحاق كوتشوك كيهودى من أصول يونانية.

الخبير الاستراتيجى اللواء سامح سيف اليزل كان قد كشف فى تصريحات إعلامية عن قصص 3 عملاء زرعتهم مصر داخل تل أبيب، مما دفع الأخيرة للاعتراف بتلقيها صفعة من مخابرات مصر، وهم‏ كيبورك يعقوبيان وشموئيل باروخ وعبد الرحمن قرمان،‏ مضيفا أن تل أبيب اعترفت بذلك خلال كتاب صدر بعنوان «الجواسيس»،‏ موضحا أن يعقوبيان تجند بالجيش الصهيوني وصور أهدافا عسكرية مهمة، وأن تل أبيب اعتبرت أن من أهم 20 قضية تجسس ضدها كان نصيب مصر أربعا منها، بينها القضية المعروفة، والتى كان بطلها رأفت الهجان بجانب العملاء الثلاثة.

الآن تحاول تل أبيب تشويه النجاح المصرى، فتقرير القناة يصف إعداد المخابرات للجاسوس ب«السطحى» وأنه لم يكن يعرف شيئا عن اليهودية وأنه وقع بسبب التعاون بين جهاز الأمن الداخلى (الشاباك) - ويناظر أمن الدولة فى مصر- وقسم الأمن الميدانى بالجيشالصهيوني، مضيفا أن مهمة يعقوبيان كانت التغلغل داخل المؤسسة العسكرية وتولى منصب جدير بالأهمية، وهو الأمر الذى باء بالفشل بعد رفض كل طلباته للالتحاق بسلاح المدرعات أو العمل مصورا باستخبارات القيادة المركزية بالجيش الصهيوني أو تلقى دورة تدريبية للضباط.

«الفشل الاستخبارى المصرى» كما تحاول القناة الصهيوني تأكيده، كانت سببه الرسائل المتبادلة بين يعقوبيان والمصريين فى روما قائلة: «بعد دخول الجاسوس إلى فلسطين المحتلة على يد المصريين، وقعت فى يد تل أبيب رسالة تم بعثها لأحد العناوين بروما والمعروفة بأنها كانت مكان عمل للمخابرات المصرية، الرسالة المكتوبة بالإنجليزية لم تعط تفاصيل عن اسم أو عنوان مرسلها، لكن من خلال محتواها تبين أن كاتبها وصل إلى فلسطين المحتلة فى 24 ديسمبر 1961، وأنه يقيم بإحدى المزارع التعاونية هناك (الكيبوتس)».

وتستكمل قائلة: «المحاولات الأولى لتحديد المشتبه به فشلت، لكن استمرار المراقبة أثمر عن مزيد من الرسائل بعث بها نفس المشتبه به إلى روما، كذلك تم اعتراض رسالة من الأخيرة لشخص يدعى زكى سليم - الاسم الحركى للجاسوس - يعيش فى كيبوتس نجفا - جنوب فلسطين المحتلة - وعن طريق الفحص المعملى للخطاب هذا، تبين احتواؤه على رسائل بالحبر السرى وبلغة عربية، ليتم تحديد هوية الجاسوس بشكل نهائى فى أكتوبر 1962 بعد خطاب مرسل لروما أبلغ المصريين فيه انتقاله للسكن فى مدينة أشكلون.

ولكن إذا كانت المخابرات المصرية فشلت بالفعل فى قضية يعقوبيان، فلماذا تؤكد نفس القناة فى تقريرها أنه نجح فى نقل كثير من المعلومات المهمة والحساسة للقاهرة كان من بينها: «تحديد معسكر سلاح المدرعات بمنطقة (جولس) شمال فلسطين المحتلة وعدد الدبابات التى كانت موجودة به حينئذ وتحديد معسكر (حسا) بجانب جولس ومعلومات عن قيادة الدفاع المدنى بيافا وامتلاك الصهاينة المتوقع لطائرات (الميراج) الفرنسية ودبابات ووسائل قتالية حديثة أخرى، ورحلات تدريب لطائرات (الميراج) و(المستير) و(أورجن) بمنطقة لاخيش في فلسطين المحتلة ووجود مفاعل نووى بين منطقتى ديمونة وسدوم».

ولو كان المصريون فشلوا كما يزعم الصهاينة فلماذا وصفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية يعقوبيان بعد اعتقاله ب«حوت ضخم» لا يمكن لأجهزة الأمن الصهيوني القبض على جواسيس فى مثل حجمه وأهميته.

الفاشل الحقيقى فى هذه القضية هو جهاز الأمن الداخلى الصهيوني (الشاباك)، فمن خلال التقرير يتضح لنا أن الأخير «سمح بالتحاق يعقوبيان بالجيش الصهيوني فى 5 نوفمبر 62، بالتنسيق مع قسم الأمن الميدانى بالجيش، شريطة أن يوضع يعقوبيان فى وظائف غير حساسة وتحت رقابة شديدة، حيث تم وضعه للعمل سائقا فى قيادة الدفاع المدنى»، فإذا ما سرنا مع التقرير الصهيوني حتى باب الدار وافترضنا علم تل أبيب بعمالته للمصريين، فهل من طبيعة شاغلى «الوظائف غير الحساسة» الحصول على هذه المعلومات عن معسكرات تل أبيب ومفاعله النووى، علاوة على أن تلك المعلومات هى بعض ما كشفته القناة، وفقا لتقريرها، فما خفى كان أعظم.

وبعيدا عن الرواية الهلامية المتناقضة التى تحاول تل أبيب تقديمها لنا عن جاسوس مصرى استطاع اختراق مؤسستها العسكرية لسنوات تورد القناة معلومات سمتها ب«الجديدة» عن القضية، موضحة أنه ولد فى عام 38 بالقاهرة لوالدين فرا من تركيا بسبب مذابح الأرمن هناك وعمل مصورا فى استوديو بالقاهرة، ثم سجن عام 59 هو وأحد أصدقائه على يد الشرطة بعد اتهامه بأعمال غير أخلاقية.

وتضيف القناة: إنه «خلال فترة اعتقاله فى يناير 1960 انتشرت بالسجن شائعة أن السلطات تبحث عن متحدثين للغات الأجنبية، مما دفعه لتقديم مساعدته، وهنا التقاه ضابط مخابرات مصرى حاول تجنيده لمهمة استخباراتية خارج مصر، وهو ما جعل يعقوبيان يدرك أن الحديث يدور عن الصهاينة، فرفض، لكن بعد تقديمه طعنا على سجنه والإفراج عنه مر بضائقة مالية ولم يجد عملا بسبب تاريخه الجنائى».

وحول بداية عمله مع المخابرات، قالت القناة: إنه «فى مرحلة معينة قام ضابط المخابرات المصرى بمعاودة الاتصال به وحاول إقناعه للعمل معه لمدة 3 سنوات ووعده بمنحه الجنسية المصرية وإعانة والدته ماليا وإعفائه من الخدمة بالجيش المصرى، وهنا وافق يعقوبيان ليمر بعدد من التدريبات، استعدادا للمهمة، كما منح هوية يهودى، وأجريت له عملية ختان».

حاملا هويته الجديدة - تقول القناة - تحول يعقوبيان إلى يتسحاق كوتشوك، يهودى من مواليد سالونيك اليونانية هاجر إلى مصر مع والدته، وزودته المخابرات المصرية بصورتين، الأولى لمدافن اليهود بمصر والثانية لقبر والدته المزعوم، ولكى يمتص الديانة اليهودية وعاداتها قام بزيارة المعبد الكبير بالقاهرة عدة مرات وبرفقة رجال المخابرات فى أيام السبت والأعياد، لكن هذا الإعداد كان سطحيا، وكان يعقوبيان جاهلا فى الشؤون اليهودية، وبعدها قام بطلب مساعدة الصليب الأحمر للهجرة من مصر، فقاموا بتوجيهه لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وهناك اقترحوا عليه مكانين للهجرة، كان من بينهما البرازيل التى اختارها، وفى القنصلية البرازيلية قام بتقديم شهادة من الحاخامية بالقاهرة أعطتها له المخابرات المصرية، لتكون دليلا على هويته اليهودية.

يعقوبيان وصل إلى البرازيل فى 26 أبريل 61 على سفينة خرجت من إيطاليا، وفى الطريق قام بعقد صداقة مع أسرة يهودية تقوم بزيارة لأحد أقاربها بالبرازيل، وهناك انتظره أحد مشغليه من رجال المخابرات المصرية الذى طالبه بتوثيق علاقاته مع تلك العائلة، بعدها أقنع رب العائلة يعقوبيان بالسفر إلى فلسطين المحتلة، كما رتب له وسائل الاتصال بالمؤسسات الصهيونية التى تعنى بتهجير اليهود فى البرازيل، وعلى الفور تلقى كوتشوك تأشيرة الهجرة. المخابرات المصرية قامت بتزويده بالمال والكاميرات، استعدادا لرحلته إلى إسرائيل، وفى طريقه للأخيرة التقى فى جنوة بإيطاليا مجنده المصرى الذى طلب منه كمرحلة أولى فى مهمته التأقلم مع الواقع في فلسطين المحتلة وعمل تغطية وساتر له، ووفقا للخطة كان على يعقوبيان إيجاد عمل بمحل تصوير بالقرب من تل أبيب وبعد نحو 8 أشهر من التأقلم سافر إلى مصر عبر قبرص ليتعلم اللا سلكى».

وخلال فترة التأقلم عرف يعقوبيان طرق الاتصال بالمراسلات والخطابات السرية مع المصريين فى إيطاليا وتم تزويده بمواد الكتابة السرية وطرق فكها، كما سمح له المصريون خلال مرحلة التأقلم بالإبلاغ عن أى مؤشرات لحالات التأهب أو ملاحظته أمرا غير عادى بفلسطين المحتلة، مضيفة أن مسار الأحداث لم يتطابق مع الخطة المصرية، فبعد تجنيده بالجيش طالبه المصريون بالعمل فى سلاح المدرعات، لكنه فشل فى ذلك، كما لم ينجح فى العمل مصورا باستخبارات قيادة المركز ورفض طلب له فى مايو 63 بتلقى دورة تدريبية للضباط، ليتم اعتقاله بعد تسريحه الذى جاء بناء على طلبه.
القناة قالت فى نهاية تقريرها إن يعقوبيان حكم عليه عام 64 بالسجن 18 عاما وبعدها بعامين فى مارس 1966 أفرج عنه فى صفقة تبادل أسرى هو ومصريان مع القاهرة مقابل 3 صهاينة دخلوا قطاع غزة بالخطأ.

الدكتور نبيل فاروق الكاتب المتخصص فى شؤون الجاسوسية يقول تعليقا على تقرير القناة السابعة الصهيونية إنه «لا يوجد خصم يعترف بانتصارك عليه، ولا يوجد جهاز استخبارات يتعرض لهزيمة ويقول إنه تعرض لها، وفى كل عملية مخابرات نجح فيها المصريون قامت تل أبيب بقلب الحكاية لتبدو هى المنتصرة عبر الآلة الإعلامية الصهيونية وهى الآلة المجهزة والموجهة للخارج، حدث هذا مع رأفت الهجان عندما حاولوا قلب القصة لصالحهم بالقول إنه جاسوس لتل أبيب».

يقول فاروق: إن «هناك اثنين صهاينة متخصصين فى إعادة تشكيل وتأليف قصصى لعملية المخابرات، بحيث يبدوالصهاينة المنتصرين فى تلك العملية، وهما يوسى ميلمان خبير الشؤون الاستخباراتية لصحيفة (هآرتس) الصهيونية، والصحفى إيتان هابر، محلل الشؤون الأمنية بصحيفة (يديعوت أحرونوت) الصهيونية ومدير مكتب إسحاق رابين رئيس الوزراء الأسبق»، لافتا إلى أن الاثنين يقومان بعملية «تأليف» و«إعادة تشكيل» لعمليات المخابرات.

وأشار إلى أن مزاعم القناة السابعة الصهيونية عن كيبورك يعقوبيان يكذبها ويفندها وهو أمر مهم لأنه إذا عرف جهاز مخابرات أن هناك جاسوسا يعمل على أراضى دولته لن يكون أمامه إلا 3 حلول، إما إلقاء القبض عليه لوجوده فى مكان خطير أو قيام هذا الجهاز بتجنيد الجاسوس كى يكون عميلا مزدوجا أو تركه يعمل والسيطرة على عملية إخراجه للمعلومات ودس معلومات خاطئة له لحين القبض عليه، أما ما ورد بالتقرير الصهيوني فيثبت فشل وتقصير المخابراتالصهيونية، لأنه يتحدث عن نجاح يعقوبيان فى إيصال معلومات مهمة عن معسكرات وأسلحة ومفاعل تل أبيب للمخابرات المصرية، على الرغم من معرفة الصهاينة المسبقة أنه يعمل لصالح المصريين، مضيفا بقوله «كيف يقول الصهاينة إنه تحت السيطرة ويستطيع الحصول على هذه المعلومات الخطيرة ونقلها إلى مصر؟».

وأشار فاروق إلى أن هناك فرقا بين عمل المخابرات وباقى الأجهزة الأمنية، فالأمن يتعامل مع مواطن من مواطنى دولته، ويقوم بالقبض عليه حتى إذا لم تتوافر الأدلة على إدانته، أما المخابرات فيعد اعتقالها شخصا ما اتهاما ضمنيا لدولة أخرى، لهذا لا بد أن يقوم جهاز المخابرات بتجميع الأدلة والمعلومات قبل قيامه بعميلة الاعتقال، لهذا نسمع عن جواسيس تم اعتقالهم منذ سنوات ويتم الإعلان عن اعتقالهم الآن فقط، لأن المخابرات لا بد أن تقوم بتجميع الأدلة، حتى إذا قام المعتقل بالاعتراف بقصص بديلة ومفبركة عن عمله الاستخبارى يمكن لجهاز المخابرات عبر قسمه الفنى فحص هذه القصص ومعرفة مدى اتساقها مع واقع الأحداث.

فى النهاية أكد فاروق أن «يعقوبيان وضعت له خطة وقام بتنفيذها كما وضعت له فاستطاع التغلغل فى المجتمع الصهيوني، وهذا ليس بالأمر البسيط، خصوصا فى زمن الحرب مما يعد فشلا وتقصيرا من المخابرات الصهيونية».


 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى