إسرائيل وإيران .. من حرب الكلام إلي الكلام عن الحرب

إنضم
1 أكتوبر 2007
المشاركات
870
التفاعل
88 0 0
كشفت صحيفة (يديعوت آحرونوت) الإسرائيلية مؤخرا عن أن حالة من الإحباط المتنامي تسيطر على وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) إزاء تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة البرنامج النووي الإيراني، وانتقدت الصحيفة رد الفعل الأوروبي إزاء الإعلان الأخير، وقالت: إن كل ما فعلته ألمانيا التى تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبى فى دورته الحالية هي وصف سلوك طهران بأنه "خطوة فى الاتجاه الخاطئ".


تأثير البعد الداخلى فى إسرائيل
على إدارتها للأزمة



عند تمحيص وتحليل قدرة إسرائيل على مواجهة التهديد النووي الإيراني يجب أن يوضع عاملان مهمان فى الاعتبار:
- العامل الأول: الموقف الداخلي الصعب الذي تواجهه حكومة أولمرت حاليا.
- العامل الثاني: عدم وجود حوار شعبي جدي بعيد النظر حول القضية النووية الإيرانية، باعتبارها قضية أمنية ذات تداعيات بعيدة المدى تمس كيان دولة إسرائيل على المدى البعيد.
*وفيما يتعلق بالاعتبار الأول، فلقد مضى أكثر من عام منذ تشكيل الحكومة الائتلافية لرئيس الوزراء إيهود أولمرت، وعلى الرغم من ذلك فهي تواجه مستقبلا غامضا - حيث ألقت الحرب الأخيرة على لبنان بشكوكها على عملية اتخاذ القرار السياسي في إسرائيل، وعلى كفاءة كل من الجيش والحكومة خصوصا رئيس الوزراء أولمرت ووزير دفاعه عامير بيرتس وقدراتهما على إدارة الحرب، فلقد قامت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة (فينوجراد) لتقصي الحقائق، برئاسة القاضي المتقاعد (إليهاو فينوجراد)، والتحري حول ظروف نشوب الحرب على لبنان ومدى استعداد إسرائيل لها وأداء الجيش والقيادات السياسية والمحلية فى إدارة دفة الحرب، وما أسفرت عنه من دروس مستفادة، خصوصا حيال ما أصاب نظرية الأمن الإسرائيلى من تصدعات كشفت عنها هذه الحرب، لاسيما ما يتعلق منها بفشل استراتيجية الردع فى منع صورايخ حزب الله من إصابة العمق الإسرائيلى. وقد صدر تقرير هذه اللجنة فى بداية النصف الثانى من عام 2007، وهو ما قد تسبب فى حدوث زلزال سياسى فى إسرائيل. فهل باستطاعة حكومة أولمرت وهى تحت الاستجواب بسبب فشلها فى إدارة حرب لبنان الماضية أن تتخذ قراراً بشن حرب أخرى ضد إيران؟! إن المنطق ينفي ذلك، خصوصا أن الجيش الإسرائيلى نفسه يقوم بلملمة وإعادة تجميع نفسه بعد استقالة رئيس أركانه الجنرال دان حالوتس وعدد آخر من كبار جنرالاته الذين اضطروا إلى ترك الخدمة فى الجيش.
وفى ظل هذه الظروف الصعبة تتصاعد أصوات فى إسرائيل تطالب زعيمي الحزبين الرئيسيين فى الائتلاف الحكومى، وهما أولمرت عن حزب كاديما، وبيرتس عن حزب العمل، بتحمل المسئولية أو الاستقالة. وحتى أعضاء حزب العمل الذى يرأسه بيرتس يطالبونه أيضا بالاستقالة من زعامة الحزب، (خسر هذه الزعامة فعلياً في الانتخابات الأخيرة للحزب!). إلا أنه - مهما كان الأمر - فإن حكومة ضعيفة مثل حكومة أولمرت يمكن أن تكون أكثر مغامرة من حكومة أخرى مستقرة وتتخذ قراراً بشن حرب ضد إيران، وهنا يكمن الخطر حيث قد يعتقد رئيس مثل هذه الحكومة ووزراؤه أن شن حرب ضد إيران يمكن أن تكون وسيلة نافعة للتخلص من المشاكل التى تواجهها، وإزالة الآثار السيئة التى أفرزتها حرب لبنان، وسبيلا لاستعادة ثقة الشعب بقيادته وجيشه، واستعادة الجيش ثقته بنفسه وقياداته، خصوصا إذا ما نجحت الأجهزة السياسية والدعائية فى إسرائيل فى تضخيم التهديد الأمنى الواقع على إسرائيل من جراء تطوير البرنامج النووى الإيرانى، والمبالغة فى تصوير خطورته. لذلك فإن السيناريو الذى تسربه إسرائيل عن ضربة عسكرية توجهها ضد إيران يستهدف ضمنيا تحويل الانتباه عن المشاكل التى تواجهها حكومة أولمرت، فى ذات الوقت الذى قد تشهد الحكومة الإسرائيلية فى الشهور القادمة إجراء تغييرات فى المناصب الوزارية الرئيسية، إلى جانب احتمال إجراء انتخابات جديدة.


حرب الكلمات


1- بين إسرائيل وإيران:
تفاقمت حرب الكلمات بين إيران وإسرائيل بعد وصول الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد للسلطة فى يونيو 2005، حين أطلق نجاد على إسرائيل أنها "نظام زائف لا يمكنه الاستمرار"، وبعد ذلك بشهور، قال نجاد مخاطبا مؤتمراً بعنوان "العالم بدون الصهاينة" أنه ينبغى على إسرائيل أن تزول. وهى أول مرة منذ سنوات طويلة يعبر فيها مسئول إيرانى كبير عن وجهة النظر هذه، فقد أكد نجاد على أن نشأة النظام الصهيونى كان بمثابة حركة قام بها طغاة العالم ضد العالم الإسلامى. ثم استمر نجاد فى مواصلة التشكيك فى حدوث المحرقة التى حدثت لليهود فى ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية، مقترحا على اليهود الإسرائيليين العودة إلى أوروبا والعيش فيها. ومنذ وقت قريب جدا صرح أحمدى نجاد قائلا: "إن النظام الصهيونى نظام عفن، وشجرة ذابلة سوف تقتلع فى أول عاصفة تمر عليها". وفى ديسمبر 2006 نظمت وزارة الخارجية الإيرانية مؤتمرا استمر يومين لبحث ما إذا كانت المحرقة قد حدثت فعلا لليهود أم لا، واستضافت إيران لهذا المؤتمر كل المعروفين بإنكارهم لحدوث هذه المحرقة، بما فى ذلك عدد من الحاخامات اليهود التابعين لجماعة (ناتورى كارتا) الرافضة قيام دولة تجمع اليهود فى فلسطين تحت اسم إسرائيل، باعتبار أن نجاة اليهود فى الشتات وهلاكهم فى التجمع فى مكان واحد، وذلك طبقا لمعتقدات هذه الجماعة.
وكان بإمكان الإسرائيليين ألا يلقوا اهتماما لهذه التصريحات، باعتبارها جوفاء إذا لم تكن إيران منغمسة فى جهود مضنية لتخصيب اليورانيوم، وتمتلك قدرات فعلية على إطلاق صواريخ متوسطة المدى يمكنها أن تصل إلى أى مكان فى إسرائيل. ففى إبريل 2006 بشّر نجاد الإيرانيين بأن بلادهم تقوم ببناء 3000 سلسلة من أجهزة الطرد المركزى، ويستهدف فى المستقبل الوصول إلى 54000 جهاز من النوع P-1 وعدد آخر من الأجهزة طراز P-2المتطورة التي تتميز بقدرات أعلى فى تخصيب كميات أكبر من اليورانيوم ذي نسبة تخصيب أعلى وبدرجة نقاء أكبر وفى زمن أقصر وبأقل مستوى من الأعطال، وهو ما تحقق فى إعلانه يوم 10 إبريل 2007 بأن بلاده دخلت مرحلة تخصيب اليورانيوم على المستوى الصناعى بالاستعداد لتركيب 50.000 جهاز طرد مركزى. وبالتوازى مع ذلك نجحت إيران فى تطوير الصاروخ شهاب-3 بمدى 1300كم والصاروخ شهاب-4 بمدى 2000كم وكلاهما قادر على إصاب قلب إسرائيل. كما أفادت مصادر المخابرات الغربية منذ وقت قريب أن إيران تمكنت من شراء صواريخ ذات مدى أطول طراز BM-25 من كوريا الشمالية يصل مداها إلى 2500كم، إلى جانب قيام إيران بتطوير صاروخ باليستي يمكنه حمل رأس نووية. وعلى الرغم من كل هذه المعلومات فإن المجتمع الاستخباراتى الدولى ليس لديه معلومات مؤكدة عن حقيقة المرحلة التى وصل إليها البرنامج النووى الإيرانى، وما هى الفترة الزمنية المقدرة أمام إيران لتصل عندها إلى استكمال تصنيع سلاح نووى.
ولأن حرب الكلمات الصادرة من زعماء إيران ضد إسرائيل لا تقتصر فقط على ما سبق الإشارة إليه من تصريحات الرئيس الإيرانى نجاد، بل تمتد أيضا إلى التهديد بإزالة دولة إسرائيل من خلال تطوير قدرات عسكرية إيرانية بإمكانها إلحاق ضربة مميتة بإسرائيل، لأنها تشكل فى النظرة الإيرانية كيانا مماثلا لألمانيا النازية فى الثلاثينيات من القرن الماضى، التى فشل المجتمع الدولى فى احتواء نزعتها العنصرية والعرقية مما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، فإن مثل هذه الكلمات النارية الصادرة عن مسئولين إيرانيين تضع قادة إسرائيل أمام مسئولية تاريخية لمواجهة تهديد جدى من قبل إيران، إذا ما فشلت الدبلوماسية الدولية فى احتواء مخاطر البرنامج النووى الإيرانى، حيث يصعب عليهم الوقوف مكتوفى الأيدى بعد ذلك، خصوصا بعد أن رأوا الصواريخ الإيرانية الرخيصة طراز كاتيوشا تصل بواسطة حزب الله إلى حيفا وطبرية وعكا والناصرة وتطول ضواحى تل أبيب، وتلحق القتل والدمار بالشعب الإسرائيلى، فما بالنا إذا ما شنت إيران هجمات أشد قسوة بصواريخ شهاب التى قد تكون مسلحة برؤوس كيماوية؟


ثانيا- بين أمريكا وإيران:


وتشتد حرب الكلمات بدخول المسئولين الأمريكيين مجالها، حيث لا تقتصر تصريحاتهم فقط على ما يشكله البرنامج النووى الإيرانى من مخاطر وتهديدات لأمن واستقرار العالم، بل إن وزيرة الخارجية الأمريكية وجهت اتهامات مباشرة أيضا إلى إيران بأنها تدعم المنظمات الإرهابية، ففى 9 مارس 2006 صرحت كونداليزا رايس بأن "إيران هى البلد التى يمثل إلى حد بعيد البنك المركزى الذى يمد بالأموال المنظمات الإرهابية فى مناطق هامة من العالم .، مثل لبنان من خلال حزب الله وحركة حماس فى الأراضى الفلسطينية فى الشرق الأوسط، وإن الولايات المتحدة مهتمة جدا بما تفعله إيران فى جنوب العراق". أما الرئيس الأمريكى بوش فقد أعلن فى خطاب الاتحاد فى يناير 2007 "أن إيران هى الدولة الأعظم إثارة للقلاقل فى الشرق الأوسط، وهى التى تؤيد وتشجع القوى المعادية لأمريكا فى المنطقة، بما فى ذلك القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى فى العراق، وإن الولايات المتحدة مصممة على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية". أما جون نجروبونتي - مدير الاستخبارات القومية الأمريكية السابق ونائب وزيرة الخارجية حاليا - فقد كان أكثر صراحة فى تقديره السنوى للتهديدات التى تواجهها الولايات المتحدة فى يناير 2007، حيث أكد على أن إيران وكوريا الشمالية هما الدولتان اللتان تنالان الاهتمام الاستخباراتى الأكبر من قبل الولايات المتحدة" لأن أنظمتهما لا تحترمان السلوك العالمى ويهزآن من الحظر الذى يفرضه مجلس الأمن على برامجها النووية، كما يسيئان استخدام السلطة الحكومية الشرعية التى يتمتعان بها، ويتجاهلان مصالح وحقوق مواطنيهم". وتؤكد تقديرات المجتمع الاستخباراتى الأمريكى أن إيران مصممة على تطوير أسلحة نووية بالرغم من التزاماتها الدولية التى تفرضها معاهدة الحد من الانتشار النووى NPT والضغوط الدولية عليها لمنعها من هذا التوجه. وتدعي واشنطن أن الإيرانيين يستغلون الجهود الدبلوماسية باعتبارها أداة لاطالة المباحثات ليس بهدف الوصول إلى حل دبلوماسى مقبول، بل لتضييع الوقت حتى يمكنها استكمال برنامجها النووى العسكرى. كما أكد نجروبونتى أيضا فى تقريره أن التهديد الناجم عن البرنامج النووى الإيرانى ليس قاصراً على إسرائيل والمصالح الأمريكية فى المنطقة، بل يمتد ليهدد وجود الدول الأخرى فى الشرق الأوسط الكبير، حيث تسعى إيران لنشر وتدعيم نفوذها فى هذه الدول.
وباختصار تعتقد الولايات المتحدة - وكذلك إسرائيل - أن التهديد الإيرانى للأمن والاستقرار العالمى لا يقتصر فقط على البرنامج النووى، بل يمتد ليشمل مستويات عدة، تتمثل فى امتلاكها أسلحة دمار شامل أخرى كيميائية وبيولوجية يمكن أن تسلح بها رؤوس الصواريخ شهاب، كما تمد بالمال والسلاح والإيواء والتدريب منظمات إرهابية مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، أضف إلى ذلك أن إيران تمد المتمردين المسلحين فى العراق من السُنًّة والشيعة على السواء بالمتفجرات والقنابل المتطورة التى تنفجر على أجناب الطرق وتدمر المركبات القتالية الأمريكية وتقتل من فيها من الجنود الأمريكيين، إلى جانب الصواريخ المضادة للطائرات التى أسقطت عدداً من المروحيات الأمريكية مؤخراً.


الخيارات غير العسكرية أمام إسرائيل


تعتبر إسرائيل أن جميع الخيارات المتاحة لحل المشكلة النووية الإيرانية - باستثناء الخيار الليبى الذى ألغى جميع برامجه لتصنيع أسلحة دمار شامل طوعاً - تحمل فى طياتها خطرا على إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة فى المنطقة واستقرارها. ومع الوضع فى الاعتبار أن الخيار العسكرى سيتسبب - حتى مع افتراض نجاحه - فى إلحاق دمار وخراب هائل بالمنطقة، فإن باقى الخيارات غير العسكرية تفقد بدورها معناها فى النظرة الإسرائيلية إذا لم تكن مصحوبة بضغوط دولية مستمرة على إيران، ذلك أن الضغوط السياسية والاقتصادية فقط هى التى يمكن أن تجبر النظام الإيرانى على الاستجابة لمطالب المجتمع الدولى.


أ- الوقوف مكتوفة الأيدي:


إن الخيار بعيد الاحتمال بالنسبة لإسرائيل هو ان تقف مكتوفة الأيدى ولا تفعل شيئا، مكتفية بالاعتماد على نظام الدفاع الصاروخى المكون من الصواريخ المضادة للصواريخ (حيتس 2) و(باتريوت - باك-3) فى صد الهجمات الصاروخية الإيرانية المتوقعة سواء برؤوس تقليدية أو كيماوية أو بيولوجية أو نووية فى مرحلة متقدمة خلال 2-5 سنوات على أكثر تقدير. وكانت إسرائيل قد أجرت مؤخرا تجربة ناجحة على هذا النظام فى قاعدة (بالماشين) الجوية وسط إسرائيل، واعترض بنجاح صاروخاً مشابهاً للصاروخ شهاب 3 الإيرانى على ارتفاع أعلى مما أجري في تجارب سابقة. إلا أن مثل هذا النجاح فى اعتراض صواريخ فردية لا يلغى تماما احتمالات قوية بوصول صواريخ معادية إلى قلب إسرائيل، إذا ما تعرضت لعملية قصف كثيفة بواسطة صواريخ باليستية فى وقت واحد، فقد تنجح الصواريخ المضادة فى اعتراض بعضها، ولكن أعداداً أخرى من الصواريخ ستصل بالقطع إلى أهدافها، خصوصا مع تطبيق إيران استراتيجية (الإغراق الصاروخى) فى قصفها للأهداف الإسرائيلية، على النحو الذى فعله حزب الله فى حرب لبنان الأخيرة فى يوليو 2006 . ومن ثم فإن نجاح تجارب الصواريخ المضادة للصواريخ الإسرائيلية، لا يمكن أن تقلل من حاجة إسرائيل إلى بدائل أخرى - بما فيها البديل العسكرى - لمنع هذا التهديد من الوصول إلى أراضيها، لأنه تهديد يتعلق بوجود كيان إسرائيل ذاته، ومن هنا تبرز أهمية القرار السياسى الإسرائيلى بضرورة وضع حد للبرنامج النووى الإيرانى قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.
إن الفائدة الوحيدة لالتزام إسرائيل السكون والتصرف بهدوء، أنه كلما كثر الحديث عن البرنامج النووى الإيرانى وخطورته عليها، كثر الحديث بالتالى فى أوساط المجتمع الدولى عن القدرات النووية الإسرائيلية التى تسعى إسرائيل لإسدال ستائر كثيفة من الغموض حول حقيقتها، وبالتالى الدعوة إلى ضرورة تخلي إسرائيل عن ترسانتها النووية فى إطار شرق أوسط خالي من الأسلحة النووية، وهو ما ينادى به زعماء الدول العربية بما فيهم من وقعوا معاهدات سلام مع إسرائيل مثل مصر والأردن، منتقدين بوضوح السياسة النووية الإسرائيلية خصوصا فى بعدها الاحتكارى الردعى. ويبدو أن إسرائيل التى لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووى تعتقد أن بإمكانها إحباط أية محاولة للربط بين الاثنين معا. وتشير فى المقابل أنه لو سمح المجتمع الدولى لإيران بامتلاك أسلحة نووية، فمن المحتمل أن يسعى عدد آخر من الدول العربية والإسلامية مثل مصر والسعودية وسوريا وتركيا إلى الحصول أيضا على أسلحة نووية، بما قد يؤدى إلى حدوث انقلاب فى ميزان القوى الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط لغير صالح إسرائيل.


ب- المسلك الدولي:


يعتبر هذا الخيار حتى الآن هو المفضل لدى إسرائيل، وهو أن تشجع من خلال نفوذها واتصالاتها السرية المجتمع الدولى على أن يتصرف تجاه البرنامج النووى الإيرانى بجدية وحسم قبل فوات الأوان. وقد أكدت إسرائيل علنا على مزايا الجهود الدبلوماسية - سواء كانت هذه الجهود من خلال الاتحاد الأوروبى أو مجلس الأمن الدولى - من أجل منع البرنامج النووى الإيرانى من تعدي دائرة الاستخدامات السلمية للطاقة إلى دائرة الاستخدامات العسكرية.
ولم تقتصر جهود إسرائيل على استخدام نفوذها وتحريك (لوبياتها) فى الدول الغربية للضغط على إيران سواء داخل الوكالة الدولية للطاقة أو فى داخل مجلس الأمن، بل سعت أيضا إلى التأثير فى موقف كل من الصين وروسيا المدافعتين عن حق إيران فى امتلاك برنامج نووى للاستخدامات السلمية.
هذه الإنجازات الملموسة فى حشد وتوحيد معظم المجتمع الدولى للضغط على إيران من أجل إيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم، إلا أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة يشعران بأنها خطوات بطيئة وغير كافية فى إجبار طهران على الاستجابة لقرارات مجلس الأمن المشار إليها، بدليل استمرار إيران فى تحدى هذه القرارات.
وتسعى إسرائيل فى إطار هذا الخيار إلى تجميع ائتلاف دولى يضم الدول المعتدلة فى المنطقة، يشترك معها ومع الولايات المتحدة فى الضغط على إيران ومحاصرتها سياسيا واقتصاديا.
ورغم ما ينظر إليه بعض المراقبون للقرارين الذين صدرا عن مجلس الأمن - 1737، 1747 - بفرض عقوبات على إيران، على أنها عقوبات هشة لا تشكل ضغوطا فعلية على إيران يمكن أن تجبرها على الانصياع للادارة الدولية، حيث اقتصرت على النظامين المالى والتجارى فيما يتعرض بالامتناع عن منح قروض لتمويل مشروعات إيران الاقتصادية، ووقف الاستثمارات الدولية داخل إيران خصوصا فيما يتعلق بقطاع النفط الذى يعانى تدهوراَ كبيرا، وتجميد أموال بعض الأفراد والشركات فى الخارج، وفرض حظر على بيع مواد ومعدات وآلات مزدوجة الاستخدام، إلى جانب منع بيع ونقل الأسلحة الإيرانية إلى دول أخرى (فى إشارة إلى حزب الله فى لبنان)، هذا بالإضافة لحظر سفر عدد من الشخصيات السياسية والأمنية والعلمية الإيرانية.
إلا أن هذه العقوبات، رغم التسليم بهشاشتها، ينبغى النظر إليها فى إطار كونها صادرة على أساس قرارين من مجلس الأمن، أعطى الأخير منهما فترة ستين يوما مهلة لإيران توقف عندها عمليات تخصيب اليورانيوم. فإذا لم تستجب فإن ذلك يفتح الباب أمام فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية، وبالتالى فإن هذين القرارين يؤسسان لما بعدهما من قرارات أخرى قادمة تفرض عقوبات أشد لا تملك الدول الأخرى فى مجلس الأمن المتعاطفة مع إيران معارضتها، لأنه سبق لها أن التزمت بالقرارات السابقة، وهو ما يلزمها به الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الصادر فى ظله القرارين المشار إليهما. وقد تشمل القرارات القادمة عقوبات سياسية تخفض من مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران توطئة لقطعه، ووضع أسماء إضافية لمسئولين إيرانيين على لائحة المنع من السفر، وحظر بيع منتجات إيرانية زراعية وصناعية قد تشمل النفط الإيرانى، إلى جانب منع الطلبة الإيرانيين من الحصول على منح دراسية فى الجامعات الأجنبية، وسيزيد من فعالية تنفيذ هذه القرارات ما تسعى إليه الولايات المتحدة من بناء تحالف دولى يضم معها دول الاتحاد الأوروبى واليابان مناهض لإيران، ويفرض من جانبه ما يشاء من عقوبات أخرى ربما يعجز مجلس الأمن عن استصدار قرارات بشأنها بسبب ثورة الرأى العام العالمى على الولايات المتحدة.
ومما لاشك فيه أن تكثيف العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران سيشكل ضغوطا ذات مغزى على نظام حكم الملالي فى طهران، الذى يواجه فى الداخل مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، خصوصا بعد أن فشل الرئيس الإيرانى نجاد فى تحقيق وعوده التى قطعها للناخبين الإيرانيين بأنه قادر على الأخذ بيد المواطن الإيرانى؛ فالاقتصاد الإيرانى يعانى من فوضى كبيرة وسياسات كارثية يؤكدها تقرير البنك الدولى الذى يشير إلى أن الناتج المحلى الإجمالى لكل فرد ما زال عند حدود 30%، أقل مما كان عليه فى منتصف السبعينات ومنخفضا قياسا بباقى بلدان المنطقة، كما أن نسبة البطالة ارتفعت إلى 12% والتضخم إلى 18%، ومازال سوق العمل فى إيران غير قادر على امتصاص 700.00 شاب يدخلون سوق العمل كل عام. وعلى الرغم من الفائض الذى حققته الزيادة فى أسعار النفط العالمية لإيران، إلا أن صندوق النقد الدولى يحذر من تراجع إيران مرة أخرى للعجز خلال العامين القادمين حتى فى ظل استمرار الارتفاع فى أسعار النفط خلال الفترة القادمة. كما أثرت العقوبات الاقتصادية بشكل كبير على الثقة فى الاستثمار داخل إيران، بالإضافة إلى تخبط السياسات الاقتصادية الداخلية. فقد أشار مصرف كارافاين المملوك للدولة فى تقريره عن حالة الاقتصاد الإيرانى أن سوق الأوراق المالية (البورصة) فى إيران قد شهدت انخفاضا خلال الفترة الأخيرة وصل إلى 26%، الأمر الذى تسبب فى خسائر فادحة للشركات الكبرى التى أصبحت غير قادرة على دفع الديون المتراكمة عليها. كما أدت القيود الصارمة التى فرضتها الخزانة الأمريكية على نقل الأموال إلى إيران إلى إصدار بعض البنوك الأجنبية الكبرى مثل البنكين السويسريين UBS and Swiss Credit وبنك بريطانى آخر كبير هو HSBC تقريرا يفيد بأن إيران ليست مكانا ملائما لجذب الاستثمارات، لذلك توقفوا عن ضخ استثمارات جديدة داخل إيران.
وبالنظر لارتباط الاقتصاد الإيرانى بصادرات وأسعار النفط، حيث تشكل إيرادات النفط 80% من إجمالى حصيلة إيران من النقد الأجنبى، وتمثل نحو 50% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، ومن ثم فإن العقوبات الاقتصادية تعنى إبطاء آلة الاقتصاد الإيرانى، والتأثير على برامج الحكومة وحياة الأفراد، خصوصا أن إيران رغم كونها دولة نفطية فإنها تعتمد على استيراد 40% من احتياجاتها من مشتقات النفط خصوصا البنزين والجاز الذى تعتمد عليها الطبقات الفقيرة كمصدر للطاقة، لذلك فإن العقوبات الاقتصادية تعني منع إيران من الحصول على هذه الاحتياجات مما يخلق أزمة وقود داخل إيران وانفجار أسعاره وربما يؤدى إلى ثورة شعبية.
وهذا هو ما تراهن عليه إسرائيل والولايات المتحدة من وراء العقوبات، حيث تفرز العديد من المشكلات الاجتماعية فى إيران، لعل أخطرها تعاطى المخدرات، وهو الامر الذى دفع الحكومة الإيرانية إلى الاعتراف بأن مليون شخص يتعاطون المخدرات، وبشكل رئيسى مخدر الأفيون، إلى جانب بروز ظاهرة الطلاق داخل المجتمع الإيرانى، حيث أكدت دراسة حديثة أن 30% من المتزوجين حديثا انفصلوا خلال ثلاث سنوات من الزواج، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الدعارة، إلى جانب عدد كبير من فضائح الفساد تورط فيها عدد من القضاة وبعض الموظفين الحكوميين، وقد أدى ذلك إلى تزايد هجرة الإيرانيين إلى الخارج إلى جانب هروب رؤوس الأموال الإيرانية أيضا إلى الخارج.
ولو ربطنا هذه التأثيرات الاجتماعية السلبية للعقوبات الاقتصادية المفروضة حاليا، التى من المتوقع فرضها مستقبلا على إيران، مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية الجارى تنفيذها لإثارة اضطرابات داخلية فى المحافظات الحدودية فى إيران ضد نظام حكم الملالى، وهى المحافظات التى تنتشر فيها تجمعات سكنية كبيرة من عرقيات غير إيرانية ومذاهب غير المذهب الشيعى، مثل خوزستان فى الجنوب الغربى، وبالوشستان فى الشرق، وآذربيجان فى الشمال، وكردستان فى الغرب وجميعها تطالب بالانفصال... لأدركنا أهمية الرهان الذى تراهن عليه إسرائيل وأمريكا على تفعيل العقوبات الدولية فى إسقاط النظام الحاكم فى إيران، وهو ما انعكس فى تزايد المعارضة التى يلقاها أحمدى نجاد حتى من جانب مجلس الشورى الإيرانى فى (البرلمان)، حيث صوت 206أعضاء فى 4 ديسمبر الماضى بأغلبية ساحقة بتقليل فترة رئاسته بأكثر من عام، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة جنبا إلى جنب مع الانتخابات البرلمانية القادمة، هذا إلى جانب نجاح خصوم نجاد فى الانتخابات المحلية الأخيرة التى جرت فى 15 ديسمبر الماضى، فقد اعتبرت النتائج بمثابة رد فعل واسع النطاق من جانب الناخبين الإيرانيين للصراع الجارى والممتد بين نجاد والقوى الدولية​
 
عودة
أعلى