إن القرار الذي اتخذته تركيا، العضو في حلف الناتو، باختيار منافس صيني لبناء أول نظام دفاع جوي بعيد المدى بالدولة لا يعني بالضرورة خروج الشركات الأمريكية والأوروبية التي شاركت في العطاء لنيل ذلك العقد المجزي من المنافسة، وذلك وفقًا لتصريحات المسؤولين الحكوميين.
صرَّح رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان للصحفيين في 25 أكتوبر بأن تركيا ستفتح الباب أمام المزيد من العروض الجديدة إذا تعثرت المباحثات القائمة مع الشركة الصينية China Precision Machinery Import Export Corp. (CPMIEC)؛ حيث قال أردوغان ضمن حديثه: "في الوقت الراهن، لا أعلم ما إذا كانت هناك عروض مختلفة من أطراف آخرين. إن وجدت، فثمة احتمال بوضعها قيد الاعتبار."
ذكر أحد المسؤولين عن تدبير الموارد أن القرار باختيار شركة CPMIEC قد لا يمثل نهاية المطاف، بل هي نقطة انطلاقة نحو جولة جديدة من المنافسة. فقد قال معقبًا: "لم تنتهِ اللعبة يقينًا بعدُ. سنقوم بكل حماس بتقييم العطاءات المنافسة إن كانت مناسبة على أصعدة التكاليف ومستوى نقل التكنولوجيا الذي نطالب به."
كانت تركيا قد أعلنت في 26 سبتمبر اختيارها لشركة CPMIEC لبناء أول نظام دفاع جوي بعيد المدى، مما أثار موجة كبيرة من الجدل عما إذا كان يمكن دمج النظام الصيني مع أصول الدفاع الجوي لحلف الناتو المتمركزة في تركيا.
ولقد قامت الشركة الصينية المنافسة بالتغلب على شراكة أمريكية بين شركة Raytheon وLockheed Martin، التي تقدم نظام الدفاع الجوي Patriot، وشركة Rosoboronexport الروسية، التي تعمل على تسويق S-300؛ واتحاد الشركات الإيطالية الفرنسية Eurosam، المصنعة لـ Aster 30. ولقد أشارت تركيا إلى أن اتحاد الشركات Eurosam قد احتل المركز الثاني في المنافسة، وتلاه في المركز الثالث شركة Raytheon الأمريكية، بينما تم استبعاد الحل الروسي تمامًا من المنافسة.
ذكر مراد بايار، رئيس تدبير الموارد التركي، أنه تم تقييم سعر العرض الصيني بمبلغ 3.44 مليار دولار. وجدير بالذكر أن شركة CPMIEC تخضع لعقوبات أمريكية؛ لانتهاكها قانون حظر انتشار الأسلحة في إيران وكوريا الشمالية وسوريا.
وعلى الرغم من التحذيرات الصادرة عن مسؤولين أمريكيين، وفي حلف الناتو بشأن مشكلات تتعلق بقابلية التشغيل المتبادل، ذكر بايار أن النظام الصيني قابل للتشغيل مع أصول حلف الناتو المتمركزة في تركيا.
وحسب تصريحات بايار، وقع اختيار تركيا على الحل الصيني لتفوقه على العطاءات المنافسة له على صعيد "السعر والتكنولوجيا، وحصة العمل المحلي، ونقل التكنولوجيا، وشروط تمويل الاعتماد. ويتوافق العطاء الصيني على نحو ممتاز مع بنودنا وشروطنا."
على الصعيد الآخر، أبلغ سفير الولايات المتحدة بأنقرة، السيد فرانسيس ريكاردون، أبلغ الصحفيين في 24 أكتوبر بأن الولايات المتحدة كانت في غاية القلق إزاء صفقة الصواريخ الصينية الدفاعية. كما ذكر أنه يتفهم أن الصفقة كانت بالأحرى قرارًا تجاريًا، وأن من حق تركيا السيادي اتخاذ مثل هذا القرار، بيد أن الولايات المتحدة تشارك حلف الناتو هواجسه بشأن مغزى تلك الصفقة بالنسبة إلى قوات الدفاع الجوي المتحالفة.
كما أفاد أحد مسؤولي الإدارة الأمريكية في واشنطن عبر حوار هاتفي أن "الولايات المتحدة كانت قلقة بشأن الصفقة إلى حد يفوق كثيرًا ما كانت تبديه."
لكن قائد الجيش التركي ما زال مصرًا على تحديه. فلقد صرح رئيس الأركان العامة، الجنرال نيسديت أوزيل، للصحفيين في 29 أكتوبر قائلاً: "لم يتم إخطارنا بأية هواجس لدى الولايات المتحدة."
وكانت وكالة رويترز قد نشرت على لسان بعض المصادر قولها إن تركيا قد طالبت الولايات المتحدة بتعديل الأسعار المقدمة ضمن عرض شركة Raytheon، وهو ما يدل على أن أنقرة تسعى إلى الحفاظ على باب الخيارات مفتوحًا إذا ما تعثرت المحادثات مع CPMIEC. ولقد أعلنت شركة Raytheon في 24 أكتوبر أنها ما زالت على استعداد لبيع نظام Patriot الخاص بها إلى تركيا إذا ما غيرت تركيا قرارها.
ومن ناحية أخرى، ذكر أحد مسؤولي شركة Eurosam في 28 أكتوبر أن الشركة تعمل جاهدة على تحسين عرضها، "وعلى الأخص فيما يتعلق بحساسية تركيا إزاء نقل التكنولوجيا."
ويتكون البرنامج التركي من وحدة رادار، ووحدة إطلاق، وصواريخ اعتراض. ولقد تم تصميم البرنامج للتصدي لكل من طائرات وصواريخ العدو. وتجدر الإشارة هنا إلى عدم امتلاك تركيا لنظام دفاع جوي طويل المدى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الناتو هو من سدد تكلفة ما يقرب من نصف عناصر رادار الدفاع الجوي القائم على الشبكة التركية. وهو يمثل جزءًا من البيئة البرية للدفاع الجوي التابعة لحلف الناتو. وبدون موافقة الناتو، سيكون من المحال على تركيا أن تنجح في تشغيل النظام الصيني المعتزم بدون تلك الأصول، وذلك وفقًا لبعض المحللين.
وللدفاع ضد تهديدات الصواريخ، تحتاج تركيا إلى قمر صناعي، ونظام رادار مخصص للكشف عن الصواريخ الباليستية وتعقبها، مثل رادار الناتو الذي تم نشره العام الماضي في كوريسيك بجنوب شرق تركيا.
وفيما يخص العنصر المضاد للطائرات، يقول المحللون إن تركيا تحتاج إلى نظام متكامل لدمج البيانات. ويمكن لنظام Patriot، على سبيل المثال، الكشف عن التهديدات بمساعدة جهاز الرادار الخاص به، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الصيني. لكن بدون الاندماج تحت إطار نظام جوي متكامل، لا يمكن للنظام الصيني العمل بكفاءة.