هكذا أنـقـذ جهاز أللاسلكى بحيلة والدتى
بقلم البطل الفدائي دكتور يحيي الشاعر
كلما يقترب يوم ذكرى عيد النصر فى بورسعيد ... يزداد عدد الذين يدعون بأنهم كانوا أبطال "لا يقهرون" خلال المقاومة السرية المسلحة فى بورسعيد 1956 .... وبالتالى تنتشر قصص عديدة تتميز بأنها تنتمى الى "أبو لمعة".. بسبب مغالاتها وعدم تناسقها مع المنطقية أو العقل
... قبل إنتمائها للحقيقة ...
ومن المؤلم أن بدأت تطفوا العديد من الأدعاءات فى الأيام ألأخيرة ، حول كيفية تخبئة جهاز اللاسلكى ، وتزايدت هذه الأدعاءات، وكثرت القصص بشكل لا يمكننى السكوت عليه ، وفاء لأمانة فى عنقى أمام روح والدتلى رحمها الله وأمام روح الصديق الحبيب "المرحوم" اللواء فرج محمد فرج عثمان ... الذى تولى مسؤلية اللاسلكى وكان ضيفنا خلال كل الوقت حتى خروج البريطانيون من المدينة ...
ويكفى لمعرفة صبره ، أنه لــــــــم يــــغــــــادر مسكننا بالمرة ، منذ دخوله وإختبائه يوم 11 نوفمبر حتى يوم تفكيك ونقل الجهاز الى مكتب المخابرات العامة فى الأسماعياية يوم 27 ديسمبر 1956 ... وقد نقلناه فى سيارة فولكس واجن "ميكروباص" ، وكنت فى مرافقة كل من الصاغ أ ح سعد عبدالله عفرة ، الملازم أول فرج "لواء أ ح فيما بعد" وجاويش المظلات حسنى عوض
ويشرفنى الكشف عن أسرار تلك "ألسطورة" التى لا تصدق ... وأن أدون ملخصا من سطور ذكريات ... عن كيفية تخبئة الجهاز عندما قامت الدورية البريطانية بتفتيش مسكننا ..."
الواقع والحقيقة الثابته ، أنه ، إذا لم تقم والدتى بحيلتها ... "إدعاء الأغماء على نفسها" ، فقد كان إكتشاف جهاز اللاسلكى والملازم فرج وهو يكمن مختبئا فى دولاب ملايسها ومعه قنابل يدوية ومدفع رشاش للدفاع عن الجهاز اللاسلكى ... أمر محتم ... ذو عواقب سيئة عليها ، وعليه وعلى المقاومة السرية المسلحة ... ، بل كان أكتشاف الجهاز ، سيؤدى الى شلل قيادة المقاومة السرية وقطع اللأتصال مع رئاسة الجمهورية وإدارة المخابرات العامة لوقت طويل ، ينعكس سلبيا على المقاومة وتوجيهها من القاهرة ... بل كان الأكتشاف ، سيؤدى الى جذب إنتباه البريطانيين الى ضرورة إغلاق عزة القابوطى ، طريق تهريب "السلاح والذخائر والمفرقعات والأفراد" عبر بحيرة المنزلة ...
ملخص ...كيف أنـقـذ جهاز أللاسلكى
الهليوكوبتر فوق المنزل والداوربات البريطانية تفتش مسكننا
..... لم تقلل القوات البريطانية من جهودها فى محاولة اكتشاف مصدر الموجات اللاسلكية فى المدينة وبدأو يستعملون طائرة هليوكوبتر خفيفة من طراز ويستلاند دراجونليز فى الحوم فوق المدينة للبحث النظرى لاكتشاف عما اذا كان أحد الأشخاص يختفى فوق اسطح المبانى ليرسل برقياته اللاسلكية
وفى حوالى الساعة الحادية عشر والنصف من صباح احد الأيام ... وكان فرج قد انتهى لتوه من الأرسال وأغلق جهازه ، سمع فرج ووالدتى صوت طائرة هيليوكوبتر وهى تحوم حول منطقتنا بشكل مستديم ولهذا لم يخرج أى منهما الى شرفة مسكننا للنظر حيث أن حوم الطائرات الهليوكوبتر البريطانية فوق المدينة قد أصبح منظرا عاديا
ولكن أحساسا وشيئا غريبا لفت انتباه فرج ووالدتى حيث أن صوت محركات الطائرة قد أزداد بشكل واضح يصم الأذن مما يدعوا للأستنتاج أن الطائرة تحوم فوق سطح منزلنا مباشرة وبشكل منخفض ، وأعتقد فرج أن حوم الطائرة فوق المنزل هو استمرارا لعملية الأمس ببحثهم عن مصادر الموجات اللاسلكية ......فى منطقتنا .... ، فقد تكرر ظهور سياراة POSITION FINDER فى منطقة مسكننا ... نظرا لأستعمال "الملازم أول طاهر الأسمر"
جهاز الأرسال الذى كان فى حوزته "ووكى توكى ... ؟؟؟؟؟؟ " للأتصال بمكتب اللواء عبدالحكيم عامر ، مما سبب موجات لاسلكية لفتت اليهم إنتباه مراكز التصنت البريطانية ....
الملازم طاهر الأسمر ، يستعمل "ووكى توكى" للأتصال باللواء عبدالحكيم عامر ... فى القاهرة ؟؟؟؟؟
كانت هناك مشكلة ، ... فقد كان طاهر الأسمر ، يستعمل جهاز "ووكى توكى ... ؟؟؟؟ " من بلكون مسكن عائلة "الشامى" فى الدور الثالث ايضا من
" بناية الصيرفى " المجاورة لمنزلنا ... ولم يكن يدرى بأن جهاز اللاسلكى الرئيسى ، للأتصال يرئاسة الجمهورية والمخابرات العامة ، مخبأ فى مسكننا المواجه لمسكن الشامى ... وكان يفصلنا عنه ... عشرة أمتار فقط ....
قمت بلفت إنتباه الملازم "فرج" الى تلك الواقعة ، وفى خلال تمعننا لسطح بناية مسكننا من أجل وضع "سارية" لاسلكى لجهازنا ... إكتشفنا طاهر الأسمر
وهو يجهز "سارية" أرسال لجهازه "الووكى توكى ... ؟؟؟؟ " وهو أمر فنى يدعوا للتعجب
وعلى ذلك ، تدخل البكباشى عبدالفتاح ابوالفضل فورا ، وتم الأتفاق مع "اليوزباشى جلال الهريدى" قائد مجموعة الصاعقة وقتها ، على أن تستفيد الصاعقة من وجود جهاز ألارسال فى منزلنا للأتصال بالقيادة العامة للقوات المسلحة وبمكتب اللواء عبدالحكيم عامر الذى كانت تربطه بجلال الهريدى علاقة أحترام وصداقة شخصية
........
....
......
والدتى تكتشف الهليوكوبتر تستعد للهبوط فوق السطح
دعى صوت الهليوكوبتر المتزايد الى خروج الى شرفة بلكون مسكننا استوضاحا لما يدور وقد أخبرتنا والدتى وسردت لنا فيما بعد عما حدث بعد ذلك ... "... خرجت للبلكون أشوف اللى بيحصل فلاحظت الطيارة بتطير من فوق سينما الكورسال لبيتنا رايحة راجعة ، وزى ماتكون عايزة تنزل
فوق السطح وشفت داوريات العربيات الأنجليزي واقفين على تقاطع شارعين ديليسبس ومحمد على وبينزل منها جنودهم متجهين للبيوت اللى جنبنا..."
........
كانت لملاحظة والدتى قيمة كبيرة فقد توجه فرج الى الباب غرفة النوم المشرفة على البلكون وتسلل بنظره من خلف الستائر لمشاهدة ما يحدث وكيف أن الطائرة تحاول الهبوط على سطح بناية منزلنا دون جدوى ، نظرا لعدم تواجد مساحة كافية دون عقبات عالية تهدد محركاتها فكانت تحاول الحوم فوق سطح سينما الكوزموغرف بين بنايتيى الصيرفى وابوسلامة للتسلل بالنظر الى داخل الغرف الواقعة هناك والمطلة على الداخل بما فى ذلك غرفة النوم التى يتواجد فيها جهاز اللاسلكى....
....
.......
علاوة على ذلك لاحظ فرج تحرك بعض دوريات الجنود البريطانيون المترجلة والراكبة كما شاهد تمركزهم عند تقاطع شارعى سعد زغلول ومحمد على وكيف بدأت من هناك عدة داوريات مترجلة بريطانية تتكون كل منها من خمسة جنود يدخلون المنازل الواقعة على شارع سعدزغلول بالقرب من سينما الكورسال وفى المبنى المواجه لمنزلنا واستنتج فرج خطورة وحساسية الموقف وبالتالى عدم استثناء الدوريات المترجلة من تفتيش بناية منزلنا والبحث فيه
.....
.......
فرج يختبئ فى دولاب ملايس والدتى
... توقفت سيارة لاندروفر بريطانية هذه اللحظة أمام مدخل بناية مسكننا وغادرها ضابط بريطانى برتبة كابتن ، التحقت به داورية مترجلة دخلت البناية كانت الداورية تتكون من جندى يحمل على ظهره جهاز لاسلكى مشابها فى شكله وحجمه لحقيبة تلاميذ المدارس الأبتدائية وجنديان يحمل كل منهما بندقية من طراز لى انفيلد ماركة 4 بالاضافة الى جندى يحمل مدفع رشاش طراز برن وجندى يحمل مدفع رشاش طراز ستين علاوة على الضابط المرافق
بداوا يصعدون درجات سلم منزلنا بأحذيتهم الثقيلة ومرة أخرى كان يصدر من تحت خطوات أقدام الجنود على درجات سلم المنزل الخشبية القديمة أصوات كثيرة .... ومما زاد فى درامية الموقف ، أن الجنود البريطانيين كانوا يتحدثون ويتناقشون بصوت عال وكان الكابتن البريطانى يتحدث على جهازه اللاسلكى الميدانى مع قاعدته
كل هذه الأصوات و "الدوشة" جذبت انتباه السكان للأستطلاع مندهشين وما كادت أحدى البنات فى الدور الأول تفتح باب مسكنها وتشاهد منظر الجنود أمامها حتى صرخت بالطريقة المصرية المشهورة الى أختها بأن ألإجليز قد حضروا وصوتت " يـــاأختى .. الأنجليز جم ياخدونا .. " مما لفت أنتباه بقية سكان المنزل وأدخل الحيرة الى الغرباء الأوربيين الذين يصعدون السلم ....
رغم ذلك ، واصل جنود الداورية واصلوا تقدمهم ، بالطرق على ابواب المساكن المتواجدة فى الدور الأول ففتح لهم كل من الجيران باب مسكنه وادخلوهم وبعد لحظة توجهوا الى شقة مسكن آخر فى الدور الأول ... وبدأوا يطرقون بابها للدخول بينما لم يرد أى شخص على طرقهم على باب وشاهدهم السكان فأخبروهم بأن المسكن خاليا من اصحابه الذين تركوه قبل ألعدوان لهجرتهم من بورسعيد.....فأخبر الضابط قاعدته باللاسلكى عما واجهه وبدوا فى الصعود الى الدور الثانى لتفيتش مساكنه ايضا
لم يكن يتواجد فى مسكننا فى هذا اليوم سوى فرج ووالدتى
كنت اتواجد مع كمال الصياد فى غرفة مكتب ضابط المباحث فى قسم العرب حيث كنا نختبئ ونوجه ونقود من هناك عمليات المقاومة ضد اللقوات البريطانية ولم يكن يتواجد فى مسكننا فى هذا اليوم سوى فرج ووالدتى ....
........
....
الملازم فرج يختبىء فى دولاب ملابس والدتى
جذبت كل هذه الأصوات انتباه فرج ووالدتى فقام فرج بالتحدث مع والدتى على الفور وطلب منها فتح الباب للداورية البريطانية عند طرقها له ، وأخبرها بعدم القلق وبأنه يعرف كيف يتصرف وأنه سيختبئ فى دولاب ملايسها وطلب منها أن تغلق عليه باب الدولاب وأكد عليها طلبه بأن ترافقهم خلال تفتيشهم لجميع غرف مسكننا ... وحذرها بعدم الوقوف خلف الجنود متحججا لها بأنه ستقف كذلك فى طريقه عندما يريد أن ينطلق هاربا من الدولاب ... كم أكد علىها بضرورة تواجدها أمام الداورية والنظر اليهم فى عيونهم بشكل مباشر ...ويتذكر فرج هذه اللحظات فيسرد ".... دخلت الدولاب وخبيت نفسى فيه جنب الجهاز ، ومسكت فى ايدى البندقية ألأوتوماتيكية التشيكى ومعايا قنبلتيى يدوى وربصت مستنيهم يفتحوا الدولاب علشان أرش عليهم الرصاص ..."
يعلم الله وحده احساسات والدتى ومدى ثقل هذه اللحظات عليها وخاصة عندما نعلم بالتأثير السلبى عليها نتيجة لمرض ضغط الدم العالى ولضعف القلب التى كانت تعانى منه ، والتأثير السلبى على صحتها ، لما عاصرته "رحمها الله" ليس فقط خلال ايام العدوان الماضية بل خلال السنوات الطويلة السابقة التى كان كل من أولادها يقوم فيها بواجبه لمقاومة البريطانيين أو معارضة والدى وشقيقى محمد هادى لحكم الملك فاروق فنتوقع أن تنهار جسمانيا فى أى لحظة ... ولقد شاءت إرادت الله تعالى ، أن تتوفى والدى بعد عدة شهور ، ولم تسعد برؤية إحتفالات الذكرى الأولى لعيد النصر ... ومقابلة جمال عبدالناصر ..... !!!!
....
........
سمعت والدتى طرقا على باب مدخل مسكننا ، فتوجهت اليه وفتحت الباب لتواجه أمامها شبابا فى عمر اولادها ، كان قد تعود نظرها على رؤيتهم فى شوارع بورسعيد خلال السنوات الماضية منذ تفتحت عيناها لضوء الحياة حتى مغادرتهم لآرض الوطن بعد معاهدة الجلاء وتداول الى فكر والدتى ذكريات وسردت لنا فيما بعد قائلة "....شفت قدامى خمسة عساكر فى عمر أولادى وتذكرت كبف أن اولادى الأربعة هادى ومنعم ومحمود ويحى قد قاموا ومازالوا يقيمون بدورهم فى مكافحة الأستعمار وتحرير وطننا من الغازى ... وافتكرت أيام زوجى وقررت أن أنضم لقافلة المكافحين لحرية مصر وسمعت ام كلثوم تغنى .... مصر التى فى خاطرى وفى دمى، أحبها من كل روحى ودمى.... وقلت لازم أضحك عليهم وأخدعهم، فنظرت اليهم وابتسمت مستفسرة قائلة .... أيوه فى ايه ؟ ..."
........
....
كانت والدتى مازالت حزينة على والدى الذى لم يكن قد مضى على وفاته وقت طويل ولما شاهدها الضابط وتطلع الى وجهها السمح وشخصيتها الهدؤة الحنونة ، تلعثم الكلام فى فمه وتأسف لوالدتى على مضايقتهم لها فى هذا الوقت المبكر وطلب منها السماح له ولجنوده بالدخول الى مسكننا للبحث الروتينى الذين يقومون به فى المنطقة أجابتهم والدتى بعدم ممانعتها وطلبت منهم الدخول وقرأت والدتى فى نفسها الشهادة وقالت " كل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا..."
وكأن الله تعالى اراد أن يصد كيدهم الى نحورهم عندما طلبت من الضابط المرافق للداورية أن يصاحبها وتوجهت معهم فى بحثهم وتفتيشهم للمسكن ... من المدخل الى المطبخ ، الى صالة الحمام ، ثم اصطحبتهم الى غرفة الطعام ثم وجهتهم الى قاعة الصالون والى غرفتى النوم وغرفة الضيوف تاركة ومتفادية التوجه معهم الى غرفة نومها ، حيث كان فرج يكمن مختبئا مع جهاز اللاسلكى فى دولاب ملابسها ، مستعدا لمفاجأة الجنود بالدفاع الشخصى
وأخيرا سألتهم والدتى عما اذا كانوا يودون رؤية غرفة نومها ايضا كتكملة لتفتيش بقية غرف النوم ويظهر أن الضابط البريطانى قد لاحظ تأثير هذه اللحظات على سيدة وحيدة لم يتعدى عمرها الخمسون عاما تواجه خمسة جنود مسلحون يشهرون مدافعهما الرشاشة ويحملون بنادقهما ويتحدثون بلهجة أوامر شديدة على جهاز لاسلكى يحملونه معهم ..... !!!!
....
........
وافق الضابط البريطانى على اجابة سؤال والدتى بمصاحبتها لرؤية الغرفة الآخيرة وكرر بكل أدب تأسفه وبين الضابط مرة أخرى طلبه لآزعاجها بسبب ضرورة رؤية غرفة نوم والدتى
توجهوا جميعا فى اتجاه غرفة النوم المذكورة وتتبعوا والدتى الى الغرفة وماكادت والدتى تعبر بابها حتى القت بنظرة سريعة فيها ، لاحظت بعدها أن الملازم فرج قد نقل كافة زجاجات وعلب وحبوب أدوية معالجة مرض ضغط الدم العالى وضعف القلب التى كانت على كوميدينو سريرها "حيث كانت تنام فى غرفة أخرى" ووضعهم بشكل واضح وخصوصا زجاجة نقط دواء الكورتيزون على الكوميدينو فى غرفة "نومها" حيث يتواجد دولاب ملابسها وفيه جهاز اللاسلكى ....
انتبه الضابط البريطانى الى الدواء المتراكم فوق الكوميدينو فتوجه اليهم وامسك فى يده بعص علب الدواء وسأل والدتى عما اذا كانت مريضة بالقلب فأجابته بالتأكيد .... فكرر الضابط تأسفه بكل أدب وبين مرة أخرى لآزعاجه
... !!!!
هـكـذا أنـقـذ جهاز أللاسلكى .... بحيلة والدتى ... إدعاء الأغماء على نفسها ... والضابط البريطانى ينزعج وينسحب ...!!!
لم يفوت على انتباه والدتى أدب الضابط المذكور التى أحست أن لحظات حاسمة دموية سوف تتلوها عندما يفتح أحد الجنود لدولاب الملابس واخبرتنا والدتى فيما بعد عن هذه اللحظة قائلة "... قلت يارب... وبعدين جانى الهام بأن اتظاهر بالآغماء على نفسى مدعية ألمرض...."
مـدام....مـدام...هل انتى أوكـى...؟؟ ..أنا أسـف يا سيدتى
يوالى فرج ما سمعه خلال تواجده فى مخبأه فى دولاب الملابس
[*]"..... انا سمعت كلمة يارب قالتها والدتنا ولم يتقاضى وقت حتى سمعت صوت الهرج فى الغرفة وواحد بيقول... اشتالوها بسرعة....احملوها الى السرير .... متخليهاش تنام على ظهرها...دلكو رجليها .... أعطيها تشرب .... لا ... استنى .... أنا ساعطيها نقاط الكورتيزون ... اسرع بتدليك رجليها.....مدام....مدام...هل انتى أوكى...؟؟ ... ارجوكى اشربى هذا الدواء... هذا دوائك الكورتيزون... وسمعت واحد منهم بيتكلم على الجهاز الللاسلكى ويقول أنهم يواجهون موقف طبى حساس فقد أغمى على صاحبة المسكن..."
[/list]
.......
.....
ويوالى فرج ما سمعه خلال تواجده فى مخبأه فى دولاب الملابس
[*]"........ وبعدين سمعت نفس الصوت يقول للباقى.... غطى رجليها كويس .... يامدام هل انتى أوكى...؟؟
أنا أسف... انتى تنفسك هادى دلوقت.... أحنا سنتركك الآن أم تريدى معالجتنا الصحية.....؟؟؟
وسمعت والدتنا تقول للبريطانيين ... أنا كويسة. أنا كويسة كده... أنا بس عايزة انام واستريح....."
[/list]
ولقد ستر الله ، فعندما كان البريطانيون قد حملوا والدتى الى السرير بجانب الكوميدينو وعليها الأدوية ، لم يعلموا أو يدروا بتواجد أخطر الوثائق السرية تحت مرتبة ألسرير نظرا لآن فرج قد خبأ تحت المرتبة دفتر الشفرة اللاسلكى للأتصال بالرئاسة والأدارة ، وهكذا وبتمويه إدعاء والدتى بالمرض والأغماء عليها الى انقاذ الوضع بشكل متحتم لا ينكر عندما أتت الداورية البريطانية لتفتيش مسكننا
....
....
...جود باى مدام...بارك الله فيكى" GOD BLESS YOU
يذكر فرج فى سرده لبقية هذه اللحظات الحساسة ، بأنه سمع الصوت المذكور يعطى أوامره لبقية الآفراد بمغادرة المسكن بكل هدوء دون أزعاج المدام....كما أنه سمع تبليغ جندى اللاسلكى لقيادته بأنهم قد بحثوا فى المسكن وأن النتيجة سلبية وأن صاحبة المسكن قد أفاقت من إغمائها وأنها لا تريد
معالجة أو رعاية طبية تالية ..... وانهم سيغادرون المسكن الآن لان المدام الأرملة تطلب راحتها وسوف تنام...
ومضت هذه اللحظات كدهر طويل على فرج فى مخبأه فى دولاب الملابس ، ولما سمع توديع الجنود لوالدتى "...جود باى مدام..." ثم سمع صوت إغلاق باب المسكن فضل فرج أن ينتظر عدة دقائق ..... وتوالت الثوان كساعات طويلة وزاد تنازل العرق فوق جبهته حتى سمع رنين جرس باب المسكن المتكرر لعدة مرات بالطريقة التى كنت متفقا معه عليها وزاد قلقه بشكل بشع .... !!!!
...
............
يحى الشاعر
مقتطف من سطور كتابى
" الوجه الآخر للميدالية، حرب السويس 1956 ،
أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد"
بقلم البطل الفدائي دكتور يحيي الشاعر
كلما يقترب يوم ذكرى عيد النصر فى بورسعيد ... يزداد عدد الذين يدعون بأنهم كانوا أبطال "لا يقهرون" خلال المقاومة السرية المسلحة فى بورسعيد 1956 .... وبالتالى تنتشر قصص عديدة تتميز بأنها تنتمى الى "أبو لمعة".. بسبب مغالاتها وعدم تناسقها مع المنطقية أو العقل
... قبل إنتمائها للحقيقة ...
ومن المؤلم أن بدأت تطفوا العديد من الأدعاءات فى الأيام ألأخيرة ، حول كيفية تخبئة جهاز اللاسلكى ، وتزايدت هذه الأدعاءات، وكثرت القصص بشكل لا يمكننى السكوت عليه ، وفاء لأمانة فى عنقى أمام روح والدتلى رحمها الله وأمام روح الصديق الحبيب "المرحوم" اللواء فرج محمد فرج عثمان ... الذى تولى مسؤلية اللاسلكى وكان ضيفنا خلال كل الوقت حتى خروج البريطانيون من المدينة ...
ويكفى لمعرفة صبره ، أنه لــــــــم يــــغــــــادر مسكننا بالمرة ، منذ دخوله وإختبائه يوم 11 نوفمبر حتى يوم تفكيك ونقل الجهاز الى مكتب المخابرات العامة فى الأسماعياية يوم 27 ديسمبر 1956 ... وقد نقلناه فى سيارة فولكس واجن "ميكروباص" ، وكنت فى مرافقة كل من الصاغ أ ح سعد عبدالله عفرة ، الملازم أول فرج "لواء أ ح فيما بعد" وجاويش المظلات حسنى عوض
ويشرفنى الكشف عن أسرار تلك "ألسطورة" التى لا تصدق ... وأن أدون ملخصا من سطور ذكريات ... عن كيفية تخبئة الجهاز عندما قامت الدورية البريطانية بتفتيش مسكننا ..."
الواقع والحقيقة الثابته ، أنه ، إذا لم تقم والدتى بحيلتها ... "إدعاء الأغماء على نفسها" ، فقد كان إكتشاف جهاز اللاسلكى والملازم فرج وهو يكمن مختبئا فى دولاب ملايسها ومعه قنابل يدوية ومدفع رشاش للدفاع عن الجهاز اللاسلكى ... أمر محتم ... ذو عواقب سيئة عليها ، وعليه وعلى المقاومة السرية المسلحة ... ، بل كان أكتشاف الجهاز ، سيؤدى الى شلل قيادة المقاومة السرية وقطع اللأتصال مع رئاسة الجمهورية وإدارة المخابرات العامة لوقت طويل ، ينعكس سلبيا على المقاومة وتوجيهها من القاهرة ... بل كان الأكتشاف ، سيؤدى الى جذب إنتباه البريطانيين الى ضرورة إغلاق عزة القابوطى ، طريق تهريب "السلاح والذخائر والمفرقعات والأفراد" عبر بحيرة المنزلة ...
ملخص ...كيف أنـقـذ جهاز أللاسلكى
الهليوكوبتر فوق المنزل والداوربات البريطانية تفتش مسكننا
..... لم تقلل القوات البريطانية من جهودها فى محاولة اكتشاف مصدر الموجات اللاسلكية فى المدينة وبدأو يستعملون طائرة هليوكوبتر خفيفة من طراز ويستلاند دراجونليز فى الحوم فوق المدينة للبحث النظرى لاكتشاف عما اذا كان أحد الأشخاص يختفى فوق اسطح المبانى ليرسل برقياته اللاسلكية
وفى حوالى الساعة الحادية عشر والنصف من صباح احد الأيام ... وكان فرج قد انتهى لتوه من الأرسال وأغلق جهازه ، سمع فرج ووالدتى صوت طائرة هيليوكوبتر وهى تحوم حول منطقتنا بشكل مستديم ولهذا لم يخرج أى منهما الى شرفة مسكننا للنظر حيث أن حوم الطائرات الهليوكوبتر البريطانية فوق المدينة قد أصبح منظرا عاديا
ولكن أحساسا وشيئا غريبا لفت انتباه فرج ووالدتى حيث أن صوت محركات الطائرة قد أزداد بشكل واضح يصم الأذن مما يدعوا للأستنتاج أن الطائرة تحوم فوق سطح منزلنا مباشرة وبشكل منخفض ، وأعتقد فرج أن حوم الطائرة فوق المنزل هو استمرارا لعملية الأمس ببحثهم عن مصادر الموجات اللاسلكية ......فى منطقتنا .... ، فقد تكرر ظهور سياراة POSITION FINDER فى منطقة مسكننا ... نظرا لأستعمال "الملازم أول طاهر الأسمر"
جهاز الأرسال الذى كان فى حوزته "ووكى توكى ... ؟؟؟؟؟؟ " للأتصال بمكتب اللواء عبدالحكيم عامر ، مما سبب موجات لاسلكية لفتت اليهم إنتباه مراكز التصنت البريطانية ....
الملازم طاهر الأسمر ، يستعمل "ووكى توكى" للأتصال باللواء عبدالحكيم عامر ... فى القاهرة ؟؟؟؟؟
كانت هناك مشكلة ، ... فقد كان طاهر الأسمر ، يستعمل جهاز "ووكى توكى ... ؟؟؟؟ " من بلكون مسكن عائلة "الشامى" فى الدور الثالث ايضا من
" بناية الصيرفى " المجاورة لمنزلنا ... ولم يكن يدرى بأن جهاز اللاسلكى الرئيسى ، للأتصال يرئاسة الجمهورية والمخابرات العامة ، مخبأ فى مسكننا المواجه لمسكن الشامى ... وكان يفصلنا عنه ... عشرة أمتار فقط ....
قمت بلفت إنتباه الملازم "فرج" الى تلك الواقعة ، وفى خلال تمعننا لسطح بناية مسكننا من أجل وضع "سارية" لاسلكى لجهازنا ... إكتشفنا طاهر الأسمر
وهو يجهز "سارية" أرسال لجهازه "الووكى توكى ... ؟؟؟؟ " وهو أمر فنى يدعوا للتعجب
وعلى ذلك ، تدخل البكباشى عبدالفتاح ابوالفضل فورا ، وتم الأتفاق مع "اليوزباشى جلال الهريدى" قائد مجموعة الصاعقة وقتها ، على أن تستفيد الصاعقة من وجود جهاز ألارسال فى منزلنا للأتصال بالقيادة العامة للقوات المسلحة وبمكتب اللواء عبدالحكيم عامر الذى كانت تربطه بجلال الهريدى علاقة أحترام وصداقة شخصية
........
....
......
والدتى تكتشف الهليوكوبتر تستعد للهبوط فوق السطح
دعى صوت الهليوكوبتر المتزايد الى خروج الى شرفة بلكون مسكننا استوضاحا لما يدور وقد أخبرتنا والدتى وسردت لنا فيما بعد عما حدث بعد ذلك ... "... خرجت للبلكون أشوف اللى بيحصل فلاحظت الطيارة بتطير من فوق سينما الكورسال لبيتنا رايحة راجعة ، وزى ماتكون عايزة تنزل
فوق السطح وشفت داوريات العربيات الأنجليزي واقفين على تقاطع شارعين ديليسبس ومحمد على وبينزل منها جنودهم متجهين للبيوت اللى جنبنا..."
........
كانت لملاحظة والدتى قيمة كبيرة فقد توجه فرج الى الباب غرفة النوم المشرفة على البلكون وتسلل بنظره من خلف الستائر لمشاهدة ما يحدث وكيف أن الطائرة تحاول الهبوط على سطح بناية منزلنا دون جدوى ، نظرا لعدم تواجد مساحة كافية دون عقبات عالية تهدد محركاتها فكانت تحاول الحوم فوق سطح سينما الكوزموغرف بين بنايتيى الصيرفى وابوسلامة للتسلل بالنظر الى داخل الغرف الواقعة هناك والمطلة على الداخل بما فى ذلك غرفة النوم التى يتواجد فيها جهاز اللاسلكى....
....
.......
علاوة على ذلك لاحظ فرج تحرك بعض دوريات الجنود البريطانيون المترجلة والراكبة كما شاهد تمركزهم عند تقاطع شارعى سعد زغلول ومحمد على وكيف بدأت من هناك عدة داوريات مترجلة بريطانية تتكون كل منها من خمسة جنود يدخلون المنازل الواقعة على شارع سعدزغلول بالقرب من سينما الكورسال وفى المبنى المواجه لمنزلنا واستنتج فرج خطورة وحساسية الموقف وبالتالى عدم استثناء الدوريات المترجلة من تفتيش بناية منزلنا والبحث فيه
.....
.......
فرج يختبئ فى دولاب ملايس والدتى
... توقفت سيارة لاندروفر بريطانية هذه اللحظة أمام مدخل بناية مسكننا وغادرها ضابط بريطانى برتبة كابتن ، التحقت به داورية مترجلة دخلت البناية كانت الداورية تتكون من جندى يحمل على ظهره جهاز لاسلكى مشابها فى شكله وحجمه لحقيبة تلاميذ المدارس الأبتدائية وجنديان يحمل كل منهما بندقية من طراز لى انفيلد ماركة 4 بالاضافة الى جندى يحمل مدفع رشاش طراز برن وجندى يحمل مدفع رشاش طراز ستين علاوة على الضابط المرافق
بداوا يصعدون درجات سلم منزلنا بأحذيتهم الثقيلة ومرة أخرى كان يصدر من تحت خطوات أقدام الجنود على درجات سلم المنزل الخشبية القديمة أصوات كثيرة .... ومما زاد فى درامية الموقف ، أن الجنود البريطانيين كانوا يتحدثون ويتناقشون بصوت عال وكان الكابتن البريطانى يتحدث على جهازه اللاسلكى الميدانى مع قاعدته
كل هذه الأصوات و "الدوشة" جذبت انتباه السكان للأستطلاع مندهشين وما كادت أحدى البنات فى الدور الأول تفتح باب مسكنها وتشاهد منظر الجنود أمامها حتى صرخت بالطريقة المصرية المشهورة الى أختها بأن ألإجليز قد حضروا وصوتت " يـــاأختى .. الأنجليز جم ياخدونا .. " مما لفت أنتباه بقية سكان المنزل وأدخل الحيرة الى الغرباء الأوربيين الذين يصعدون السلم ....
رغم ذلك ، واصل جنود الداورية واصلوا تقدمهم ، بالطرق على ابواب المساكن المتواجدة فى الدور الأول ففتح لهم كل من الجيران باب مسكنه وادخلوهم وبعد لحظة توجهوا الى شقة مسكن آخر فى الدور الأول ... وبدأوا يطرقون بابها للدخول بينما لم يرد أى شخص على طرقهم على باب وشاهدهم السكان فأخبروهم بأن المسكن خاليا من اصحابه الذين تركوه قبل ألعدوان لهجرتهم من بورسعيد.....فأخبر الضابط قاعدته باللاسلكى عما واجهه وبدوا فى الصعود الى الدور الثانى لتفيتش مساكنه ايضا
لم يكن يتواجد فى مسكننا فى هذا اليوم سوى فرج ووالدتى
كنت اتواجد مع كمال الصياد فى غرفة مكتب ضابط المباحث فى قسم العرب حيث كنا نختبئ ونوجه ونقود من هناك عمليات المقاومة ضد اللقوات البريطانية ولم يكن يتواجد فى مسكننا فى هذا اليوم سوى فرج ووالدتى ....
........
....
الملازم فرج يختبىء فى دولاب ملابس والدتى
جذبت كل هذه الأصوات انتباه فرج ووالدتى فقام فرج بالتحدث مع والدتى على الفور وطلب منها فتح الباب للداورية البريطانية عند طرقها له ، وأخبرها بعدم القلق وبأنه يعرف كيف يتصرف وأنه سيختبئ فى دولاب ملايسها وطلب منها أن تغلق عليه باب الدولاب وأكد عليها طلبه بأن ترافقهم خلال تفتيشهم لجميع غرف مسكننا ... وحذرها بعدم الوقوف خلف الجنود متحججا لها بأنه ستقف كذلك فى طريقه عندما يريد أن ينطلق هاربا من الدولاب ... كم أكد علىها بضرورة تواجدها أمام الداورية والنظر اليهم فى عيونهم بشكل مباشر ...ويتذكر فرج هذه اللحظات فيسرد ".... دخلت الدولاب وخبيت نفسى فيه جنب الجهاز ، ومسكت فى ايدى البندقية ألأوتوماتيكية التشيكى ومعايا قنبلتيى يدوى وربصت مستنيهم يفتحوا الدولاب علشان أرش عليهم الرصاص ..."
يعلم الله وحده احساسات والدتى ومدى ثقل هذه اللحظات عليها وخاصة عندما نعلم بالتأثير السلبى عليها نتيجة لمرض ضغط الدم العالى ولضعف القلب التى كانت تعانى منه ، والتأثير السلبى على صحتها ، لما عاصرته "رحمها الله" ليس فقط خلال ايام العدوان الماضية بل خلال السنوات الطويلة السابقة التى كان كل من أولادها يقوم فيها بواجبه لمقاومة البريطانيين أو معارضة والدى وشقيقى محمد هادى لحكم الملك فاروق فنتوقع أن تنهار جسمانيا فى أى لحظة ... ولقد شاءت إرادت الله تعالى ، أن تتوفى والدى بعد عدة شهور ، ولم تسعد برؤية إحتفالات الذكرى الأولى لعيد النصر ... ومقابلة جمال عبدالناصر ..... !!!!
....
........
سمعت والدتى طرقا على باب مدخل مسكننا ، فتوجهت اليه وفتحت الباب لتواجه أمامها شبابا فى عمر اولادها ، كان قد تعود نظرها على رؤيتهم فى شوارع بورسعيد خلال السنوات الماضية منذ تفتحت عيناها لضوء الحياة حتى مغادرتهم لآرض الوطن بعد معاهدة الجلاء وتداول الى فكر والدتى ذكريات وسردت لنا فيما بعد قائلة "....شفت قدامى خمسة عساكر فى عمر أولادى وتذكرت كبف أن اولادى الأربعة هادى ومنعم ومحمود ويحى قد قاموا ومازالوا يقيمون بدورهم فى مكافحة الأستعمار وتحرير وطننا من الغازى ... وافتكرت أيام زوجى وقررت أن أنضم لقافلة المكافحين لحرية مصر وسمعت ام كلثوم تغنى .... مصر التى فى خاطرى وفى دمى، أحبها من كل روحى ودمى.... وقلت لازم أضحك عليهم وأخدعهم، فنظرت اليهم وابتسمت مستفسرة قائلة .... أيوه فى ايه ؟ ..."
........
....
كانت والدتى مازالت حزينة على والدى الذى لم يكن قد مضى على وفاته وقت طويل ولما شاهدها الضابط وتطلع الى وجهها السمح وشخصيتها الهدؤة الحنونة ، تلعثم الكلام فى فمه وتأسف لوالدتى على مضايقتهم لها فى هذا الوقت المبكر وطلب منها السماح له ولجنوده بالدخول الى مسكننا للبحث الروتينى الذين يقومون به فى المنطقة أجابتهم والدتى بعدم ممانعتها وطلبت منهم الدخول وقرأت والدتى فى نفسها الشهادة وقالت " كل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا..."
وكأن الله تعالى اراد أن يصد كيدهم الى نحورهم عندما طلبت من الضابط المرافق للداورية أن يصاحبها وتوجهت معهم فى بحثهم وتفتيشهم للمسكن ... من المدخل الى المطبخ ، الى صالة الحمام ، ثم اصطحبتهم الى غرفة الطعام ثم وجهتهم الى قاعة الصالون والى غرفتى النوم وغرفة الضيوف تاركة ومتفادية التوجه معهم الى غرفة نومها ، حيث كان فرج يكمن مختبئا مع جهاز اللاسلكى فى دولاب ملابسها ، مستعدا لمفاجأة الجنود بالدفاع الشخصى
وأخيرا سألتهم والدتى عما اذا كانوا يودون رؤية غرفة نومها ايضا كتكملة لتفتيش بقية غرف النوم ويظهر أن الضابط البريطانى قد لاحظ تأثير هذه اللحظات على سيدة وحيدة لم يتعدى عمرها الخمسون عاما تواجه خمسة جنود مسلحون يشهرون مدافعهما الرشاشة ويحملون بنادقهما ويتحدثون بلهجة أوامر شديدة على جهاز لاسلكى يحملونه معهم ..... !!!!
....
........
وافق الضابط البريطانى على اجابة سؤال والدتى بمصاحبتها لرؤية الغرفة الآخيرة وكرر بكل أدب تأسفه وبين الضابط مرة أخرى طلبه لآزعاجها بسبب ضرورة رؤية غرفة نوم والدتى
توجهوا جميعا فى اتجاه غرفة النوم المذكورة وتتبعوا والدتى الى الغرفة وماكادت والدتى تعبر بابها حتى القت بنظرة سريعة فيها ، لاحظت بعدها أن الملازم فرج قد نقل كافة زجاجات وعلب وحبوب أدوية معالجة مرض ضغط الدم العالى وضعف القلب التى كانت على كوميدينو سريرها "حيث كانت تنام فى غرفة أخرى" ووضعهم بشكل واضح وخصوصا زجاجة نقط دواء الكورتيزون على الكوميدينو فى غرفة "نومها" حيث يتواجد دولاب ملابسها وفيه جهاز اللاسلكى ....
انتبه الضابط البريطانى الى الدواء المتراكم فوق الكوميدينو فتوجه اليهم وامسك فى يده بعص علب الدواء وسأل والدتى عما اذا كانت مريضة بالقلب فأجابته بالتأكيد .... فكرر الضابط تأسفه بكل أدب وبين مرة أخرى لآزعاجه
... !!!!
هـكـذا أنـقـذ جهاز أللاسلكى .... بحيلة والدتى ... إدعاء الأغماء على نفسها ... والضابط البريطانى ينزعج وينسحب ...!!!
لم يفوت على انتباه والدتى أدب الضابط المذكور التى أحست أن لحظات حاسمة دموية سوف تتلوها عندما يفتح أحد الجنود لدولاب الملابس واخبرتنا والدتى فيما بعد عن هذه اللحظة قائلة "... قلت يارب... وبعدين جانى الهام بأن اتظاهر بالآغماء على نفسى مدعية ألمرض...."
مـدام....مـدام...هل انتى أوكـى...؟؟ ..أنا أسـف يا سيدتى
يوالى فرج ما سمعه خلال تواجده فى مخبأه فى دولاب الملابس
[*]"..... انا سمعت كلمة يارب قالتها والدتنا ولم يتقاضى وقت حتى سمعت صوت الهرج فى الغرفة وواحد بيقول... اشتالوها بسرعة....احملوها الى السرير .... متخليهاش تنام على ظهرها...دلكو رجليها .... أعطيها تشرب .... لا ... استنى .... أنا ساعطيها نقاط الكورتيزون ... اسرع بتدليك رجليها.....مدام....مدام...هل انتى أوكى...؟؟ ... ارجوكى اشربى هذا الدواء... هذا دوائك الكورتيزون... وسمعت واحد منهم بيتكلم على الجهاز الللاسلكى ويقول أنهم يواجهون موقف طبى حساس فقد أغمى على صاحبة المسكن..."
[/list]
.......
.....
ويوالى فرج ما سمعه خلال تواجده فى مخبأه فى دولاب الملابس
[*]"........ وبعدين سمعت نفس الصوت يقول للباقى.... غطى رجليها كويس .... يامدام هل انتى أوكى...؟؟
أنا أسف... انتى تنفسك هادى دلوقت.... أحنا سنتركك الآن أم تريدى معالجتنا الصحية.....؟؟؟
وسمعت والدتنا تقول للبريطانيين ... أنا كويسة. أنا كويسة كده... أنا بس عايزة انام واستريح....."
[/list]
ولقد ستر الله ، فعندما كان البريطانيون قد حملوا والدتى الى السرير بجانب الكوميدينو وعليها الأدوية ، لم يعلموا أو يدروا بتواجد أخطر الوثائق السرية تحت مرتبة ألسرير نظرا لآن فرج قد خبأ تحت المرتبة دفتر الشفرة اللاسلكى للأتصال بالرئاسة والأدارة ، وهكذا وبتمويه إدعاء والدتى بالمرض والأغماء عليها الى انقاذ الوضع بشكل متحتم لا ينكر عندما أتت الداورية البريطانية لتفتيش مسكننا
....
....
...جود باى مدام...بارك الله فيكى" GOD BLESS YOU
يذكر فرج فى سرده لبقية هذه اللحظات الحساسة ، بأنه سمع الصوت المذكور يعطى أوامره لبقية الآفراد بمغادرة المسكن بكل هدوء دون أزعاج المدام....كما أنه سمع تبليغ جندى اللاسلكى لقيادته بأنهم قد بحثوا فى المسكن وأن النتيجة سلبية وأن صاحبة المسكن قد أفاقت من إغمائها وأنها لا تريد
معالجة أو رعاية طبية تالية ..... وانهم سيغادرون المسكن الآن لان المدام الأرملة تطلب راحتها وسوف تنام...
ومضت هذه اللحظات كدهر طويل على فرج فى مخبأه فى دولاب الملابس ، ولما سمع توديع الجنود لوالدتى "...جود باى مدام..." ثم سمع صوت إغلاق باب المسكن فضل فرج أن ينتظر عدة دقائق ..... وتوالت الثوان كساعات طويلة وزاد تنازل العرق فوق جبهته حتى سمع رنين جرس باب المسكن المتكرر لعدة مرات بالطريقة التى كنت متفقا معه عليها وزاد قلقه بشكل بشع .... !!!!
...
............
يحى الشاعر
مقتطف من سطور كتابى
" الوجه الآخر للميدالية، حرب السويس 1956 ،
أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد"