بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المعلق:
السلام عليكم
الحرب العالمية الثانية هي أضخم حادثة في التاريخ البشري، من داخل غرف اجتماعات قادة الحلفاء والمحور ومن جانبي ساحة المعركة تتبدى فصول مأساة ملحمية، في إطار هذا الصراع العالمي هدد خمسة عشر عاملًا مستقبل الحضارة الإنسانية، في عام 1941 وبعد أن اكتسح "هتلر" معظم أوروبا الغربية وأوروبا صمم على غزو الاتحاد السوفيتي.
أدى غرور "هتلر" إلى نشوب معركة لم يتمكن من تحقيق النصر فيها، إنها معركة "ستالين جراد" كانت "ستالين جراد" مدينة جذابة على نهر "الفونكا" وتؤدي دورها كبوابة لآسيا الروسية، حينما وضعت الحرب أوزارها تغيرت معالمها، كانت المدينة ذات أهمية إستراتيجية بسيطة لكنها وقعت بين منطقيتين رئيسيتين أقامهما "هتلر" في الشمال كانت موسكو التي سبق ووعد "هتلر" الشعب الألماني أن يرفف العلم النازي فوق الكريملن أما في الجنوب فهناك منطقة القوقاز الغنية بالنفط والتي سعى للاستيلاء عليها، ومن خلال احتلال "ستالين جراد" كان "هتلر" يحمي الجناح الشمالي للجيش الألماني في أثناء احتلاله القوقاز طمعًا في النفط المهم.
في حزيران من عام 42 تقدم الجيش الألماني مسافات شاسعة في داخل الأراضي الروسية قاصدًا هدفه "ستالين جراد".
سمي الهجوم الألماني بالرمز أزرق فانطلق عبر الريف دون مقاومة تقريبًا، ولكن حين كان الروس ظن "هتلر" أن الجيش الأحمر يمر في آخر مراحله لكن الواقع كان يقول إن الروس كانوا قد تعلموا عدم خوض حرب حديثة في مواقع مفتوحة فتراجعوا فيما أطبق الجيش الألماني على البقية الباقية منه.
بدا احتلال "ستالين جراد" لـ"هتلر" شبيهًا بسقوط بولندا والنرويج وفرنسا، أمر قواته ألا تبدي أي عطف أدت ثقة "هتلر" الزائدة إلى تخليه عن خطته المحكمة بتسوية الأمور في "ستالين جراد" قبل الانتقال إلى القوقاز وبدلاً من ذلك حاول احتلالهما في وقت واحد، حاول الجنرال "هولدر" أن يقنع "هتلر" أنه لا يستطيع شن هجومين في اتجاهين مختلفين وكانت النتيجة أن طرده "هتلر".
كان بإمكان "هتلر" احتلال "ستالين جراد" لو أن قواته ركزت على المدينة ومن ثم تابعت تقدمها إلى القوقاز لكنه حاول احتلالهما في وقت واحد فأساء التقدير، ولم يشأ الله له احتلالهما.
أدى تسرعه لمنح الروس الوقت الثمين المطلوب لإعادة تجميع قواتهم من نهر "الدون" وحتى نهر "الفولجا" كان ذلك العامل الذي حسم معركة "ستالين جراد".
نصب النازيون 22 جسرًا عائما على نهر "الدون" أثناء تقدمهم شرقًا، ومع ذلك لم يظهر الجيش الروسي، انطلق الألمان في مسيرة طولها أربعون ميلاً نحو نهر "الفولجا" كان قوام الجيش330 ألف رجل وخمسمائة دبابة تحت إمرة رجل تم اختياره بداعي المحاباة لا المقدرة.
لم يسبق لـ"فريدريك بولاس" أن قاد فوجا عسكريًّا فكيف بفرقة أو فيلق، كان يكنى باللورد النبيل ويرتدي القفازات ويغير بزته العسكرية مرتين يوميًّا، لكن ضغط الأشهر الستة التالية حول اللورد النبيل إلى شخص أرعن.
أمر "هتلر" "بولاس" باحتلال "ستالين جراد" خلال يومين.
أشرف "نيكيتا خروتشوف" على تحركات الفريق "أدمنكو" وهو القائد الروسي المسئول عن "ستالين جراد" وسرعان ما أصبحت حرب الشوارع تحت إمرة الجنرال "باسيني شيخوف" الذي قال لـ"يارمنكو" سنحافظ على المدينة أو نموت فيها، وكل هذا طبعًا بأمر الله.
في كل مبنى وكل زاوية شارع أصبح "ستالين جراد" قلعة سوفيتية.
غالبًا ما كان الخط الأمامي يتكون من جدار أو طبقة تفصل بين مستويات المبنى، دافع الروس بشراسة عن كل قدم من الأرض، وكانت المكاسب الألمان تقاس بالأمتار، زرع الجنود الروس الشوارع بالألغام وحفروا الخنادق ليتنقلوا بسرعة من مبنى إلى آخر، وحصروا الألمان في متاهة تحولت إلى موقع قتال شرس.
سمى الألمان حرب الشوارع هذه حرب الجرذان، أضحت المدينة مرتعًا للقناصة بعد أن أحضر كل طرف أفضل قناصته، عندما دخل "بولاس" بآخر تعزيزاته إلى المعركة كان الألمان يسيطرون على تسعين في المائة من المدينة أن "ستالين جراد" قد سقطت، في تلك اللحظة قدر الله أن يغزو الشتاء المدينة.
بدأ الهجوم الروسي في برقية مشفرة من موسكو تقول: ابعث رسولاً ليأخذ قفاز الفراء، انتظر الروس بفارغ الصبر مجيء برد الشتاء لتكون الأرض أكثر ثباتًا تحت جنازير دباباتهم، علم "هتلر" في "بيرجز جادن" بالهجوم الروسي وحثه أحد مساعديه على السماح للجيش السادس بالإفلات من ذلك الفخ لكنه صرخ قائلاً: لن أغادر "الفولجا"، أدى تصميمه إلى توجه ذلك الجيش إلى براثن الكارثة.
أحكمت القوات السوفيتية الطوق واتصل "بولاس" بهتلر يبلغه أن جيشه محاصر كليًّا، شعر السوفيت بفرح كبير عندما التقت قواتهم أخيرًا، لقد أوقعوا الألمان بالفخ وسيتركونهم يتضورون جوعًا حتى يرضخوا، قال "هيرمان دورنج" الذي قضى الشتاء تحت شمس إيطاليا لهتلر سوف يزود سلاح الجو الجيش السادس بالمؤن من الجو.
لكن الدعم الجوي خلال الشتاء الروسي عملية صعبة جدًّا، أرسل "هتلر" "مومشتاين" لنجدة جيش
"بولاس" المحاصر، وصل "مومشتاين" حتى مسافة بلغت 35 ميلاً من "بولاس" الذي كان بإمكانه إنقاذ رجاله عبر شق طريق للالتقاء بـ"مومشتاين" لكن "بولاس" ظل قابعًا في مكانه خشية عصيان أمر "هتلر" بعدم الانسحاب.
حان وقت إبادة الجيش الألماني السادس، أرسل السوفيت إنذارا نهائيًّا إلى "بولاس" يدعونه فيه إلى استسلام مشرف فاتصل بهتلر يستأذنه بذلك، رفض هتلر فانقض الروس.
سقط آخر مدرج ألماني فانقطعت عنهم الأدوية الضرورية للمرضى والجرحى، حملت آخر طائرة غادرت إلى برلين وسائل وداع من ا لجنود الألمان لعائلاتهم، صودرت الرسائل في برلين وأحرق معظمها.
جندي ألماني:
كنا نمر بظروف صعبة جدًّا، وكانت القوات السوفيتية مسيطرة تمامًا.
المعلق:
اتصل بولاس بهتلر للمرة الأخيرة قائلاً: لن نستطيع تأخير الانهيار النهائي أكثر من يوم، رد "هتلر" عليه بإمائة مرعبة ومع ذلك رقاه إلى رتبة مارشال علمًا أنه لم يسبق لمارشال ألماني أن أسر في التاريخ العسكري.
في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة كان الروس على مقربة من موقع "بولاس" الذي كان يحدق به خطر شديد، حاول المحافظة على هدوئه لكن إحباطه كان واضحًا.
تجددت قوة جيش "ستالين" العسكرية في "ستالين جراد" فيما تحطمت روح الجيش الألماني، وسط حرارة بلغت 24 درجة تحت الصفر تم نقل 91 ناج ألماني أعياهم الجوع والمرض والصقيع، تم نقلهم إلى معسكرات الاعتقال في سيبيريا.
فقط خمسة آلاف عادوا إلى بلادهم أحياء، على الرغم من دعاية "هتلر" هزمت صورة الجندي الألماني الذي لا يقهر، وتحولت الصورة فبعد معركة "ستالين جراد" ظل الألمان في موقع دفاعي حتى نهاية الحرب.
في صيف عام 42 أبحر اللواء "فاند جريفت"على رأس قوة تابعة للبحرية الأمريكية في رحلة طويلة انطلاقا من ميناء "سان فرانسيسكو"، في أول هجوم رئيسي أمريكي جرت الحرب العالمية الثانية قام هؤلاء الجنود باحتلال جزيرة سيطر عليها اليابانيون وهم لم يسمعوا بها من قبل، رافقت عاصفة تقدم الأسطول البحري مؤذنة بالأيام العصيبة التالية في معركة "جوادل كنال".
على بعد 900 ميل شمال شرق استراليا بدأ اليابانيون يبنون سرًّا مدرجًا في جزيرة "جوادل كنال" إذا أكمل المدرج تصبح استراليا عرضة للهجمات الجوية اليابانية وللغزو.
فكان على الحلفاء أن يتصرفوا بسرعة.
عملية إنزال على "جوادل كنال" هذا هو الجنرال "فاند جريفت" يكون على سفينة القيادة وهو ينتظر الخصم، لكنه لم يجده، كان اليابانيين قد أخذوا على حين غرة، كانت أولى الخسائر الأمريكية جنديًّا جرحت يده بالسكين وهو يفتح جوزة هند، كان هذا الفصل الأول فقط من معركة دامت ستة أشهر.
أنزل رجال البحرية المؤن إلى الشاطئ وهي مهمة مرهقة أبطأت السفن الحربية القديمة التي أوجبت إفراغها من الجوانب، وقد أمهل هذا الأمر اليابانيين وسمح لهم بإعداد هجوم مضاد، كان لدى الأمريكيين نظام إنذار مبكر إذ حذر الاستراليون ومراقبو الساحل من سكان الجزر المجاورة حذروا البحرية الأمريكية لاسلكيًّا عند اقتراب الطائرات اليابانية.
خلال هذا القصف العنيف لقي أكثر من 100 أمريكي واسترالي مصرعهم قبالة ساحل "جوادل كنال"، توغلت القوات البحرية مسافة ميل عبر الغابات ليصلوا إلى مدرج شبه جاهز، ولم يكن هناك مقاومة تذكر.
ولى 1700 مهندس ياباني الأدبار من المدرج مع اقتراب القوات البحرية، سمى الأمريكيون غنيمتهم الثمينة هذه مطار "هاندرسون" تيمنا بالرائد الطيار البحري "هافتن هاندرسون" الذي سقط في معركة "ميدواي" قبل شهرين.
لم تفرغ جعبة اليابانيين من السهام بعد، فتقدمت سبعة طرادات بحرية بسرعة نحو ممر بحري في جزر سليمان من خلال تأكيد تفوقهم البحري كان بإمكان اليابانيين إنزال قوات جديدة لإعادة احتلال مطار "هاندرسون".
كان واضحًا للجانبين أن السيطرة على المياه المحيطة تعني السيطرة على الجزيرة واندلعت معركة على للسيطرة على "جوادل كنال" في مضيق القعر الحديدي، بدأ اليابانيون هجومهم عند الساعة الواحدة والدقيقة 43 صباحًا.
وبحلول الفجر كانوا قد أغرقوا خمس طرادات للحلفاء، بعد تأكيد تفوق البحري الياباني سرعان ما أنزلوا 900 جندي احتياطي، وتوقع قائدهم أن يكون العدد كافيًا، لكنه كان مخطئًا ، كان العقيد "كيونو إكشيكي" واثقًا جدًّا بحيث بدأ هجومه ونصف رجاله لا يزالون في البحر.
رد الجنود البحرية الأمريكية موجات الهجوم المتلاحقة من اليابانيين هوى ثمانون في المائة من رجال "إكشيكي" أرضًا الأحياء والمحتضرون والأموات وكل هذا بإرادة الله تعالى.
في صبيحة اليوم التالي طهرت القوات البحرية بالدبابات، قال "فانت جريفت" أدت الدبابات من الخلف كفرامة لحم، وجد العقيد "إكشيكي" بقعة هادئة على الشاطئ فأقدم فيها على الانتحار.
على الرغم من النصر الساحق بقيت القوات البحرية في وضع يائس إذ كانوا معزولين وقليلي المؤن ويدركون أن التعزيزات لن تصلهم ما دامت البحرية اليابانية مسيطرة على البحار.
زاد بعوض الملاريا والدزنتاريا والأمطار الغزيرة والحشرات الزاحفة المأساة قوة ثم جاء دور الطين والأسوأ من كل ذلك أن "جوادل كنال" عادت لتشهد أعدادًا كبيرة من التعزيزات اليابانية الجديدة.
كان هذا أول هجوم أمريكي في الحرب العالمية الثانية ولم يسبق للجنود الأمريكيين أن تعاملوا مع عدو كهذا مموَّه جيدًا ويختبئ في الكهوف والأشجار.
بحلول شهر أيلول كان اليابانيون قد أعادوا تجميع قواتهم للبدء بهجوم آخر على مطار "هاندرسون"، في وجود ستة أضعاف عددهم السابق وصل اليابانيون مسافة ألف متر من مطار "هاندرسون" قبل أن تصدهم القوات البحرية الأمريكية، تساءل اليابانيون عن هؤلاء المقاتلين الأمريكيين.
إنهم ليسوا بالأمريكيين قليلي التدريب والعتاد الذين كسحهم اليابانيون بسهولة في أيام الحرب الأولى، أبت اليابان أن تستسلم برًّا أو بحرًا وكانت "جوادل كنال" مهمة لها وللحلفاء.
عندما علم الأدميرال "شيستر مميتس" بخطط اليابان بشن هجوم بري وبحري كاسح عين أحد أقوى رجالاته لصدهم.
عندما تسلم الأدميرال "هولزي" مهمته قال: هذه أصعب مهمة أتولاها.
أول تشرين الثاني حاول اليابانيون عزل القوات البحرية الأمريكية في "جوادل كنال" عبر إزالة إمداداتهم البحرية، وثقت إحدى هذه اللحظات المأساوية على فيلم مصور وكان الآن إصابة مباشرة تعرضت لها "إنتي برايز" وأودت بحياة الرجل الذي التقط هذا الفيلم وهذا بأمر الله.
تفجرت بعدئذ إحدى أعنف المعارك البحرية التي نشبت في الحرب العالمية الثانية وذلك في ليلة الثانية عشر من شهر تشرين الثاني، ثلاث وعشرون سفينة حربية يابانية من بينها بارجتان وطراد ثقيل لم ترى جميعها ضياء النهار مرة أخرى.
قام رجال "هولزي" بعملهم على أكمل وجه، أجبروا البحرية اليابانية على التراجع أما أصبحوا يسمونها جزيرة الموت وكان ذلك العامل الحاسم في "جوادل كنال"، عندما أحكم الأمريكيون سيطرتهم على البحر بدأت قواتهم وذخائرهم بالتدفق.
قام اليابانيون بمحاولة أخيرة لإنزال الجنود في "جوادل كنال"، أبادهم الطيارون الأمريكيون بعدما أصبحوا أهدافًا ساكنة على الشاطئ، قتل خمسة آلاف جندي ياباني في سفن الإنزال في هذه المحاولة الأخيرة، وصلت تعزيزات الجيش الأمريكي إلى "جوادل كنال" في شهر كانون الأول وانتقلت السيطرة عليها من قوات البحرية الأمريكية التابعة لفانت جريفت إلى الجيش بقيادة الجنرال "باتش" في شباط استسلمت القوات اليابانية المتبقية.
قبل معركة "جوادل كنال" بدا الجيش الياباني جيشًا لا يقهر أما الآن فقد بدأ الزحف الأمريكي الطويل نحو طوكيو، بدأ زحفهم إلى نصر مكتوب لهم لو لم تسيطر أمريكا على "جوادل كنال" لبسط اليابانيون سيطرتهم على المحيط الهادي، وما كان بإمكان أمريكا أن تصدهم.
اختير "رومل" أشهر جنرالات ألمانيا لقيادة الفيلق الألماني لمواجهة البريطانيين في إقصاء البحر الأبيض المتوسط عن الحلفاء، كانت معركة السيطرة على شمال إفريقيا عملاً مبكرًا رسم مسيرة الحرب العالمية الثانية.
بعد سبعة أشهر من معركة "بيرل هاربر" التقى "تشريشل" و"روسفيلد" لوضع خطة شمال إفريقيا أقنع "تشريشل" "روسفيلد" أن قيام أمريكا بشن هجوم هناك سيدعم القوات البريطانية ويعطي الأمريكيين تجربة قتالية كبيرة.
سيفتح الغزو أيضًا طريقة خلفية لمواجهة أوروبا الواقعة تحت سيطرة النازية.
كلف الجنرال "أيزن هاور" لقيادة هجوم الحلفاء في عملية المشعل تلك، لكن البريطانيون ظلوا وحدهم عدة أشهر يواجهون عدوًّا لدودًا، كان "رومل" ثعلب الصحراء جنديًّا فذًّا ومخططًا إستراتيجيًّا بارعًا، كان قلقًا من تفوق الأمريكيين على جيوشه عدة وعددًا، لكن القيادة النازية لم تشاطره الرأي.
قال "هيرمن جورنج": ساخرًا كل ما يستطيع الأمريكيون تصنيعه هو شفرات الحلاقة والثلاجات، ورد عليه "رومل" قائلاً: أتمنى يا مارشال أن ترسلوا لنا شفرات مشابهة.
وصل "تشريشل" في آب إلى شمال إفريقيا وعين قائدا طموحًا جديدًا للجيش البريطاني الثامن وهو الجنرال "مونت جمري" كان "مونت جمري" مخططا قويًّا لكنه كان أكثر حذرًا من "رومل".
كانت تعليمات "تشريشل" له واضحة وهي تدمير الجيش الألماني الإيطالي في أقرب فرصة والذي هو بقيادة المارشال "رومل".
وهكذا أعد المسرح لنشوب معركة بين القوتين، خلال شهرين بدأ "مونت جمري" هجومه على الألمان والذي توج بمعركة العلمين.
حدث أمر لصالح البريطانيين عندما مرض "رومل" وغادر شمال إفريقيا للعلاج في النمسا وأمسى الفيلق الألماني في إفريقيا دون أقوى مقوماته ألا وهو ثعلب الصحراء.
فاجأ "مونت جمري" النازيين بقصف مدفعي تلاه هجوم المشاة والدبابات، كان القصف عنيفا جدًّا وأصيب بديل "رومل" وهو الجنرال "شتون" بذبحة قلبية فيما قام الجيش الألماني بدفاع مشتت، عاد رومل في اليوم الثالث لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بحسب قوله وسحب قواته المنهكة مخالفًا بذلك رغبات "هتلر".
كان نصر البريطانيين في معركة العلمين هزيمة نكراء للنازيين ونقطة تحول في الحملة على شمال إفريقيا، لخص "تشيرشل" أهمية نصره في العلمين قائلاً: إنها ليست النهاية ولا بداية النهاية لكنها نهاية البداية دون أدنى شك.
تابع البريطانيون المنتصرون تقدمهم لكن ثمن العلمين كان باهظًا، وشملت 250 دبابة وأكثر 13 ألف إصابة، ومع ذلك نجحوا في إضعاف عزيمة الألمان، ناشد "رومل" "هتلر" إمداده بالرجال والعتاد لكن أحداث الجبهة الروسية جعلت "هتلر" يتجاهله وجاء قرار "هتلر" كارثة عليه.
مع تزايد أعداد الضباط الألمان المستسلمين كان الأمريكيون على وشك دخول النزاع، وضع "أيزن هاور" من مقر قيادة من جبل طارق خطة عرفت بعملية المشعل، وهو الغزو الأمريكي لشمالي إفريقيا، قضت الخطة بإنزال القوات في الجزائر ووهران والمغرب قريبًا من الدار البيضاء، وأمل الحلفاء أن تنقلب جيوش "بيشي" الفرنسة على النازيين المحتلين.
تمت مناشدة قوات "بيشي" الفرنسية عبر الأثير ومن بينها مناشدة واشنطن مباشرة.
مسئول أمريكي:
نحن قادمون إليكم كي نساعدكم في التغلب على عدوكم ثقوا بكلماتنا، لا نريد أن نسبب لكم أي أذى، ساعدونا بما استطعتم أيها الرفاق، وسنعيش معًا يوم النصر عندما يسود السلام وتعم الحرية الأرض مجددًا إننا معكم أيها الرفاق، إننا معكم أيها الرفاق.
المعلق:
شنت أكثر من 500 سفينة حربية تابعة للحلفاء هجومًا مفاجئًا على الأهداف الثلاثة، هاجم الجنود الأمريكيون الشواطئ آملين ألا يطلق مقاتلو "بيشي" النار عليهم، ولكن رصاص أولئك الجنود حصد الأمريكيين وجرت أعنف مقاومة في الدار البيضاء، أخيرًا وعندما أسر القائد الفرنسي "جاندر لان" في الجزائر أقنع جنوده بالاستسلام للأمريكيين الذي ضيقوا الخناق بسرعة على المدن الثلاث.
رغب "أيك" في الاستمرار بالهجوم وخطط لنقل قواته بسرعة إلى تونس، ومهاجمة الألمان قبل وصول الإمدادات إليهم، إذا نجحت الخطة فإن ضغط "أيك" من الشمال و "موت جمري" من الجنوب سيقهر الألمان في شمال إفريقيا.
طردت الدبابات الألمانية ذات طراز "m 4" القوات الأمريكية من تونس وهي دبابات ما كانت أمريكا لتستطيع تأمينها، واجهت القوات الأمريكية جام غضب سلاح الجو الألماني الذي أقلعت قاذفاته من قواعد المحور في إيطاليا، وألحقت الدمار في شمال إفريقيا.
فشلت مغامرة "أيك" وتفوق الجيش الألماني القوي على القوات الأمريكية جلب عام 43 زائرًا مفاجئًا إلى الجنود الأمريكيين الذين انهكتهم الحرب في شمال إفريقيا.
مسئول أمريكي:
الساعة الآن العاشرة وهاهي الأخبار التي طال انتظاركم لها التقى "فرانكلن روسفيلد" و "تشريشل" على التراب الإفريقي في الدار البيضاء ووضعا خطة حرب عام 1943 والتي ستؤدي إلى استسلام غير مشروط لكل من ألمانيا وإيطاليا واليابان.
المعلق:
وصل "ألبرت كاسل رينج" القائد الأعلى الألماني إلى البحر المتوسط لمقابلة "رومل" في شمال إفريقيا، أخبرت ثعلب الصحراء القائد الألماني أنه يخطط لمهاجمة الحلفاء عبر الجبال الواقعة غرب تونس عند ممر القصرين.
قضت خطة رومل بتغيير محطات الإمدادات والاتصالات التابعة لقوات الحلفاء في "كيبازا" وفي 19 من شباط بدأ الهجوم الألماني تفاجأ الأمريكيون وهزموا شر هزيمة.
لكن رومل دفع ثمن النصر باهظًا، اخترق رومل خطوط الحلفاء لكن القتال العنيف تركه مع ذخيرة تكفي يومًا واحدًا وكميات قليلة جدًّا من الوقود، واضطر إلى الانسحاب، كان هذا الهجوم الألماني آخر نصر يحققه رومل في شمال إفريقيا.
أدرك رومل أن قواته في هذه المنطقة لن تستطيع الوقوف في وجه قوات الحلفاء التي أخذت تزداد عددا وعدة وناشد "هتلر" التخلي عن شمال إفريقيا.
صرخ "هتلر" قائلاً: ستظل إفريقيا في أيدينا وأعطى رومل إجازة مرضية هكذا ترك الألمان ضمن جيش صغير منهك و76 دبابة صالحة وكمية وقود ضئيلة جدًّا بحيث راح الجنود يحاولون تقطير الوقود من الشراب.
التقت جيوش الحلفاء الزاحفة من الجنوب والشمال في نيسان لإنجاز الحملة على شمال إفريقيا، في أواسط نيسان سقطت "بينزر" وسرعان ما أصبحت تونس هدفًا قريبًا وفي هذه المرة لم يستطع الجيش الألماني الدفاع عنها.
هذا هو الفيلق الألمان في إفريقيا الذي كان قويًا ومع هزيمته أحكم الحلفاء سيطرتهم على شمال إفريقيا، لو استطاع "هتلر" السيطرة على البحر المتوسط لأمكنه إحكام قبضته على أوروبا بدلاً من ذلك أصبح النازيون يقاتلون على جبهتين وصار شمالي إفريقيا مركز انطلاق للحلفاء لغزو إيطاليا.
في ليلة الخامس من حزيران عام 44 غادر أكبر أسطول بحري شهده العالم جنوبي إنجلترا متجهًا إلى السواحل الفرنسية ضمن عملية وصفها "تشيرشل" بأنها أصعب عملية على الإطلاق.
كان اسم العملية عملية الحاكم الأعلى لكن التاريخ يذكرها باسم يوم الإنزال الكبير، تكون عملية يوم الإنزال الكبير ناجحة إذا كانت قوات الحلفاء كلها موحدة في إمرة يد حازمة وكانت اليد الحازمة تلك للجنرال "أيزن هاور" كانت خبرة "أيك" القتالية قليلة لكن ولاءه وبراعته في التخطيط جعلاه الخيار الأمثل كان القائد البريطاني المتعجرف "مونت جمري" الذي حارب الألمان في شمال إفريقيا تحت إمرة "أيزن هاور" ومقت ذلك كان "مونت جمري" قد عين مسئولاً القوات البرية البريطانية والكندية المشاركة في الغزو.
"ترايك" صديقه الهادئ والقدير الجنرال "عمر برادلي" لقيادة القوات البرية الأمريكية.
في ربيع عام 43 شهدت إنجلترا غزوا ليس من قبل الألمان بل من قبل مليون ونصف المليون جندي أمريكي قال البريطانيون إن الأمريكيين يتقاضون أكثر مما يستحقون ومولعون بالإثارة ووجودهم ثقيل الظل، رد الأمريكيون أنتم تتقاضون رواتب بخسة ولا تعرفون الإثارة وتحت إمرة "أيزن هاور".
لم يكن هذا أول غزو لفرنسا المحتلة من قبل النازيين، ففي آب من عام 42 شنت القوات الكندية والبريطانية هجومًا فاشلاً على ميناء "دييف" الواقع شمالًا وفقد فوج واحد ثمانين في المائة من رجاله.
لكن دروسًا كثيرة تم الاستفادة منها من ذلك الهجوم كان اللورد "مونت أتون" يقول مقابل كل جندي قتل في "الدييف" تم إنقاذ عشرة في يوم الإنزال الكبير.
كان الألمان يعرفون أن الغزو قريب وكان السؤال هو متى وأين، شعر "هتلر" أن الغزو سيكون في منطقة النورماندي لكن مساعديه استبعدوا ذلك واعتقدوا أن الحلفاء سيهاجمون ميناءً يسمح بإنزال كميات هائلة من الإمدادات.
كان روميل مقتنعًا أن النجاح يكمن في صد العدو عند الشواطئ وقال: ستكون أول 24 من الغزو حاسمة للحلفاء ولألمانيا سيكون هذا اليوم يومًا مشهودًا، هكذا صاغ رومل تعبيرًا تداولته الأجيال لم يتفق قائد رومل وهو المارشال "جيرد فون روثد" معه في الرأي، كان يعتقد أن لا شيء يحول دون اختراق الحلفاء للجدار الأطلسي.
وبالتالي كان يرغب بالاحتفاظ بفرقة دبابات ضخمة متحركة لنقلها بسرعة إلى الموقع الذي سيغزوه الحلفاء، بحلول عام 43 بلغ الإنتاج الحربي الأمريكي في الشهر 140 سفينة و 2500 دبابة و 15 ألف آلية عسكرية وثمانية آلاف طائرة كان معظمها يجد طريقه إلى إنجلترا، ولكن كيف يمكن إخفاء تلك التعزيزات وكان نجاح الغزو يعتمد على سريته.
نجح الجنرال "جورج باتون" في خداع الألمان بما سمي بعملية الجلد وكان خدعة على نطاق واسع تهدف إلى إيهام الاستخبارات الألمانية بأن الحلفاء سيهاجمون ميناء "كالييه" في أضيق ممر للمانش.
ولتثبت الخدعة حرص "باتون" على الظهور في مقر قيادة قوات غزوه المزيف والواقع قبالة "كالييه" مباشرة.
كانت الخطة تنطوي على أكثر من ذلك، فقد سربت آلاف الرسائل إلى الاستخبارات الألمانية إمعانًا في تشويشهم ووضعت دمى دبابات وسيارات عسكرية في مناطق معينة في إنجلترا لتحويل النتباه عن الحشد الحقيقي في الجنوب.
وأدت عملية التمويه المتقنة إلى مرابطة معظم القوات الألمانية قرب "كالييه" بعيدًا عن شواطئ النورماندي، ونجحت الخدعة.
في ربيع عام 44 واستعداد للغزو أسقط طيارو الحلفاء ثلاثة آلاف طائرة ألمانية، لن يكون سلاح الجو الألماني فاعلاً في يوم الإنزال الكبير، ركز الحلفاء غاراتهم أيضًا على سكك الحديدية الفرنسية لوقف الإمدادات الألمانية المتجهة إلى النورماندي.
بقي ثلاثة أيام على موعد الإنزال الكبير وأسطول الغزو التابع للحلفاء جاهز في انتظار الضوء الأخضر من الجنرال "أيزن هاور" بدأ "أيك" ثلاثة أيام حتى يسود مناخ مناسب يتأخر فيه ظهور القمر ويرتفع المد.
بقي يومان على موعد الإنزال الكبير أطبقت عاصفة على القناة الإنجليزية واستيقظ "أيك" على هذه النشرة الجوية وقرر بعد استشارة عالم أرصاد جوي أن ينتظر يومًا آخر، يوم واحد على يوم الإنزال الكبير عاد رومل إلى ألمانيا ليبقى ذاك مع اليوم مع عائلته.
أخبر "فون روثفد" أن الغزو ليس قريبًا، كان هذا ما قاله لفون.
في ذلك اليوم علم "أيك" أن المناخ قد يتحسن في منطقة النورماندي صباح يوم السادس يدرك أن تأخير موعد الإنزال مجددًا يعني مرور أسبوعين آخرين قبل أن تتحسن الأحوال الجوية وبهدوء قال: حسنًا سننطلق.
قضت خطة الحلفاء بإنزال المظلين في العمق لحماية جناحي منطقة الإنزال على الشاطئ ويتبع ذلك قصف بحري عند بزوغ الفجر، بعدئذ تغزو القوات البريطانية والكندية الشواطئ التي تحمل الأسماء الرمزية "جولد" "جونو" "سوولد" فيما يغزو الأمريكيون "يوتا" و"أوماها" وأخيرًا تصل قوات الحلفاء الجوية والبحرية وتندفع نحو باريس.
بحلول مساء السادس من حزيران بدأ أضخم أسطول بحري عرفه التاريخ يقترب ببطء من النورماندي البحر هائج وكانت تجربة صعبة خاضها رجال من ولايات مثل "إنسوتا" "نبراسكا" و"أيا".
في إنجلترا زار "أيك" قوات المظليين الذين سيكونون أول من يواجه العدو، سيتم إنزاله في النورماندي بالطائرات الشراعية والمظلات إنها لحظة حلوة ومرة لـ"أيك" الذي يعرف أن سبعين في المائة من هؤلاء الرجال سيقعون بين قتيل وجريح.
كانت رسالة "أيك" الأخيرة لهم تبين بوضوح المهمة التي تنتظرهم.
أيك:
لجنودي وبحارتي وملاحي قوات الحلفاء الطلائعية أنتم على وشك أن تشاركوا في حملة كبيرة نعد لها منذ أشهر أعين العالم كله مسلطة عليكم، آمال ودعوات محبي الحرية في كل العالم ترافقكم لن تكون مهمتكم سهلة كلي ثقة بشجاعتكم وإخلاصكم لواجبكم، وبراعتكم القتالية ولن نقبل بأقل من النصر.
المعلق:
عبرت أكثر من 12 ألف طائرة تابعة للحلفاء القناة الإنجليزية في تلك الليلة، دول المحور كان لديهم 169 مقاتلة فقط،
يستعيد مدافع ألماني ذكرياته فيقول: رفعنا بصرنا فوجدناهم هناك كانوا يطيرون فوق رءوسنا استلقينا على ظهورنا ورحنا نطلق النار، ظللنا نطلقها حتى تعطلت بنادقنا، لكن جنودنا لم يكون ذا نفع أمام الأعداد الهائلة.
نزل 24 ألف مظلي فوق النورماندي وصل معظم البريطانيين إلى المواقع المطلوبة وتبعثر ثلاثة أرباع الأمريكيين ووقعوا ضحايا الارتباك والحسابات الخطأ.
لكن مساعدي هتلر خشوا من إيقاظه إلا بعد تأكيد الغزو رسميًّا، اتصل "فورسيد" في النهاية بهتلر وطلب منه إرسال الدعم، أخر "هتلر" الذي كان ما يزال مقتنعًا بأن الغزو الحقيقي سيتم بمنطقة "كالييه" أخر استجابته لطلبه سبع ساعات، وتبين أن ذلك التأخير كان العامل الحاسم الذي حسم نتيجة يوم الإنزال الكبير.
بدأت سفن الحلفاء تطلق وابلاً من قذائفها المدفعية نحو جدار "هتلر" الأطلسي، أطول يوم للحلفاء والألمان أيضًا قد بدأ، مع اقتراب سفن الحلفاء من الشاطئ أوقفت مدافعهم البحرية قصفها خشية إصابتهم هم كان تجنب النيران الألمانية يكفيهم ثم إن الإنزال على الشواطئ الخمسة كان كثيفًا جدًّا.
وصلت سفن الإنزال الأمريكية قريبة من شاطئ "يوتا" وخاض الأمريكيون في الماء مئة متر للوصول إلى الشاطئ، الهدوء الغريب يعم المكان، قتل قصف الحلفاء معظم الجنود الألمان وتحرك الأمريكيون بسرعة إلى الدخول.
حقق الإنزال في "يوتا" نجاحًا باهرًا، نزلت فرقتان بريطانيتان وأخرى كندية على شواطئ "جولد" "جونو" و"سوولد" وبعد أربع سنوات من إرعاب النازيين الأجواء فوق إنجلترا أضحى البريطانيون مطاردين لهم.
وقع نحو ألف قتيل هنا لكن أكثر الإنزالات دموية كانت على شاطئ "أوماها"، أريق بحر من الدماء في "أوماها" أخطأت طيارات الحلفاء موقع المدفعية الألمانية في "أوماها" نتيجة ضعف في الرؤية.
الموجة الأولى واجهت وحدة أمريكية أبطال فرقة ألمانية مدربة في النورماندي، وخسرت 96 في المائة من رجالها في أول ثلاث دقائق فقط من المعركة، أغرقت 27 برمائية وسط أمواج البحر وغرق معظم الرجال في داخلها.
لو كنت مع الواصلين إلى شاطئ "أوماها" لوجد صخورا ترتفع أمامك مئة قدم ومد يفر من الخلف.
شجع العقيد "جورج تايلر" جنوده على التقدم مهما كان الثمن، وتقدم يصارع الرمال وهو يصيح الوحيدون على هذا الشاطئ هم الموتى والذين سيموتون دعونا نخرج من هنا.
استطاعت الأعمال الفردية البطولية أن تتغلب على المواقع الألمانية، في أواخر النهار تكبد الأمريكيون ألف قتيل لكنهم سيطروا على الموقع بعد ذلك بقليل نزل "إيرمس هونج واي" إلى الشاطئ وكتب يقول: الموجة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة تركض كلها مع رجالها حيث سقطوا مثل أكوام ثقيلة على شريط من الحصى.
سمح نجاح يوم الإنزال الكبير للحلفاء بأن ينزلوا كما شاءوا على الشواطئ الفرنسية، فقد الألمان قبضتهم المحكمة على أوروبا، بحلول الأول من تموز كان أكثر من مليون جندي تابع للحلفاء قد نزل على التراب الفرنسي، وخلال شهرين تحررت باريس، وتقدم الحلفاء نحو برلين، مهد يوم الإنزال الكبير طريق النصر في أوروبا.
في عام 45 كان المحيط الهادي أبعد ما يكون عن الهدوء والسلام كان مواجهة ملحمية على وشك أن تحدث على أرض طولها ثمانية أميال سماها اليابانيون جزيرة "الكيبريك"، الأهمية الوحيدة لهذه الأرض كمنت في مدرجها الذي يبعد 625 ميلا عن طوكيو شمالاً.
وإذا تمت السيطرة عليها تصبح أقرب قاعدة للحلفاء يشنون منها الغارات على اليابان، كان متوقعا أن يستغرق احتلال الجزيرة عشرة أيام، لكنه استغرق 36 يومًا، وواقع أكثر هجوم دموي في تاريخ البحرية الأمريكية في "إيو جيما".
بحلول خريف عام 44 كان الأمريكيون يطبقون بسرعة على اليابانيين، في حزيران قرر القادة الأمريكيون قصف طوكيو باستمرار، كانوا يبغون تحطيم الروح المعنوية اليابانية وإجبارهم على الاستسلام دون قيد أو شرط.
كانت "إيو جيما" مهمة لهذه الخطى كان قرب "إيو" إلى اليابان يعني مواكبة مقاتلات الحماية للقاذفات حتى طوكيو، كانت الطائرة الأمريكية "b 29" تقوم بهذه المهمات دون حماية، كانت احتلال "إيو" في مثابة خنجر يغرسه الأمريكيون في قلب اليابانيين.
كانت الجنرال "تداميتشي كوربايشي" قائد القوات اليابانية المرابطة في "إيو جيما" وسبق له أن تلقى تدريبات في الفروسية في عشرينيات القرن المنصرم وكان يعرف أمريكا جيدًّا، كتب يقول لزوجته: الولايات المتحدة آخر دولة في العالم على اليابان محاربتها، وخوفًا من أن تعلق اليابان في دوامة في "إيو" قرر أن يحفر خنادق تحت الأرض.
حفر اليابانيون وبنو شبكة من الكهوف والقلاع وزودوها بالطعام والكهرباء إضافة إلى الاتصالات الداخلية كانت خطة "كوربايشي" تقضي بترك الأمريكيين ينزلون الشاطئ ثم ينقضون عليهم بالرشاشات ومدافع الهاون من مواقع حصينة.
"إيو جيما" القلعة اليابانية التي تبعد 625 ميلا عن طوكيو هي قاعدة مهمة لقصف اليابان باستمرار.
تجمعت سفن الأسطول الخامس قبالة "إيو" وتعرضت لقصف بحري وجوي طوال 70 يومًا، وكان أعنفه في آخر ثلاثة أيام، والتي سبقت عملية الإنزال، فاقتربت لحظة الهجوم.
في 19 من شوباط غزا ستون ألف جندي من البحرية الأمريكية "إيو" في الصباح انفجرت عاصفة من القنابل والصواريخ، كتب مراسل حربي من إحدى السفن يقول: لا أحد يستطيع النجاة من هذا إلا بإرادة الله.
توقف القصف فيما راحت 120 قاذفة تدك الجزيرة بالقذائف وقنابل النابالم، لكن شراسة القصف فشلت في القضاء على اليابانيين القابعين في ملاجئهم، بل أبقتهم مستيقظين.
كان رجال البحرية مستيقظين أيضًا، وفي صبيحة ذلك اليوم ركبوا سفن الإنزال ليقطعوا ميلين نحو المجهول، كان معظمهم من المحاربين القدامى في معارك المحيط الهادي، وكانوا يعرفون شيئًا واحدًا هو أنهم سيواجهون عدوًّا خطيرًا وماكرًا.
ارفع يديك، تعال، تعالى هنا، أخرج.
كانت هذه هي العبارات اليابانية التي أخذ جنود البحرية يحفظونها، لكن هذه العبارات لن تفيدهم في مواجهة عدو مستعد للتضحية من أجل الوطن.
كان متوقعًا أن يقتل 15 ألف من القوات البحرية لكن تبين أن العدد الحقيقي كان أكبر بكثير، وصلت الموجة الأولى إلى الشاطئ عن الساعة التاسعة إلا دقيقة صباحًا وفوجئ رجال البحرية بالمقاومة الخفيفة، كان العدو يجرهم على الكارثة، ظهرت العقبة الأولى أمام القوات البحرية في الرمال البركانية إذ لم تستطع الدبابات الأمريكية التقدم إلا بصعوبة بالغة.
قال جندي حاول حفر خندق هناك إنه أشبه بحفر حفرة في برميل مملوء بالقمح، بحلول الخامس نيسان من ذلك اليوم كان 30 ألف جندي بحري كانوا قد نزلوا شواطئ "إيو جيما" نزلت القوات الأمريكية بنجاح قرب جبل "سورباتشي" جاهلة أن 1200 جندي ياباني يختبئون داخل البركان الخامد مستعدين للانقضاض على القوات البحرية المتقدمة.
من مرابض اليابانيين في أعالي جبل "سورباتشي" تعرض رجال البحرية إلى وابل من قذائف الهاون والنيران، لم تكن من وسيلة ممكنة لمهاجمة المواقع اليابانية الحصينة إلا بالاقتراب منها ومع تسلق رجال البحرية جبل "سورباتشي" بدأوا يستمعون أصوات اليابانيون وهم يتحدثون داخل البركان.
طوال الأيام الأربعة التالية راحت قاذفات اللهب والقنابل اليدوية تسكت تلك الأصوات، خلال تلك الأيام الأربعة قتل أكثر 1500 جندي بحري فبدا أن المقاومة اليابانية لن تنتهي، احتاج رجال البحرية إلى وسيلة ترفعهم إلى الأعلى.
نجحت مجموعة من رجال البحرية أخيرًا بالوصول إلى الجانب الشمالي لـ"سورباتشي" وزرعوا علمهم وسط الصخور البركانية في لحظة لن تنساها أمريكا.
لعلها أكثر صورة من صور الحرب الثانية التي يذكرها الناس، ألهم منظر العلم وهو يرفرف فوق جبل "سورباتشي" آلاف رجال البحرية في الأسفل وكان ذلك العامل الحاسم في معركة "إيو جيما".
بحلول سادس يوم من أيام المعركة سيطر جنود البحرية على أكثر مدرج في الجزيرة، وأضحت قوة النيران الجوية الأمريكية على أبواب اليابان، كان هناك أمل في أن يكون احتلال باب الجزيرة أقل تكلفة لكن هذا لم يحدث.
تزايدت خسائر القوات البحرية مع تساقط قذائف الهاون اليابانية من الطرف الشمالي لـ"إيو"، أجبر جنود البحرية على عبور الصخرة الخطرة التي كمن القناصة اليابانيون بينها للوصول إلى الجنرال "كوربايشي" ورجاله الذين كانوا ينفذون أوامره بالقتال حتى آخر رمق.
مع عبور كل متر كان يسقط أربعة من جنود البحرية وخلال ساعة واحدة قتل 94 جنديًّا بحريًّا، وهم يحاولون عبور مئة متر أمام أحد الكهوف، حينما لم يستطع جنود البحرية إخراجهم من مواقعهم أو قتلهم أحرقوهم حرقا، واستخدموا عشرة آلاف جالون من زيت قاذفات اللهب في كل يوم من أيام المعركة.
بعد 36 يومًا من بدء الغزو الأمريكي استسلم اليابانيون ومن بين اثنين وعشرين ألف ياباني كانوا على جزيرة "إيو" نجا ألف فقط، وقاتل البقية حتى الموت، أما جثة "كوربايشي" فلم يعثر عليها.
لقد كلف احتلال الجزيرة خمسة آلاف جندي أمريكي لكن البحرية الأمريكية انتصرت في أعنف معركة عرفها التاريخ.
على كل حال حرب قتلت أناسًا وشردت أناسًا وانتهت ونحن نرى أن الأمور لا تقدر بالقوة العسكرية فالأمم أخلاق.
م ن ق و ل
المعلق:
السلام عليكم
الحرب العالمية الثانية هي أضخم حادثة في التاريخ البشري، من داخل غرف اجتماعات قادة الحلفاء والمحور ومن جانبي ساحة المعركة تتبدى فصول مأساة ملحمية، في إطار هذا الصراع العالمي هدد خمسة عشر عاملًا مستقبل الحضارة الإنسانية، في عام 1941 وبعد أن اكتسح "هتلر" معظم أوروبا الغربية وأوروبا صمم على غزو الاتحاد السوفيتي.
أدى غرور "هتلر" إلى نشوب معركة لم يتمكن من تحقيق النصر فيها، إنها معركة "ستالين جراد" كانت "ستالين جراد" مدينة جذابة على نهر "الفونكا" وتؤدي دورها كبوابة لآسيا الروسية، حينما وضعت الحرب أوزارها تغيرت معالمها، كانت المدينة ذات أهمية إستراتيجية بسيطة لكنها وقعت بين منطقيتين رئيسيتين أقامهما "هتلر" في الشمال كانت موسكو التي سبق ووعد "هتلر" الشعب الألماني أن يرفف العلم النازي فوق الكريملن أما في الجنوب فهناك منطقة القوقاز الغنية بالنفط والتي سعى للاستيلاء عليها، ومن خلال احتلال "ستالين جراد" كان "هتلر" يحمي الجناح الشمالي للجيش الألماني في أثناء احتلاله القوقاز طمعًا في النفط المهم.
في حزيران من عام 42 تقدم الجيش الألماني مسافات شاسعة في داخل الأراضي الروسية قاصدًا هدفه "ستالين جراد".
سمي الهجوم الألماني بالرمز أزرق فانطلق عبر الريف دون مقاومة تقريبًا، ولكن حين كان الروس ظن "هتلر" أن الجيش الأحمر يمر في آخر مراحله لكن الواقع كان يقول إن الروس كانوا قد تعلموا عدم خوض حرب حديثة في مواقع مفتوحة فتراجعوا فيما أطبق الجيش الألماني على البقية الباقية منه.
بدا احتلال "ستالين جراد" لـ"هتلر" شبيهًا بسقوط بولندا والنرويج وفرنسا، أمر قواته ألا تبدي أي عطف أدت ثقة "هتلر" الزائدة إلى تخليه عن خطته المحكمة بتسوية الأمور في "ستالين جراد" قبل الانتقال إلى القوقاز وبدلاً من ذلك حاول احتلالهما في وقت واحد، حاول الجنرال "هولدر" أن يقنع "هتلر" أنه لا يستطيع شن هجومين في اتجاهين مختلفين وكانت النتيجة أن طرده "هتلر".
كان بإمكان "هتلر" احتلال "ستالين جراد" لو أن قواته ركزت على المدينة ومن ثم تابعت تقدمها إلى القوقاز لكنه حاول احتلالهما في وقت واحد فأساء التقدير، ولم يشأ الله له احتلالهما.
أدى تسرعه لمنح الروس الوقت الثمين المطلوب لإعادة تجميع قواتهم من نهر "الدون" وحتى نهر "الفولجا" كان ذلك العامل الذي حسم معركة "ستالين جراد".
نصب النازيون 22 جسرًا عائما على نهر "الدون" أثناء تقدمهم شرقًا، ومع ذلك لم يظهر الجيش الروسي، انطلق الألمان في مسيرة طولها أربعون ميلاً نحو نهر "الفولجا" كان قوام الجيش330 ألف رجل وخمسمائة دبابة تحت إمرة رجل تم اختياره بداعي المحاباة لا المقدرة.
لم يسبق لـ"فريدريك بولاس" أن قاد فوجا عسكريًّا فكيف بفرقة أو فيلق، كان يكنى باللورد النبيل ويرتدي القفازات ويغير بزته العسكرية مرتين يوميًّا، لكن ضغط الأشهر الستة التالية حول اللورد النبيل إلى شخص أرعن.
أمر "هتلر" "بولاس" باحتلال "ستالين جراد" خلال يومين.
أشرف "نيكيتا خروتشوف" على تحركات الفريق "أدمنكو" وهو القائد الروسي المسئول عن "ستالين جراد" وسرعان ما أصبحت حرب الشوارع تحت إمرة الجنرال "باسيني شيخوف" الذي قال لـ"يارمنكو" سنحافظ على المدينة أو نموت فيها، وكل هذا طبعًا بأمر الله.
في كل مبنى وكل زاوية شارع أصبح "ستالين جراد" قلعة سوفيتية.
غالبًا ما كان الخط الأمامي يتكون من جدار أو طبقة تفصل بين مستويات المبنى، دافع الروس بشراسة عن كل قدم من الأرض، وكانت المكاسب الألمان تقاس بالأمتار، زرع الجنود الروس الشوارع بالألغام وحفروا الخنادق ليتنقلوا بسرعة من مبنى إلى آخر، وحصروا الألمان في متاهة تحولت إلى موقع قتال شرس.
سمى الألمان حرب الشوارع هذه حرب الجرذان، أضحت المدينة مرتعًا للقناصة بعد أن أحضر كل طرف أفضل قناصته، عندما دخل "بولاس" بآخر تعزيزاته إلى المعركة كان الألمان يسيطرون على تسعين في المائة من المدينة أن "ستالين جراد" قد سقطت، في تلك اللحظة قدر الله أن يغزو الشتاء المدينة.
هبطت الحرارة إلى ثماني درجات تحت الصفر وسقطت أولى ضحايا الألمان من الصقيع وبدأت التعزيزات الروسية تتدفق، رجال عرفوا تمامًا كيف يتعاملون مع الشتاء الروسي، وضع الجنرالان "فاسي لافسكي" و"جوكوف" الخطة الروسية لتحقيق النصر في "ستالين جراد" قضت الخطة باستدراج قوات "هتلر" إلى وسط المدينة ليطبق عليه مليون جندي روسي جديد قادم من خارج المدينة ويضمن وقوع الجيش الألماني السادس في قبضتهم الحديدية.بدأ الهجوم الروسي في برقية مشفرة من موسكو تقول: ابعث رسولاً ليأخذ قفاز الفراء، انتظر الروس بفارغ الصبر مجيء برد الشتاء لتكون الأرض أكثر ثباتًا تحت جنازير دباباتهم، علم "هتلر" في "بيرجز جادن" بالهجوم الروسي وحثه أحد مساعديه على السماح للجيش السادس بالإفلات من ذلك الفخ لكنه صرخ قائلاً: لن أغادر "الفولجا"، أدى تصميمه إلى توجه ذلك الجيش إلى براثن الكارثة.
أحكمت القوات السوفيتية الطوق واتصل "بولاس" بهتلر يبلغه أن جيشه محاصر كليًّا، شعر السوفيت بفرح كبير عندما التقت قواتهم أخيرًا، لقد أوقعوا الألمان بالفخ وسيتركونهم يتضورون جوعًا حتى يرضخوا، قال "هيرمان دورنج" الذي قضى الشتاء تحت شمس إيطاليا لهتلر سوف يزود سلاح الجو الجيش السادس بالمؤن من الجو.
لكن الدعم الجوي خلال الشتاء الروسي عملية صعبة جدًّا، أرسل "هتلر" "مومشتاين" لنجدة جيش
"بولاس" المحاصر، وصل "مومشتاين" حتى مسافة بلغت 35 ميلاً من "بولاس" الذي كان بإمكانه إنقاذ رجاله عبر شق طريق للالتقاء بـ"مومشتاين" لكن "بولاس" ظل قابعًا في مكانه خشية عصيان أمر "هتلر" بعدم الانسحاب.
حان وقت إبادة الجيش الألماني السادس، أرسل السوفيت إنذارا نهائيًّا إلى "بولاس" يدعونه فيه إلى استسلام مشرف فاتصل بهتلر يستأذنه بذلك، رفض هتلر فانقض الروس.
سقط آخر مدرج ألماني فانقطعت عنهم الأدوية الضرورية للمرضى والجرحى، حملت آخر طائرة غادرت إلى برلين وسائل وداع من ا لجنود الألمان لعائلاتهم، صودرت الرسائل في برلين وأحرق معظمها.
جندي ألماني:
كنا نمر بظروف صعبة جدًّا، وكانت القوات السوفيتية مسيطرة تمامًا.
المعلق:
اتصل بولاس بهتلر للمرة الأخيرة قائلاً: لن نستطيع تأخير الانهيار النهائي أكثر من يوم، رد "هتلر" عليه بإمائة مرعبة ومع ذلك رقاه إلى رتبة مارشال علمًا أنه لم يسبق لمارشال ألماني أن أسر في التاريخ العسكري.
في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة كان الروس على مقربة من موقع "بولاس" الذي كان يحدق به خطر شديد، حاول المحافظة على هدوئه لكن إحباطه كان واضحًا.
تجددت قوة جيش "ستالين" العسكرية في "ستالين جراد" فيما تحطمت روح الجيش الألماني، وسط حرارة بلغت 24 درجة تحت الصفر تم نقل 91 ناج ألماني أعياهم الجوع والمرض والصقيع، تم نقلهم إلى معسكرات الاعتقال في سيبيريا.
فقط خمسة آلاف عادوا إلى بلادهم أحياء، على الرغم من دعاية "هتلر" هزمت صورة الجندي الألماني الذي لا يقهر، وتحولت الصورة فبعد معركة "ستالين جراد" ظل الألمان في موقع دفاعي حتى نهاية الحرب.
في صيف عام 42 أبحر اللواء "فاند جريفت"على رأس قوة تابعة للبحرية الأمريكية في رحلة طويلة انطلاقا من ميناء "سان فرانسيسكو"، في أول هجوم رئيسي أمريكي جرت الحرب العالمية الثانية قام هؤلاء الجنود باحتلال جزيرة سيطر عليها اليابانيون وهم لم يسمعوا بها من قبل، رافقت عاصفة تقدم الأسطول البحري مؤذنة بالأيام العصيبة التالية في معركة "جوادل كنال".
على بعد 900 ميل شمال شرق استراليا بدأ اليابانيون يبنون سرًّا مدرجًا في جزيرة "جوادل كنال" إذا أكمل المدرج تصبح استراليا عرضة للهجمات الجوية اليابانية وللغزو.
فكان على الحلفاء أن يتصرفوا بسرعة.
عملية إنزال على "جوادل كنال" هذا هو الجنرال "فاند جريفت" يكون على سفينة القيادة وهو ينتظر الخصم، لكنه لم يجده، كان اليابانيين قد أخذوا على حين غرة، كانت أولى الخسائر الأمريكية جنديًّا جرحت يده بالسكين وهو يفتح جوزة هند، كان هذا الفصل الأول فقط من معركة دامت ستة أشهر.
أنزل رجال البحرية المؤن إلى الشاطئ وهي مهمة مرهقة أبطأت السفن الحربية القديمة التي أوجبت إفراغها من الجوانب، وقد أمهل هذا الأمر اليابانيين وسمح لهم بإعداد هجوم مضاد، كان لدى الأمريكيين نظام إنذار مبكر إذ حذر الاستراليون ومراقبو الساحل من سكان الجزر المجاورة حذروا البحرية الأمريكية لاسلكيًّا عند اقتراب الطائرات اليابانية.
لم تملك القوات البحرية وقتًا كافيًا للإفلات من عدوها، فقد هاجمتهم القاذفات اليابانية طوال يومين، أجبرت السفن الحربية الأمريكية على الانسحاب وبقيت القوات البحرية وحيدة.خلال هذا القصف العنيف لقي أكثر من 100 أمريكي واسترالي مصرعهم قبالة ساحل "جوادل كنال"، توغلت القوات البحرية مسافة ميل عبر الغابات ليصلوا إلى مدرج شبه جاهز، ولم يكن هناك مقاومة تذكر.
ولى 1700 مهندس ياباني الأدبار من المدرج مع اقتراب القوات البحرية، سمى الأمريكيون غنيمتهم الثمينة هذه مطار "هاندرسون" تيمنا بالرائد الطيار البحري "هافتن هاندرسون" الذي سقط في معركة "ميدواي" قبل شهرين.
لم تفرغ جعبة اليابانيين من السهام بعد، فتقدمت سبعة طرادات بحرية بسرعة نحو ممر بحري في جزر سليمان من خلال تأكيد تفوقهم البحري كان بإمكان اليابانيين إنزال قوات جديدة لإعادة احتلال مطار "هاندرسون".
كان واضحًا للجانبين أن السيطرة على المياه المحيطة تعني السيطرة على الجزيرة واندلعت معركة على للسيطرة على "جوادل كنال" في مضيق القعر الحديدي، بدأ اليابانيون هجومهم عند الساعة الواحدة والدقيقة 43 صباحًا.
وبحلول الفجر كانوا قد أغرقوا خمس طرادات للحلفاء، بعد تأكيد تفوق البحري الياباني سرعان ما أنزلوا 900 جندي احتياطي، وتوقع قائدهم أن يكون العدد كافيًا، لكنه كان مخطئًا ، كان العقيد "كيونو إكشيكي" واثقًا جدًّا بحيث بدأ هجومه ونصف رجاله لا يزالون في البحر.
رد الجنود البحرية الأمريكية موجات الهجوم المتلاحقة من اليابانيين هوى ثمانون في المائة من رجال "إكشيكي" أرضًا الأحياء والمحتضرون والأموات وكل هذا بإرادة الله تعالى.
في صبيحة اليوم التالي طهرت القوات البحرية بالدبابات، قال "فانت جريفت" أدت الدبابات من الخلف كفرامة لحم، وجد العقيد "إكشيكي" بقعة هادئة على الشاطئ فأقدم فيها على الانتحار.
على الرغم من النصر الساحق بقيت القوات البحرية في وضع يائس إذ كانوا معزولين وقليلي المؤن ويدركون أن التعزيزات لن تصلهم ما دامت البحرية اليابانية مسيطرة على البحار.
زاد بعوض الملاريا والدزنتاريا والأمطار الغزيرة والحشرات الزاحفة المأساة قوة ثم جاء دور الطين والأسوأ من كل ذلك أن "جوادل كنال" عادت لتشهد أعدادًا كبيرة من التعزيزات اليابانية الجديدة.
كان هذا أول هجوم أمريكي في الحرب العالمية الثانية ولم يسبق للجنود الأمريكيين أن تعاملوا مع عدو كهذا مموَّه جيدًا ويختبئ في الكهوف والأشجار.
بحلول شهر أيلول كان اليابانيون قد أعادوا تجميع قواتهم للبدء بهجوم آخر على مطار "هاندرسون"، في وجود ستة أضعاف عددهم السابق وصل اليابانيون مسافة ألف متر من مطار "هاندرسون" قبل أن تصدهم القوات البحرية الأمريكية، تساءل اليابانيون عن هؤلاء المقاتلين الأمريكيين.
إنهم ليسوا بالأمريكيين قليلي التدريب والعتاد الذين كسحهم اليابانيون بسهولة في أيام الحرب الأولى، أبت اليابان أن تستسلم برًّا أو بحرًا وكانت "جوادل كنال" مهمة لها وللحلفاء.
عندما علم الأدميرال "شيستر مميتس" بخطط اليابان بشن هجوم بري وبحري كاسح عين أحد أقوى رجالاته لصدهم.
عندما تسلم الأدميرال "هولزي" مهمته قال: هذه أصعب مهمة أتولاها.
أول تشرين الثاني حاول اليابانيون عزل القوات البحرية الأمريكية في "جوادل كنال" عبر إزالة إمداداتهم البحرية، وثقت إحدى هذه اللحظات المأساوية على فيلم مصور وكان الآن إصابة مباشرة تعرضت لها "إنتي برايز" وأودت بحياة الرجل الذي التقط هذا الفيلم وهذا بأمر الله.
تفجرت بعدئذ إحدى أعنف المعارك البحرية التي نشبت في الحرب العالمية الثانية وذلك في ليلة الثانية عشر من شهر تشرين الثاني، ثلاث وعشرون سفينة حربية يابانية من بينها بارجتان وطراد ثقيل لم ترى جميعها ضياء النهار مرة أخرى.
قام رجال "هولزي" بعملهم على أكمل وجه، أجبروا البحرية اليابانية على التراجع أما أصبحوا يسمونها جزيرة الموت وكان ذلك العامل الحاسم في "جوادل كنال"، عندما أحكم الأمريكيون سيطرتهم على البحر بدأت قواتهم وذخائرهم بالتدفق.
قام اليابانيون بمحاولة أخيرة لإنزال الجنود في "جوادل كنال"، أبادهم الطيارون الأمريكيون بعدما أصبحوا أهدافًا ساكنة على الشاطئ، قتل خمسة آلاف جندي ياباني في سفن الإنزال في هذه المحاولة الأخيرة، وصلت تعزيزات الجيش الأمريكي إلى "جوادل كنال" في شهر كانون الأول وانتقلت السيطرة عليها من قوات البحرية الأمريكية التابعة لفانت جريفت إلى الجيش بقيادة الجنرال "باتش" في شباط استسلمت القوات اليابانية المتبقية.
قبل معركة "جوادل كنال" بدا الجيش الياباني جيشًا لا يقهر أما الآن فقد بدأ الزحف الأمريكي الطويل نحو طوكيو، بدأ زحفهم إلى نصر مكتوب لهم لو لم تسيطر أمريكا على "جوادل كنال" لبسط اليابانيون سيطرتهم على المحيط الهادي، وما كان بإمكان أمريكا أن تصدهم.
عرف العالم شمال إفريقيا أرضًا رائعة تعبق بالجمال والأهرامات وحرارة الصحراء والتاريخ القديم، في الحرب العالمية الثانية دون التاريخ المعاصر في هذه المنطقة، عام 42 وسع "هتلر" سيد أوروبا قبضته على شمال إفريقيا لتمتد من ليبيا حتى المغرب ووضع المستعمرات الفرنسية في المغرب والجزائر وتونس تحت سيطرة حكومة "بيشي" الفرنسية الموالية للنازيين، فيما احتفظ البريطانيون بوجودهم في مصر وفي جبل طارق.اختير "رومل" أشهر جنرالات ألمانيا لقيادة الفيلق الألماني لمواجهة البريطانيين في إقصاء البحر الأبيض المتوسط عن الحلفاء، كانت معركة السيطرة على شمال إفريقيا عملاً مبكرًا رسم مسيرة الحرب العالمية الثانية.
بعد سبعة أشهر من معركة "بيرل هاربر" التقى "تشريشل" و"روسفيلد" لوضع خطة شمال إفريقيا أقنع "تشريشل" "روسفيلد" أن قيام أمريكا بشن هجوم هناك سيدعم القوات البريطانية ويعطي الأمريكيين تجربة قتالية كبيرة.
سيفتح الغزو أيضًا طريقة خلفية لمواجهة أوروبا الواقعة تحت سيطرة النازية.
كلف الجنرال "أيزن هاور" لقيادة هجوم الحلفاء في عملية المشعل تلك، لكن البريطانيون ظلوا وحدهم عدة أشهر يواجهون عدوًّا لدودًا، كان "رومل" ثعلب الصحراء جنديًّا فذًّا ومخططًا إستراتيجيًّا بارعًا، كان قلقًا من تفوق الأمريكيين على جيوشه عدة وعددًا، لكن القيادة النازية لم تشاطره الرأي.
قال "هيرمن جورنج": ساخرًا كل ما يستطيع الأمريكيون تصنيعه هو شفرات الحلاقة والثلاجات، ورد عليه "رومل" قائلاً: أتمنى يا مارشال أن ترسلوا لنا شفرات مشابهة.
وصل "تشريشل" في آب إلى شمال إفريقيا وعين قائدا طموحًا جديدًا للجيش البريطاني الثامن وهو الجنرال "مونت جمري" كان "مونت جمري" مخططا قويًّا لكنه كان أكثر حذرًا من "رومل".
كانت تعليمات "تشريشل" له واضحة وهي تدمير الجيش الألماني الإيطالي في أقرب فرصة والذي هو بقيادة المارشال "رومل".
وهكذا أعد المسرح لنشوب معركة بين القوتين، خلال شهرين بدأ "مونت جمري" هجومه على الألمان والذي توج بمعركة العلمين.
حدث أمر لصالح البريطانيين عندما مرض "رومل" وغادر شمال إفريقيا للعلاج في النمسا وأمسى الفيلق الألماني في إفريقيا دون أقوى مقوماته ألا وهو ثعلب الصحراء.
فاجأ "مونت جمري" النازيين بقصف مدفعي تلاه هجوم المشاة والدبابات، كان القصف عنيفا جدًّا وأصيب بديل "رومل" وهو الجنرال "شتون" بذبحة قلبية فيما قام الجيش الألماني بدفاع مشتت، عاد رومل في اليوم الثالث لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بحسب قوله وسحب قواته المنهكة مخالفًا بذلك رغبات "هتلر".
كان نصر البريطانيين في معركة العلمين هزيمة نكراء للنازيين ونقطة تحول في الحملة على شمال إفريقيا، لخص "تشيرشل" أهمية نصره في العلمين قائلاً: إنها ليست النهاية ولا بداية النهاية لكنها نهاية البداية دون أدنى شك.
تابع البريطانيون المنتصرون تقدمهم لكن ثمن العلمين كان باهظًا، وشملت 250 دبابة وأكثر 13 ألف إصابة، ومع ذلك نجحوا في إضعاف عزيمة الألمان، ناشد "رومل" "هتلر" إمداده بالرجال والعتاد لكن أحداث الجبهة الروسية جعلت "هتلر" يتجاهله وجاء قرار "هتلر" كارثة عليه.
مع تزايد أعداد الضباط الألمان المستسلمين كان الأمريكيون على وشك دخول النزاع، وضع "أيزن هاور" من مقر قيادة من جبل طارق خطة عرفت بعملية المشعل، وهو الغزو الأمريكي لشمالي إفريقيا، قضت الخطة بإنزال القوات في الجزائر ووهران والمغرب قريبًا من الدار البيضاء، وأمل الحلفاء أن تنقلب جيوش "بيشي" الفرنسة على النازيين المحتلين.
تمت مناشدة قوات "بيشي" الفرنسية عبر الأثير ومن بينها مناشدة واشنطن مباشرة.
مسئول أمريكي:
نحن قادمون إليكم كي نساعدكم في التغلب على عدوكم ثقوا بكلماتنا، لا نريد أن نسبب لكم أي أذى، ساعدونا بما استطعتم أيها الرفاق، وسنعيش معًا يوم النصر عندما يسود السلام وتعم الحرية الأرض مجددًا إننا معكم أيها الرفاق، إننا معكم أيها الرفاق.
المعلق:
شنت أكثر من 500 سفينة حربية تابعة للحلفاء هجومًا مفاجئًا على الأهداف الثلاثة، هاجم الجنود الأمريكيون الشواطئ آملين ألا يطلق مقاتلو "بيشي" النار عليهم، ولكن رصاص أولئك الجنود حصد الأمريكيين وجرت أعنف مقاومة في الدار البيضاء، أخيرًا وعندما أسر القائد الفرنسي "جاندر لان" في الجزائر أقنع جنوده بالاستسلام للأمريكيين الذي ضيقوا الخناق بسرعة على المدن الثلاث.
رغب "أيك" في الاستمرار بالهجوم وخطط لنقل قواته بسرعة إلى تونس، ومهاجمة الألمان قبل وصول الإمدادات إليهم، إذا نجحت الخطة فإن ضغط "أيك" من الشمال و "موت جمري" من الجنوب سيقهر الألمان في شمال إفريقيا.
في هذه الأثناء سارع النازيون إلى تعزيز قواته بحرًا وجوًّا استعدادًا لهجوم الحلفاء المرتقب، نقلوا 1500 رجل يوميًّا من صقيلة إلى تونس في سباق محموم مع الزمن، في أواخر تشرين الثاني كان الحلفاء قد وصلوا إلى تونس وكان في انتظارهم ثلاثون ألف جندي ألماني معظمهم من التعزيزات الجديدة.طردت الدبابات الألمانية ذات طراز "m 4" القوات الأمريكية من تونس وهي دبابات ما كانت أمريكا لتستطيع تأمينها، واجهت القوات الأمريكية جام غضب سلاح الجو الألماني الذي أقلعت قاذفاته من قواعد المحور في إيطاليا، وألحقت الدمار في شمال إفريقيا.
فشلت مغامرة "أيك" وتفوق الجيش الألماني القوي على القوات الأمريكية جلب عام 43 زائرًا مفاجئًا إلى الجنود الأمريكيين الذين انهكتهم الحرب في شمال إفريقيا.
مسئول أمريكي:
الساعة الآن العاشرة وهاهي الأخبار التي طال انتظاركم لها التقى "فرانكلن روسفيلد" و "تشريشل" على التراب الإفريقي في الدار البيضاء ووضعا خطة حرب عام 1943 والتي ستؤدي إلى استسلام غير مشروط لكل من ألمانيا وإيطاليا واليابان.
المعلق:
وصل "ألبرت كاسل رينج" القائد الأعلى الألماني إلى البحر المتوسط لمقابلة "رومل" في شمال إفريقيا، أخبرت ثعلب الصحراء القائد الألماني أنه يخطط لمهاجمة الحلفاء عبر الجبال الواقعة غرب تونس عند ممر القصرين.
قضت خطة رومل بتغيير محطات الإمدادات والاتصالات التابعة لقوات الحلفاء في "كيبازا" وفي 19 من شباط بدأ الهجوم الألماني تفاجأ الأمريكيون وهزموا شر هزيمة.
لكن رومل دفع ثمن النصر باهظًا، اخترق رومل خطوط الحلفاء لكن القتال العنيف تركه مع ذخيرة تكفي يومًا واحدًا وكميات قليلة جدًّا من الوقود، واضطر إلى الانسحاب، كان هذا الهجوم الألماني آخر نصر يحققه رومل في شمال إفريقيا.
أدرك رومل أن قواته في هذه المنطقة لن تستطيع الوقوف في وجه قوات الحلفاء التي أخذت تزداد عددا وعدة وناشد "هتلر" التخلي عن شمال إفريقيا.
صرخ "هتلر" قائلاً: ستظل إفريقيا في أيدينا وأعطى رومل إجازة مرضية هكذا ترك الألمان ضمن جيش صغير منهك و76 دبابة صالحة وكمية وقود ضئيلة جدًّا بحيث راح الجنود يحاولون تقطير الوقود من الشراب.
التقت جيوش الحلفاء الزاحفة من الجنوب والشمال في نيسان لإنجاز الحملة على شمال إفريقيا، في أواسط نيسان سقطت "بينزر" وسرعان ما أصبحت تونس هدفًا قريبًا وفي هذه المرة لم يستطع الجيش الألماني الدفاع عنها.
هذا هو الفيلق الألمان في إفريقيا الذي كان قويًا ومع هزيمته أحكم الحلفاء سيطرتهم على شمال إفريقيا، لو استطاع "هتلر" السيطرة على البحر المتوسط لأمكنه إحكام قبضته على أوروبا بدلاً من ذلك أصبح النازيون يقاتلون على جبهتين وصار شمالي إفريقيا مركز انطلاق للحلفاء لغزو إيطاليا.
في ليلة الخامس من حزيران عام 44 غادر أكبر أسطول بحري شهده العالم جنوبي إنجلترا متجهًا إلى السواحل الفرنسية ضمن عملية وصفها "تشيرشل" بأنها أصعب عملية على الإطلاق.
كان اسم العملية عملية الحاكم الأعلى لكن التاريخ يذكرها باسم يوم الإنزال الكبير، تكون عملية يوم الإنزال الكبير ناجحة إذا كانت قوات الحلفاء كلها موحدة في إمرة يد حازمة وكانت اليد الحازمة تلك للجنرال "أيزن هاور" كانت خبرة "أيك" القتالية قليلة لكن ولاءه وبراعته في التخطيط جعلاه الخيار الأمثل كان القائد البريطاني المتعجرف "مونت جمري" الذي حارب الألمان في شمال إفريقيا تحت إمرة "أيزن هاور" ومقت ذلك كان "مونت جمري" قد عين مسئولاً القوات البرية البريطانية والكندية المشاركة في الغزو.
"ترايك" صديقه الهادئ والقدير الجنرال "عمر برادلي" لقيادة القوات البرية الأمريكية.
في ربيع عام 43 شهدت إنجلترا غزوا ليس من قبل الألمان بل من قبل مليون ونصف المليون جندي أمريكي قال البريطانيون إن الأمريكيين يتقاضون أكثر مما يستحقون ومولعون بالإثارة ووجودهم ثقيل الظل، رد الأمريكيون أنتم تتقاضون رواتب بخسة ولا تعرفون الإثارة وتحت إمرة "أيزن هاور".
لم يكن هذا أول غزو لفرنسا المحتلة من قبل النازيين، ففي آب من عام 42 شنت القوات الكندية والبريطانية هجومًا فاشلاً على ميناء "دييف" الواقع شمالًا وفقد فوج واحد ثمانين في المائة من رجاله.
لكن دروسًا كثيرة تم الاستفادة منها من ذلك الهجوم كان اللورد "مونت أتون" يقول مقابل كل جندي قتل في "الدييف" تم إنقاذ عشرة في يوم الإنزال الكبير.
كان الألمان يعرفون أن الغزو قريب وكان السؤال هو متى وأين، شعر "هتلر" أن الغزو سيكون في منطقة النورماندي لكن مساعديه استبعدوا ذلك واعتقدوا أن الحلفاء سيهاجمون ميناءً يسمح بإنزال كميات هائلة من الإمدادات.
اختار "هتلر" المارشال "رومل" الملقب بثعلب الصحراء والذي قاد الحملة على شمال إفريقيا في بناء جدار تحصينات أطلسي بطول 1600 ميل يمتد من هولندا حتى أسبانيا، استخدم رومل عمال السخرة لتحصين كل بوصة من الشاطئ وزرع ملايين الألغام قبالة الساحل أشاد آلاف القلاع الصغيرة التي بلغ سمك جدرانها 13 قدما وسلحها بمدفعية ثقيلة.كان روميل مقتنعًا أن النجاح يكمن في صد العدو عند الشواطئ وقال: ستكون أول 24 من الغزو حاسمة للحلفاء ولألمانيا سيكون هذا اليوم يومًا مشهودًا، هكذا صاغ رومل تعبيرًا تداولته الأجيال لم يتفق قائد رومل وهو المارشال "جيرد فون روثد" معه في الرأي، كان يعتقد أن لا شيء يحول دون اختراق الحلفاء للجدار الأطلسي.
وبالتالي كان يرغب بالاحتفاظ بفرقة دبابات ضخمة متحركة لنقلها بسرعة إلى الموقع الذي سيغزوه الحلفاء، بحلول عام 43 بلغ الإنتاج الحربي الأمريكي في الشهر 140 سفينة و 2500 دبابة و 15 ألف آلية عسكرية وثمانية آلاف طائرة كان معظمها يجد طريقه إلى إنجلترا، ولكن كيف يمكن إخفاء تلك التعزيزات وكان نجاح الغزو يعتمد على سريته.
نجح الجنرال "جورج باتون" في خداع الألمان بما سمي بعملية الجلد وكان خدعة على نطاق واسع تهدف إلى إيهام الاستخبارات الألمانية بأن الحلفاء سيهاجمون ميناء "كالييه" في أضيق ممر للمانش.
ولتثبت الخدعة حرص "باتون" على الظهور في مقر قيادة قوات غزوه المزيف والواقع قبالة "كالييه" مباشرة.
كانت الخطة تنطوي على أكثر من ذلك، فقد سربت آلاف الرسائل إلى الاستخبارات الألمانية إمعانًا في تشويشهم ووضعت دمى دبابات وسيارات عسكرية في مناطق معينة في إنجلترا لتحويل النتباه عن الحشد الحقيقي في الجنوب.
وأدت عملية التمويه المتقنة إلى مرابطة معظم القوات الألمانية قرب "كالييه" بعيدًا عن شواطئ النورماندي، ونجحت الخدعة.
في ربيع عام 44 واستعداد للغزو أسقط طيارو الحلفاء ثلاثة آلاف طائرة ألمانية، لن يكون سلاح الجو الألماني فاعلاً في يوم الإنزال الكبير، ركز الحلفاء غاراتهم أيضًا على سكك الحديدية الفرنسية لوقف الإمدادات الألمانية المتجهة إلى النورماندي.
بقي ثلاثة أيام على موعد الإنزال الكبير وأسطول الغزو التابع للحلفاء جاهز في انتظار الضوء الأخضر من الجنرال "أيزن هاور" بدأ "أيك" ثلاثة أيام حتى يسود مناخ مناسب يتأخر فيه ظهور القمر ويرتفع المد.
بقي يومان على موعد الإنزال الكبير أطبقت عاصفة على القناة الإنجليزية واستيقظ "أيك" على هذه النشرة الجوية وقرر بعد استشارة عالم أرصاد جوي أن ينتظر يومًا آخر، يوم واحد على يوم الإنزال الكبير عاد رومل إلى ألمانيا ليبقى ذاك مع اليوم مع عائلته.
أخبر "فون روثفد" أن الغزو ليس قريبًا، كان هذا ما قاله لفون.
في ذلك اليوم علم "أيك" أن المناخ قد يتحسن في منطقة النورماندي صباح يوم السادس يدرك أن تأخير موعد الإنزال مجددًا يعني مرور أسبوعين آخرين قبل أن تتحسن الأحوال الجوية وبهدوء قال: حسنًا سننطلق.
قضت خطة الحلفاء بإنزال المظلين في العمق لحماية جناحي منطقة الإنزال على الشاطئ ويتبع ذلك قصف بحري عند بزوغ الفجر، بعدئذ تغزو القوات البريطانية والكندية الشواطئ التي تحمل الأسماء الرمزية "جولد" "جونو" "سوولد" فيما يغزو الأمريكيون "يوتا" و"أوماها" وأخيرًا تصل قوات الحلفاء الجوية والبحرية وتندفع نحو باريس.
بحلول مساء السادس من حزيران بدأ أضخم أسطول بحري عرفه التاريخ يقترب ببطء من النورماندي البحر هائج وكانت تجربة صعبة خاضها رجال من ولايات مثل "إنسوتا" "نبراسكا" و"أيا".
في إنجلترا زار "أيك" قوات المظليين الذين سيكونون أول من يواجه العدو، سيتم إنزاله في النورماندي بالطائرات الشراعية والمظلات إنها لحظة حلوة ومرة لـ"أيك" الذي يعرف أن سبعين في المائة من هؤلاء الرجال سيقعون بين قتيل وجريح.
كانت رسالة "أيك" الأخيرة لهم تبين بوضوح المهمة التي تنتظرهم.
أيك:
لجنودي وبحارتي وملاحي قوات الحلفاء الطلائعية أنتم على وشك أن تشاركوا في حملة كبيرة نعد لها منذ أشهر أعين العالم كله مسلطة عليكم، آمال ودعوات محبي الحرية في كل العالم ترافقكم لن تكون مهمتكم سهلة كلي ثقة بشجاعتكم وإخلاصكم لواجبكم، وبراعتكم القتالية ولن نقبل بأقل من النصر.
المعلق:
عبرت أكثر من 12 ألف طائرة تابعة للحلفاء القناة الإنجليزية في تلك الليلة، دول المحور كان لديهم 169 مقاتلة فقط،
يستعيد مدافع ألماني ذكرياته فيقول: رفعنا بصرنا فوجدناهم هناك كانوا يطيرون فوق رءوسنا استلقينا على ظهورنا ورحنا نطلق النار، ظللنا نطلقها حتى تعطلت بنادقنا، لكن جنودنا لم يكون ذا نفع أمام الأعداد الهائلة.
نزل 24 ألف مظلي فوق النورماندي وصل معظم البريطانيين إلى المواقع المطلوبة وتبعثر ثلاثة أرباع الأمريكيين ووقعوا ضحايا الارتباك والحسابات الخطأ.
طوال ساعات الصباح في يوم الإنزال الكبير لجأ الأمريكيون نحو أهدافهم لكن معظمهم لم يصلها قط، كان الألمان على شاطئ النورماندي يدركون تمامًا ما كان يحدث لكن القيادة العليا الألمانية كانت نائمة، وتم الاتصال برومل في منزله في ألمانيا بعد ثلاث ساعات من بدء الهجوم الجوي.لكن مساعدي هتلر خشوا من إيقاظه إلا بعد تأكيد الغزو رسميًّا، اتصل "فورسيد" في النهاية بهتلر وطلب منه إرسال الدعم، أخر "هتلر" الذي كان ما يزال مقتنعًا بأن الغزو الحقيقي سيتم بمنطقة "كالييه" أخر استجابته لطلبه سبع ساعات، وتبين أن ذلك التأخير كان العامل الحاسم الذي حسم نتيجة يوم الإنزال الكبير.
بدأت سفن الحلفاء تطلق وابلاً من قذائفها المدفعية نحو جدار "هتلر" الأطلسي، أطول يوم للحلفاء والألمان أيضًا قد بدأ، مع اقتراب سفن الحلفاء من الشاطئ أوقفت مدافعهم البحرية قصفها خشية إصابتهم هم كان تجنب النيران الألمانية يكفيهم ثم إن الإنزال على الشواطئ الخمسة كان كثيفًا جدًّا.
وصلت سفن الإنزال الأمريكية قريبة من شاطئ "يوتا" وخاض الأمريكيون في الماء مئة متر للوصول إلى الشاطئ، الهدوء الغريب يعم المكان، قتل قصف الحلفاء معظم الجنود الألمان وتحرك الأمريكيون بسرعة إلى الدخول.
حقق الإنزال في "يوتا" نجاحًا باهرًا، نزلت فرقتان بريطانيتان وأخرى كندية على شواطئ "جولد" "جونو" و"سوولد" وبعد أربع سنوات من إرعاب النازيين الأجواء فوق إنجلترا أضحى البريطانيون مطاردين لهم.
وقع نحو ألف قتيل هنا لكن أكثر الإنزالات دموية كانت على شاطئ "أوماها"، أريق بحر من الدماء في "أوماها" أخطأت طيارات الحلفاء موقع المدفعية الألمانية في "أوماها" نتيجة ضعف في الرؤية.
الموجة الأولى واجهت وحدة أمريكية أبطال فرقة ألمانية مدربة في النورماندي، وخسرت 96 في المائة من رجالها في أول ثلاث دقائق فقط من المعركة، أغرقت 27 برمائية وسط أمواج البحر وغرق معظم الرجال في داخلها.
لو كنت مع الواصلين إلى شاطئ "أوماها" لوجد صخورا ترتفع أمامك مئة قدم ومد يفر من الخلف.
شجع العقيد "جورج تايلر" جنوده على التقدم مهما كان الثمن، وتقدم يصارع الرمال وهو يصيح الوحيدون على هذا الشاطئ هم الموتى والذين سيموتون دعونا نخرج من هنا.
استطاعت الأعمال الفردية البطولية أن تتغلب على المواقع الألمانية، في أواخر النهار تكبد الأمريكيون ألف قتيل لكنهم سيطروا على الموقع بعد ذلك بقليل نزل "إيرمس هونج واي" إلى الشاطئ وكتب يقول: الموجة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة تركض كلها مع رجالها حيث سقطوا مثل أكوام ثقيلة على شريط من الحصى.
سمح نجاح يوم الإنزال الكبير للحلفاء بأن ينزلوا كما شاءوا على الشواطئ الفرنسية، فقد الألمان قبضتهم المحكمة على أوروبا، بحلول الأول من تموز كان أكثر من مليون جندي تابع للحلفاء قد نزل على التراب الفرنسي، وخلال شهرين تحررت باريس، وتقدم الحلفاء نحو برلين، مهد يوم الإنزال الكبير طريق النصر في أوروبا.
في عام 45 كان المحيط الهادي أبعد ما يكون عن الهدوء والسلام كان مواجهة ملحمية على وشك أن تحدث على أرض طولها ثمانية أميال سماها اليابانيون جزيرة "الكيبريك"، الأهمية الوحيدة لهذه الأرض كمنت في مدرجها الذي يبعد 625 ميلا عن طوكيو شمالاً.
وإذا تمت السيطرة عليها تصبح أقرب قاعدة للحلفاء يشنون منها الغارات على اليابان، كان متوقعا أن يستغرق احتلال الجزيرة عشرة أيام، لكنه استغرق 36 يومًا، وواقع أكثر هجوم دموي في تاريخ البحرية الأمريكية في "إيو جيما".
بحلول خريف عام 44 كان الأمريكيون يطبقون بسرعة على اليابانيين، في حزيران قرر القادة الأمريكيون قصف طوكيو باستمرار، كانوا يبغون تحطيم الروح المعنوية اليابانية وإجبارهم على الاستسلام دون قيد أو شرط.
كانت "إيو جيما" مهمة لهذه الخطى كان قرب "إيو" إلى اليابان يعني مواكبة مقاتلات الحماية للقاذفات حتى طوكيو، كانت الطائرة الأمريكية "b 29" تقوم بهذه المهمات دون حماية، كانت احتلال "إيو" في مثابة خنجر يغرسه الأمريكيون في قلب اليابانيين.
كانت الجنرال "تداميتشي كوربايشي" قائد القوات اليابانية المرابطة في "إيو جيما" وسبق له أن تلقى تدريبات في الفروسية في عشرينيات القرن المنصرم وكان يعرف أمريكا جيدًّا، كتب يقول لزوجته: الولايات المتحدة آخر دولة في العالم على اليابان محاربتها، وخوفًا من أن تعلق اليابان في دوامة في "إيو" قرر أن يحفر خنادق تحت الأرض.
حفر اليابانيون وبنو شبكة من الكهوف والقلاع وزودوها بالطعام والكهرباء إضافة إلى الاتصالات الداخلية كانت خطة "كوربايشي" تقضي بترك الأمريكيين ينزلون الشاطئ ثم ينقضون عليهم بالرشاشات ومدافع الهاون من مواقع حصينة.
كان 22 ألف ياباني في "إيو" مستعدين للموت من أجل وطنهم، قال "كوربايشي" لهؤلاء الرجال: على ما يبدأ الغزو كل رجل سيقاتل حتى النهاية."إيو جيما" القلعة اليابانية التي تبعد 625 ميلا عن طوكيو هي قاعدة مهمة لقصف اليابان باستمرار.
تجمعت سفن الأسطول الخامس قبالة "إيو" وتعرضت لقصف بحري وجوي طوال 70 يومًا، وكان أعنفه في آخر ثلاثة أيام، والتي سبقت عملية الإنزال، فاقتربت لحظة الهجوم.
في 19 من شوباط غزا ستون ألف جندي من البحرية الأمريكية "إيو" في الصباح انفجرت عاصفة من القنابل والصواريخ، كتب مراسل حربي من إحدى السفن يقول: لا أحد يستطيع النجاة من هذا إلا بإرادة الله.
توقف القصف فيما راحت 120 قاذفة تدك الجزيرة بالقذائف وقنابل النابالم، لكن شراسة القصف فشلت في القضاء على اليابانيين القابعين في ملاجئهم، بل أبقتهم مستيقظين.
كان رجال البحرية مستيقظين أيضًا، وفي صبيحة ذلك اليوم ركبوا سفن الإنزال ليقطعوا ميلين نحو المجهول، كان معظمهم من المحاربين القدامى في معارك المحيط الهادي، وكانوا يعرفون شيئًا واحدًا هو أنهم سيواجهون عدوًّا خطيرًا وماكرًا.
ارفع يديك، تعال، تعالى هنا، أخرج.
كانت هذه هي العبارات اليابانية التي أخذ جنود البحرية يحفظونها، لكن هذه العبارات لن تفيدهم في مواجهة عدو مستعد للتضحية من أجل الوطن.
كان متوقعًا أن يقتل 15 ألف من القوات البحرية لكن تبين أن العدد الحقيقي كان أكبر بكثير، وصلت الموجة الأولى إلى الشاطئ عن الساعة التاسعة إلا دقيقة صباحًا وفوجئ رجال البحرية بالمقاومة الخفيفة، كان العدو يجرهم على الكارثة، ظهرت العقبة الأولى أمام القوات البحرية في الرمال البركانية إذ لم تستطع الدبابات الأمريكية التقدم إلا بصعوبة بالغة.
قال جندي حاول حفر خندق هناك إنه أشبه بحفر حفرة في برميل مملوء بالقمح، بحلول الخامس نيسان من ذلك اليوم كان 30 ألف جندي بحري كانوا قد نزلوا شواطئ "إيو جيما" نزلت القوات الأمريكية بنجاح قرب جبل "سورباتشي" جاهلة أن 1200 جندي ياباني يختبئون داخل البركان الخامد مستعدين للانقضاض على القوات البحرية المتقدمة.
من مرابض اليابانيين في أعالي جبل "سورباتشي" تعرض رجال البحرية إلى وابل من قذائف الهاون والنيران، لم تكن من وسيلة ممكنة لمهاجمة المواقع اليابانية الحصينة إلا بالاقتراب منها ومع تسلق رجال البحرية جبل "سورباتشي" بدأوا يستمعون أصوات اليابانيون وهم يتحدثون داخل البركان.
طوال الأيام الأربعة التالية راحت قاذفات اللهب والقنابل اليدوية تسكت تلك الأصوات، خلال تلك الأيام الأربعة قتل أكثر 1500 جندي بحري فبدا أن المقاومة اليابانية لن تنتهي، احتاج رجال البحرية إلى وسيلة ترفعهم إلى الأعلى.
نجحت مجموعة من رجال البحرية أخيرًا بالوصول إلى الجانب الشمالي لـ"سورباتشي" وزرعوا علمهم وسط الصخور البركانية في لحظة لن تنساها أمريكا.
لعلها أكثر صورة من صور الحرب الثانية التي يذكرها الناس، ألهم منظر العلم وهو يرفرف فوق جبل "سورباتشي" آلاف رجال البحرية في الأسفل وكان ذلك العامل الحاسم في معركة "إيو جيما".
بحلول سادس يوم من أيام المعركة سيطر جنود البحرية على أكثر مدرج في الجزيرة، وأضحت قوة النيران الجوية الأمريكية على أبواب اليابان، كان هناك أمل في أن يكون احتلال باب الجزيرة أقل تكلفة لكن هذا لم يحدث.
تزايدت خسائر القوات البحرية مع تساقط قذائف الهاون اليابانية من الطرف الشمالي لـ"إيو"، أجبر جنود البحرية على عبور الصخرة الخطرة التي كمن القناصة اليابانيون بينها للوصول إلى الجنرال "كوربايشي" ورجاله الذين كانوا ينفذون أوامره بالقتال حتى آخر رمق.
مع عبور كل متر كان يسقط أربعة من جنود البحرية وخلال ساعة واحدة قتل 94 جنديًّا بحريًّا، وهم يحاولون عبور مئة متر أمام أحد الكهوف، حينما لم يستطع جنود البحرية إخراجهم من مواقعهم أو قتلهم أحرقوهم حرقا، واستخدموا عشرة آلاف جالون من زيت قاذفات اللهب في كل يوم من أيام المعركة.
بعد 36 يومًا من بدء الغزو الأمريكي استسلم اليابانيون ومن بين اثنين وعشرين ألف ياباني كانوا على جزيرة "إيو" نجا ألف فقط، وقاتل البقية حتى الموت، أما جثة "كوربايشي" فلم يعثر عليها.
لقد كلف احتلال الجزيرة خمسة آلاف جندي أمريكي لكن البحرية الأمريكية انتصرت في أعنف معركة عرفها التاريخ.
على كل حال حرب قتلت أناسًا وشردت أناسًا وانتهت ونحن نرى أن الأمور لا تقدر بالقوة العسكرية فالأمم أخلاق.
م ن ق و ل