العشر الأخيرة وصناعة التغيير
الأستاذ الدكتور فالح بن محمد الصغير
الأستاذ الدكتور فالح بن محمد الصغير
الحمد لله الذي أوجدنا من العدم، وأنعم علينا بأنواع النعم، وأصلي وأسلم على الهادي الأكرم، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم الأكمل والأسلم، أما بعد:
فقد فرح المسلمون بقدوم شهر رمضان المبارك، وحق لهم الفرح بذلك لما خصّه الله جل وعلا من الفضائل والمزايا، واليوم يستقبل المسلمون عشره الأخيرة، والتي كان يخصها عليه الصلاة والسلام بخصائص تختلف عما قبلها اجتهاداً في أنواع خاصة من الطاعات والقربات.
وبإلقاء نظرة تأمليه لما كان يعمله عليه الصلاة و السلام في هذه العشر فيما روته عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم، نجد أنها تكمن في دورة تدريبية مكثفة تتمتع بمقررات عاليه الجودة، متنوعة الأداء، تنتج منتجاً جديداً يتغير معه المتدرب إلى الوصول إلى نواحي الكمال.
كم يبذل أصحاب الطموح، من أوقات وجهود وأموال ليرتقوا في مصاعد الرقي والتقدم في مجالاتهم وتخصصاتهم، لمحاولة الوصول إلى الإبداع والتميز، وبلا شك أن هذا مطلب محمود، وعمل جاد حث عليه الإسلام، وشجع عليه، وندب إلى تحصيله يتخلص ذلك في مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه ).
وكم يفرح الإنسان بحصوله على درجة عليا مادية في هذه الدنيا؟!
وكم يأسى على فوات فرصة كان ينبغي أن يستفيد منها، وينافس الآخرين بها؟ وحياة الناس شاهد على ذلك.
ولذا شجع الإسلام كل عمل يوصل إلى الرقي المحمود، ووضع لذلك الأساليب المشروعة، والضوابط الدقيقة حتى يكون رقيه نافعاً له لمجتمعه ووطنه، بل ولأمته فيصيب لبنة صالحة تكون له أثارها الإيجابية في الدنيا والآخرة.
ونحن – أحبتي القراء – نتهيأ جميعاً – نحن المسلمين والمسلمات – للولوج إلى أعظم دورة إيجابية، قصيرة المدة، عظيمة الآثار، مضمونه النتائج، وضع النبي صلى الله عليه وسلم معالمها فيما روته عائشة رضي الله عنها عنه.
من الخير العظيم، أن نستعين بالله تعالى، مستمدون العون والتوفيق منه، لنقتفي أثره عليه الصلاة والسلام، في التعامل مع هذه الدورة الإيمانية العظيمة، من خلال هذه المعالم:
الأول:
كان يجتهد عليه الصلاة والسلام في هذه العشر أكثر من غيرها، والاجتهاد وبذل الجهد بقدر الوسع والطاقة،ومعنى هذا أن الإنسان يبذل ما يستطيع من الأعمال البدنية والمالية في هذه العشر أكثر مما كان يعمله في حياته العادية، وعلى سبيل المثال يزيد من نوافل الصلاة، وقراءة القرآن، والأذكار، والصدقات، والإحسان، والتأمل والتفكر في الكون بما فيه من مخلوقات، والدعاء، وتقويم النفس ومحاسبتها وغيرها.
الثاني:
تقول رضي الله عنها: ( إذا دخلت العشر أحيا ليله ) وهذا تعبير دقيق ورائع، ( أحيا ) من الحياة وإحياؤه هنا بالقيام وبسائر الطاعات كما سبق. فلا نميتها بالنوم أو بالسهرات وبخاصة السهرات على المكروهة أو المحرمة.
إن المسألة تحتاج إلى شيء من العزم والإرادة وأن ونكسر الحاجز الوهمي الذي يطغى علينا في (روتين حياتنا اليومية) فلا نستطيع تغييره، إنها دعوة إل الحياة التي تورث حياة سعيدة أبديه.
الثالث:
تقول رضي الله عنها: ( شد مئزره ) كناية عن بلوغ الاجتهاد غايته حتى في البعد عن المباحات ومنها إتيان أهله في هذه الليالي المباركة رغم إباحة ذلك، فهو مشغول بالتزود والإكثار مما ذكر من الأعمال.
وهذا يعني بالنسبة لنا: أن نتخفف من أعمالنا الدنيوية – أسرية وخاصة وتجارية وعلاقات – وأن نقتصر على الضروري منها، فما هي إلا أيام معدودة وتفضي بما حصلت فيها.
الرابع:
تقول رضي الله عنها: ( وأيقظ أهله ) فالمسألة منافسة، والقضية ليست سهلة فلم تكن هذه العشر كما سبق من العشرين والتي يختلط فيها القيام والنوم، لكن العشر تختلف تحتاج لنشاط خاص، وليست نشاطاً فردياً، بل نشاطاً أسرياً يتعاون فيه أفراد الأسرة، لئلا يفوتهم الخير العظيم. فيسبقهم غيرهم.
إن المؤسف أن الناس في هذه الأزمنة مستيقظون ولكنهم عن الطاعات والقربات مشغولون، وقد يكون هذا الشغل في غير المفيد.
فهل نعي ما تنتجه هذه العشرة لنا فنربي أسرنا ونشعرهم بقيمتها وعظمتها؟ ولعل مما يساعد على ذلك:
1. إظهار الاهتمام من قبل الأبوين بهذه العشر.
2. إعادة النظر في ترتيب جدول البيت وبالذات المشتريات والزيارات.
3. إقامة جلسة قبيل العشر ببيان أهميتها وعظم شأنها.
4. أن يبادر الأبوان أو الأخوة والأخوات بالتطبيق والجدية في ذلك.
5. وضع الحوافز لمن يقوم بعمل من الأعمال المهمة كالقيام، أو قراءة القرآن الكريم ونحو ذلك.
6. الدعاء بأن يوفق الله جل وعلا أهل البيت كلهم للعمل بهذا الهدي المبارك وغيرها من الأسباب.
الخامس:
الاعتكاف، وهو ما لازمه عليه الصلاة والسلام في العشر الأخيرة من رمضان، ويقصد به ملازمة مسجد للتفرغ لعبادة الله تعالى وطاعته، والبعد عن مشاغل الدنيا وتأجيلها، وفي هذا الاعتكاف من الآثار العجيبة على النفس في تصفيتها وتطهيرها، ونقائها ما لا يخطر على بال، فإذا أضفت إلى ذلك ما يجنيه المعتكف من رجاء ليلة القدر، وختام رمضان بأعظم ختام كان حرياً أن يبادر إليه كل مسلم.
وأما بالنسبة للمرأة فتأخذ نصيبها في التفرغ من المشاغل المنزلية، والأسواق، والزيارات لتلازم بيتها فتكثر من الطاعات لينعكس هذا العمل على الأسرة بكاملها.
فما أعظم هذا الدين الذي تطهر فيه قلوب الأسرة من أدرانها، فتصبح بيضاء فتستقبل عاماً آخر ترجو التقديم فيه نحو الخالق سبحانه.
وبعد أحبتي القراء: أرأيتم كيف تصنع العشرة الأخيرة بالفرد فتغير حاله إلى الأفضل والأكمل؟ وكيف تصنع بالأسرة فتصفي ما ران عليها من الأكدار.
جدير بنا ونحن نستقبل العشر بأن نلج في دورتها المكثفة بعد عقد العزم والتصميم نحو التغيير الإيجابي في حياتنا لتثمر سعادة الدارين لنا ولأسرنا ولمجتمعنا ولامتنا.
حقق الله الآمال وسدد الخطى
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عن موقع شبكة السنة النبوية وعلومها
فقد فرح المسلمون بقدوم شهر رمضان المبارك، وحق لهم الفرح بذلك لما خصّه الله جل وعلا من الفضائل والمزايا، واليوم يستقبل المسلمون عشره الأخيرة، والتي كان يخصها عليه الصلاة والسلام بخصائص تختلف عما قبلها اجتهاداً في أنواع خاصة من الطاعات والقربات.
وبإلقاء نظرة تأمليه لما كان يعمله عليه الصلاة و السلام في هذه العشر فيما روته عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم، نجد أنها تكمن في دورة تدريبية مكثفة تتمتع بمقررات عاليه الجودة، متنوعة الأداء، تنتج منتجاً جديداً يتغير معه المتدرب إلى الوصول إلى نواحي الكمال.
كم يبذل أصحاب الطموح، من أوقات وجهود وأموال ليرتقوا في مصاعد الرقي والتقدم في مجالاتهم وتخصصاتهم، لمحاولة الوصول إلى الإبداع والتميز، وبلا شك أن هذا مطلب محمود، وعمل جاد حث عليه الإسلام، وشجع عليه، وندب إلى تحصيله يتخلص ذلك في مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه ).
وكم يفرح الإنسان بحصوله على درجة عليا مادية في هذه الدنيا؟!
وكم يأسى على فوات فرصة كان ينبغي أن يستفيد منها، وينافس الآخرين بها؟ وحياة الناس شاهد على ذلك.
ولذا شجع الإسلام كل عمل يوصل إلى الرقي المحمود، ووضع لذلك الأساليب المشروعة، والضوابط الدقيقة حتى يكون رقيه نافعاً له لمجتمعه ووطنه، بل ولأمته فيصيب لبنة صالحة تكون له أثارها الإيجابية في الدنيا والآخرة.
ونحن – أحبتي القراء – نتهيأ جميعاً – نحن المسلمين والمسلمات – للولوج إلى أعظم دورة إيجابية، قصيرة المدة، عظيمة الآثار، مضمونه النتائج، وضع النبي صلى الله عليه وسلم معالمها فيما روته عائشة رضي الله عنها عنه.
من الخير العظيم، أن نستعين بالله تعالى، مستمدون العون والتوفيق منه، لنقتفي أثره عليه الصلاة والسلام، في التعامل مع هذه الدورة الإيمانية العظيمة، من خلال هذه المعالم:
الأول:
كان يجتهد عليه الصلاة والسلام في هذه العشر أكثر من غيرها، والاجتهاد وبذل الجهد بقدر الوسع والطاقة،ومعنى هذا أن الإنسان يبذل ما يستطيع من الأعمال البدنية والمالية في هذه العشر أكثر مما كان يعمله في حياته العادية، وعلى سبيل المثال يزيد من نوافل الصلاة، وقراءة القرآن، والأذكار، والصدقات، والإحسان، والتأمل والتفكر في الكون بما فيه من مخلوقات، والدعاء، وتقويم النفس ومحاسبتها وغيرها.
الثاني:
تقول رضي الله عنها: ( إذا دخلت العشر أحيا ليله ) وهذا تعبير دقيق ورائع، ( أحيا ) من الحياة وإحياؤه هنا بالقيام وبسائر الطاعات كما سبق. فلا نميتها بالنوم أو بالسهرات وبخاصة السهرات على المكروهة أو المحرمة.
إن المسألة تحتاج إلى شيء من العزم والإرادة وأن ونكسر الحاجز الوهمي الذي يطغى علينا في (روتين حياتنا اليومية) فلا نستطيع تغييره، إنها دعوة إل الحياة التي تورث حياة سعيدة أبديه.
الثالث:
تقول رضي الله عنها: ( شد مئزره ) كناية عن بلوغ الاجتهاد غايته حتى في البعد عن المباحات ومنها إتيان أهله في هذه الليالي المباركة رغم إباحة ذلك، فهو مشغول بالتزود والإكثار مما ذكر من الأعمال.
وهذا يعني بالنسبة لنا: أن نتخفف من أعمالنا الدنيوية – أسرية وخاصة وتجارية وعلاقات – وأن نقتصر على الضروري منها، فما هي إلا أيام معدودة وتفضي بما حصلت فيها.
الرابع:
تقول رضي الله عنها: ( وأيقظ أهله ) فالمسألة منافسة، والقضية ليست سهلة فلم تكن هذه العشر كما سبق من العشرين والتي يختلط فيها القيام والنوم، لكن العشر تختلف تحتاج لنشاط خاص، وليست نشاطاً فردياً، بل نشاطاً أسرياً يتعاون فيه أفراد الأسرة، لئلا يفوتهم الخير العظيم. فيسبقهم غيرهم.
إن المؤسف أن الناس في هذه الأزمنة مستيقظون ولكنهم عن الطاعات والقربات مشغولون، وقد يكون هذا الشغل في غير المفيد.
فهل نعي ما تنتجه هذه العشرة لنا فنربي أسرنا ونشعرهم بقيمتها وعظمتها؟ ولعل مما يساعد على ذلك:
1. إظهار الاهتمام من قبل الأبوين بهذه العشر.
2. إعادة النظر في ترتيب جدول البيت وبالذات المشتريات والزيارات.
3. إقامة جلسة قبيل العشر ببيان أهميتها وعظم شأنها.
4. أن يبادر الأبوان أو الأخوة والأخوات بالتطبيق والجدية في ذلك.
5. وضع الحوافز لمن يقوم بعمل من الأعمال المهمة كالقيام، أو قراءة القرآن الكريم ونحو ذلك.
6. الدعاء بأن يوفق الله جل وعلا أهل البيت كلهم للعمل بهذا الهدي المبارك وغيرها من الأسباب.
الخامس:
الاعتكاف، وهو ما لازمه عليه الصلاة والسلام في العشر الأخيرة من رمضان، ويقصد به ملازمة مسجد للتفرغ لعبادة الله تعالى وطاعته، والبعد عن مشاغل الدنيا وتأجيلها، وفي هذا الاعتكاف من الآثار العجيبة على النفس في تصفيتها وتطهيرها، ونقائها ما لا يخطر على بال، فإذا أضفت إلى ذلك ما يجنيه المعتكف من رجاء ليلة القدر، وختام رمضان بأعظم ختام كان حرياً أن يبادر إليه كل مسلم.
وأما بالنسبة للمرأة فتأخذ نصيبها في التفرغ من المشاغل المنزلية، والأسواق، والزيارات لتلازم بيتها فتكثر من الطاعات لينعكس هذا العمل على الأسرة بكاملها.
فما أعظم هذا الدين الذي تطهر فيه قلوب الأسرة من أدرانها، فتصبح بيضاء فتستقبل عاماً آخر ترجو التقديم فيه نحو الخالق سبحانه.
وبعد أحبتي القراء: أرأيتم كيف تصنع العشرة الأخيرة بالفرد فتغير حاله إلى الأفضل والأكمل؟ وكيف تصنع بالأسرة فتصفي ما ران عليها من الأكدار.
جدير بنا ونحن نستقبل العشر بأن نلج في دورتها المكثفة بعد عقد العزم والتصميم نحو التغيير الإيجابي في حياتنا لتثمر سعادة الدارين لنا ولأسرنا ولمجتمعنا ولامتنا.
حقق الله الآمال وسدد الخطى
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عن موقع شبكة السنة النبوية وعلومها