[FONT='Arial (Arabic)']كيف يرى الإسرائيليون دولتهم بعد ستين عاما؟!
[/FONT]
الاحتفال بالعيد القومي في إسرائيل لا يشبه نظيره في دول العالم الأخرى. إذ أن احتفالها بذكرى نشأتها غالبا ما يكون مناسبة لطرح الكثير من التساؤلات حول ما تم تحقيقه في الأعوام السابقة والتخوفات مما يحمله المستقبل للدولة ـ التي ما زالت رغم مرور ستين عاما حديثة النشأة بمقياس عمر الدول ـ المشتبكة في صراعات مستمرة وممتدة مع جيرانها وأصحاب الأرض التي قامت عليها. ومن ثم تسود في إسرائيل نظرتان أو رؤيتان لوضع تلك الدولة من جانب سكانها.
الأولى تركز بالأساس على ما تم إنجازه خلال الستين عاما الماضية، فما حققته إسرائيل منذ نشأتها كان لا يمكن التنبؤ به بأي حال من الأحوال في عام 1948 من جانب أشد المتفائلين والمؤمنين بالدولة آنذاك.
فقد تمكن ما يقرب من مليون يهودي من إقامة الدولة وحافظوا عليها وسط جو رافض لوجودها. وتمتعت تلك الدولة التي أقاموها بقدر كبير من الديموقراطية فيما بين اليهود وحسب على الأقل مقارنة بدول أكبر عمرا منها بكثير، وكونوا لها جيشا هو الخامس على مستوى العالم، وحافظوا على علاقة شديدة التميز مع الولايات المتحدة، كما أن دولتهم هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط.
أما النظرة الثانية فتركز نظرها على ما لم يتم تحقيقه والمخاطر التي تحيط بالدولة حاضرا ومستقبلا، لاسيما المشاكل التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي والعلاقات المتوترة بين مكوناته المختلفة؛ العلمانيين والدينيين، والسفارديم والإشكناز، والوضع الاقتصادي المتراجع باستمرار، لاسيما ما يتعلق بتزايد معدل الفقر بشكل واضح للغاية، إذ يوجد مليون إسرائيلي تحت خط الفقر. أم الوضع الديموجرافي فيطرح تخوفا شديدا يتعلق بمستقبل الدولة مرده تزايد عدد العرب في إسرائيل بمعدل يفوق نظيره لدى اليهود. كما أن الدولة لم تنجح في حل صراعاتها مع جيرانها باستثناء مصر والأردن
الأمان الضائع
ليس هناك ما يدعو إلى الاحتفال .... مستقبل بلادنا قاتم والوضع لم يعد براقا لدينا ولدى جيراننا بهذا التعبير شديد الدلالة عبر شالوم كيتال أحد المسئولين الإعلاميين السابقين في إسرائيل على وضع بلاده أثناء احتفالها بعيدها الستين. فرغم مرور ستين عاما على إنشاء الدولة، ما زال الإسرائيليون بعيدون عن الشعور بالأمان. إذ اظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجري في سياق تلك الاحتفالات ونشرته يديعوت أحرونوت في الخامس من مايو 2008 أن 4% فقط من الإسرائيليين هم فقط الذين لا يخافون من شيء، فيما قال 4% أيضا أنهم لا يعلمون مما يجب أن يخافوا منه، بما يعني أن ثمة 8% فقط يجوز اعتبار أنهم يشعرون بالأمان، وذلك في مقابل 92% لا يشعرون بذلك الأمان، نتيجة أسباب مختلفة.
فهناك أولا 34% منهم يخشون من احتمالات امتلاك إيران السلاح النووي بكل ما يطرحه من مخاطر تهدد بقاء الدولة التي طالما حلموا بإقامتها، وهو ما يتوافق مع نتائج استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجرته جامعة تل أبيب قبل ثلاث سنوات، حيث أعرب 38 % من الإسرائيليين عن خشيتهم من التعرض لحرب نووية من جانب إيران، فالتهديد الإيراني أعاد إسرائيل إلى الوراء عبر إعادة التهديد الوجودي الذي كان قائما قبل حرب 1967 أو خلال حرب أكتوبر على حد قول افراييم كام المتخصص في الشؤون الحربية. وهناك ثانيا 22% منهم لا يشعرون بالأمان نتيجة وطأة الأزمة الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بتزايد معدلات الفقر.
الحرب احتمال دائم
وهناك ثالثا 21% منهم يؤرقهم احتمالات وقوع حرب على الحدود مع لبنان، وهو ما يتوافق مع نظرتهم قبل ثلاث سنوات، إذ عبر 75% من الإسرائيليين في استطلاع أجرته جامعة تل أبيب عن توقعهم باندلاع حرب جديدة في غضون السنوات الخمس القادمة بين إسرائيل وإحدى جاراتها، واستبعد 70 % منهم تحقيق سلام مع الفلسطينيين، كما استبعد 66 % تحقيق سلام مع سوريا. كما عبر 20% من الإسرائيليين في استطلاع آخر بمناسبة مرور ستين عاما عن اعتقادهم في أنه ستنشب في المنطقة خلال الخمس سنوات على الأكثر حرب ضارية ستكون إسرائيل طرفا فيها، وهو الأمر الذي يعني أن هاجس اندلاع حرب بين إسرائيل وأي طرف آخر يسيطر على العقلية الإسرائيلية تماما، بما يحرمها من الشعور بالأمان. علاوة على ذلك فربما يمكن التأكيد على أهمية هذا الهاجس من خلال الإشارة إلى ارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين يرون أن إسرائيل لا تمثل مستقبلا ملائما لأطفالهم، فقبل أربع سنوات عبر 70% من الإسرائيليين عن اعتقادهم بأن دولتهم ليست أملا جيدا لأطفالهم.
ورابعا فإن النسبة المتبقية ممن لا يشعرون بالأمان وهي 14% فإنهم يخافون من مجموعة أمور أخرى. ويتزايد الإحساس بعدم الأمان في ظل ما يسيطر على الإسرائيليين من أفكار رغم مرور 60 عاما على قيام الدولة، فعلى سبيل المثال يؤكد 82% من الشباب الإسرائيلي أنه مقتنع بأن دولته موجودة تحت ضغوط وتهديدات تتعلق ببقائها واستمرار على وجود الأرض، و30% منهم واثق من أن إسرائيل معرضة لخطر حقيقي سيدمرها، بينما كانت نسبة من عبروا عن تأكدهم من اقتراب بلدهم من كارثة إبادة حقيقية في عام 2007 أقل من تلك النسبة بحوالي 6%. بل إن الاستطلاع قد كشف عن أن 39% منهم لا يستبعدون وقوع أحداث نازية جديدة يحرق خلالها اليهود.
مشكلة هوية الدولة
إضافة إلى ذلك، فإنه برغم مرور ستين عاما، فما زالت الهوية تشكل واحدة من أهم المشاكل في إسرائيل، فهناك 47% يرون أنفسهم كيهود، و42% يرون أنفسهم إسرائيليين، وهناك أيضا انقسامات واختلافات داخلية بعيدة عن الاختلاف الأكبر بين العلمانيين والمتدينين، والاشكناز والسفارديم، حيث يرى 34% من العلمانيين أنفسهم يهودا، بينما يرى 49% أنفسهم إسرائيليين، أما المتدينون فيرى 55% منهم أنفسهم يهودا و35% إسرائيليين.
أما فيما يتعلق بتعريف الدولة أو هويتها، فيبدو واضحا أن اليهود غير معنيين بأن تكون دولتهم دولة محايدة، بل يفضلون دولة ملتزمة بهمومهم ومستعدة لخدمتهم على حساب مواطنيها الآخرين، خاصة العرب، بما يشير إلى تأثير القيم الإثنية المتطرفة التي يؤمن بها اليهود. وطبقا للدراسة المسحية المهمة التي أجريت في عام 1995 فإن الغالبية اليهودية في إسرائيل (72.1%) قد دعمت الدولة الإثنية وسياستها إزاء الأقلية الفلسطينية - العربية. كما ظلت رؤية الإسرائيليين لإسرائيل باعتبارها وطنا لليهود ثابتة تقريبا منذ بداية الثمانينيات، وبرغم البدء في عملية التسوية. إضافة إلى ذلك، فإن كل اليهود تقريبا (96.4%) يريدون المحافظة على الأغلبية اليهودية فى البلاد.
وفي دارسة لمعهد داحاف التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت قبل أربع سنوات، عبر 80% من الإسرائيليين عن اعتقادهم في أن الوضع الاجتماعي في إسرائيل غير جيد مقابل 20% قالوا أنه جيد. الأمر الذي يقطع بفشل الدولة الإسرائيلية طوال تاريخها وبمختلف زعاماتها في تحقيق حلمها بأن تكون الدولة بوتقة لصهر شتات اليهود في كيان واحد، بما يمكن أن يكون مفسرا لكل ما يعبر عنه الإسرائيليون من تخوفات وشكوك بشأن مستقبلهم، وبالتالي ما يشعرون به من عدم الأمان رغم ما يمتلكونه من عناصر القوة المادية، إذ يبقى التماسك الاجتماعي الداخلي واحدا من أهم عوامل بقاء واستمرار الدول.
فالقلق الأساسي الذي يسيطر على الإسرائيليين هو الخوف من أن تنهار الدولة على حد تعبير الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت سافير بلوتسكر، أو يتم القضاء عليها وتصبح أنقاضا على حد تعبير الكاتب الصحفي يونتان شيم في مقال لافت للنظر كتبه في صحيفة معاريف في منتصف أغسطس عام 2006 بعنوان: تأسست تل أبيب في عام 1909 وفي عام 2009 ستصبح أنقاضا. أما ليرون لندن فكتب في نهاية نوفمبر عام 2003 مقالا في صحيفة يديعوت أحرونوت معبرا عن قلقه بشأن مستقبل إسرائيل بقوله إن عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل (أي لحظة النهاية). كما وضح من خلال مؤتمر المناعة الاجتماعية الذي عقد في ديسمبر عام 2006 أن عددا كبيرا من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 عاماً.
الهجرة العكسية والخوف من المستقبل
وأخيرا فقد انعكس القلق الإسرائيلي والخوف على تزايد معدلات الهجرة من داخل إسرائيل إلى الخارج، فقد قدر عدد من هاجروا من إسرائيل خلال العام الماضي بـ 12 ألف مهاجر، وبذلك هبط ميزان الهجرة إلى إسرائيل - الذي يشكل الفرق بين الوافدين والمهاجرين - إلى 6 آلاف شخص، ويعد هذا الرقم متواضعا ويطرح تساؤلات عديدة تتعلق بالميزان الديموجرافي داخل إسرائيلي، لاسيما في ظل اعتماد إسرائيل على الهجرة بشكل أساسي للحفاظ على طابعها كـ دولة يهودية. وقد أظهر استطلاع أجري في أول مايو الماضي أن 52% من الإسرائيليين لا يستبعدون الهجرة، مقابل 32% قالوا أن لا شيء يمكن أن يدفعهم إلى المغادرة، وقال 12 % إن الوضع الأمني المتدني والخوف من حرب يدفعانهم للتفكير في مغادرة البلاد، فيما قال 10% إن عرض عمل مغر سيجعلهم يغادرون.
ويعكس تزايد معدلات الهجرة من إسرائيل الخوف من المستقبل ومحاولة إيجاد بديل في حالة حدوث السيناريو الأسوأ وهو انهيار الدولة، وقد كان ذلك دافعا لصحيفة يديعوت أحرونوت في بداية عام 2002 لأن تنشر مقال لافتا للنظر بعنوان يشترون شققا في الخارج تحسبا لليوم الأسود، أي أن الإسرائيليين يشترون شققا بالخارج تحسبا لهجرتهم، إذا ما اضطروا لذلك وهو اليوم الأسود، أي يوم نهاية إسرائيل.
وعلى الأرجح فإن التخوف الشديد من قدوم هذا اليوم الأسود هو ما يفسر الإسراف والمبالغة من جانب الإسرائيليين في الاحتفال بعيد إنشاء الدولة كما لا تفعل أي من الدول أو الشعوب. وربما يشير شعور 30% من الإسرائيليين بالخجل من كونهم إسرائيليين بجلاء إلى الحالة التي وصلت إليها إسرائيل في عيدها الستين.
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية .
[FONT=Arial (Arabic)]العدد[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]103[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]:[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]17[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]مايو[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]2008[/FONT]
الأولى تركز بالأساس على ما تم إنجازه خلال الستين عاما الماضية، فما حققته إسرائيل منذ نشأتها كان لا يمكن التنبؤ به بأي حال من الأحوال في عام 1948 من جانب أشد المتفائلين والمؤمنين بالدولة آنذاك.
فقد تمكن ما يقرب من مليون يهودي من إقامة الدولة وحافظوا عليها وسط جو رافض لوجودها. وتمتعت تلك الدولة التي أقاموها بقدر كبير من الديموقراطية فيما بين اليهود وحسب على الأقل مقارنة بدول أكبر عمرا منها بكثير، وكونوا لها جيشا هو الخامس على مستوى العالم، وحافظوا على علاقة شديدة التميز مع الولايات المتحدة، كما أن دولتهم هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط.
أما النظرة الثانية فتركز نظرها على ما لم يتم تحقيقه والمخاطر التي تحيط بالدولة حاضرا ومستقبلا، لاسيما المشاكل التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي والعلاقات المتوترة بين مكوناته المختلفة؛ العلمانيين والدينيين، والسفارديم والإشكناز، والوضع الاقتصادي المتراجع باستمرار، لاسيما ما يتعلق بتزايد معدل الفقر بشكل واضح للغاية، إذ يوجد مليون إسرائيلي تحت خط الفقر. أم الوضع الديموجرافي فيطرح تخوفا شديدا يتعلق بمستقبل الدولة مرده تزايد عدد العرب في إسرائيل بمعدل يفوق نظيره لدى اليهود. كما أن الدولة لم تنجح في حل صراعاتها مع جيرانها باستثناء مصر والأردن
الأمان الضائع
ليس هناك ما يدعو إلى الاحتفال .... مستقبل بلادنا قاتم والوضع لم يعد براقا لدينا ولدى جيراننا بهذا التعبير شديد الدلالة عبر شالوم كيتال أحد المسئولين الإعلاميين السابقين في إسرائيل على وضع بلاده أثناء احتفالها بعيدها الستين. فرغم مرور ستين عاما على إنشاء الدولة، ما زال الإسرائيليون بعيدون عن الشعور بالأمان. إذ اظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجري في سياق تلك الاحتفالات ونشرته يديعوت أحرونوت في الخامس من مايو 2008 أن 4% فقط من الإسرائيليين هم فقط الذين لا يخافون من شيء، فيما قال 4% أيضا أنهم لا يعلمون مما يجب أن يخافوا منه، بما يعني أن ثمة 8% فقط يجوز اعتبار أنهم يشعرون بالأمان، وذلك في مقابل 92% لا يشعرون بذلك الأمان، نتيجة أسباب مختلفة.
فهناك أولا 34% منهم يخشون من احتمالات امتلاك إيران السلاح النووي بكل ما يطرحه من مخاطر تهدد بقاء الدولة التي طالما حلموا بإقامتها، وهو ما يتوافق مع نتائج استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجرته جامعة تل أبيب قبل ثلاث سنوات، حيث أعرب 38 % من الإسرائيليين عن خشيتهم من التعرض لحرب نووية من جانب إيران، فالتهديد الإيراني أعاد إسرائيل إلى الوراء عبر إعادة التهديد الوجودي الذي كان قائما قبل حرب 1967 أو خلال حرب أكتوبر على حد قول افراييم كام المتخصص في الشؤون الحربية. وهناك ثانيا 22% منهم لا يشعرون بالأمان نتيجة وطأة الأزمة الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بتزايد معدلات الفقر.
الحرب احتمال دائم
وهناك ثالثا 21% منهم يؤرقهم احتمالات وقوع حرب على الحدود مع لبنان، وهو ما يتوافق مع نظرتهم قبل ثلاث سنوات، إذ عبر 75% من الإسرائيليين في استطلاع أجرته جامعة تل أبيب عن توقعهم باندلاع حرب جديدة في غضون السنوات الخمس القادمة بين إسرائيل وإحدى جاراتها، واستبعد 70 % منهم تحقيق سلام مع الفلسطينيين، كما استبعد 66 % تحقيق سلام مع سوريا. كما عبر 20% من الإسرائيليين في استطلاع آخر بمناسبة مرور ستين عاما عن اعتقادهم في أنه ستنشب في المنطقة خلال الخمس سنوات على الأكثر حرب ضارية ستكون إسرائيل طرفا فيها، وهو الأمر الذي يعني أن هاجس اندلاع حرب بين إسرائيل وأي طرف آخر يسيطر على العقلية الإسرائيلية تماما، بما يحرمها من الشعور بالأمان. علاوة على ذلك فربما يمكن التأكيد على أهمية هذا الهاجس من خلال الإشارة إلى ارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين يرون أن إسرائيل لا تمثل مستقبلا ملائما لأطفالهم، فقبل أربع سنوات عبر 70% من الإسرائيليين عن اعتقادهم بأن دولتهم ليست أملا جيدا لأطفالهم.
ورابعا فإن النسبة المتبقية ممن لا يشعرون بالأمان وهي 14% فإنهم يخافون من مجموعة أمور أخرى. ويتزايد الإحساس بعدم الأمان في ظل ما يسيطر على الإسرائيليين من أفكار رغم مرور 60 عاما على قيام الدولة، فعلى سبيل المثال يؤكد 82% من الشباب الإسرائيلي أنه مقتنع بأن دولته موجودة تحت ضغوط وتهديدات تتعلق ببقائها واستمرار على وجود الأرض، و30% منهم واثق من أن إسرائيل معرضة لخطر حقيقي سيدمرها، بينما كانت نسبة من عبروا عن تأكدهم من اقتراب بلدهم من كارثة إبادة حقيقية في عام 2007 أقل من تلك النسبة بحوالي 6%. بل إن الاستطلاع قد كشف عن أن 39% منهم لا يستبعدون وقوع أحداث نازية جديدة يحرق خلالها اليهود.
مشكلة هوية الدولة
إضافة إلى ذلك، فإنه برغم مرور ستين عاما، فما زالت الهوية تشكل واحدة من أهم المشاكل في إسرائيل، فهناك 47% يرون أنفسهم كيهود، و42% يرون أنفسهم إسرائيليين، وهناك أيضا انقسامات واختلافات داخلية بعيدة عن الاختلاف الأكبر بين العلمانيين والمتدينين، والاشكناز والسفارديم، حيث يرى 34% من العلمانيين أنفسهم يهودا، بينما يرى 49% أنفسهم إسرائيليين، أما المتدينون فيرى 55% منهم أنفسهم يهودا و35% إسرائيليين.
أما فيما يتعلق بتعريف الدولة أو هويتها، فيبدو واضحا أن اليهود غير معنيين بأن تكون دولتهم دولة محايدة، بل يفضلون دولة ملتزمة بهمومهم ومستعدة لخدمتهم على حساب مواطنيها الآخرين، خاصة العرب، بما يشير إلى تأثير القيم الإثنية المتطرفة التي يؤمن بها اليهود. وطبقا للدراسة المسحية المهمة التي أجريت في عام 1995 فإن الغالبية اليهودية في إسرائيل (72.1%) قد دعمت الدولة الإثنية وسياستها إزاء الأقلية الفلسطينية - العربية. كما ظلت رؤية الإسرائيليين لإسرائيل باعتبارها وطنا لليهود ثابتة تقريبا منذ بداية الثمانينيات، وبرغم البدء في عملية التسوية. إضافة إلى ذلك، فإن كل اليهود تقريبا (96.4%) يريدون المحافظة على الأغلبية اليهودية فى البلاد.
وفي دارسة لمعهد داحاف التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت قبل أربع سنوات، عبر 80% من الإسرائيليين عن اعتقادهم في أن الوضع الاجتماعي في إسرائيل غير جيد مقابل 20% قالوا أنه جيد. الأمر الذي يقطع بفشل الدولة الإسرائيلية طوال تاريخها وبمختلف زعاماتها في تحقيق حلمها بأن تكون الدولة بوتقة لصهر شتات اليهود في كيان واحد، بما يمكن أن يكون مفسرا لكل ما يعبر عنه الإسرائيليون من تخوفات وشكوك بشأن مستقبلهم، وبالتالي ما يشعرون به من عدم الأمان رغم ما يمتلكونه من عناصر القوة المادية، إذ يبقى التماسك الاجتماعي الداخلي واحدا من أهم عوامل بقاء واستمرار الدول.
فالقلق الأساسي الذي يسيطر على الإسرائيليين هو الخوف من أن تنهار الدولة على حد تعبير الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت سافير بلوتسكر، أو يتم القضاء عليها وتصبح أنقاضا على حد تعبير الكاتب الصحفي يونتان شيم في مقال لافت للنظر كتبه في صحيفة معاريف في منتصف أغسطس عام 2006 بعنوان: تأسست تل أبيب في عام 1909 وفي عام 2009 ستصبح أنقاضا. أما ليرون لندن فكتب في نهاية نوفمبر عام 2003 مقالا في صحيفة يديعوت أحرونوت معبرا عن قلقه بشأن مستقبل إسرائيل بقوله إن عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل (أي لحظة النهاية). كما وضح من خلال مؤتمر المناعة الاجتماعية الذي عقد في ديسمبر عام 2006 أن عددا كبيرا من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 عاماً.
الهجرة العكسية والخوف من المستقبل
وأخيرا فقد انعكس القلق الإسرائيلي والخوف على تزايد معدلات الهجرة من داخل إسرائيل إلى الخارج، فقد قدر عدد من هاجروا من إسرائيل خلال العام الماضي بـ 12 ألف مهاجر، وبذلك هبط ميزان الهجرة إلى إسرائيل - الذي يشكل الفرق بين الوافدين والمهاجرين - إلى 6 آلاف شخص، ويعد هذا الرقم متواضعا ويطرح تساؤلات عديدة تتعلق بالميزان الديموجرافي داخل إسرائيلي، لاسيما في ظل اعتماد إسرائيل على الهجرة بشكل أساسي للحفاظ على طابعها كـ دولة يهودية. وقد أظهر استطلاع أجري في أول مايو الماضي أن 52% من الإسرائيليين لا يستبعدون الهجرة، مقابل 32% قالوا أن لا شيء يمكن أن يدفعهم إلى المغادرة، وقال 12 % إن الوضع الأمني المتدني والخوف من حرب يدفعانهم للتفكير في مغادرة البلاد، فيما قال 10% إن عرض عمل مغر سيجعلهم يغادرون.
ويعكس تزايد معدلات الهجرة من إسرائيل الخوف من المستقبل ومحاولة إيجاد بديل في حالة حدوث السيناريو الأسوأ وهو انهيار الدولة، وقد كان ذلك دافعا لصحيفة يديعوت أحرونوت في بداية عام 2002 لأن تنشر مقال لافتا للنظر بعنوان يشترون شققا في الخارج تحسبا لليوم الأسود، أي أن الإسرائيليين يشترون شققا بالخارج تحسبا لهجرتهم، إذا ما اضطروا لذلك وهو اليوم الأسود، أي يوم نهاية إسرائيل.
وعلى الأرجح فإن التخوف الشديد من قدوم هذا اليوم الأسود هو ما يفسر الإسراف والمبالغة من جانب الإسرائيليين في الاحتفال بعيد إنشاء الدولة كما لا تفعل أي من الدول أو الشعوب. وربما يشير شعور 30% من الإسرائيليين بالخجل من كونهم إسرائيليين بجلاء إلى الحالة التي وصلت إليها إسرائيل في عيدها الستين.
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية .
[FONT=Arial (Arabic)]العدد[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]103[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]:[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]17[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]مايو[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]2008[/FONT]