بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المعلق:
الثورة الروسية عام 1917 أسقط الحكم القيصري في شباط -فبراير بعدما تركته الحرب العالمية الأولى من آثار تدميرية على حياة الشعب الروسي، تسلم الاشتراكي "الكسندر كيلنسكي" زمام السلطة كرئيس للوزراء ولكنه آثر ألا ينهي الحرب.
بعد أشهر من أعمال العنف المدني تمكن منافسه القديم فلاديمير لينين من الإطاحة به ضمن ما يعرف بثورة أكتوبر، لتبدأ بذلك تجربة سبعين عامًا من الشيوعية شملت كل جوانب الحياة الروسية لتسجل منعطفًا هامًا في التاريخ العالمي.
كانت روسيا عام 1917 بلادًا شاسعة أكبر من الهند والصين والولايات المتحدة مجتمعة، تنافس رجلان على التحكم بهذه السلطة الهائلة، نشأ كلاهما في بلدة سيمبريسك نفسها الواقعة على ضفاف نهر الفولجا، وقد تشاركا في الخلفية الشخصية ذاتها، عمل والد الكسندر كيلنسكي مدرسًا في البلدة أما والد لينين فقد كان مفتشًا على المدارس في منطقة سيمبريسك.
فلاديمير أوليانوف الملقب بلينين كانت عائلته تنتسب إلى الطبقة الوسطى والده كان رجلاً تربويًا وقد أنشأ مئات من المدارس في منطقته.
ولكن سرعان ما واجهت خلفيته الليبرالية بعض المشاكل مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية كان الشعب الروسي آنذاك يتسم بتزمته النصراني الشديد، كانت الكنيسة حينها بالغة القوة، وتعارض أي محاولات لتغيير الوضع الراهن حينها.
كانت روسيا قد تخلصت حديثًا من عبودية الأرض، إذ كان الغلبة في السيطرة على البلد كانت لا تزال بيد الزراعة، ثمانون في المائة من الشعب كانوا يعيشون في فقر مدقع بدين دائم لأصحاب الأراضي.
كانت الصناعة تنمو بسرعة هائلة لتسحب أعدادًا هائلة من العمل في الأرض، ولكن انخفاض الأجور وساعات العمل الطويلة لم تجعل الحياة في المصانع أفضل حالاً، استمر القيصر الروسي بقيادة إمبراطوريته على طريقة ملوك العصور الوسطى في أوروبا يصدر الأوامر من عرشه دون أن يرى عواقب تلك الأوامر.
كان شقيق لينين الأكبر ألكسندر طالبًا في جامعة "سين بترسبورج"، اعتقل في العام الأخير من دراسته لإخفائه قنبلة كان يحملها في كتاب بالكيمياء، أُعدم ألكسندر شنقًا بتهمة محاولة اغتيال القيصر، نبذت عائلة لينين نتيجة السوابق الجنائية لشقيقه الأكبر، ترك إعدام الكسندر تأثيرًا طويل الأمد في حياة لينين.
وقف إلى جانب العائلة في ذلك الحين والد ألكسندر كيلنسكي فيودور، وقد كتب في الحال لترشيح لينين لدراسة القانون في الجامعة، كشقيق لأحد الضحايا الثوريين توجه لينين بسرعة إلى العمل السياسي الطلابي، سرعان ما طرد من المدرسة وتفرغ للاعتناء بجده داتشه.
حينها فقط سنحت له الفرصة لقراءة كارل ماركس للمرة الأولى، كانت الضغينة أولى دوافعه..نظرية ماركس حول الصراع الطبقي الدائم الهادفة أخيرًا إلى إبادة العدو، كانت تنسجم جدًا مع ما يعانيه من أحاسيس، لم يكن يكره القيصر وحده وسياسته البوليسية العشوائية، بل ومعارضيه من الليبراليين والبرجوازيين أيضًا.
أمضى لينين سنوات في المنفى ثم لانت السلطات وسمحت له بالعمل في القضاء، انتقل حينها إلى سين بترسبورج لممارسة القانون ظاهريًا، ولكنه في الواقع كان يقيم اتصالات مع بعض الثوريين هناك عام 1897 اعتقل بتهمة التحريض على الإضراب ونفي إلى سيبيريا، في هذه الأثناء وصل قيصر جديد إلى السلطة، ولكن نيكولا الثاني لم يكن إصلاحيًا، كان إمبراطورًا على كل روسيا ودوق لتوانيا وفنلندا وقيصرًا على بولندا وسيبيريا وغيرها.
استغرق لينين شهرين كي يصل إلى منفاه الجديد..كانت الحياة هناك مريحة، وبدعم من عائلته تمتع برحلات الصيد والمسيرات الطويلة في غابات سيبيريا الشاسعة، تمكن لينين من تخصيص فترات طويلة من وقته للكتابة إلى المفكرين الشيوعيين في أوروبا حتى أصبح كاتبًا خصبًا، وقد كون في المنفى نظرية الثوري المتفرغ الذي يكرس مهنته للإطاحة بالحكومات الرأسمالية في أوروبا.
رغم أسلوبه الساخر وسقوط شعره المبكر أصبح لينين شخصية مميزة، مدمنًا على العمل لا يتعب من صياغة الشعارات الثورية، سيقود العامل الروسي البلوريتاريا عبر طريق مباشر من الكفاح السياسي المفتوح إلى انتصار الثورة الشيوعية، لم يكن لينين يتحدث عن عمال المصانع فقط، فالمزارعون يعملون أيضًا ضمن الشروط الرأسمالية والفقراء من غير المالكين للأرض كانوا مستغلين من قبل أثرياء الفلاحين وأصحاب الأراضي الذين هم من الطبقات المعادية.
عندما تنبهت سلطات القيصر إلى ما يشكله لينين من تهديد أجبر على الرحيل عن روسيا فأمضى أكثر من نصف حياته الناضجة خارج البلاد بين سويسرا وباريس وبروكسل ولندن.
كان الدليل الذي يقف وراء ما عرف حينها بحركة البلاشفة، كان البلاشفة ثوريين متفرغين يعملون على الإطاحة بسلطات القيصر.
جريدتهم الإكسرا أي الشرارة تحولت إلى كتاب سري يهتدي به اشتراكيو روسيا، الثورة مشروع صعب، لا يمكنك العمل بها بارتداء قفازات بيض بأيدي نظيفة، أعطنا منظمة من الثوريين وسوف نطيح بروسيا.
كانت سلطات القيصر تخدم بلاشفة بطريقة غير مباشرة، وحشيتها العشوائية الموجهة إلى أتفه الجرائم أدت إلى وجود مزيد من الثوريين.
كان نيكولا الثاني المعزول في عالمه الخاص يجهل بالكامل كل ما يحدث في بلاده، الثراء الفاحش الذي كان في البلاط متناقض بالكامل مع حياة غالبية الشعب الروسي، كان نيكولا محاطًا بكنيسة أرثوذكسية محافظة ومتزوجًا من امرأة غير شعبية بالكاد تتحدث الروسية ما جعل منه شخصية ضعيفة محاطة ببلاط وأقارب لا هم لهم سوى حماية امتيازاتهم الشخصية ومستوى حياتهم.
اعتقاد نيكولا السخيف بضرورة سيطرة الإمبراطورية الروسية على منشوريا جعله يحاول ضمها لتأمين الموانئ والأسواق الشرقية.
هدد ذلك المصالح اليابانية واشتعلت الحرب عام 1904، كانت القوات الروسية بعيدة عن بلادها وسيئة التسليح ما أدى إلى تدميرها، سجل ذلك أول تشقق في حكم القيصر ما دعا إلى قبول بعض الإصلاحات.
أُجبر نيكولا على إقامة نوع من البرلمان الاستشاري يضم ممثلين من جميع أنحاء البلاد وقد سمي بالدوما.
كان ألكسندر كلينسكي واحدًا من بعض أصوات الدوما المستقلين كان قد درس القانون مثل لينين كما أصبح مثله يعجب بالاشتراكية، رغم انتخابه عضوًا في برلمان القيصر وكونه ديمقراطيًا ملتزمًا استمر كيلنسكي بالسفر عبر البلاد يلتقي الثوريين ويخطط للإطاحة بالقيصر.
وسرعان ما وجد في نفسه مخلصًا لروسيا، اعتمد كل من كيلنسكي ولينين على فلسفة مختلفة تمامًا، أراد كيلنسكي للفقراء أن يصبحوا أغنياء بالعمل الشاق في روسيا الجديدة، بينما أراد لينين للأغنياء أن يصبحوا فقراء بتوزيع ثرواتهم، لم يكن لأي منهما تأثير على السياسة الروسية حتى غيرت الحرب العالمية الأولى ملامح أوروبا.
على مدار السنوات الأربع من الحرب تم إرسال خمسة عشر مليون روسي إلى ساحات المعارك، كانت جيوش الإمبراطورية الروسية حتى ذلك الحين هي الأكبر في العالم، كانوا في بادئ الأمر يذهبون مفعمين بالأمل والتمنيات متأكدين من تحقيق النجاحات بالاعتماد على الأعداد.
ولكن سوء التسلح والتدريب وانخداعهم بأوهام الأساقفة وعدم التدريب الجيد للجنود والقادة جعلهم عاجزين أمام الأسلحة والمدافع الألمانية المتفوقة، لم تكن خسائرهم لتحصى أو تعد، فقد تراوحت بين خمسة وثمانية ملايين ولم يعرف كم جندي روسي قتل هناك على وجه الدقة حتى الآن، وقد اختصر أحد الضباط الروس ذلك بالقول: (ليست هذه بحرب سيدي إنها مذبحة، فالألمان يستخدمون الحديد ونحن نستخدم أرواح البشر).
صيف عام 1916 عاد القيصر نيكولا يصر على اللجوء إلى قوة سلاح مرة أخرى، منذ ذلك الحين أصبح على صلة مباشرة بجميع الهزائم العسكرية.
كان آلاف الفارين من صفوف الجيش يلجئون إلى المدن وينضمون تحت ألوية الفصائل البلشفية المعادية للحرب، واحدة من المصانع القليلة التي لم تتوقف خلال الحرب العالمية الأولى، هي تلك المتخصصة بصناعة الأطراف الصناعية.
شهدت مرارة الشتاء في عام 1917 نقصًا في الأغذية والوقود، وفي حين كان لينين يراقب كل ما يجري من الخارج وجد ألكسندر كيلنسكي في ذلك فرصته إلى المجد، وسط نقاشات حامية الوطيس، لجأ إلى جميع قدراته المسرحية، لدعوة شخص ليفعل بالقيصر ما فعله بروتس ليوليوس قيصرللحؤول دون الكارثة الآتية لا محالة، علينا أن نحطم القيصر بنفسه، انظروا إلى روسيا يمكن لنا أن نصنع أنوارًا جديدة، تضيء سبيلنا).
في شباط - فبراير من عام 1917 ذابت الثلوج فجأة وأبعدت الزحافات وخرجت الحشود إلى الشوارع، وفد القوقاز وهم النخبة من حراس القيصر إطلاق النار على الحشود..يوم الثاني من آذار- مارس أجبر القيصر نيكولا على التنازل.
انتهت بذلك ثلاثمائة عام من حكم القياصرة وسقطت أقدم السلالات الملكية الحاكمة في أوروبا، تشكلت الحكومة المؤقتة التي أنشأت بعد تنازل القيصر من مزيد من الأرستقراطيين والمفكرين فتحولت إلى ما يشبه سوق عكاظ دون التوصل إلى سياسات عملية محددة.
كان قادتها يعدون بالانتخابات دون أن يعرفوا تمامًا متى أو كيف سيتم تحقيق ذلك، كان في هذه المجموعة اشتراكي واحد هو ألكسندر كيلنسكي، كان عضوًا أيضًا في السوفيتيات المحلية التي تشكلت من لجان عمالية تراقب بحذر الحكومة الثورية الجديدة.
كان كيلنسكي يضع نفسه في موقف بالغ الإحراج، في هذه الأثناء كان لينين يبذل جهده للعثور على طريق العودة إلى روسيا فطالب مساعدة أعداء روسيا الألمان، قال وزير الحرب البريطاني وينستون تشيرشل في تلك المناسبةاستخدم الألمان ضد روسيا أسوأ أنواع الأسلحة، فقد نقلوا لينين كالوباء إلى داخلها).
وصل لينين إلى سين بترسبورج ليلة الثالث من نيسان-إبريل وقال للحشود ما أرادت أن تسمعه، يحتاج الشعب إلى السلام ويحتاج إلى الخبز والأرض، ولكنهم يعطونه الحروب والمجاعة لتبقى الأرض بين أيدي المالكين، في مركز قيادة البلاشفة المقر الرسمي لمعهد بنات الأعمال الخيرية طالب رسميًا بالإطاحة بدولة الديمقراطية البرجوازية واستمر الاجتماع طوال تلك الليلة.
طالب لينين بتسليم السلطات من الحكومة المؤقتة إلى السوفييت، التي عزز لجانها بالبلشفيك، في الأيام التالية سمعت الحشود نداءاته المتكررة من أجل السلام للجنود والأرض للفلاحين والحرية للعمال، وصلت كلماته إلى منازل الجنود الخائبين والعمال الجائعين.
بين شهري نيسان-إبريل، وتموز-يوليو حاول البلاشفة السيطرة على سين بترسبورج بحجة القيام بتظاهرات مناوئة للحرب، ولكن في كل مرة كانت أعصاب لينين تخونه في اللحظة الأخيرة.
سار كيلنسكي الذي أصبح الآن وزيرًا للحربية في الحكومة المؤقتة، على قناعة تامة بأن على روسيا أن تكسب الحرب، وقد زار خطوط المواجهة يلقي خطابات تدعو لدعم الجيش.
وقد كتب أحد الشهود قائلاً: (كانت الحشود تنتظر ساعات حتى تستطيع رؤيته، وكانت طريقه مفروشة بالورود حيثما ذهب والجنود يركضون أميالاً خلف ناقلته في محاولة لمصافحته).
لكن الخسائر البشرية التي أصابت روسيا، كانت أكبر من أن تحتملها البلاد، رغم كل ما تمتع به كيلنسكي من جاذبية شخصية، فشل هجوم حزيران-يونيو ضد النمسا.
سُجلت حالات فرار جماعية وبعد أن كان كيلنسكي الزعيم المحبوب أصبح المحطة الجديدة لغضب الثوريين.
كانت الجماعات البلشفية المنظمة من قبل لينين، تقدم عرضًا ذكيًا للقوات الروسية المتعبة بوقف سياسة الحرب، تنبه كيلنسكي لخطورة هذه الطروحات، فأصدر قرارًا باعتقال لينين بتهمة أنه عميل لألمانيا، لجأ لينين إلى العمل السري متنكرًا بملابس عمال سكك الحديد، وتخلص من شرطة كيلنسكي وهرب من بترسبورج.
أصبح كيلنسكي رئيسًا للوزراء في روسيا رغم الهزيمة العسكرية التي ألحقت به وانتقل إلى جناح القيصر في القصر الشتوي..منذ أن أقامت كاترين لأول مرة هنا عام 1762 لم يسكن قصر الشتاء أحد من العامة وخصوصًا من الاشتراكيين.
طوال شهري آب-أغسطس، وأيلول-سبتمبر كانت الحكومة المؤقتة تتأرجح بين أزمة وأخرى، كان كيلنسكي يخاف من انقلاب مضاد من قبل القيصر وليس من انقلاب يقوم به جناح ثوري يساري، لهذا فضل أن يطلق سراح قادة البلاشفة.
استمر لينين بحملته الإعلامية البلشفية من منفاه في فنلندا، وكان الشعب الروسي الجائع المتعب يقرأ شعاره البسيط، يملك الأغنياء كل شيء، أما الفقراء فلا يملكون شيئًا، يجب أن يصبح كل شيء للفقراء.
عاد لينين سرًا إلى بترسبورج، في تشرين أول-أكتوبر للمشاركة في اجتماع اللجنة المركزية، دعاهم إلى الاستيلاء على السلطة، وأكد أنه ليس هناك أفضل من هذه الظروف للسيطرة على البلاد لأن الجيش تخلى عن الحكومة، بدأ مسئوله التنظيمي ليون تروسكي يحضر للانتفاضة المسلحة، جمع تروسكي أربعين ألفًا من الحرس الأحمر عبر الفارين من الجيش وعمال المصانع، فأصبح مركز القيادة البلشفي خلية نشطة، واستمرت عملية التأجيل لمدة أسبوعين.
وأخيرًا صباح يوم الرابع والعشرين من تشرين أول-أكتوبر أمر كيلنسكي القوات الحكومية بإغلاق صحيفة البلاشفة.
بعد أن حرمهم من أكسجين الإعلام ظن كيلنسكي أن تخلص من السلاح القاتل للبلاشفة، ولكن القوات البلشفية تمكنت من استعادة الصحافة بعد ساعات قليلة.
قرر لينين أن الوقت قد حان للهجوم، أصبح كل شيء معلق بشعرة، علينا أن نقوم الليلة باعتقال الوزراء، لأن تأجيل الانتفاضة سيعني الموت، في تلك الليلة تحركت وحدة من خمسة آلاف بلشفي ومع حلول الفجر تمكنوا من الاستيلاء على غالبية الأبنية الاستراتيجية في سين بترسبورج، دون أي مقاومة فعلية.
عندها وجه لينين كلمة قال فيها إلى مواطني روسيا، تمت الإطاحة بالحكومة المؤقتة، وقد أصبحت السلطة الآن في أيدي لجنة "بترو جارد" السوفيتية المؤلفة من مندوبين عن العمال والجنود، عاشت ثورة العمال والجنود والفلاحين.
لم يعد بيد الحكومة حينها إلا القصر الشتوي، عمت الفوضى في الخارج، أما في الداخل فلم تكن الحكومة على علم بجدية ما يحدث، فأكل أعضائها وشربوا واتصلوا بأصدقائهم على خط الهاتف الوحيد الذي بقي لهم، كان كيلنسكي قد ترك القصر باكرًا في محاولة يائسة لحشد مزيد من القوات الموالية.
ولكنه لم يعد فقد فر من البلاد في سيارة قدمتها له السفارة الأمريكية وأمضى جزءًا كبيرًا من حياته في الولايات المتحدة.
في تمام التاسعة مساءً أطلقت السفينة الحربية "أورورا" بعض القذائف التحذيرية عبر النهر، وبعد ساعتين من ذلك بدأ البلاشفة بقصف القصر الشتوي، انضمت القوات الشتوية المخذولة وتمكن البلاشفة من دخول القصر الشتوي.
كان حجمه كبيرًا بحيث لم يتمكن بعد ساعات من التأكد من سيطرتهم على القصر، وأخيرًا وصل البلاشفة إلى غرفة ملاشيت، حيث بقيت حفنة من الجنود وفرقة من المجندات هن كل ما تبقى للدفاع عن الحكومة، في تمام الثانية من بعد منتصف الليل عثر على الحكومة المؤقتة في غرفة الطعام واعتقلوا جميعًا.
سيطر لينين على روسيا بإطلاق بضعة عيارات نارية لا أكثر، في تشرين الثاني-نوفمبر أنجز لينين العملية الانتخابية التي وعد بها كيلنسكي، فاز البلاشفة بخمس وعشرين في المائة من الأصوات فقط، تجاهل لينين نتيجة الانتخابات معتبرًا ألا علاقة لها بالموضوع، فكان الانقلاب متكاملاً.
سجل الانقلاب الشيوعي في تشرين أول-أكتوبر من عام 1917 منعطفًا هامًا بالنسبة للعالم أجمع، بدأ الاتحاد السوفيتي الجديد مجموعة من التجارب المتلاحقة.
أقام لينين ديكتاتورية الحزب الواحد الذي قاد الاتحاد السوفيتي في مسيرته التالية، رغم أنه أمضى آخر أيامه عاجزًا إلا أنه أقام مجتمعًا كان يحلم فيه هو ديكتاتورية البلوريتاريا، مازالت روسيا الجديدة حتى الآن تحاول أن تفهم ما تركه من وجهات نظر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المعلق:
الثورة الروسية عام 1917 أسقط الحكم القيصري في شباط -فبراير بعدما تركته الحرب العالمية الأولى من آثار تدميرية على حياة الشعب الروسي، تسلم الاشتراكي "الكسندر كيلنسكي" زمام السلطة كرئيس للوزراء ولكنه آثر ألا ينهي الحرب.
بعد أشهر من أعمال العنف المدني تمكن منافسه القديم فلاديمير لينين من الإطاحة به ضمن ما يعرف بثورة أكتوبر، لتبدأ بذلك تجربة سبعين عامًا من الشيوعية شملت كل جوانب الحياة الروسية لتسجل منعطفًا هامًا في التاريخ العالمي.
كانت روسيا عام 1917 بلادًا شاسعة أكبر من الهند والصين والولايات المتحدة مجتمعة، تنافس رجلان على التحكم بهذه السلطة الهائلة، نشأ كلاهما في بلدة سيمبريسك نفسها الواقعة على ضفاف نهر الفولجا، وقد تشاركا في الخلفية الشخصية ذاتها، عمل والد الكسندر كيلنسكي مدرسًا في البلدة أما والد لينين فقد كان مفتشًا على المدارس في منطقة سيمبريسك.
فلاديمير أوليانوف الملقب بلينين كانت عائلته تنتسب إلى الطبقة الوسطى والده كان رجلاً تربويًا وقد أنشأ مئات من المدارس في منطقته.
ولكن سرعان ما واجهت خلفيته الليبرالية بعض المشاكل مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية كان الشعب الروسي آنذاك يتسم بتزمته النصراني الشديد، كانت الكنيسة حينها بالغة القوة، وتعارض أي محاولات لتغيير الوضع الراهن حينها.
كانت روسيا قد تخلصت حديثًا من عبودية الأرض، إذ كان الغلبة في السيطرة على البلد كانت لا تزال بيد الزراعة، ثمانون في المائة من الشعب كانوا يعيشون في فقر مدقع بدين دائم لأصحاب الأراضي.
كانت الصناعة تنمو بسرعة هائلة لتسحب أعدادًا هائلة من العمل في الأرض، ولكن انخفاض الأجور وساعات العمل الطويلة لم تجعل الحياة في المصانع أفضل حالاً، استمر القيصر الروسي بقيادة إمبراطوريته على طريقة ملوك العصور الوسطى في أوروبا يصدر الأوامر من عرشه دون أن يرى عواقب تلك الأوامر.
كان شقيق لينين الأكبر ألكسندر طالبًا في جامعة "سين بترسبورج"، اعتقل في العام الأخير من دراسته لإخفائه قنبلة كان يحملها في كتاب بالكيمياء، أُعدم ألكسندر شنقًا بتهمة محاولة اغتيال القيصر، نبذت عائلة لينين نتيجة السوابق الجنائية لشقيقه الأكبر، ترك إعدام الكسندر تأثيرًا طويل الأمد في حياة لينين.
وقف إلى جانب العائلة في ذلك الحين والد ألكسندر كيلنسكي فيودور، وقد كتب في الحال لترشيح لينين لدراسة القانون في الجامعة، كشقيق لأحد الضحايا الثوريين توجه لينين بسرعة إلى العمل السياسي الطلابي، سرعان ما طرد من المدرسة وتفرغ للاعتناء بجده داتشه.
حينها فقط سنحت له الفرصة لقراءة كارل ماركس للمرة الأولى، كانت الضغينة أولى دوافعه..نظرية ماركس حول الصراع الطبقي الدائم الهادفة أخيرًا إلى إبادة العدو، كانت تنسجم جدًا مع ما يعانيه من أحاسيس، لم يكن يكره القيصر وحده وسياسته البوليسية العشوائية، بل ومعارضيه من الليبراليين والبرجوازيين أيضًا.
أمضى لينين سنوات في المنفى ثم لانت السلطات وسمحت له بالعمل في القضاء، انتقل حينها إلى سين بترسبورج لممارسة القانون ظاهريًا، ولكنه في الواقع كان يقيم اتصالات مع بعض الثوريين هناك عام 1897 اعتقل بتهمة التحريض على الإضراب ونفي إلى سيبيريا، في هذه الأثناء وصل قيصر جديد إلى السلطة، ولكن نيكولا الثاني لم يكن إصلاحيًا، كان إمبراطورًا على كل روسيا ودوق لتوانيا وفنلندا وقيصرًا على بولندا وسيبيريا وغيرها.
استغرق لينين شهرين كي يصل إلى منفاه الجديد..كانت الحياة هناك مريحة، وبدعم من عائلته تمتع برحلات الصيد والمسيرات الطويلة في غابات سيبيريا الشاسعة، تمكن لينين من تخصيص فترات طويلة من وقته للكتابة إلى المفكرين الشيوعيين في أوروبا حتى أصبح كاتبًا خصبًا، وقد كون في المنفى نظرية الثوري المتفرغ الذي يكرس مهنته للإطاحة بالحكومات الرأسمالية في أوروبا.
رغم أسلوبه الساخر وسقوط شعره المبكر أصبح لينين شخصية مميزة، مدمنًا على العمل لا يتعب من صياغة الشعارات الثورية، سيقود العامل الروسي البلوريتاريا عبر طريق مباشر من الكفاح السياسي المفتوح إلى انتصار الثورة الشيوعية، لم يكن لينين يتحدث عن عمال المصانع فقط، فالمزارعون يعملون أيضًا ضمن الشروط الرأسمالية والفقراء من غير المالكين للأرض كانوا مستغلين من قبل أثرياء الفلاحين وأصحاب الأراضي الذين هم من الطبقات المعادية.
عندما تنبهت سلطات القيصر إلى ما يشكله لينين من تهديد أجبر على الرحيل عن روسيا فأمضى أكثر من نصف حياته الناضجة خارج البلاد بين سويسرا وباريس وبروكسل ولندن.
كان الدليل الذي يقف وراء ما عرف حينها بحركة البلاشفة، كان البلاشفة ثوريين متفرغين يعملون على الإطاحة بسلطات القيصر.
جريدتهم الإكسرا أي الشرارة تحولت إلى كتاب سري يهتدي به اشتراكيو روسيا، الثورة مشروع صعب، لا يمكنك العمل بها بارتداء قفازات بيض بأيدي نظيفة، أعطنا منظمة من الثوريين وسوف نطيح بروسيا.
كانت سلطات القيصر تخدم بلاشفة بطريقة غير مباشرة، وحشيتها العشوائية الموجهة إلى أتفه الجرائم أدت إلى وجود مزيد من الثوريين.
كان نيكولا الثاني المعزول في عالمه الخاص يجهل بالكامل كل ما يحدث في بلاده، الثراء الفاحش الذي كان في البلاط متناقض بالكامل مع حياة غالبية الشعب الروسي، كان نيكولا محاطًا بكنيسة أرثوذكسية محافظة ومتزوجًا من امرأة غير شعبية بالكاد تتحدث الروسية ما جعل منه شخصية ضعيفة محاطة ببلاط وأقارب لا هم لهم سوى حماية امتيازاتهم الشخصية ومستوى حياتهم.
اعتقاد نيكولا السخيف بضرورة سيطرة الإمبراطورية الروسية على منشوريا جعله يحاول ضمها لتأمين الموانئ والأسواق الشرقية.
هدد ذلك المصالح اليابانية واشتعلت الحرب عام 1904، كانت القوات الروسية بعيدة عن بلادها وسيئة التسليح ما أدى إلى تدميرها، سجل ذلك أول تشقق في حكم القيصر ما دعا إلى قبول بعض الإصلاحات.
أُجبر نيكولا على إقامة نوع من البرلمان الاستشاري يضم ممثلين من جميع أنحاء البلاد وقد سمي بالدوما.
كان ألكسندر كلينسكي واحدًا من بعض أصوات الدوما المستقلين كان قد درس القانون مثل لينين كما أصبح مثله يعجب بالاشتراكية، رغم انتخابه عضوًا في برلمان القيصر وكونه ديمقراطيًا ملتزمًا استمر كيلنسكي بالسفر عبر البلاد يلتقي الثوريين ويخطط للإطاحة بالقيصر.
وسرعان ما وجد في نفسه مخلصًا لروسيا، اعتمد كل من كيلنسكي ولينين على فلسفة مختلفة تمامًا، أراد كيلنسكي للفقراء أن يصبحوا أغنياء بالعمل الشاق في روسيا الجديدة، بينما أراد لينين للأغنياء أن يصبحوا فقراء بتوزيع ثرواتهم، لم يكن لأي منهما تأثير على السياسة الروسية حتى غيرت الحرب العالمية الأولى ملامح أوروبا.
على مدار السنوات الأربع من الحرب تم إرسال خمسة عشر مليون روسي إلى ساحات المعارك، كانت جيوش الإمبراطورية الروسية حتى ذلك الحين هي الأكبر في العالم، كانوا في بادئ الأمر يذهبون مفعمين بالأمل والتمنيات متأكدين من تحقيق النجاحات بالاعتماد على الأعداد.
ولكن سوء التسلح والتدريب وانخداعهم بأوهام الأساقفة وعدم التدريب الجيد للجنود والقادة جعلهم عاجزين أمام الأسلحة والمدافع الألمانية المتفوقة، لم تكن خسائرهم لتحصى أو تعد، فقد تراوحت بين خمسة وثمانية ملايين ولم يعرف كم جندي روسي قتل هناك على وجه الدقة حتى الآن، وقد اختصر أحد الضباط الروس ذلك بالقول: (ليست هذه بحرب سيدي إنها مذبحة، فالألمان يستخدمون الحديد ونحن نستخدم أرواح البشر).
صيف عام 1916 عاد القيصر نيكولا يصر على اللجوء إلى قوة سلاح مرة أخرى، منذ ذلك الحين أصبح على صلة مباشرة بجميع الهزائم العسكرية.
كان آلاف الفارين من صفوف الجيش يلجئون إلى المدن وينضمون تحت ألوية الفصائل البلشفية المعادية للحرب، واحدة من المصانع القليلة التي لم تتوقف خلال الحرب العالمية الأولى، هي تلك المتخصصة بصناعة الأطراف الصناعية.
شهدت مرارة الشتاء في عام 1917 نقصًا في الأغذية والوقود، وفي حين كان لينين يراقب كل ما يجري من الخارج وجد ألكسندر كيلنسكي في ذلك فرصته إلى المجد، وسط نقاشات حامية الوطيس، لجأ إلى جميع قدراته المسرحية، لدعوة شخص ليفعل بالقيصر ما فعله بروتس ليوليوس قيصرللحؤول دون الكارثة الآتية لا محالة، علينا أن نحطم القيصر بنفسه، انظروا إلى روسيا يمكن لنا أن نصنع أنوارًا جديدة، تضيء سبيلنا).
في شباط - فبراير من عام 1917 ذابت الثلوج فجأة وأبعدت الزحافات وخرجت الحشود إلى الشوارع، وفد القوقاز وهم النخبة من حراس القيصر إطلاق النار على الحشود..يوم الثاني من آذار- مارس أجبر القيصر نيكولا على التنازل.
انتهت بذلك ثلاثمائة عام من حكم القياصرة وسقطت أقدم السلالات الملكية الحاكمة في أوروبا، تشكلت الحكومة المؤقتة التي أنشأت بعد تنازل القيصر من مزيد من الأرستقراطيين والمفكرين فتحولت إلى ما يشبه سوق عكاظ دون التوصل إلى سياسات عملية محددة.
كان قادتها يعدون بالانتخابات دون أن يعرفوا تمامًا متى أو كيف سيتم تحقيق ذلك، كان في هذه المجموعة اشتراكي واحد هو ألكسندر كيلنسكي، كان عضوًا أيضًا في السوفيتيات المحلية التي تشكلت من لجان عمالية تراقب بحذر الحكومة الثورية الجديدة.
كان كيلنسكي يضع نفسه في موقف بالغ الإحراج، في هذه الأثناء كان لينين يبذل جهده للعثور على طريق العودة إلى روسيا فطالب مساعدة أعداء روسيا الألمان، قال وزير الحرب البريطاني وينستون تشيرشل في تلك المناسبةاستخدم الألمان ضد روسيا أسوأ أنواع الأسلحة، فقد نقلوا لينين كالوباء إلى داخلها).
وصل لينين إلى سين بترسبورج ليلة الثالث من نيسان-إبريل وقال للحشود ما أرادت أن تسمعه، يحتاج الشعب إلى السلام ويحتاج إلى الخبز والأرض، ولكنهم يعطونه الحروب والمجاعة لتبقى الأرض بين أيدي المالكين، في مركز قيادة البلاشفة المقر الرسمي لمعهد بنات الأعمال الخيرية طالب رسميًا بالإطاحة بدولة الديمقراطية البرجوازية واستمر الاجتماع طوال تلك الليلة.
طالب لينين بتسليم السلطات من الحكومة المؤقتة إلى السوفييت، التي عزز لجانها بالبلشفيك، في الأيام التالية سمعت الحشود نداءاته المتكررة من أجل السلام للجنود والأرض للفلاحين والحرية للعمال، وصلت كلماته إلى منازل الجنود الخائبين والعمال الجائعين.
بين شهري نيسان-إبريل، وتموز-يوليو حاول البلاشفة السيطرة على سين بترسبورج بحجة القيام بتظاهرات مناوئة للحرب، ولكن في كل مرة كانت أعصاب لينين تخونه في اللحظة الأخيرة.
سار كيلنسكي الذي أصبح الآن وزيرًا للحربية في الحكومة المؤقتة، على قناعة تامة بأن على روسيا أن تكسب الحرب، وقد زار خطوط المواجهة يلقي خطابات تدعو لدعم الجيش.
وقد كتب أحد الشهود قائلاً: (كانت الحشود تنتظر ساعات حتى تستطيع رؤيته، وكانت طريقه مفروشة بالورود حيثما ذهب والجنود يركضون أميالاً خلف ناقلته في محاولة لمصافحته).
لكن الخسائر البشرية التي أصابت روسيا، كانت أكبر من أن تحتملها البلاد، رغم كل ما تمتع به كيلنسكي من جاذبية شخصية، فشل هجوم حزيران-يونيو ضد النمسا.
سُجلت حالات فرار جماعية وبعد أن كان كيلنسكي الزعيم المحبوب أصبح المحطة الجديدة لغضب الثوريين.
كانت الجماعات البلشفية المنظمة من قبل لينين، تقدم عرضًا ذكيًا للقوات الروسية المتعبة بوقف سياسة الحرب، تنبه كيلنسكي لخطورة هذه الطروحات، فأصدر قرارًا باعتقال لينين بتهمة أنه عميل لألمانيا، لجأ لينين إلى العمل السري متنكرًا بملابس عمال سكك الحديد، وتخلص من شرطة كيلنسكي وهرب من بترسبورج.
أصبح كيلنسكي رئيسًا للوزراء في روسيا رغم الهزيمة العسكرية التي ألحقت به وانتقل إلى جناح القيصر في القصر الشتوي..منذ أن أقامت كاترين لأول مرة هنا عام 1762 لم يسكن قصر الشتاء أحد من العامة وخصوصًا من الاشتراكيين.
طوال شهري آب-أغسطس، وأيلول-سبتمبر كانت الحكومة المؤقتة تتأرجح بين أزمة وأخرى، كان كيلنسكي يخاف من انقلاب مضاد من قبل القيصر وليس من انقلاب يقوم به جناح ثوري يساري، لهذا فضل أن يطلق سراح قادة البلاشفة.
استمر لينين بحملته الإعلامية البلشفية من منفاه في فنلندا، وكان الشعب الروسي الجائع المتعب يقرأ شعاره البسيط، يملك الأغنياء كل شيء، أما الفقراء فلا يملكون شيئًا، يجب أن يصبح كل شيء للفقراء.
عاد لينين سرًا إلى بترسبورج، في تشرين أول-أكتوبر للمشاركة في اجتماع اللجنة المركزية، دعاهم إلى الاستيلاء على السلطة، وأكد أنه ليس هناك أفضل من هذه الظروف للسيطرة على البلاد لأن الجيش تخلى عن الحكومة، بدأ مسئوله التنظيمي ليون تروسكي يحضر للانتفاضة المسلحة، جمع تروسكي أربعين ألفًا من الحرس الأحمر عبر الفارين من الجيش وعمال المصانع، فأصبح مركز القيادة البلشفي خلية نشطة، واستمرت عملية التأجيل لمدة أسبوعين.
وأخيرًا صباح يوم الرابع والعشرين من تشرين أول-أكتوبر أمر كيلنسكي القوات الحكومية بإغلاق صحيفة البلاشفة.
بعد أن حرمهم من أكسجين الإعلام ظن كيلنسكي أن تخلص من السلاح القاتل للبلاشفة، ولكن القوات البلشفية تمكنت من استعادة الصحافة بعد ساعات قليلة.
قرر لينين أن الوقت قد حان للهجوم، أصبح كل شيء معلق بشعرة، علينا أن نقوم الليلة باعتقال الوزراء، لأن تأجيل الانتفاضة سيعني الموت، في تلك الليلة تحركت وحدة من خمسة آلاف بلشفي ومع حلول الفجر تمكنوا من الاستيلاء على غالبية الأبنية الاستراتيجية في سين بترسبورج، دون أي مقاومة فعلية.
عندها وجه لينين كلمة قال فيها إلى مواطني روسيا، تمت الإطاحة بالحكومة المؤقتة، وقد أصبحت السلطة الآن في أيدي لجنة "بترو جارد" السوفيتية المؤلفة من مندوبين عن العمال والجنود، عاشت ثورة العمال والجنود والفلاحين.
لم يعد بيد الحكومة حينها إلا القصر الشتوي، عمت الفوضى في الخارج، أما في الداخل فلم تكن الحكومة على علم بجدية ما يحدث، فأكل أعضائها وشربوا واتصلوا بأصدقائهم على خط الهاتف الوحيد الذي بقي لهم، كان كيلنسكي قد ترك القصر باكرًا في محاولة يائسة لحشد مزيد من القوات الموالية.
ولكنه لم يعد فقد فر من البلاد في سيارة قدمتها له السفارة الأمريكية وأمضى جزءًا كبيرًا من حياته في الولايات المتحدة.
في تمام التاسعة مساءً أطلقت السفينة الحربية "أورورا" بعض القذائف التحذيرية عبر النهر، وبعد ساعتين من ذلك بدأ البلاشفة بقصف القصر الشتوي، انضمت القوات الشتوية المخذولة وتمكن البلاشفة من دخول القصر الشتوي.
كان حجمه كبيرًا بحيث لم يتمكن بعد ساعات من التأكد من سيطرتهم على القصر، وأخيرًا وصل البلاشفة إلى غرفة ملاشيت، حيث بقيت حفنة من الجنود وفرقة من المجندات هن كل ما تبقى للدفاع عن الحكومة، في تمام الثانية من بعد منتصف الليل عثر على الحكومة المؤقتة في غرفة الطعام واعتقلوا جميعًا.
سيطر لينين على روسيا بإطلاق بضعة عيارات نارية لا أكثر، في تشرين الثاني-نوفمبر أنجز لينين العملية الانتخابية التي وعد بها كيلنسكي، فاز البلاشفة بخمس وعشرين في المائة من الأصوات فقط، تجاهل لينين نتيجة الانتخابات معتبرًا ألا علاقة لها بالموضوع، فكان الانقلاب متكاملاً.
سجل الانقلاب الشيوعي في تشرين أول-أكتوبر من عام 1917 منعطفًا هامًا بالنسبة للعالم أجمع، بدأ الاتحاد السوفيتي الجديد مجموعة من التجارب المتلاحقة.
أقام لينين ديكتاتورية الحزب الواحد الذي قاد الاتحاد السوفيتي في مسيرته التالية، رغم أنه أمضى آخر أيامه عاجزًا إلا أنه أقام مجتمعًا كان يحلم فيه هو ديكتاتورية البلوريتاريا، مازالت روسيا الجديدة حتى الآن تحاول أن تفهم ما تركه من وجهات نظر.