يلعب جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي دورا محوريا خلال شهر رمضان المبارك ثم عيد الفطر السعيد. وهو يستقبل في أوائل شهر رمضان المبارك نحو 150 ألف صائم، في الخيم المكيفة المنصوبة في ساحات الجامع، وتصل الطاقة الاستيعابية للواحدة منها إلى ما يقارب 1500 شخص. كذلك يقدم المركز يوميا نحو 20 ألف وجبة إفطار. ويستقبل نحو 70 ألف مصل في صلاة التراويح والتهجد وقراءة القرآن الكريم. يتميز جامع الشيخ زايد الكبير، حيث دُفن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، قبل انتهاء أعمال البناء، بقدرته على التأثير في القلوب والأرواح وإثارة مشاعر الدهشة الإعجاب في نفوس زائريه، ويبعث على حالة من السكينة والصفاء والتأمل. وتعد قبة المسجد الرئيسية أكبر قبة في العالم، إذ يبلغ ارتفاعها 83 مترا بقطر داخلي يبلغ 32,8. وتزن هذه القبة ألف طن، ولقد زُخرفت من الداخل بالجبس المقوّى بالألياف على أيدي فنانين مغاربة أبدعوا في تصميم زخارف نباتية فريدة، خصيصا، بالإضافة إلى كتابة آيات قرآنية. وعموما يصل عدد القباب إلى 85 قبة مختلفة الأحجام تغطي الأروقة الخارجية والمداخل الرئيسية والجانبية، وجميعها مكسوة بالرخام الأبيض. ثم إن الجامع يحتوي على 24 عمودا داخل قاعة الصلاة الرئيسية تحمل الأسقف والقباب الضخمة كُسيت بالرخام الأبيض المطعَّم بالصدف بأشكال وردية ونباتية.
هذا، وأحيطت الأروقة الخارجية للمسجد ببحيرات مائية تعكس واجهات الجامع، ما يضيف إليه تميزا من الناحية التصميمية، أرضياتها مكسوّة بالرخام الأبيض مع استعمال رخام أخضر في الممرّات التي تؤدي إلى الصحن. كذلك روعي أن تكون أعمدة الأروقة الخارجية من الرخام الأبيض المطعّم بالأحجار الكريمة، وقام بتثبيتها عمال مهرة استقدموا خصّيصا من الهند، بالإضافة إلى تاج الأعمدة، والمصمم بشكل رأس نخلة من الألومنيوم المذهّب.
من ناحية أخرى، تغطّي أرضية الجامع أكبر سجادة معقودة يدويّا في العالم، تبلغ مساحتها 5 آلاف و627 مترا مربعا بديعة التصميم. وهذه السجادة الفريدة صنعت في إيران حيث عمل في صنعها 200 ناسج وناسجة، و20 فنيا و30 عاملا. ويبلغ عدد العقد فيها 2,268 مليون عقدة، وتزن 47 طنا من القطن والصوف، وكلف صنعها نحو 30 مليون درهم. وحسب المعلومات الأخرى المتوافرة عنها أنها من تصميم الفنان الإيراني علي خالقي وصنعت في ثلاث ورش ضخمة موزعة على ثلاث قرى قريبة من مدينة نيسابور (نيشابور) التاريخية، القريبة بدورها من مدينة مشهد عاصمة محافظة خراسان وثانية كبرى مدن إيران.
وإلى جانب السجّادة الأكبر في العالم، توجد في الجامع مكتبة فريدة وغنية على ثلاثة آلاف عنوان في مختلف المجالات العلمية والثقافية، بأكثر من اثنتي عشرة لغة حيّة، من ضمنها مجموعات من نفائس الكتب النادرة.
وثمة ما يأسر في هذا الجامع، ليس على صعيد البناء والجمال المباشر فحسب، وإنما على مستوى قدرته في تحريك الروح عبر استحضار الشعور الإنساني المشترك أيضا، من خلال رمزيته في التآلف بين الماضي والحاضر. ولذا، فعادة ما يقارنه الأجانب بتحفة تاج محل الهندية الشهيرة فيعتبرونها أشبه ما يكون بـ«تاج محل أبوظبي»، بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك فجعلوه إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.
وعلى الصعيد الإنساني البحت، يتميز الجامع بأنه يجمع مختلف الجنسيات تحت عيون ثرياته المتلألئة، وهم يفترشون السجادة الفاخرة، وينشدون الصفاء والتأمل على أبوابه المفتوحة، التي ترمز إلى كرم الضيافة وعمق التراث.
أما على الصعيد السياحي، فلقد غدا هذا الجامع بعدما فرض وجوده كأحد أهم الصروح المعمارية الإسلامية في العالم أجمع، إحدى وجهات السفر العالمية العشر الأوائل، وذلك لكونه يحتوي على كل ما يبحث عنه السائح الراغب في الاطلاع بما فيه المعرفة المفصّلة عن الدين والتراث، وخاصة أولئك الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا القليل. وهذا منطلق يجمع أقصى الشرق والغرب في جغرافية نادرة. ويتفق الزوّار على أنهم يتحسّسون فيه رسالة نشر الجمال والتواصل الإنساني، وخلق علاقات روحية بين الناس التواقين إلى الجمال من خلال رؤية بصرية في المساحات الواسعة في الداخل، التي تعمل على تخطي الفوارق بين البشر، والإحساس بعظمة المكان الذي يلتقي فيه الإنسان مع خالقه.
وختاما، بقي أن نشير إلى أن جامع الشيخ زايد يتميز بمكانه المرتفع نسبيا عمّا حوله ما يجعل منه معلما بارزا مع تعاقب الليل والنهار. فخلال في النهار تضيئه أشعة الشمس، وليلا يضاء بإنارة بيضاء تفيض بشعاع ملأ الأبصار، ويزيد المشاهد انبهارا وتعجبا.
جامع الشيخ زايد في أبوظبي .. صرح إسلامي يؤثر في القلب والروح,