في ختام ندوة «الأمن في الخليج العربي»
دعوات إلى تطوير استراتيجية أمنية خليجية تعزز استقرار المنطقة
مشاركون في إحدى جلسات ندوة الأمن في الخليج العربي (تصوير وليد أبوحمزة)
تاريخ النشر: الأربعاء 11 ديسمبر 2013
هالة الخياط
دعا المشاركون في ندوة “الأمن في الخليج العربي”، التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية، دول مجلس التعاون الخليجي إلى تطوير استراتيجيتها الأمنية؛ بهدف تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة.
واعتبروا في الندوة التي امتدت ليومين، واختتمت أمس، أن الإنفاق العسكري في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يفوق نظيره الإيراني، لا يجسد القوة الحقيقية لهذه الدول، عازين ذلك إلى عدم توحيد السياسات العسكرية، حيث تنفق كل دولة باتجاه.
وأكد الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أهمية التوصيات من خلال التأكيد على ضرورة تطوير دول مجلس التعاون استراتيجيتها الأمنية للمرحلة المقبلة، بعد مراعاة كل ما يتصل بها من متغيرات سياسية واقتصادية وأمنية وديموغرافية ولوجستية أو تحالفات دولية جديدة وغيرها، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الخليج العربي والمنطقة بوجه عام.
وقال السويدي خلال الكلمة الختامية للندوة: إننا ندرك المخاطر التي تحيط بهذه الاستراتيجية الأمنية، لاسيما في ظل تصاعد خطر الجماعات المتطرفة والمسلحة في مناطق مختلفة، وبروز الخطاب الطائفي، وتغير خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، وهي متغيرات ومستجدات تلقي بظلالها على دول المنطقة، بهدف إضعافها، وتحويل أولوياتها من خيارات التنمية والازدهار والسلام إلى خيارات سباق التسلح والقلق وعدم الاستقرار وبالتالي تطويع هذه البلدان لتنفيذ أجندات جيوسياسية، وإعادة رسم ديموغرافية جديدة في المنطقة، وهي أجندات باتت مكشوفة الأهداف للقاصي والداني.
وأعرب السويدي عن أمله في أن تجد التوصيات التي خرجت بها النـدوة طريقها عبر القنوات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لتترجم إلى سياسات ومشروعات عملية على أرض الواقع بهدف تعزيز واقع الأمن في منطقة الخليج العربي وضمان استمرار تنميتها ورفاهها، خاصة أن هذه التوصيات تركز على التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن في الخليج العربي، وكيفية المحافظة على تعزيز الاستقرار فيه، لاسيما بعد أن شهدت المنطقة تطورات سياسية وأمنية تشكل منعطفاً جديراً بتسليط الضوء عليه، كان أبرزها الاتفاق الإيراني مع مجموعة 5+1 الخاص ببرنامج إيران النووي المثير للجدل، وظهور إرهاصات لتحالفات دولية جديدة مع أطراف إقليمية في المنطقة، فضلاً عن اتساع مظاهر التطرف والعنف والغلو الفكري والإرهاب بشتى أنواعه واتجاهاته، مستغلة الأوضاع السياسية والأمنية الحرجة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن بوجه خاص.
التطرف وأسبابه
من ناحيته، قال الدكتور عبدالحميد الأنصاري العميد السابق لكلية القانون والشريعة في جامعة قطر: إن التطرف المقصود هنا هو التطرف الديني، الذي اعتبره أخطر من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي أكده وزراء داخلية مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماعهم الأخير، مشيرين إلى أن التطرف المؤدي للإرهاب والعنف مهدِّد حقيقي لأمن الخليج.
وأكد أن خطر التطرف يستفحل إذا اجتمعت له 3 عوامل: فكر عدواني؛ وحالة نفسية قلقة؛ وبيئة حاضنة، داعياً إلى ضرورة التنبيه إلى أن تعاليم الإسلام كلها تنبذ التطرف والغلو حتى في العبادة؛ ومن ثم فإن اقتران صبغة التطرف بالمسلمين في الإعلام اليوم أمر تنبغي مواجهته.
ودعا الأنصاري إلى تطبيق عدد من التحصينات لمواجهة التطرف، منها تحصين جبهتنا الداخلية ثقافياً وفكرياً وتحصين النظام التربوي للنشء، وتفعيل دور الأسرة في التعليم والتعلم، إضافة إلى تفعيل الفكر النقدي والتحليلي في مناهجنا التربوية، بدلاً من التلقين الذي يخلق التطرف والعنف وتجديد الخطاب الديني وتفعيل انفتاحه على ثقافة العصر وآرائه المتنوعة.
كما دعا إلى تطوير الخطاب الإعلامي، وإبعاده عن التحريض والتملق وثقافة الكراهية وتفعيل نظمنا التشريعية، بتكريس العدالة والمحاسبة والمواطنة، إضافة إلى إبعاد الدين عن التوظيف السياسي الهادف إلى السلطة.
العلاقات الخليجية البينية
في السياق ذاته، قال الدكتور أسعد الشملان مدير مركز الدراسات الأوروبية في السعودية، إن هناك جهودا عديدة ومنجزات في دول مجلس التعاون الخليجي وسعي نحو الأفضل رغم الإقرار بوجود بعض القيود والتحديات، مشيراً إلى أن أوضاع دول مجلس التعاون الخليجي تحسنت ويمكن الإشارة سياسياً إلى انسجام موقف دول المجلس تجاه سوريا والتنسيق العالي، وكذلك الأمر تجاه مصر.
وأكد الشملان أن الحديث عن اتحاد دول الخليج العربية لا ينافي الواقع، فهذا مذكور في مواثيق مجلس التعاون الخليجي، بل الميثاق يتكلم عن وحدة وليس اتحادا فقط، فالهوية الخليجية ليست ضد الانتماء العربي، ولا العولمة بل هي تأكيد للانتماء العربي كما أن الإقليمية هي خطوة نحو العولمة.
وأوضح أن هناك نزعة مشتركة واضحة في مقاربة أوضاع المنطقة، مضيفاً: ولا نغفل أن التطابق في السياسة الخارجية من الأمور الصعبة وحتى الاتحاد الأوروبي يعاني من ذلك، وهناك مجالات اتفاق وتكامل وتعاون كبير بين دول مجلس التعاون ومن أمثلة ذلك مكافحة التطرف والإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة.
وأكد الشملان أن دول المجلس خطت خطوات واسعة للأمام في طريق التكامل الاقتصادي والتداخل الاجتماعي وحدثت إنجازات غير مسبوقة عبر تشريعات وسياسات تدفع في اتجاه التكامل والتعاون في قوانين العمل والضمان الاجتماعي، وهناك المجال السياحي وهو عامل له أثره الاجتماعي الكبير، ولنا مثال في ما صارت إليه دولة الإمارات التي أصبحت قبلة سياحية لمواطني دول الخليج، وهناك أيضا حركة مواطني الخليج إلى السعودية على سبيل المثال.
وقال: إن هناك أيضا توحيد المعايير والمقاييس الخاصة بالسلع والمنتجات بين دول مجلس التعاون، فقد أصبحت هناك معايير خليجية تفرض نفسها، كما أن هناك نخبة واسعة في الخليج تفكر بمنطق الهوية الخليجية وهذا يستحق الوقوف عنده.
وأشار إلى أنه لم يعد الخلاف بين الزعامات يعني نهاية كل شيء فهناك هذا الشعور العام الذي أصبح بفضله اللجوء إلى أن القوة المسلحة عند نشوء أي خلافات بين دول الخليج من المستحيلات، وهذا منجز سياسي كبير لا ينبغي التقليل منه.
التحديات المستقبلية
ناقشت الجلسة الثانية للندوة النظرة المستقبلية بشأن الدور المستقبلي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وطرحت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيس مركز الإمارات للسياسات في كلمتها “نحو بناء بيئة أمنية مستدامة في الخليج العربي”، فكرة تبني مبادرة خليجية مدعومة من جامعة الدول العربية، تقدم إلى إيران بهدف تشكيل رؤية عربية خليجية موحدة حول التعامل مع إيران، وبهدف مواجهة المشروع الإيراني المذهبي في المنطقة.
وتتكون المبادرة، بحسب الكتبي، من عدة نقاط أهمها حل المشكلات الثنائية بين إيران ودول مجلس التعاون وفي مقدمتها قضية الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران، وعدم تدخل طهران في شؤون دول المنطقة، أو شؤون الشيعة العرب، مع توقف الطرفين عن التجييش المذهبي، وأن يكون مجلس التعاون طرفا في المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى، وعدم قيام طهران بتهديد أمن الطاقة والممرات المائية، إلى جانب تعهد دول مجلس التعاون ألا تكون أراضيها منطلقا للاعتداء على إيران.
وتحدث الدكتور عبدالله الشايجي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت في ورقته البحثية عن الدور المستقبلي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقال إن دول مجلس التعاون لم تصل بعد لمؤسسات الأمن الجماعي القادرة على ردع العدو قبل أن ينفذ تهديده، مؤكدا أن دول مجلس التعاون لم توظف القوى الناعمة التي تمتلكها من طاقة ونفط واقتصادات ضخمة وصناديق ثروة سيادية ضخمة، وأحداث دولية كبرى سوف تستضيفها.
وأكد أن ميزان القوى الدولي في طريقه للتغيير وأن مركز الثقل العالمي يتجه نحو آسيا لا سيما أنها أصبحت الآن المركز الرئيسي للاستثمارات المستقبلية، وبالتالي فإن العلاقات المستقبلية لدول مجلس التعاون ستكون مع شرق آسيا تحديدا، مختتما بأن أميركا ستظل حليفا قويا لدول التعاون لكن هناك قوى أخرى تبزغ، ومن مصلحة دول الخليج أن تنوع علاقاتها مع هذه القوى الجديدة.
من ناحيته، أشار السفير ريتشارد ميكبيس، المدير الإداري لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، وسفير المملكة المتحدة بدولة الإمارات سابقا، إلى أن الربيع العربي أثبت أن شيئا ما قد تغير في المنطقة ولا يجب تجاهله، معربا عن تشاؤمه من مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مؤكدا أنه لا يرى ضوءا في نهاية النفق بشأن عملية السلام.
وفيما يتعلق بسوريا، قال ميكبيس: إنها تشهد حربا أهلية قد تؤدي إلى مشاكل تتخطى حدود سوريا وتصل للدول المجاورة، ويمكن أن تنعكس على دول مجلس التعاون، مضيفا أن اعتماد دول الخليج على التكنولوجيا والطاقة وحاجتها الملحة للمياه تمثل تحديات كبيرة يجب التعامل معها كي لا تتفاقم.
وأكد ميكبيس أن هناك تحديا كبيرا لدول التعاون يتمثل في ضرورة بناء البيئة الاقتصادية والاجتماعية المحفزة التي تشعر الشباب بنفس حماس الجيل المؤسس في البناء، مشيرا إلى أن توفير التعليم المناسب ليس وحده كافيا ولكن لا بد من التحفيز الكافي للجيل الجديد لكي يساهم بشكل كامل في بناء المجتمعات.
التركيبة السكانية وثيقة الصلة بالأمن
أبوظبي (الاتحاد) - أكد الدكتور يعقوب الكندري مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت، أن التركيبة السكانية وثيقة الصلة بموضوع الأمن، الذي يهدف في المحصلة إلى تحقيق الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية ومن ثم الرفاه.
وقال: إن هناك تحديات داخلية وخارجية تواجه دول مجلس التعاون وهي تحديات مشتركة منها الأمن الاجتماعي مثلا، وإن كان يختلف من دولة إلى أخرى وتحكمه طبيعة ثقافة المجتمع الداخلية، وكذلك البيئة المحيطة، إلا أن هناك سمات مشتركة تجعلنا قادرين على دراسة هذه الكيانات من منظور شمولي مع وجود فروق داخلية.
وقال من هذه التحديات، التحديات الاقتصادية، والغزو الثقافي، والمشكلات الاجتماعية والتطرف الديني والجرائم والمخدرات، إلا أن أهم التحديات الداخلية هي التركيبة السكانية، وهي مشكلة تعاني منها كل دول الخليج.
وأضاف: أننا لا نواجه مشكلة ارتفاع الكثافة السكانية بالنسبة للجغرافيا، ربما باستثناء البحرين بحكم مساحتها الصغيرة، ولكن هناك خلل في التركيبة السكانية يتمثل في زيادة عدد الوافدين على المواطنين بشكل كبير، خاصة في قطاع العمل، فالمشكلة هي في زيادة العمالة الهامشية التي تصرف عليها الدولة أكثر مما تأخذ أو تستفيد منها.
وبين أن الإحصائيات تشير بوضوح إلى هذا الخلل، حيث تبلغ نسبة الوافدين من مجموع السكان في دولة الإمارات 89 في المائة، وفي قطر 89 في المائة، و66 في المائة بالكويت، و55 في المائة بالبحرين، و40 في المائة بعمان، و35 في المائة بالسعودية.
وقال: وكما نلاحظ، فإن هناك دولتان فقط يزيد عدد المواطنين فيهما عن عدد الوافدين. أما في قطاع العمل فان الوافدين أكثر بكثير من نسبة المواطنين، بنسب:89 في المائة بقطر، و88-89 في المائة بدولة الإمارات، و82 في المائة بالكويت والبحرين، و75 في المائة بعمان، و55 في المائة بالسعودية.
وقال الكندري: إن هناك أسبابا لهذه المشكلة، من أهمها: أن غالبية المجتمع الخليجي هي من قطاعات شبابية، حيث إن أكثر من 60 في المائة من السكان أقل من 24 عاماً، إلى جانب تدني مشاركة المرأة داخل قطاعات العمل، والنتيجة أن 70 في المائة من إجمالي الخليج يعتمد على العمالة الأجنبية وهذه العمالة عمالة هامشية.
وأضاف: ففي الكويت مثلاً، فإن هناك 52 في المائة من العمالة لا تحمل مؤهلات علمية، و72 في المائة منها تحمل مؤهلات دنيا، كما يوجد في الكويت نحو 577 ألف نسمة تخدم 300 ألف أسرة، ما يعني أن لكل أسرة 2.5 خادم، والمشكلة أن هذه عمالة غير منتجة، بل إن الدولة تنفق الكثير من المبالغ على البنية التحتية الأساسية التي تخدم هذه العمالة.
وأضاف الكندري: أن هناك مخاطر أمنية كثيرة لهذه العمالة، منها مثلاً ارتفاع معدل الجريمة، ففي الكويت فإن 25 في المائة من قضايا تعاطي المخدرات من الكويتيين، بينما 90 في المائة من قضايا التجارة بها هي قضايا وافدين، وهناك أيضا مشاكل أخرى تثيرها مشكلة التركيبة السكانية تستوجب التعامل معها وإيجاد حلول جذرية لها.
الاتفاق النووي الإيراني المؤقت
استغرب الدكتور عبد الرضا الأسيري عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت التركيز المفرط في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الاتفاق النووي الإيراني المؤقت الأخير مع مجموعة 5+1.
وقال: لقد خلقنا من إيران مشكلة كبيرة، ولم يعد لنا من شاغل سوى الشأن الإيراني، ننام عليه ونستيقظ، مضيفا: علينا بالمقابل دعم أي اتفاق في هذا الشأن؛ لأنه سيختصر علينا الطريق، كما أنه في النهاية أفضل من لا شيء، بعد ذلك علينا الانتقال إلى الهدف الأهم، وهو بناء قوتنا ومشروعنا الذاتيين.
وأضاف الأسيري: “نحن اليوم بعد 3 عقود من ميلاد مجلس التعاون، لا ننكر أن هناك الكثير من الإنجازات، لكن لا شك في أن هناك الكثير مما يتعين عمله، كما أن لدينا تركيبة اجتماعية فريدة في الانسجام والتوافق”.
وقال: إن اتحادا خليجيا ينبغي أن يتأسس أولاً على دراسة متأنية تأخذ الوقت اللازم لإنضاجها، بحيث لا تكون نتائجه ارتجالية، كما أن هذا الاتحاد المنشود لن ينجح ما لم نقم بتطوير مؤسساتنا السياسية وممارساتنا السياسية”.
وأشار عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت إلى أن ما يحدث في سوريا يندى له الجبين ويفوق كل وصف، مضيفاً: لا شك في أن بشار الأسد دكتاتور سفاح وقاتل لا يعرف الرحمة؛ لكن لا بد من الاعتراف كذلك أن لديه دعماً قوياً في الداخل السوري وفي الخارج.
ورأى أن الحل لهذه الأزمة المستفحلة هو تراجع كل القوات النظامية السورية وخروج جميع المجموعات المقاتلة الأخرى، مهما كانت توجهاتها وأطيافها، من الساحة السورية؛ وإيجاد حل سوري- سوري.
وأكد أن مسألة الخلاف الطائفي الذي تصاعد في منطقتنا خلال الأعوام الأخيرة، سببه توظيف الاختلاف، الذي هو إيجابي في الأصل، لأهداف سياسية بحتة لا تخدم سوى أصحابها، داعياً إلى تشجيع التقارب المذهبي.
http://www.alittihad.ae/details.php?id=114977&y=2013&article=full
دعوات إلى تطوير استراتيجية أمنية خليجية تعزز استقرار المنطقة
مشاركون في إحدى جلسات ندوة الأمن في الخليج العربي (تصوير وليد أبوحمزة)
تاريخ النشر: الأربعاء 11 ديسمبر 2013
هالة الخياط
دعا المشاركون في ندوة “الأمن في الخليج العربي”، التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية، دول مجلس التعاون الخليجي إلى تطوير استراتيجيتها الأمنية؛ بهدف تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة.
واعتبروا في الندوة التي امتدت ليومين، واختتمت أمس، أن الإنفاق العسكري في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يفوق نظيره الإيراني، لا يجسد القوة الحقيقية لهذه الدول، عازين ذلك إلى عدم توحيد السياسات العسكرية، حيث تنفق كل دولة باتجاه.
وأكد الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أهمية التوصيات من خلال التأكيد على ضرورة تطوير دول مجلس التعاون استراتيجيتها الأمنية للمرحلة المقبلة، بعد مراعاة كل ما يتصل بها من متغيرات سياسية واقتصادية وأمنية وديموغرافية ولوجستية أو تحالفات دولية جديدة وغيرها، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الخليج العربي والمنطقة بوجه عام.
وقال السويدي خلال الكلمة الختامية للندوة: إننا ندرك المخاطر التي تحيط بهذه الاستراتيجية الأمنية، لاسيما في ظل تصاعد خطر الجماعات المتطرفة والمسلحة في مناطق مختلفة، وبروز الخطاب الطائفي، وتغير خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، وهي متغيرات ومستجدات تلقي بظلالها على دول المنطقة، بهدف إضعافها، وتحويل أولوياتها من خيارات التنمية والازدهار والسلام إلى خيارات سباق التسلح والقلق وعدم الاستقرار وبالتالي تطويع هذه البلدان لتنفيذ أجندات جيوسياسية، وإعادة رسم ديموغرافية جديدة في المنطقة، وهي أجندات باتت مكشوفة الأهداف للقاصي والداني.
وأعرب السويدي عن أمله في أن تجد التوصيات التي خرجت بها النـدوة طريقها عبر القنوات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لتترجم إلى سياسات ومشروعات عملية على أرض الواقع بهدف تعزيز واقع الأمن في منطقة الخليج العربي وضمان استمرار تنميتها ورفاهها، خاصة أن هذه التوصيات تركز على التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن في الخليج العربي، وكيفية المحافظة على تعزيز الاستقرار فيه، لاسيما بعد أن شهدت المنطقة تطورات سياسية وأمنية تشكل منعطفاً جديراً بتسليط الضوء عليه، كان أبرزها الاتفاق الإيراني مع مجموعة 5+1 الخاص ببرنامج إيران النووي المثير للجدل، وظهور إرهاصات لتحالفات دولية جديدة مع أطراف إقليمية في المنطقة، فضلاً عن اتساع مظاهر التطرف والعنف والغلو الفكري والإرهاب بشتى أنواعه واتجاهاته، مستغلة الأوضاع السياسية والأمنية الحرجة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن بوجه خاص.
التطرف وأسبابه
من ناحيته، قال الدكتور عبدالحميد الأنصاري العميد السابق لكلية القانون والشريعة في جامعة قطر: إن التطرف المقصود هنا هو التطرف الديني، الذي اعتبره أخطر من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي أكده وزراء داخلية مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماعهم الأخير، مشيرين إلى أن التطرف المؤدي للإرهاب والعنف مهدِّد حقيقي لأمن الخليج.
وأكد أن خطر التطرف يستفحل إذا اجتمعت له 3 عوامل: فكر عدواني؛ وحالة نفسية قلقة؛ وبيئة حاضنة، داعياً إلى ضرورة التنبيه إلى أن تعاليم الإسلام كلها تنبذ التطرف والغلو حتى في العبادة؛ ومن ثم فإن اقتران صبغة التطرف بالمسلمين في الإعلام اليوم أمر تنبغي مواجهته.
ودعا الأنصاري إلى تطبيق عدد من التحصينات لمواجهة التطرف، منها تحصين جبهتنا الداخلية ثقافياً وفكرياً وتحصين النظام التربوي للنشء، وتفعيل دور الأسرة في التعليم والتعلم، إضافة إلى تفعيل الفكر النقدي والتحليلي في مناهجنا التربوية، بدلاً من التلقين الذي يخلق التطرف والعنف وتجديد الخطاب الديني وتفعيل انفتاحه على ثقافة العصر وآرائه المتنوعة.
كما دعا إلى تطوير الخطاب الإعلامي، وإبعاده عن التحريض والتملق وثقافة الكراهية وتفعيل نظمنا التشريعية، بتكريس العدالة والمحاسبة والمواطنة، إضافة إلى إبعاد الدين عن التوظيف السياسي الهادف إلى السلطة.
العلاقات الخليجية البينية
في السياق ذاته، قال الدكتور أسعد الشملان مدير مركز الدراسات الأوروبية في السعودية، إن هناك جهودا عديدة ومنجزات في دول مجلس التعاون الخليجي وسعي نحو الأفضل رغم الإقرار بوجود بعض القيود والتحديات، مشيراً إلى أن أوضاع دول مجلس التعاون الخليجي تحسنت ويمكن الإشارة سياسياً إلى انسجام موقف دول المجلس تجاه سوريا والتنسيق العالي، وكذلك الأمر تجاه مصر.
وأكد الشملان أن الحديث عن اتحاد دول الخليج العربية لا ينافي الواقع، فهذا مذكور في مواثيق مجلس التعاون الخليجي، بل الميثاق يتكلم عن وحدة وليس اتحادا فقط، فالهوية الخليجية ليست ضد الانتماء العربي، ولا العولمة بل هي تأكيد للانتماء العربي كما أن الإقليمية هي خطوة نحو العولمة.
وأوضح أن هناك نزعة مشتركة واضحة في مقاربة أوضاع المنطقة، مضيفاً: ولا نغفل أن التطابق في السياسة الخارجية من الأمور الصعبة وحتى الاتحاد الأوروبي يعاني من ذلك، وهناك مجالات اتفاق وتكامل وتعاون كبير بين دول مجلس التعاون ومن أمثلة ذلك مكافحة التطرف والإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة.
وأكد الشملان أن دول المجلس خطت خطوات واسعة للأمام في طريق التكامل الاقتصادي والتداخل الاجتماعي وحدثت إنجازات غير مسبوقة عبر تشريعات وسياسات تدفع في اتجاه التكامل والتعاون في قوانين العمل والضمان الاجتماعي، وهناك المجال السياحي وهو عامل له أثره الاجتماعي الكبير، ولنا مثال في ما صارت إليه دولة الإمارات التي أصبحت قبلة سياحية لمواطني دول الخليج، وهناك أيضا حركة مواطني الخليج إلى السعودية على سبيل المثال.
وقال: إن هناك أيضا توحيد المعايير والمقاييس الخاصة بالسلع والمنتجات بين دول مجلس التعاون، فقد أصبحت هناك معايير خليجية تفرض نفسها، كما أن هناك نخبة واسعة في الخليج تفكر بمنطق الهوية الخليجية وهذا يستحق الوقوف عنده.
وأشار إلى أنه لم يعد الخلاف بين الزعامات يعني نهاية كل شيء فهناك هذا الشعور العام الذي أصبح بفضله اللجوء إلى أن القوة المسلحة عند نشوء أي خلافات بين دول الخليج من المستحيلات، وهذا منجز سياسي كبير لا ينبغي التقليل منه.
التحديات المستقبلية
ناقشت الجلسة الثانية للندوة النظرة المستقبلية بشأن الدور المستقبلي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وطرحت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيس مركز الإمارات للسياسات في كلمتها “نحو بناء بيئة أمنية مستدامة في الخليج العربي”، فكرة تبني مبادرة خليجية مدعومة من جامعة الدول العربية، تقدم إلى إيران بهدف تشكيل رؤية عربية خليجية موحدة حول التعامل مع إيران، وبهدف مواجهة المشروع الإيراني المذهبي في المنطقة.
وتتكون المبادرة، بحسب الكتبي، من عدة نقاط أهمها حل المشكلات الثنائية بين إيران ودول مجلس التعاون وفي مقدمتها قضية الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران، وعدم تدخل طهران في شؤون دول المنطقة، أو شؤون الشيعة العرب، مع توقف الطرفين عن التجييش المذهبي، وأن يكون مجلس التعاون طرفا في المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى، وعدم قيام طهران بتهديد أمن الطاقة والممرات المائية، إلى جانب تعهد دول مجلس التعاون ألا تكون أراضيها منطلقا للاعتداء على إيران.
وتحدث الدكتور عبدالله الشايجي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت في ورقته البحثية عن الدور المستقبلي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقال إن دول مجلس التعاون لم تصل بعد لمؤسسات الأمن الجماعي القادرة على ردع العدو قبل أن ينفذ تهديده، مؤكدا أن دول مجلس التعاون لم توظف القوى الناعمة التي تمتلكها من طاقة ونفط واقتصادات ضخمة وصناديق ثروة سيادية ضخمة، وأحداث دولية كبرى سوف تستضيفها.
وأكد أن ميزان القوى الدولي في طريقه للتغيير وأن مركز الثقل العالمي يتجه نحو آسيا لا سيما أنها أصبحت الآن المركز الرئيسي للاستثمارات المستقبلية، وبالتالي فإن العلاقات المستقبلية لدول مجلس التعاون ستكون مع شرق آسيا تحديدا، مختتما بأن أميركا ستظل حليفا قويا لدول التعاون لكن هناك قوى أخرى تبزغ، ومن مصلحة دول الخليج أن تنوع علاقاتها مع هذه القوى الجديدة.
من ناحيته، أشار السفير ريتشارد ميكبيس، المدير الإداري لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، وسفير المملكة المتحدة بدولة الإمارات سابقا، إلى أن الربيع العربي أثبت أن شيئا ما قد تغير في المنطقة ولا يجب تجاهله، معربا عن تشاؤمه من مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مؤكدا أنه لا يرى ضوءا في نهاية النفق بشأن عملية السلام.
وفيما يتعلق بسوريا، قال ميكبيس: إنها تشهد حربا أهلية قد تؤدي إلى مشاكل تتخطى حدود سوريا وتصل للدول المجاورة، ويمكن أن تنعكس على دول مجلس التعاون، مضيفا أن اعتماد دول الخليج على التكنولوجيا والطاقة وحاجتها الملحة للمياه تمثل تحديات كبيرة يجب التعامل معها كي لا تتفاقم.
وأكد ميكبيس أن هناك تحديا كبيرا لدول التعاون يتمثل في ضرورة بناء البيئة الاقتصادية والاجتماعية المحفزة التي تشعر الشباب بنفس حماس الجيل المؤسس في البناء، مشيرا إلى أن توفير التعليم المناسب ليس وحده كافيا ولكن لا بد من التحفيز الكافي للجيل الجديد لكي يساهم بشكل كامل في بناء المجتمعات.
التركيبة السكانية وثيقة الصلة بالأمن
أبوظبي (الاتحاد) - أكد الدكتور يعقوب الكندري مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت، أن التركيبة السكانية وثيقة الصلة بموضوع الأمن، الذي يهدف في المحصلة إلى تحقيق الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية ومن ثم الرفاه.
وقال: إن هناك تحديات داخلية وخارجية تواجه دول مجلس التعاون وهي تحديات مشتركة منها الأمن الاجتماعي مثلا، وإن كان يختلف من دولة إلى أخرى وتحكمه طبيعة ثقافة المجتمع الداخلية، وكذلك البيئة المحيطة، إلا أن هناك سمات مشتركة تجعلنا قادرين على دراسة هذه الكيانات من منظور شمولي مع وجود فروق داخلية.
وقال من هذه التحديات، التحديات الاقتصادية، والغزو الثقافي، والمشكلات الاجتماعية والتطرف الديني والجرائم والمخدرات، إلا أن أهم التحديات الداخلية هي التركيبة السكانية، وهي مشكلة تعاني منها كل دول الخليج.
وأضاف: أننا لا نواجه مشكلة ارتفاع الكثافة السكانية بالنسبة للجغرافيا، ربما باستثناء البحرين بحكم مساحتها الصغيرة، ولكن هناك خلل في التركيبة السكانية يتمثل في زيادة عدد الوافدين على المواطنين بشكل كبير، خاصة في قطاع العمل، فالمشكلة هي في زيادة العمالة الهامشية التي تصرف عليها الدولة أكثر مما تأخذ أو تستفيد منها.
وبين أن الإحصائيات تشير بوضوح إلى هذا الخلل، حيث تبلغ نسبة الوافدين من مجموع السكان في دولة الإمارات 89 في المائة، وفي قطر 89 في المائة، و66 في المائة بالكويت، و55 في المائة بالبحرين، و40 في المائة بعمان، و35 في المائة بالسعودية.
وقال: وكما نلاحظ، فإن هناك دولتان فقط يزيد عدد المواطنين فيهما عن عدد الوافدين. أما في قطاع العمل فان الوافدين أكثر بكثير من نسبة المواطنين، بنسب:89 في المائة بقطر، و88-89 في المائة بدولة الإمارات، و82 في المائة بالكويت والبحرين، و75 في المائة بعمان، و55 في المائة بالسعودية.
وقال الكندري: إن هناك أسبابا لهذه المشكلة، من أهمها: أن غالبية المجتمع الخليجي هي من قطاعات شبابية، حيث إن أكثر من 60 في المائة من السكان أقل من 24 عاماً، إلى جانب تدني مشاركة المرأة داخل قطاعات العمل، والنتيجة أن 70 في المائة من إجمالي الخليج يعتمد على العمالة الأجنبية وهذه العمالة عمالة هامشية.
وأضاف: ففي الكويت مثلاً، فإن هناك 52 في المائة من العمالة لا تحمل مؤهلات علمية، و72 في المائة منها تحمل مؤهلات دنيا، كما يوجد في الكويت نحو 577 ألف نسمة تخدم 300 ألف أسرة، ما يعني أن لكل أسرة 2.5 خادم، والمشكلة أن هذه عمالة غير منتجة، بل إن الدولة تنفق الكثير من المبالغ على البنية التحتية الأساسية التي تخدم هذه العمالة.
وأضاف الكندري: أن هناك مخاطر أمنية كثيرة لهذه العمالة، منها مثلاً ارتفاع معدل الجريمة، ففي الكويت فإن 25 في المائة من قضايا تعاطي المخدرات من الكويتيين، بينما 90 في المائة من قضايا التجارة بها هي قضايا وافدين، وهناك أيضا مشاكل أخرى تثيرها مشكلة التركيبة السكانية تستوجب التعامل معها وإيجاد حلول جذرية لها.
الاتفاق النووي الإيراني المؤقت
استغرب الدكتور عبد الرضا الأسيري عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت التركيز المفرط في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الاتفاق النووي الإيراني المؤقت الأخير مع مجموعة 5+1.
وقال: لقد خلقنا من إيران مشكلة كبيرة، ولم يعد لنا من شاغل سوى الشأن الإيراني، ننام عليه ونستيقظ، مضيفا: علينا بالمقابل دعم أي اتفاق في هذا الشأن؛ لأنه سيختصر علينا الطريق، كما أنه في النهاية أفضل من لا شيء، بعد ذلك علينا الانتقال إلى الهدف الأهم، وهو بناء قوتنا ومشروعنا الذاتيين.
وأضاف الأسيري: “نحن اليوم بعد 3 عقود من ميلاد مجلس التعاون، لا ننكر أن هناك الكثير من الإنجازات، لكن لا شك في أن هناك الكثير مما يتعين عمله، كما أن لدينا تركيبة اجتماعية فريدة في الانسجام والتوافق”.
وقال: إن اتحادا خليجيا ينبغي أن يتأسس أولاً على دراسة متأنية تأخذ الوقت اللازم لإنضاجها، بحيث لا تكون نتائجه ارتجالية، كما أن هذا الاتحاد المنشود لن ينجح ما لم نقم بتطوير مؤسساتنا السياسية وممارساتنا السياسية”.
وأشار عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت إلى أن ما يحدث في سوريا يندى له الجبين ويفوق كل وصف، مضيفاً: لا شك في أن بشار الأسد دكتاتور سفاح وقاتل لا يعرف الرحمة؛ لكن لا بد من الاعتراف كذلك أن لديه دعماً قوياً في الداخل السوري وفي الخارج.
ورأى أن الحل لهذه الأزمة المستفحلة هو تراجع كل القوات النظامية السورية وخروج جميع المجموعات المقاتلة الأخرى، مهما كانت توجهاتها وأطيافها، من الساحة السورية؛ وإيجاد حل سوري- سوري.
وأكد أن مسألة الخلاف الطائفي الذي تصاعد في منطقتنا خلال الأعوام الأخيرة، سببه توظيف الاختلاف، الذي هو إيجابي في الأصل، لأهداف سياسية بحتة لا تخدم سوى أصحابها، داعياً إلى تشجيع التقارب المذهبي.
http://www.alittihad.ae/details.php?id=114977&y=2013&article=full