ملخص الخطبة
- أشرف الساعات واللحظات في تاريخ المؤمن – أبواب الجنة ودرجاتها وبناؤها وطعام أهلها – فراش أهل الجنة ونساؤهم – أعظم نعيم أهل الجنة – خلود أهل الجنة - أسباب دخول الجنة
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاجتهاد في الأعمال الصالحة والعمل لما بعد الموت.
إخواني، إنها أشرف الساعات، وأنفس اللحظات في تاريخ العبد المؤمن، تلك اللحظة التي يتناول فيها كتابه بيمينه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً تكاد تخرج روحه من بين أضلعه فرحا إنه كتاب من عزيز راحم ـ سبحانه ـ ذي الجبروت والملكوت والإجلال والإكرام.
فتفتح لهم أبواب الجنة: جَنَّـٰتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلاْبْوَابُ وعدتها ثمانية، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان.
وقد يدعى العبد الصالح المحسن من تلك الأبواب كلها، ومقدار ما بين مصراعي باب الجنة أربعون سنة، قال عتبة بن غزوان : وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام كما ذكر له[1].
وإن سألت عن زمر أهل الجنة، أي الذين يدخلون الجنة أول الناس، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة))[2].
أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر، لقد أخبر الصادق المصدوق أن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض[3]، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك: ((أن أم الربيع بنت البراء أتت رسول الله فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غَرَبَ، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، قال: يا أم حارثة إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى))[4].
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى عن رسول الله قال: ((جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما، وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء عن وجهه في جنة عدن))[5]، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَىّ ءَالآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ.
سئل النبي عن الجنة ما بناؤها قال: ((لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذخر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابهم ولا يفني شبابهم)) رواه الترمذي وهو حديث صحيح[6]، وكما أن هذا حالها وأرضها وبناؤها فإن فيها خيمة من درة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن، ولك أخي الكريم أن تتخيل هيئة هذه الخيمة، وإذا أجال العبد المؤمن طرفه يرى شجرة كما أخبر النبي يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها[7]، لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً، فإن اشتهى الفاكهة ففيها كما أخبر الله تعالى: فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ وقال: فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ، وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ.
وليست تلك الفواكه كفواكه الدنيا، وإنما تتشابه في الأسماء، فالاسم هو الاسم والمسمى. غير المسمى، ألا ما أطيب تلك الثمار التي غرست أشجارها في أرض المسك ثم سقيت بماء هو أطهر ماء وأنقاه، وأعذب مورد للصادي وأحلاه، فإن كنت تريد غرسا في الجنة فلا يَفْتُرَنّ لسانك عن (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهو غراسها.
أما أولئك الأخيار فلهم فواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وشرابهم أنهار تجري من غير أخدود، سبحان الله من أمسكها عن الفيضان، تجري من تحتهم وتفجر لهم كما شاءوا وأينما كانوا، وهذه الأنهار عسل مصطفى وماء وخمر لذة للشارب منه، ولبن لم يتغير طعمه، أما على ماذا يقدم الطعام والشراب، فعلى صحاف من ذهب يطوف عليهم بها غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ.
وهم الملوك على الأسرة على رؤوسهم التيجان: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ، يَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ أبهج الألوان الأخضر وألين اللباس الحرير، فقد جمع الله لأهل الجنة بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به، وبين نعومته والتذاذ الجسم فيه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
[1] أخرجه مسلم : كتاب الزهد ، والرقائق ، حديث (2967).
[2] صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة أنها مخلوقة ، حديث (3246) ، صحيح مسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب أول زمرة تدخل الجنة... حديث (2834).
[3] أخرجه البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب درجات المجاهدين في سبيل الله... حديث (2790) ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب : بيان ما أعدّه الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات ، حديث (1884).
[4] صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب من أتاه سهم غرب فقتله ، حديث (2809).
[5] صحيح البخاري : كتاب التفسير – باب ومن دونهما جنتان حديث (4878) ، صحيح مسلم : كتاب الإيمان – باب : إثبات رواية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى ، حديث (180).
[6] سنن الترمذي : كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها ، حديث (2526) ، وقال : هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي ، وليس هو عندي بمتصل ، وأخرجه أيضاً أحمد (2/445) ، وابن حبان : كتاب إخباره عن مناقب الصحابة – ذكر الغخبار عن وصف بناء الجنة... (16/396). وصححه الألباني ، انظر : صحيح حسن الترمذي (2050).
[7] أخرجه البخاري : كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة ، حديث (3251، 3252) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب... حديث (2826).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، هيأ لعباده الصالحين الكرامة والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي الأمي الذي أتم الله به النعمة، وكشف به الغمة، ونشر به على الخلائق الرحمة.
أما بعد:
فبينما أهل الجنة كذلك في نعيمهم وسرورهم إذ تتراءى لهم خيام عالية قد أشرق منها النور وسطع الضياء، فيقصدون تلك الخيام فيبصرون نساء كأنهن البدور ليلة التمام: فِيهِنَّ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ. وفي الصحيح أن لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من روائها، إنهن حور حسان قد كَملَ خَلقُهن وكملت محاسنهن، حتى إن الطرف ليحار من حسنها، بل وبشرب من كؤوس جماله كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لا فتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، ثم يأتي أعلى نعيم يمر على أهل الجنة وألذه وأكرمه وأبركه إنهم يرون ربهم الذي آمنوا به وصدقوا رسله وأطاعوه ظاهرا وباطنا، والذي أكرمهم بإدخالهم الجنة وجعل لهم هذا النعيم العظيم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: مالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيتكم أفضل من ذلك، قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا))[1].
وبعد قرارهم في الجنة وتمتعهم بها يؤتى بالموت كالكبش الأملح فيوقف بين الجنة والنار فيذبح وهم ينظرون[2]، فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار.
كيف لا يبلغ بهم الفرح مبلغه وهم الذين صبروا على طاعة ربهم ومولاهم، لقد صرفوا جوارحهم وسخروها في طاعته ونصرة دينه، لم تؤخرهم أمواج الشهوات عن اللحاق بركب الصالحين، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ.
بالله ما عذر امرئ هــو مؤمن حقـا بهـذا ليــس باليقظـان
تالله لو شـاقتك جنـات النعيــ ـم طلبتها بنفـائـس الأثمـان
يا سلعة الرحمـن لست رخيصة بل أنت غاليـة على الكسـلان
يا سلعة الرحمن أين المشـتري فلقد عرضت بأيسـر الأثمـان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب فالمهر قبـل المـوت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تَصَبَّر الـ خُطَّـاب عنك وهم ذوو إيمــان
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجـد راحاتـه يـوم المعـاد الثانـي
ألا وصلوا وسلموا...
إسم الخطيب منصور الغامدي
[1] أخرجه البخاري : كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة والنار ، حديث (6549) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة... حديث (2829).
[2] أخرجه البخاري : كتاب التفسير – باب: وأنذرهم يوم الحسرة ، حديث (4730) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها – باب النار يدخلها الجبارون... حديث (2849). المصدر المنبر - استمتع بالخطب - تفصيل الخطبة
- أشرف الساعات واللحظات في تاريخ المؤمن – أبواب الجنة ودرجاتها وبناؤها وطعام أهلها – فراش أهل الجنة ونساؤهم – أعظم نعيم أهل الجنة – خلود أهل الجنة - أسباب دخول الجنة
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاجتهاد في الأعمال الصالحة والعمل لما بعد الموت.
إخواني، إنها أشرف الساعات، وأنفس اللحظات في تاريخ العبد المؤمن، تلك اللحظة التي يتناول فيها كتابه بيمينه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً تكاد تخرج روحه من بين أضلعه فرحا إنه كتاب من عزيز راحم ـ سبحانه ـ ذي الجبروت والملكوت والإجلال والإكرام.
فتفتح لهم أبواب الجنة: جَنَّـٰتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلاْبْوَابُ وعدتها ثمانية، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان.
وقد يدعى العبد الصالح المحسن من تلك الأبواب كلها، ومقدار ما بين مصراعي باب الجنة أربعون سنة، قال عتبة بن غزوان : وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام كما ذكر له[1].
وإن سألت عن زمر أهل الجنة، أي الذين يدخلون الجنة أول الناس، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة))[2].
أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر، لقد أخبر الصادق المصدوق أن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض[3]، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك: ((أن أم الربيع بنت البراء أتت رسول الله فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غَرَبَ، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، قال: يا أم حارثة إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى))[4].
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى عن رسول الله قال: ((جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما، وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء عن وجهه في جنة عدن))[5]، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَىّ ءَالآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ.
سئل النبي عن الجنة ما بناؤها قال: ((لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذخر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابهم ولا يفني شبابهم)) رواه الترمذي وهو حديث صحيح[6]، وكما أن هذا حالها وأرضها وبناؤها فإن فيها خيمة من درة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن، ولك أخي الكريم أن تتخيل هيئة هذه الخيمة، وإذا أجال العبد المؤمن طرفه يرى شجرة كما أخبر النبي يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها[7]، لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً، فإن اشتهى الفاكهة ففيها كما أخبر الله تعالى: فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ وقال: فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ، وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ.
وليست تلك الفواكه كفواكه الدنيا، وإنما تتشابه في الأسماء، فالاسم هو الاسم والمسمى. غير المسمى، ألا ما أطيب تلك الثمار التي غرست أشجارها في أرض المسك ثم سقيت بماء هو أطهر ماء وأنقاه، وأعذب مورد للصادي وأحلاه، فإن كنت تريد غرسا في الجنة فلا يَفْتُرَنّ لسانك عن (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهو غراسها.
أما أولئك الأخيار فلهم فواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وشرابهم أنهار تجري من غير أخدود، سبحان الله من أمسكها عن الفيضان، تجري من تحتهم وتفجر لهم كما شاءوا وأينما كانوا، وهذه الأنهار عسل مصطفى وماء وخمر لذة للشارب منه، ولبن لم يتغير طعمه، أما على ماذا يقدم الطعام والشراب، فعلى صحاف من ذهب يطوف عليهم بها غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ.
وهم الملوك على الأسرة على رؤوسهم التيجان: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ، يَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ أبهج الألوان الأخضر وألين اللباس الحرير، فقد جمع الله لأهل الجنة بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به، وبين نعومته والتذاذ الجسم فيه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
[1] أخرجه مسلم : كتاب الزهد ، والرقائق ، حديث (2967).
[2] صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة أنها مخلوقة ، حديث (3246) ، صحيح مسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب أول زمرة تدخل الجنة... حديث (2834).
[3] أخرجه البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب درجات المجاهدين في سبيل الله... حديث (2790) ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب : بيان ما أعدّه الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات ، حديث (1884).
[4] صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب من أتاه سهم غرب فقتله ، حديث (2809).
[5] صحيح البخاري : كتاب التفسير – باب ومن دونهما جنتان حديث (4878) ، صحيح مسلم : كتاب الإيمان – باب : إثبات رواية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى ، حديث (180).
[6] سنن الترمذي : كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها ، حديث (2526) ، وقال : هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي ، وليس هو عندي بمتصل ، وأخرجه أيضاً أحمد (2/445) ، وابن حبان : كتاب إخباره عن مناقب الصحابة – ذكر الغخبار عن وصف بناء الجنة... (16/396). وصححه الألباني ، انظر : صحيح حسن الترمذي (2050).
[7] أخرجه البخاري : كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة ، حديث (3251، 3252) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب... حديث (2826).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، هيأ لعباده الصالحين الكرامة والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي الأمي الذي أتم الله به النعمة، وكشف به الغمة، ونشر به على الخلائق الرحمة.
أما بعد:
فبينما أهل الجنة كذلك في نعيمهم وسرورهم إذ تتراءى لهم خيام عالية قد أشرق منها النور وسطع الضياء، فيقصدون تلك الخيام فيبصرون نساء كأنهن البدور ليلة التمام: فِيهِنَّ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ. وفي الصحيح أن لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من روائها، إنهن حور حسان قد كَملَ خَلقُهن وكملت محاسنهن، حتى إن الطرف ليحار من حسنها، بل وبشرب من كؤوس جماله كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لا فتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، ثم يأتي أعلى نعيم يمر على أهل الجنة وألذه وأكرمه وأبركه إنهم يرون ربهم الذي آمنوا به وصدقوا رسله وأطاعوه ظاهرا وباطنا، والذي أكرمهم بإدخالهم الجنة وجعل لهم هذا النعيم العظيم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: مالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيتكم أفضل من ذلك، قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا))[1].
وبعد قرارهم في الجنة وتمتعهم بها يؤتى بالموت كالكبش الأملح فيوقف بين الجنة والنار فيذبح وهم ينظرون[2]، فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار.
كيف لا يبلغ بهم الفرح مبلغه وهم الذين صبروا على طاعة ربهم ومولاهم، لقد صرفوا جوارحهم وسخروها في طاعته ونصرة دينه، لم تؤخرهم أمواج الشهوات عن اللحاق بركب الصالحين، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ.
بالله ما عذر امرئ هــو مؤمن حقـا بهـذا ليــس باليقظـان
تالله لو شـاقتك جنـات النعيــ ـم طلبتها بنفـائـس الأثمـان
يا سلعة الرحمـن لست رخيصة بل أنت غاليـة على الكسـلان
يا سلعة الرحمن أين المشـتري فلقد عرضت بأيسـر الأثمـان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب فالمهر قبـل المـوت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تَصَبَّر الـ خُطَّـاب عنك وهم ذوو إيمــان
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجـد راحاتـه يـوم المعـاد الثانـي
ألا وصلوا وسلموا...
إسم الخطيب منصور الغامدي
[1] أخرجه البخاري : كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة والنار ، حديث (6549) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة... حديث (2829).
[2] أخرجه البخاري : كتاب التفسير – باب: وأنذرهم يوم الحسرة ، حديث (4730) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها – باب النار يدخلها الجبارون... حديث (2849). المصدر المنبر - استمتع بالخطب - تفصيل الخطبة
التعديل الأخير: