الجهــاد البـحري في عهد السلطـان محمد بن عبد الله ( الـثالث)

Ibn zyad

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
24 فبراير 2008
المشاركات
2,505
التفاعل
12,463 83 0
الدولة
Morocco
الموضــوع منقول من موقع آخر


اهتم السلطان محمد بن عبد الله اهتماما بالغا بالجهاد البحري (1) وذلك لوعيه بالدور الخطير الذي تلبعه الثغور المغربية على المحيط الأطلسي، فاتجه إلى تبني سياسة دفاعية تهدف أساسا إلى الوقوف في وجه الاطماع الأوروبية.وسنحاول في هذا العرض أن نتناول بالبحث جهود السلطان المذكور في سبيل تقوية الأسطول المغربي، واهتمامه بالثغور المغربية وكذا إلى ردود الفعل الأوروبية تجاه أعماله.
أولا: جهود السلطان سيدي محمد بن عبد الله في سبيل تقوية الأسطول المغربي
تزخر المصادر المغربية المعاصرة بالعديد من الإشارات التي تهم الموضوع، فهذا كاتبه وسفيره أحمد بن المهدي الغزال – مثلا يسجل في مقدمة كتابه نتيجة الاجتهاد: "جد – إليه الله- في تهيئ المراكب للجهاد، واجتهد وشحنها بالعدد والعدد، وخص عساكره المؤيدة بالله على حضور النية على القتال لتكون كلمة الله هي العليا.." (2) وهذا ما سجله أيضا محمد الضعيف الرباطي في تاريخه وهو بصدد الحديث عن منجزات السلطان: "...وأعظم من هذا كله ما فيه من الوجهة للجهاد وجمع آلاته وجميع ما يحتاج إليه من عدة وعدد، وقد جمع من ذلك ما لم يتفق لأحد ممن تقدمه، وسخر الله له السفن في البحر م أهل سلا ورباط الفتح وغيرهما..." (3). وفعلا فإنه لم يذخر وسعا في سبيل تحقيق ما كان يهدف إليه رغم الصعوبات التقنية التي كانت تعترضه، فقد قام بتجديد في بناء الأسطول، وصرف الأموال في سبيل تحديث أوراش لناء السفن (4)، وكل تفكيره كان متجها إلى شيئين أساسيين: بناء سفن قادرة على مواجهة أهوال المحيط من جهة وقادرة على مواجهة الوحدات البحرية الأوروبية من جهة أخرى (5). ومن أمثلة ذلك أنه: "أمر بإنشاء السفينة الكبيرة من طبقتين، وأنفق فيها مالا كثيرا، أنشأها بسلا ورئيسها هو الرايس سالم، ولما طلعت وأراد الخروج بها في البحر لم تقد على الخروج لكبرها إلى أن أفرغ ما فيها وأخرجها بحيلة.."(6) وهكذا نلاحظ أن الموانئ التي توجد بمصبات الأنهار لا تلائم حج السفن التي كان يريد السلطان بناءها، فالحاجز الرملي في الشتاء ومستوى المياه المنخفض في الصيف يمنعان الفركاطات المجهزة بالمدافع من التحرك إلا خلال شهريه في السنة فقط (7). وقد أشار إلى هذا كاتبه أحمد بن المهدي الغزال حيث حديثه عن العوائق التي تعترض السفن الجهادية قائلا: "على أن سفن سيدنا الجهادية مقصور جهادها على شرهين في السنة لاتصال المراسي بالأودية بصفة يتعذر الخروج منها قبل فتح الطمس بالأزمنة الشتوية. فهناك تقرصن وتعود لمرساها إلى القابل، وقد استعمل الحكماء وأهل الهندسة جهدهم في تنظيف المراسي من الرمل المانع لخروج المراكب، فلم يحصلوا على طائل، وصار العدو الكافر يترك البحر في الشهرين المعلومين ويسافر السنة لينال في ذهابه وإيابه ما منه..(8)"
أما عن كيفية تجهيز هذا الأسطول فنشير إلى أنه كان يحصل عليه عن طريقين:
- الطريق الأول: الاستيراد المباشر من أوربا: "وسخر الله له أجناس الروم، فما يأمرهم بالإتيان بشيء من ذلك إلا بادروا لامتثاله مسرعين وقاموا بين يديه سامعين وله مطيعين.." (9) وهكذا فقد بعث السلطان – مثلا- بسفيرين من رياس البحر هما الحاج التهامي المدور الرباطي والعربي المستيري الرباطي، إلى السويد وانجلترا قصد جلب الذخيرة الضرورية لأسطوله.
- تقوى الأسطول المغربي في هذه الفترة أيضا من طريق الغنائم التي كان يحصل عليها المغاربة نتيجة عملياتهم البحرية المتكررة، وهذا ما أشار إليه بكل وضوح محمد الضعيف وهو يصدد الحديث عن أعمال السلطان الجهادية: "..تكاثرت سفنه في البحر من أخل سلا ورباط الفتح وأقبلت عليه الأيام...وكان الرايس من أهل سلا والرباط يقدمون عليه بمراكش بالنصارى الأسرى في كل سنة، مثل الرايس العربي المستيري والرايس عواد السلاوي والرايس العربي حكم وغيرهم..وهؤلاء كلهم بالسفن وكلهم يأتون إليه بسفن النصارى إلى مراكش.." (10)، ويقول في مكان آخر: "...وفد (السلطان) على رباط الفتح وسلا فوجد الرايس محمد عواد مانطة السلاوي، والرايس محمد عواد المعروف بقنديل السلاوي، والرايس العربي المستيري الرباطين أتوا بسفينة مغنومة من جنس السويد..ثم سافر القائد العربي المستيري في الحين فغنم اثنين من السفن واحدة من جنس البرطقيز والثانية من جنس السويد.."(11).
وكان من نتيجة الجهود الجبارة التي بذلها السلطان أن تقوى الأسطول المغربي في عهده وأصبح بإمكانه تقديم المساعدة للأتراك العثمانيين أنفسهم: "ثم إن السلطان – نصره الله – سمع بجور النصارى على السلطان، عبد الحميد العثماني – أيده الله – فأراد إعانته على الروم. وأصدر أمره للحاج المكي على أن يرجع ويتهيأ ليأتي بالسفن هدية من السلطان – أيده الله تعالى – للعثماني، وأن يقف على السفن بالعرائس، وصار يمد العثماني بالبارود وملح البارود نحو الأربعة آلاف قنطار بارودا ومثلها ملحا لطنجة، ومنها تسير للعثماني – أيده الله -..." (12)
ثانيا: اهتمامه بالثغور المغربية:
كان السلطان سيدي محمد بن عبد الله يدرك جيدا لأهمية الاستراتيجية للثغور المغربية على المحيط الأطلسي، وذلك نتيجة للاهتمام المتزايد الذي أصبح لهذا المحيط في المواصلات الدولية بين أوروبا الغربية وأمريكا وبينها وبين الشرق الأقصى عبر راس الرجاء الصلاح، فاقر سياسة دفاعية لتحصين السواحل المغربية الأطلسية، وهذا ما أشار إليه سفيره أحمد بن المهدي الغزال قائلا: "وشرع سيدنا – أيده الله – في عمارة الثغور وتشييد ما هده منها تتابع الأزمنة والدهور، وحصنها بالعدد الكبير من المدافع والعدد حتى صارت ممنوعة من العدو محفوظة من عين حاسد إذا حسد (13).
ويمكن هذا العمل من الحصول على نتيجتين أساسيتين:
- تأمين الحياة اللازمة للبلاد.
- الانفتاح على العالم الخارجي بعقد معاهدات وإرسال سفارات إلى دول أوروبا الغربية والشرق الإسلامي.
وهكذا نلاحظ أنه في إطار هذه السياسة قام ببناء حصون وتحصين أخرى وتحرير البعض الآخر.
- بناء الحصون:
بناء الصويرة يذكر الضعيف في هذا الصدد: "وفي سنة ثمان وسبعين ومائة وألف أمر السلطان ببناء الصويرة, وحصنها وأنفق عليها مالا عظيما..وفي مهل ذي القعدة عام 1179هـ قدم الصفار مع مائتي رجل من البحرية بقصد أن يأخذوا الانفاض التي بفاس الجديد ويذهبون بها إلى العرائش والصويرة.." (14).
ويرجع اختيار جزيرة الصويرة لبناء القلعة الحصينة إلى صلاحيتها للملاحة طوال السنة خلافا لمعظم الموانئ المغربية الأخرى الواقعة عند مصبات الأنهار. وقد وصفها وصفا دقيقا محمد بن المهدي الغزال قلائلا: "لها بابان شرقية وغربية تسافر منها القراصين متى شاءت من غير أن تفتقر لطيب هواء...وحصن – أيده الله – الجزيرتين الدائرتين بالمرسى كبرى وصغرى، بالعدد الكثير من المدافع، وشيد بها على صخرة داخل البحر إحكامه الصوف الهندسة جامع، فالقاصد للمرسى لا يدخلها إلا تحت رمي المدافع، من البروج والجزيرة، فإذا جاوز المدافع وحصل المرسى لا يمكنه الخروج منها إلا بدليل له بها معرفة وبصيرة، فهي محصنة محفوظة، وبعين الرعاية ملحوظة... وقد شاع خبرها في سائر الآفاق، وأجمع الكل على تفضيلها وتقديمها على ما سواها بالاستحقاق وبإبداعها وإنشائها تتابع الجهاد وتوالى..."(15).
ويدخل في هذا الإطار أيضا بناؤه لمرسى فضالة سنة 1186 هـ (16).
- تحصين الثغور:
لم يكتف السلطان ببناء قلاع جديدة، بل حصن القديمة منها خاصة تلك التي لها ماض معين مثل العرائش.(17) ويذكر الناصري في هذا الصدد: "بنى لها الصقائل والأبراج وصونها، ثم كان قدوم انه المولى يزيد في هذا التاريخ إلى فاس، وفي ركابه جماعة من رؤساء البحر والطبجية أهل الإجادة في الرمي، وكان قدومه بأمر السلطان لجر المدافع، والمهاريس النحاسية التي كانت بفاس الجديد ومكناسة وتقلها إلى ثغر العرائش ففعلوا..." (18) وأرادا السلطان أن يشرك معه في هذه العملية القبائل المجاورة: "..وأمر السلطان القبائل الذين بالطريق أن يتولوا جرها، فكانت كل قبيلة تجرها إلى التي تليها..." (19). وقد رحب سكان مدينة العرائش أيما ترحيب بهذه التحصينات التي تمكنهم من الدفاع عن مدينتهم: "ثم جرها أهل العرائش وقبائل حوزها إلى المدينة، وكان يوم دخولها مهرجانا عظيما أخرجت فيه المدافع والمهاريس والبارود، وتسابقت القبائل على الخيول ولعبوا بالبارود إلى المساء..."(20)
- تحرير الثغور:
عمل السلطان سيدي محمد بن عبد الله خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 1182 هـ و1188 هـ على تحرير عدد من الثغور المحتلة ومن تدعيم أسس وحدة البلاد. وهكذا فقد توجه بنظره إلى تحرير البريجة عام 1182 هـ، وكذا إلى محاصرة مدينة مليلية خلال عامي 1185_ و 1188 هـ.
- تحرير البريجة:
لقد حاول المغاربة ومنذ أن احتلت من طرف البرتغال تحرير المدينة سواء علة الصعيد الشعبي أو على الصعيد الرسمي، فعلى الصعيد الشعبي يكفي أن نذكر أن المدينة كانت محاصرة باستمرار من طرف مجاهدي دكالة وعيرهم، بل وأقيمت نقط الوثوب على المدينة. أما على الصعيد الرسمي فنذكر المحاولات الآتية:
- محاولة محمد الشيخ السعدي، لكن الضغط التركي اضطره إلى مهادنة القوات البرتغالية والإسبانية بالسواحل المغربية لمواجهة التدخل العثماني بالمغرب.
- محاولة عبد الله الغالب. إذ كادت المدينة أن تفتح بعد حصارها لولا الضغط التركي على حدود المغرب الشرقية مما أدى به إلى التراجع.
- كما أصدر عبد الملك المعتصم أوامره بمحاصرة البريجة قبيل معركة وادي المخازن، ودلك خوفا من خروج قوات برتغالية منها.
- وعندما انتهت الحملة البرتغالية على المغرب بالفشل، تدخلت قوات إسبانية بالبحر لحماية المدينة من الهجومات المغربية وحال الإسبان دون تحرير المدينة، بالإضافة إلى أن الضغط التركي تدخل من جديد مما جعل أحمد المنصور الذهبي يتخلى عن تحرير المدينة والتمسك بالهدنة مع الإسبان.
وعلى كل فقد استفاد السلطان سيدي محمد بن عبد الله من الظروف التاريخية السابقة التي حالت دون تحرير المدينة فيسعى إلى تهيئ أرضية دبلوماسية ملائمة.
وهكذا فقد سعى إلى تحسين علاقاته مع فرنسا، وضمان حياد إسبانيا في أي حرب تحريرية ضد البرتغاليين، كما عقد معاهدة مع الدانمارك خلال عام 1181 هـ نص الفصل السابع عشر منها على التزام الدنماركيين بتقديم أسلحة وعتاد حربي من بينها خمسة وعشرين مدفعا من العيار الثقيل والمتوسط وقذائفها وجميع لوازمها. ويدخل في نطاق هذا الاستعداد لهذه الحرب أيضا الإمدادات العسكرية التركية التي وصلت إلى المغرب في نفس السنة (21).
وهكذا عندما هيأ الأرضية الدبلوماسية لتغطية عملياته العسكرية انطلق لتحرير المدينة، ومن المصارد المعاصرة الهامة التي يمكن الرجوع إليها للوقوف على الكثير من دقائق هذه الحملة نذكر كتاب الحلل البهيجية في فتح البريجة (22) لمؤلفه محمد بن أبي القاسمي بن محمد بن محمد بن سليمان المراكشي، فيذكر في هذا الصدد: "...ثم إن الملك أخذ في إصلاح شأنه وأرسل إلى جنوده وعساكره يأتون للجهاد في سبيل الله ويتهيأون للحرب كما أمرهم وأن يركبوا الخيول المسومة ويلبسوا الثياب لقوله تعالى: ?وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم?. ثم أرسل الملك إلى قبيلة دكالة أن ينزلوا البريجة المخلية وأن يربطوا عليها حتى يقدم الملك عليهم.."(23). وتصف مصادر أخرى هذه العملية والدواعي التي دعت السلطان إلى ذلك: "ولما أحس – أعزه الله برضاه وأدام نصره وأعلاه – من الكفار المتعمرين بالبريجة البلدة المعروفة بساحل البحر قرب أزمور الأذاية لرعيته توجه إليها بعزمه وعنايته وحاصرها بالجيوش التي لا قبل لهم بها، ورماها بالكور والبومب، فلم يلبث إلا أن أخرجهم منها أذلة صاغرين وهدمها، فهي الآن تسمى المهدومة وتسمى اليوم الجديدة على أمره، وهو الذي سماها بذلك – نصره الله وأيده وأعانه ووفق وسدده – فاستولى عليها.." (24) وفعلا فقد خرجت الحملة المغربية من مراكش سنة 1182 هـ، ورابطت في فحص المجاهدين القريب ممن المدينة وأخذت تمطر الحصن بوابل من قذائفها، كما حاصرت في نفس الوقت الميناء، وحالت دون وصول نجدات عسكرية برتغالية قدمت من لشبونة، وظل الأمر مذلك إلى أن أعلنت الحامية البرتغالية استلامها وطالبت بالسماح لها بالجلاء، وتم ذلك صبيحة يوم السبت في 2 ذي القعدة سنة 1182 هـ، وقد دامت هذه الرحلة 58 يوما وانتهت بتحرير المدينة بعد أن خضعت للاحتلال البرتغالي نحو ثلاثة قرون.
ثالثا: رد الفعل الأوروبي تجاه الجهاد البحري:
كان رد فعل الأوروبيين تجاه الجهاد البحري قويا خاصة من الجانب الفرنسي والإسباني، إذ قررت كل ممن فرنسا وإسبانيا حماية سفنهم من الهجومات المغربية المتكررة بجميع الوسائل المتوفرة لديهم, وهكذا فقد كلف الفرنسيون فيما بين سنتي 1763 و 1764 القائد Fabry بمحاصرة الشواطئ المغربية لكن دون جدوى، إذ تمكن المجاهدون السلاويون أمام مدينة قادس من الاستيلاء على سفينة فرنسية كبيرة (la sirène)، والتي سرعان ما حولت إلى سفينة جهادية (25).
وفي سنة 1765 أصدر الملك الفرنسي لويس الخامس عشر أوامره إلى الأميرال chaffault للعمل على القضاء وبصفة نهائية على الجهاد البحري بالمغرب (26). وهكذا في 31 ماي رسا الأسطول البحري الفرنسي أمام مدينة سلا وشرع في رمي المدينة بالقنابل انطلاقا من 2 يونيو، ورغم أحوال الطقس الرديئة آنذاك فإنه استمر في حصار المدينة لكنه لم يفلح، وأمام فشله اتجه إلى العرائش في 27 يونيو لكنه لقي هزيمة منكرة أياض (27)..وقد سجل أحمد بن المهدي الغزال هذه الحادثة بدقة كبيرة فوضعها على الشكل الآتي: "...رمى بمرمى ممن الأنفاط والبونيه ما ظن أنه يحصل به على طائل فأجيب بضعف ذلك، فلم يلبث إلا وأجفانه هاربة تقفو أواخرها الأوائل، وخر هاربا مهزوما ساقط الألوية مذلولا مذموما، فعالج ما انصدع من أجفانه وأعاد الكرة يطلب حتفه بيده ويسعة في مذلته وهوائه، ووثب على مرسى ثغر العرائش..واقتحمها بالبنب والمدافع، وشحن القوارب العديدة بالشلظاظ (28) والفسيان (29) مما يزدي على الثمانمائة، ظنا أن ليس لهم بها مقابل ولا مدافع وعبر المراسى بقواربه المشحونة بعساكره قاصدا حرق مركب كان أخذ لهم قبل داخل الوادي، فخلى المسلمون سبيله حيلة، حتى توغلوا في الموضع الذي لا تمكنهم الخروج منه، وركب لقطعهم من حضر من الحواضر والبوادي وقطعوهم قطعة لا يسعهم منه قرارا..واستعملوا فيهم السيف فقتل وغرق وأسر منهم عدد كبير، فهم بين غريق وقتيل وأسير.." (30) لكن القوات الفرنسية كانت مصرة على تنفيذ أوامر الملك مهما كلفها ذلك من ثمن فظلت تحاصر قواعد المجاهدين في سلا والمهدية والعرائش، وتقطع سبيل الاتصال بين المجاهدين والعالم الخارجي، وهكذا فقد اعترضت قطع الأسطول الفرنسي سبيل سفن هولندية ودانماركية كانت محملة بالعتاد إلى السلطان وأرستها وقادتها على مدينة Toulon الفرنسية (31) وأمام هذه الوضعية عقد السلطان في 28 ماي 1767، معاهدة هدنة مع فرنسا اعتبرها بعض المؤرخين الأجانب نهاية الجهاد البحري المغربي، مستنتجين ذلك من خلال الأحداث التي نلت هذه المعاهدة.
غير أنه وبالرغم من توقيع هذه المعاهدة، فإن السلطان استمر في الحفاظ على قوة بحرية معينة مشجعا إياها على القيام بالجهاد البحري، ففي شتنبر من سنة 1773 كانت هناك مجموعة من خمس سفن تحت قيادة الهاشمي المستيري قد التفت برأس سبارتيل بفركاطة توسكانية تحت قيادة Acton ولكن بمجرد الطلقات المدفعية الأولى غرقت السفينة المغربية واستسلم القائد، وهربت باقي السفن إلى العرائش، وإثر ذلك لم يعد أحد يتكلم عن قوة بحرية مغربية قادرة على مواجهة السفن الأوروبية.
أما رد الفعل الإسباني فيتجلى بالخصوص في معاملة الأسرى المغاربة بإسبانيا إلى درجة وصل معها صدى هذه المعاملة إلى السلطان نفسه: "..فاتفق له أن وردت عدة كبت من أسارى المسلمين، منها ما هو لمطلق العامة، ومنها لبعض الطلبة وعلماء الدين، الكل من البلاد الأصبنولية، وأصله للحضرة العلية فقرئت على مسامع سيدنا الشريفة.." (32). فكتب السلطان إلى كارلوس الثالث ملك إسبانيا يبلغه اهتمامه البالغ بقضية هؤلاء الأسرى: إننا في ديننا لا يسعنا إهمال الأسارى وإبقاؤهم في قيد الأسر، ولا حجة للتغافل عنهم ممن ولاه الله تعالى التصرف والأمن... (33). وكلف سفيره السالف الذكر أحمد بن المهدي الغزال بهذه القضية، وقد كللت سفارته بالنجاح إذ أطلق الملك الإسباني سراح الأسرى المغاربة.
ولم يكتف السلطان بالاهتمام بالأسرى المغاربة فقط بل كان يهتم بجميع الأسرى المسلمين فقد سجل محمد بن عثمان المكناسي في هذا الصدد: "..وكان ممن اختصه الله تعالى بالشفقة على عبادهن والسعي في إصلاح في أرضه وبلاده، والبحث عن أسارى المسلمين الذين بأيدي الكافرين، وقد كان عند النصارى الأصبنيول قبل هذا منه أسارى المسلمين عدد كبير، وجمهور غفير، وكلهم من البلاد المشرقية مثل طرابلس وتونس، والجزائر وعمالاتها، فسرح الله تعالى جلهم على يده الكريمة.." (34).
ويعد هذا الجانب لامع من الجوانب اللامعة في أعمال السلطان سيدي محمد بن عبد الله حاولنا فيه أن نلقي بعض الضوء عليه. لقد حاول تطوير القوة البحرية المغربية بما يتلائم وعصره، وحاول تبني سياسة دفاعية تمكنه من حماية ثغوره وتمكن بالفعل من تحقيق الكثير مما كان يرغب فيه. لكن القوات الأوروبية المتربصة بالمغرب كانت تقف بالمرصاد لجميع الأعمال التي من شأنها تطوير القوة البحرية المغربية، وظلت تراقب عن كثب هذا التطور.


 
رد: الجهــاد البـحري في عهد السلطـان محمد بن عبد الله ( الـثالث)

المصـــادر

1) حول الدوافع التي حدث بالباحث إلى استخدام هذا المصطلح المغربي بدل استخدام مصطلح "القرصنة، وكذا المراحل التي مر بها الجهاد البحري إلى غاية السلطان سيدي محمد بن عبد الله، انظر: محمد رزوق، الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16 و 17، رسالة جامعية غير منشورة، محفوظة بمكتبة طلية الآداب بالرباط، فك 322-342.
2) نتيجة الاجتهاد، ص.34.
3) تاريخ الضعيف. ص 166.
4) عبد الرحمان بن زيدان، الالحاف 3: 259
Romion in Hespéris-Tamoda. Vol X fasc 1-2, 1969, PP.51-52 Lourido “Transformation de la Pirateria marroqui en Guerra del corso”
5) Roger Coindreau Les Corsaires de Salé p.201
6) تاريخ الضعيف. ص169
7) Roger Con Coindreau op.cit P.201
8) نتيجة الاجتهاد. ص 37.
9) تاريخ الضعيف. ص. 166
10) المصدر السابق، ص .169
11) المصدر السابق, ص.166
12) المصدر السابق. ص. 187
13) نتيجة الاجتهاد، ص 37
14) تاريخ الضعيف، ص 172-173.
15) نتيجة الاجتهاد ص.38
16) تاريخ الضعيف ص.176
17) للمزيد من الإيضاح حول مختلف المراحل التي مر
منها تاريخ مدينة العرائش انظر:
Tosas Garcia y Carlos Rortriguez Joulia Saint- cyz. Larache, datos para su historia en el siglo
XVII
18) الاستقصا –26.
19) نفس المصدر والصفحة
20) أبو القاسم الزياني، البستان الظريف، مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 1577د.
21) أبو القاسم الزياتي، الترجمان المغربي مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 658د.
ملاحظة: يعتبر السلطان سيدي محمد بن عبد الله أول ملوك المغرب الذي كان يبدي عطفا كبيرا على الأتراك. انظر: محمد بن تاويت، تاريخ سبتة ص.190
22) حققه أخيرا (1986) الدكتور عبد الكريم كريم
23) الحلل البهيجة ص 20
24) تاريخ الضعيف. ص.166.
25) Roger Coindreau, op cit.p.60
26) loc.cit
27) Romon Lourido, op. cit. p.60.
28) من الكلمة الإسبانية Saldados أي الجنود
29) من الكلمة الإسبانية Officales أي الضباط
30) نتيجة الاجتهادن ص.36
36) Roger Coindreau, pop cit.p.203
32) نتيجة الاجتهاد، ص.39
33) نفس المصدر والصفحة
34) الإكسير في فكاك الأسير، ص.5
 
رد: الجهــاد البـحري في عهد السلطـان محمد بن عبد الله ( الـثالث)

فترة السلطان محمد بن عبد الله كانت من ازهى فترات التاريخ العسكري البحري المغربي ..
بارك الله فيك اخي ابن زياد
 
عودة
أعلى