لعل العمل العظيم الذي حققه هنيبعل وأدهش العالم، وأصبح في أذهان القادة العسكريين من المعجزات كان اجتياز جبال الألب.يقول الكولونيل دودج الذي اهتم بالكتابة عن قيادات عسكرية بارزة في التاريخ،أنه حاول أن يدرس هذه المعجزة ليطّلع على تفاصيلها، فأحصى ثلاثمئة وخمسين كتاباً وضعت كلها لدرس الموضوع نفسه. ويقول والتر في كتابه: " تدمير قرطاجة " أن العلماء والمؤرخين والاختصاصيين في الشؤون العسكرية، وضعوا أكثر من خمسمئة دراسة لتحديد الطرق التي اجتازها هنيبعل. استمرت مناظراتهم حول هذا الموضوع أحد وعشرين قرناً. وحتى الآن ليس هناك اتفاق بين المؤرخين على تفاصيل هذه الطرق وإن كانت الصورة العامة قد أصبحت واضحة إلى حد ما.
الجدير بالذكر أن المؤرخين القدامى حتى من كان يكن له العداء، أجمعوا على إظهار إعجابهم، دون تحفظ، بعملية اجتياز الألب، فوصفوا بإسهاب الصعوبات الكبيرة التي ذللّها بحزمه وعزمه، والعواصف الثلجية الهائلة التي جابهها وانتصر عليها، وحوادث انهيار جبال من الجليد على جنوده دون أن تؤخره يوماً واحداً عن المسير، وغارات القبائل المتوحشة، والتيه في الطرق المجهولة، والتعرض للسقوط في المهاوي، من جراء السير على السفوح الشديدة الانحدار.والأمر الذي يثير الدهشة والإعجاب لا يقتصر على أن هنيبعل اجتاز الألب، بل أنه اجتازها بسرعة، واستطاع في الوقت عينه أن يحافط على جيشه، وأن يسيطر على عدد كبير من الفيلة التي اصطحبها معه وأن يقود رجاله إلى الهدف الأخير بقوة ودقة عجيبتين.
في إحدى الروايات التاريخية أنه عندما وصل الى أبواب جبال الموريان، وهي جزء من الألب، اصطدم بأول عقبة كبيرة اذ وجد سكان تلك المنطقة يسدون الممرات بقواتهم المسلحة ويحتلون القمم، وهم من قبائل الألّوبروج الشديدة المراس التي اختارت أن تهاجم القرطاجيين في الممرات الضيقة، وأن تشن هجماتها على أطراف الجيش الممتّد في الأودية وعلى السفوح، فتعمل فيه سلباً ونهباً وتقتيلاً...في ذلك المأزق الحرج، أمر هنيبعل جيشه بالتوقف عن المسير، ثم أرسل إلى الألّوبروج المتربصين في حصونهم الطبيعية وفدا مهمته الظاهرة مفاوضة الألّوبروج والتفاهم معهم للوصول إلى اتفاق سلمي. أما مهمته السرية فهي درس أحوال تلك القبائل المتوحشة وعاداتها في الحرب والسلم. عاد الوفد يقول لهنيبعل أن الألوبروج مصممون على القتال مهما كانت الظروف، ولكنهم لا يقاتلون إلا نهاراً، فإذا جن الليل، انسحبوا من حصونهم، وذهبوا إلى قراهم ودساكرهم ليعودوا في الصباح الباكر إلى مراكزهم متأهبين للقتال.اكتفى هنيبعل بهذه المعلومات ليضع خطته. ولما أقبل الليل، أمر بإضرام النيران في معسكره ليعتقد الألوّبروج انه لن يتحرك من مكانه قبل الصباح، ولما انطلت الحيلة على تلك القبائل وانسحبت من مراكزها إلى قراها، أصدر أمره بمواصلة السير، فاجتاز الأمكنة الخطرة تحت جنح الظلام، دون أن يعترضه أحد. وبزغ فجر اليوم التالي، فعاد الألوبروج وحاولوا البطش بمؤخرة الجيش القرطاجي، ولكن هنيبعل كان مستعداً لمقابلتهم، فضربهم ضربة قاسية، فانكفأوا خاسرين !.بعد تلك الحادثة، واصل الجيش القرطاجي سيره مدة ثلاثة أيام دون أن يعترضه أحد. وفي اليوم الرابع، لما وصل إلى منعطف " سان ميشيل " وأصبح يواجه القمم العليا، رأى هنيبعل أناساً يسيرون صوبه، وفي أيديهم أغصان الأشجار، وعلى رؤوسهم أكاليل من الأزهار، فعلم إنهم شيوخ القبيلة المقيمة في تلك المنطقة، وأنهم أتوا للإعراب عن خضوعهم ملتمسين الرفق بهم، ثم إنهم تعهدوا بأن يقدموا للقرطاجيين رهائن من أبنائهم وأدلاء أمناء من رجالهم المجربين.استمع هنيبعل إلى أقوالهم وشكرهم على معروفهم ولكنه لم يثق بهم فوضع في مؤخرة جيشه فرقة من المشاة الأشداء الذين تمرسوا في القتال. وفي صباح اليوم التالي أثبتت الحوادث أن هنيبعل كان على صواب في حذره، وفي التدابير الحازمة التي اتخذها، لأن أولئك " الخاضعين المسالمين ، أخذوا يشنون على مؤخرة الجيش القرطاجي غارات ضارية في ممرات " اسيّون " الضيقة الصعبة . واجههم هنيبعل بالقوة، وخاض ضدهم معركة دامية أسفرت عن هزيمتهم. بيد أن فلولهم ظلت ترافق القرطاجيين من بعيد، سالكة طرق السفوح، لتستطيع أن تدحرج على الجنود الصخور الكبيرة كلما سنحت الفرصة، ولتبطش بكل من يتأخر أو يسقط عاجزاً عن مواصلة السير.يقول بوليب أن هنيبعل خسر في ذلك الممر عدداً كبيراً من رجاله وخيوله وأبقاره وفيلته ، وقد يكون هذا القول على جانب من الصحة، ولكن الجيش القرطاجي اجتاز وادي اسيّون، فاجترح معجزة ما تزال حتى اليوم تثير الدهشة والإعجاب في الأوساط العسكرية.
بعد ممر اسيّون وصل هنيبعل إلى جبل سنيس. استراح الجيش حتى الظهر، ثم استأنف سيره فبلغ القمة قبل الغروب. وهناك لأول مرة بعد أسابيع من التفرق تجمع الجيش كاملا.في صباح اليوم التالي فوجئ هنيبعل بالمئات من الرجال الذين حسبوا مفقودين يتقاطرون إلى المعسكر زرافات ووحداناً . لقد تخلفوا بسبب التعب الذي أقعدهم أو لأنهم تاهوا في الظلام.أخذ الجيش القرطاجي يهبط سفوح الألب الشرقية، فكان الانحدار بين الصخور، والمهاوي، ومجاري السيول، أصعب من صعود الجهة الغربية، لا سيما وإن العواصف الشديدة أخذت تهب من الشمال ، وكان ذلك في الأسبوع الأخير من أيلول.يقول بوليب ان هنيبعل فقد في ذلك الهبوط عدداً من الرجال يفوق عدد الذين هلكوا في أثناء الصعود من الجهة الغربية، ولكنه لا يعطي أي رقم في هذا الصدد. الاّ أننا نعلم أن هنيبعل وصل إلى أول واد ايطالي، وهو وادي نوفاليز، على رأس ستة وعشرين ألف مقاتل، وذلك في اليوم السادس والعشرين من أيلول.لقد استمرت عملية اجتياز جبال الألب ستة عشر يوماً.
ومهما قيل فيها لا يفيها حقها لأنها زاخرة بالتفاصيل وبالقصص المتنوعة ولا يكفي الكلام عنها صفحة أو اثنتين.
الجدير بالذكر أن المؤرخين القدامى حتى من كان يكن له العداء، أجمعوا على إظهار إعجابهم، دون تحفظ، بعملية اجتياز الألب، فوصفوا بإسهاب الصعوبات الكبيرة التي ذللّها بحزمه وعزمه، والعواصف الثلجية الهائلة التي جابهها وانتصر عليها، وحوادث انهيار جبال من الجليد على جنوده دون أن تؤخره يوماً واحداً عن المسير، وغارات القبائل المتوحشة، والتيه في الطرق المجهولة، والتعرض للسقوط في المهاوي، من جراء السير على السفوح الشديدة الانحدار.والأمر الذي يثير الدهشة والإعجاب لا يقتصر على أن هنيبعل اجتاز الألب، بل أنه اجتازها بسرعة، واستطاع في الوقت عينه أن يحافط على جيشه، وأن يسيطر على عدد كبير من الفيلة التي اصطحبها معه وأن يقود رجاله إلى الهدف الأخير بقوة ودقة عجيبتين.
في إحدى الروايات التاريخية أنه عندما وصل الى أبواب جبال الموريان، وهي جزء من الألب، اصطدم بأول عقبة كبيرة اذ وجد سكان تلك المنطقة يسدون الممرات بقواتهم المسلحة ويحتلون القمم، وهم من قبائل الألّوبروج الشديدة المراس التي اختارت أن تهاجم القرطاجيين في الممرات الضيقة، وأن تشن هجماتها على أطراف الجيش الممتّد في الأودية وعلى السفوح، فتعمل فيه سلباً ونهباً وتقتيلاً...في ذلك المأزق الحرج، أمر هنيبعل جيشه بالتوقف عن المسير، ثم أرسل إلى الألّوبروج المتربصين في حصونهم الطبيعية وفدا مهمته الظاهرة مفاوضة الألّوبروج والتفاهم معهم للوصول إلى اتفاق سلمي. أما مهمته السرية فهي درس أحوال تلك القبائل المتوحشة وعاداتها في الحرب والسلم. عاد الوفد يقول لهنيبعل أن الألوبروج مصممون على القتال مهما كانت الظروف، ولكنهم لا يقاتلون إلا نهاراً، فإذا جن الليل، انسحبوا من حصونهم، وذهبوا إلى قراهم ودساكرهم ليعودوا في الصباح الباكر إلى مراكزهم متأهبين للقتال.اكتفى هنيبعل بهذه المعلومات ليضع خطته. ولما أقبل الليل، أمر بإضرام النيران في معسكره ليعتقد الألوّبروج انه لن يتحرك من مكانه قبل الصباح، ولما انطلت الحيلة على تلك القبائل وانسحبت من مراكزها إلى قراها، أصدر أمره بمواصلة السير، فاجتاز الأمكنة الخطرة تحت جنح الظلام، دون أن يعترضه أحد. وبزغ فجر اليوم التالي، فعاد الألوبروج وحاولوا البطش بمؤخرة الجيش القرطاجي، ولكن هنيبعل كان مستعداً لمقابلتهم، فضربهم ضربة قاسية، فانكفأوا خاسرين !.بعد تلك الحادثة، واصل الجيش القرطاجي سيره مدة ثلاثة أيام دون أن يعترضه أحد. وفي اليوم الرابع، لما وصل إلى منعطف " سان ميشيل " وأصبح يواجه القمم العليا، رأى هنيبعل أناساً يسيرون صوبه، وفي أيديهم أغصان الأشجار، وعلى رؤوسهم أكاليل من الأزهار، فعلم إنهم شيوخ القبيلة المقيمة في تلك المنطقة، وأنهم أتوا للإعراب عن خضوعهم ملتمسين الرفق بهم، ثم إنهم تعهدوا بأن يقدموا للقرطاجيين رهائن من أبنائهم وأدلاء أمناء من رجالهم المجربين.استمع هنيبعل إلى أقوالهم وشكرهم على معروفهم ولكنه لم يثق بهم فوضع في مؤخرة جيشه فرقة من المشاة الأشداء الذين تمرسوا في القتال. وفي صباح اليوم التالي أثبتت الحوادث أن هنيبعل كان على صواب في حذره، وفي التدابير الحازمة التي اتخذها، لأن أولئك " الخاضعين المسالمين ، أخذوا يشنون على مؤخرة الجيش القرطاجي غارات ضارية في ممرات " اسيّون " الضيقة الصعبة . واجههم هنيبعل بالقوة، وخاض ضدهم معركة دامية أسفرت عن هزيمتهم. بيد أن فلولهم ظلت ترافق القرطاجيين من بعيد، سالكة طرق السفوح، لتستطيع أن تدحرج على الجنود الصخور الكبيرة كلما سنحت الفرصة، ولتبطش بكل من يتأخر أو يسقط عاجزاً عن مواصلة السير.يقول بوليب أن هنيبعل خسر في ذلك الممر عدداً كبيراً من رجاله وخيوله وأبقاره وفيلته ، وقد يكون هذا القول على جانب من الصحة، ولكن الجيش القرطاجي اجتاز وادي اسيّون، فاجترح معجزة ما تزال حتى اليوم تثير الدهشة والإعجاب في الأوساط العسكرية.
بعد ممر اسيّون وصل هنيبعل إلى جبل سنيس. استراح الجيش حتى الظهر، ثم استأنف سيره فبلغ القمة قبل الغروب. وهناك لأول مرة بعد أسابيع من التفرق تجمع الجيش كاملا.في صباح اليوم التالي فوجئ هنيبعل بالمئات من الرجال الذين حسبوا مفقودين يتقاطرون إلى المعسكر زرافات ووحداناً . لقد تخلفوا بسبب التعب الذي أقعدهم أو لأنهم تاهوا في الظلام.أخذ الجيش القرطاجي يهبط سفوح الألب الشرقية، فكان الانحدار بين الصخور، والمهاوي، ومجاري السيول، أصعب من صعود الجهة الغربية، لا سيما وإن العواصف الشديدة أخذت تهب من الشمال ، وكان ذلك في الأسبوع الأخير من أيلول.يقول بوليب ان هنيبعل فقد في ذلك الهبوط عدداً من الرجال يفوق عدد الذين هلكوا في أثناء الصعود من الجهة الغربية، ولكنه لا يعطي أي رقم في هذا الصدد. الاّ أننا نعلم أن هنيبعل وصل إلى أول واد ايطالي، وهو وادي نوفاليز، على رأس ستة وعشرين ألف مقاتل، وذلك في اليوم السادس والعشرين من أيلول.لقد استمرت عملية اجتياز جبال الألب ستة عشر يوماً.
ومهما قيل فيها لا يفيها حقها لأنها زاخرة بالتفاصيل وبالقصص المتنوعة ولا يكفي الكلام عنها صفحة أو اثنتين.