القائد العسكري المغربي الناجم الأخصاصي

الشبح

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
9 مارس 2008
المشاركات
7,006
التفاعل
26,225 136 0
الدولة
Morocco
التقديم

السلام عليكم .. اقترح عليكم اليوم فتح سيرة من سير البطولة و الشجاعة المغربية ..سيرة رجل ظلم كثيرا رغم انه واحد من الابطال الكبار ولا يقل اهمية عن عبد الكريم الخطابي و الشريف محند امزيان و غيرهم
انه البطل القائد العسكري المغربي الناجم الاخصاصي و الذي رفض توقيع المغرب لاتفاقية الانهزام و الذل اتفاقية (فاس) سنة1912 .. وترك الجيش المغربي الشريفي و تنازل عن جميع رتبه العسكرية فهو كان برتبة قائد ارحايا (كولونيل) وهي احد الرتب الرفيعة بالجيش المغربي..
وكان بامكانه ان يضع يده في يد الاحتلال كما فعل قادة عسكريون اقل منه كما فعل (الكلاوي) وغيرهم ..فتمتعوا بالسلطة و الجاه و النفوذ وحكموا باسم الاحتلال 44 عاما .. الا انه رفض ذالك مطلقا .. فخلع بزته العسكرية و انظم للمقاومة الشيخ الصحراوي المغربي (الشيخ ماء العينين) ثم بعد ذالك الى مقاومة ابنه الشيخ الصحراوي المغربي (مربيه ربه) فعينه قائدا على قوات المقاومة.. وبقي على ذالك الى سنة 1934 حين استقر بمنطقة (ايت بعمران) بشمال الصحراء المغربية في ظل الاحتلال الاسباني وفرضت عليه الاقامة الجبرية وظل كذالك الى الاستقلال وحتى وافته المنية في سبعينات القرن الماضي رحمه الله ..
وهو من الرجال الذين لم يخونوا الوطن قط رغم كل المغريات بحكم موقعه العسكري الحساس فكان من الناس الذين صدق فيهم قول الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23

الموضوع

تضنّ المصادر المعاصرة على الباحث بترجمة وافية لهذا العلَم[2]، ولولا ما أتبثه العلامة محمد المختار السُوسي في كتابه "المعسول" لأضنانا البحث ولما نظفر بشيء[3]. مهما يكن من أمر، يعد النَّاجْم الأَخْصَاصِيّ " أحد القوّاد المخزنيين القدامى الذين كان لهم تأثير كبير على مجريات الأمور خلال فترة حاسمة من تاريخ المغرب، والتي تبتدئ قبيل توقيع معاهدة الحماية، وتنتهي بالاِحتلال التام لسوس عام 1353 هـ[1934م]."[4]

أما عن نَسَبِه، فهو النَّاجْم بن مبارك بن مسعود، ولد بإِدْجْلُّولْ من آيْتْ بُويَاسِينْ من قبيلة الأَخْصَاص[5] حوالي سنة 1284هـ/1867 م لأبوين ينتميان إلى " عائلتين كان قد مرَّ على تحريرهما من العبودية قرابة أربعة أجيال."[6] وقد نشأ في جوّ رِيَّاسِيّ قبَلِي، يطفح بالولاء لعائلة أو لِفَخذ أو لجماعة بشرية دون أخرى.

انصرف المترجَم عن التعلّم إلى خدمة جملة من القوّاد: كالقائد دَحْمان بن بَيْرُوك الأَكَلْمِيمِيّ[7] (ت 1881م)، والقائد بُوهِيَّا[8] (ت 1882م)، والقائد محمد بن الطاهر الدْلِيمِي[9] (ت 1890م). هذا الاتصال بالنخبة المخزنية المحلية أتاح له خبرة سياسية وعسكرية بَدْئِية ستُفيده في اندماجه- هو أيضا- ضمن هذه النخبة فيما يُستقبل وسيصير من دعائمها. وكان الظهور العسكري للمترجَم ضمن الجيش المخزني في مواجهته لثورة قبيلة الرْحَامْنَة بعد وفاة السلطان الحسن الأول (ت 1894م)، وقد "أظهر كفاءته الحربية.. فلفت انتباه قواد الجيش السلطاني بمراكش"[10] وعُيِّن قائد رحى[11]، وأُوكل إليه التصدي لبعض الثورات، وأشهرها ثورة "بوحمارة" على عهد السلطانين مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ "حيث حاربه في رقعة جغرافية واسعة ممتدة من فاس حتى وجدة ثم تطوان وجبالة وألقى القبض عليه"[12]، قبل أن ينضم خلال العهد اليوسفي إلى حركة الشيخ أحمد الهيبة بن ماء العينين، وبعده شقيقه مْرْبِّيهْ رَبُّه في مراكش وسوس، فعيَّنه الهيبة رئيسا للحروب، فحارب زمانا جيش الاحتلال وقواده، كالقائد حِيدَة بن مَّايْس المنابهي[13] (ت1917م) والقائد العربي الضَّرْضورِي[14] (1928م)، والقائد الكَنْتَافِي (1927 م)[15]، والقائد التْهَامِي الأَكْلاَوِي[16] (1956).. في العديد من النواحي والقبائل والمداشر.. إلى حدود احتلال سوس عام 1934 م. بعدها اشتغل بتدبير معاشِه في آيت باعمران " قبل أن تفرض عليه الإقامة الجبرية بعد ثورة الباعمرانيين على مشروع فرانكو القاضي بإدماجهم في إسبانيا."[17] عاش المترجَم حتى عهد الِاستقلال وحظي باستقبال السلطان محمد الخامس ضمن الوفد الباعمراني سنة 1376/1956..، ويُجهل تاريخ وفاته على وجه التحديد، ومن المرجّح - حسب بعض الروايات- أن يكون في السبعينيات من القرن الماضي، وقد طال به العمر حتى تجاوز المائة سنة.

فهذه السيرة وإن كانت لقائد تقلَّب في مناصبَ عديدة، فإنها تؤرخ لمغرب أواخر القرن التاسع عشر وجزء من القرن العشرين إلى حدود الاستقلال، أي إنه عاصر خمسة سلاطين علويين، منذ السلطان الحسن الأول إلى السلطان محمد الخامس، كما شهد شطراً من عصر الملك الحسن الثاني.

وهذه المعاصرة من الندرة بمكان في تاريخ المغرب المعاصر، خصوصا إذا كانت على شاكلةِ مُعاصَرَة القائد النَّاجْم باعتبار مُشاكَلَتِه للنخبة المخزنية، واندماجه في الأحداث الحافَّة بها وبالقبيلة والمجتمع ككل، وشهادته على أغلب الأحداث آنذاك، ومن آثرها للنظر قضية الوجود الأجنبي بالمغرب، توطيده ومواجهته. وقد جُمِع هذا كله وغيرُه في مذكرات هذا القائد المُسْتَمْلاة منه بعناية العلامة محمد المختار السوسي، وهذا من الأهمية بمكان.
بعد توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس سنة 1912 م، انتشر الهاجس التاريخي المتمثل في كيفية التعامل مع هذا الحدوث، خصوصا مع التنافر أو التَّعاهُد المعروفين بين "دار الإسلام" و"دار الحرب".[27] هذا الهاجس لدى المجتمع المغربي عِلْيَتِه وعامته، جعل إدارة الحماية تطبِّق في تغلغلها أنظمة متعددة في آن، من الإدارة غير المباشرة إلى المباشرة، ومن الإبقاء على المخزن إلى تجريده من كافة سلطاته..[28]

القائد النَّاجْم: من قائد مَخْزَنِيّ إلى مُقاوم قَبَلِيّ

كما سبق، انتظَم النَّاجْم في سلك المخزن منذ عصر الحسن الأول، وشارك في عدة مْحَلاَّت في مختلِف مناطق المغرب، فكان استقراره بمراكش ضمن حاشية الباشا إدريس منُّو آخر عهده بالنخبة المخزنية، إذ انضم إلى حركة أحمد الهيبة في فجرها، وذلك قبل مواجهتها للجيش الفرنسي في معركة سيدي بوعثمان بتاريخ نونبر 1912م.

وكان بإمكان النَّاجْم التنعُّم بما امتلكه في فاس أو مراكش كأي قائد كبير له مكانته عند عِلْيَةِ المجتمع وعامته، وكان بإمكانه أيضا الخروج من صراع إدارة الحماية مع القبائل والنزول عند أوامر المخزن كما فعل أغلب القواد الكبار من أمثال القائد التهامي الأكلاوي.. لكنه - وفق مسوّغاته الذاتية - تحول من مُتَصَدٍّ للثوار (بوحمارة مثالا) إلى مدعم لهم ( الهيبة مثالا)، مع الاختلاف في الظروف الملتبِسة بكل ثورة على حِدة.

أ‌- مُسَوّغات مقاومته ومرجعيتها:

يدفعنا النظر في قيمة المنجز العسكري والسياسي للقائد النَّاجْم في المقاومة إلى طرح الأسئلة الآتية: لماذا لم ينضم القائد النَّاجْم بعد انهزام الهيبة إلى الجيش المخزني كما فعل غيره؟ لماذا ارتضى التنقل عبر مَداشِر سوس وقراه وقبائله.. خلف الهيبة ومْرْبِّيهْ رَبُّه؟ أو بصيغة أخرى لماذا قاوم، أو ما مُسَوِّغات المقاومة لديه؟

لعلنا بالنظر في سيرته نقف على ما يُسَوِّغ فعله هذا، مع ما يُرَجَّح من عدم انطلاق الرجل من مرجعية كتابية نظرا لأميَّتِه الصِّرْف كما سبق الذكر. وقد أدى توقيع الحماية إلى ظهور نقاشات بين العلماء بخصوص جواز المقاومة والجهاد[33].. أو الميل إلى الرضا بالقدَر، وتعظيم قوة الآخر، واطِّراح أي فعل مضاد تجاهه. وفي هذه المذكرات أثر لكلا الاتجاهين، أحدهما يجسده الشيخ أبو شُعَيْبٍ الدُّكَّالِيّ حيث يقول النَّاجْم:"ألفيتُ الفقيه الشيخ أبا شُعَيْبٍ الدُّكَّالِيّ، فاستدعاني.. ثم قال لي: لا عقل لك، فإنك لا تعرف هذا العصر وقوته، فمن ذا الذي يقدر أن يقف أمام الجيوش الزاخرة التي ترسلها فَرَنْسَة؟"[34]، والفقيه أُعَبُّو الذي يقول عنه: "فجاء إلينا الفقيه أُعَبُّو الذي يأبى أن يتوب مما هو فيه، فصار يخاصم أولئك الهَشْتُوكِيِّين الذين وَرَدُوا إليّ، فيقول لهم: ماذا تريدون؟ إننا أتينا لنجاهد في سبيل الله، فقال: أليس عندكم مساجد، ففيها فجاهدوا!"[35] فيما يعتنق علماء آخرون مبدأ الجهاد، ومنهم عليّ بن عبد الله الإِلْغِيُّ [36] (ت 1954م )،و الطّاهر بن محمد الإِفْرَانِيُّ [37] (1928م)، اللّذان يُعدان بمثابة المُسَوِّغ الشرعي والشعبي لحركة الهيبة. وقد عبّر النَّاجْم عن موقفه بقوله:" هكذا علماؤنا؛ إما استعظام لقوة النصارى، وإما بكاء كبكاء النساء."[38]

ففي أي من الاتجاهين يمكن أن ندخل القائد النَّاجْم؟

يتبين أن مذكراته كلها تبين اعتناقه لمبدإ الجهاد، لكنّ سعينا هو التدليل على ذلك بلفظه وتصريحه، والبحث في مرجعيته، ومما وقفنا عليه من أقواله ما يأتي:

- " فما أنا إلا مهاجر مجاهد، لا أتتبَّع أمر الأموال ولا أتطلّبها، فلو كان لي فيها غرض لما فارقت بلاد الأموال، إلى بلاد الفقر وضَنْكِ العيش"؛

- "وأحيانا أقول له ما أعتقده من أن استسلامنا للكفرة معناه إحباط كل أعمالنا وسمعتنا وجهادنا وكل ما تقدم من حياتنا"[39] ؛

وكذا من شهادات بعض مرافقيه فيه، ومنها:

- "أرأيت الآن أن ما قلته للنَّاجْم غلط، فإنه لا ناقة له ولا جمل في هذه البلاد إلا نصرة الدِّين، وإلا فما الذي أخرجه من داره بمراكش حتى هاجر إلى هذه القِفار"[40] ؛

- " كل من أراد الجهاد، فليذهب معنا إلى القائد النَّاجْم."[41]

تحتفي هذه النصوص بالمسوّغ الديني، فيما تبعد المسوّغ المادي الدنيوي وتتنصل منه. فالنَّاجْم ينظر إلى مسألة الحماية من وجهة دينية صرف، تستحضر ثنائية " الإسلام" و " الكفر" بقوة في وضع تقابلي يتوسطه خيار "الجهاد" كما هو الشأن في أدبيات الجهاد الإسلامي.

هذا، وإن طغيان المسوّغ الديني لا يُبْعِدُ غيره كالوطني الـهُوِّي خاصة، إذ لا يجب إغفال التجربة المهمة للناجم ضمن النخبة المخزنية، حيث خبَر ملابسات الوضع العام بالمغرب خلال بداية القرن العشرين، مما عزز اقتناعه بضرورة مقاومة الوجود الأجنبي تعزيزا كبيرا. ومن ذلك، الإعداد للحماية من لدن بعض أعيان المخزن، كالصدر الأعظم المدني الأكَلاوي حيث يقول النَّاجْم:" فقد استُدعينا نحن قواد الأَرْحاء.. فأُمِرنا أن نخلع الكِسْوَة العسكرية القديمة التي علينا، وأن ندفع كل ما عندنا من الخيل والبغال والسلاح والمتاع المخزني.. ثم صار أصحاب المدني الأكَلاوي يخرجون خيولنا عشرة عشرة فيقتلونها في الخلاء.. ثم يصبّون على جثثها الجير، وذلك كله بحجّة الخروج بالجندية من الأنظمة القديمة إلى النظام الجديد.. هذا ما كان يقال لنا إذ ذاك، ولكن كنّا نفهم أن مقصود الأكَلاوي هو إضعاف القوة المخزنية لِيُدرك الفرنسيون أصحابُه ما يشاؤون من المغرب." [42]

ب‌- مظاهر مقاومته:

ابتدأت صلة القائد النَّاجْم بالمقاومة في أواسط سنة 1912 م، بعد تنازل المولى عبد الحفيظ عن الحكم في غشت سنة 1912، ومبايعة المولى يوسف خلَفا له في السنة نفسها. حيث ظهر أحمد الهيبة (1876- 1919م) بن الشيخ ماء العينين (ت 1910م ) في الجنوب المغربي وبالضبط في مدينة تزنيت، فبايعته قبائل سوس والصحراء على القيام بأعباء الجهاد، ثم قصد مراكش فدخلها يوم 18 غشت سنة 1912. وهناك كُتِب للناجم أن يصير في عِداد قواد المقاومة تحت إمرة الشيخ الهيبة بعد أن كان يجتمع مع قواد آخرين في مراكش تهييئا لها.[43] وقد استغرقت طَوال عصر المولى يوسف (1912-1927م) - وهو بغيتنا في هذا العرض- وما بعده إلى سنة 1934 م تاريخ الاحتلال النهائي لسوس. وسنتطرق إلى مقاومة القائد النَّاجْم خِلال التعرض لأهم مواقعها إبان عصر مولاي يوسف، ومنها:

موقع مُرّاكُش: بعد دخول الهيبة إلى مراكش صار الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال شارل مانجان C.Mangin (ت 1925 م) المتألِّف من 25 ألف جندي يستعد للرد، وكان ذلك في فجر يوم 24 رمضان 1330 هـ، الموافق 6 شتنبر 1912م "فاندحر جيش مْرْبِّيهْ ربُه أمامه في لحظة واحدة."[44] وعلى الرَّغْم من عدم وجود دلائل قاطعة على مشاركة فعلية للناجم في هذه المعركة، إذ لم يصرح هو بذلك:" فأرسلني الهيبة مع القائد يِرْعَى لنرى كيف الجيش.. ثم رجعنا فقلنا للهيبة: إننا رأينا الجيش فنطلب الله أن ينصره"[45]، بَيْدَ أنه أرسل خليفة له على رأس جملة من جنوده بدليل قوله:" ..وممن قتل من أصحابي أربعون كلهم شجعان، وبينهم الخليفة الذي أرسلته.."[46] وقد استطاع مانجان احتلال مراكش في اليوم الموالي دون مقاومة من أتباع الهيبة الذين جلوا عن المدينة. وكان في نية النَّاجْم غير ذلك، إذ يقول:"..فصرت أتهيأ بالقرطاس للدفاع عن مراكش المهددة بالعدو."[47] وكانت هذه الهزيمة بداية إدراك القوة العسكرية لإدارة الحماية، والِارتياب في حركة الهيبة الجهادية. ويُرجِع النَّاجْم أسباب الهزيمة إلى انتفاء التنظيم والخبرة العسكرية، مع طغيان الطابع الصوفي الكَرامِيّ، فكان أصحاب الهيبة يعتقدون أن " المدفع عندهم يسبّح، وأن الرصاص يبرد أمامهم."[48]
موقع تَارُودَانْت: احتمى الهيبة بهذه المدينة ومعه بعض قواده وأتباعه.. وقد عمد ليوطي إلى تسخير بعض القواد المحليين كالقائد حِيدَة بن مَّايْسْ، والقائد العربي الضرضوري، في ملاحقة الهيبة. وفي هذا يقول النَّاجْم:" أما حيدة فإنه اتصل بعدنا في مراكش بعد انهزامه من سيدي أبي عثمان بالفرنسيين، فأعطوه الكلمة العليا في سوس."[49] ولتنظيم المقاومة عيَّن الهيبة القائد يِرْعَى وزيرا، والقائد النَّاجْم رئيسا للحروب. وأهم ما ميّز هذه المرحلة من المقاومة، خَلاَ بعض المناوشات التي أصيب فيها النَّاجْم، محاولة الحماية احتواء هذه المقاومة عسكريا: "فأتى الجيش الكبير الذي فيه.. التهامي الأكَلاوي والعيّادي والكَنتافي، ومعهم عسكر فرنسي"[50]، وديبلوماسيا: إذ تمت مراسلة الهيبة والنَّاجْم وإغراؤهما، وكان جواب النَّاجْم للهيبة:"اعلم أن المقصود تخدير أعصابك حتى يتمكَّن منك الأعداء كما يريدون."[51] ولم تُحتل تارودانت إلا بُعَيْدَ خروج الهيبة وأتباعه منها. لكنّ النَّاجْم عاود الهجوم على حيدة فيها، فحاصره وكاد يدخلها مجددا لولا نداءات الهيبة بالتراجع عنها. فكان هذا الِانسحاب سببا في تقوّي جيش حيدة، وانقلاب بعض رؤساء القبائل.
موقع وِجَّان[52]: شهِدت هذه البلدة أهم معركتين منذ معركة سيدي بوعثمان[53]، وهما:

- معركة الدفاع عن الشيخ الصحراوي المغربي النَّعْمَة بن ماء العينين (ت 1920م): تزعَّمَها القائد الناجم إذ قال: "إنني مع من يتبعني إلى وِجَّان لندافع عن الشيخ النّعْمَة "[54] في مواجهة القائدين حيدة وعياد الـجَرَّارِي (ت 1942م)، اللذين قصدا وِجَّانْ. وقد تمكن الناجم من تنظيم المقاومين الذين احتموا بمتاريس بسبب استعمال حيدة للمدافع. ويخبر الناجم أن الحرب دامت أربعة أيام متوالية "فلما أَيِسَ حيدة من نيل مقصوده فينا.. التفت إلى القائد عيّاد فقال له: ما هكذا كنت تقول لي عن هذه الناحية، فقد زعمت أن الناس كلهم قد عراهم الدَّهَش من هذا الجيش اللَّجِب، فلا نكاد نظهر أمام وِجَّان حتى ينقاد لنا من فيه."[55] وقد أسهم هذا الاندحار في قرب انسحاب حيده مع بقية جيشه لولا أن ماطلَه عيّاد الذي تمكن من عقد صلح مع الوِجَّانِيِّين ومن وَالاَهُمْ من القبائل. ولم يرض الناجم على ذلك فعاد إلى إِدْ جْلُّولْ مسقط رأسه.

- حرْكة دو لاموط: استجدَّت ظروف كثيرة، منها قيام الحرب العالمية الأولى، واتصال بعض الأجانب بالهيبة وهو في كْرْدُوسْ، ثم مقتل القائد حيدة في معركة إِكَالْفْنْ، واستيلاء المقاومة على مدفع له.. هذا كله جعل إدارة الحماية تفكر في دحر المقاومة المتحصنة ببلدة وِجَّانْ عن طريق عملية تحطيم القبيلة [56] Détribalisation "ثم لم يَطُل الزمان فإذا بجيش كبير عظيم جاء زاحفا إلى سوس، قد لحق به أخيرا الحاج التهامي الأَكَلاوي، وأبو السلام خليفة المتوكي، والكُنْتَافِي وجميع قواد سوس وحاحة"[57]. وكان هذا الجيش القادم من مراكش في أوائل سنة 1917 م بقيادة الجنرال دو لاموط De Lamothe. كما يصفه الإِكْرَارِي حين قال:".. وفي محلته من العساكر النصرانية والإسلامية مما يكون داخل السلك واحد وعشرون ألفا، وفيها ستة وثلاثون مدفعا.."[58] وقد اختلف في نتيجة هذه المعركة فقد ذهب الإِكْرَارِيّ والمختار السوسيّ إلى انتهائها بصلح[59]، فيما يرى عبد الله العروي غير ذلك في قوله:"واضطُر القواد الفرنسيون إلى التقهقر لما قاومهم أصحاب الهيبة مقاومة لم يكونوا يتوقعونها. ولم يلبث تقهقرهم أن تحوَّل إلى هزيمة."[60]

مهما يكن من أمر، فقد استطاعت منطقة سوس أن تُنتج مقاومة قبَلِية فعلية تصدت للوجود الأجنبي وبِطَانَتِه خصوصا الفرنسي منه، وقد استفادت هذه المقاومة من خبرة سياسية وعسكرية طويلة لشخصية محنكة مثل القائد الناجم الأخصاصي، ومما يلحظ عليه:

- أنه جنَّب هذه المقاومة الوقوع في عدة أخطاء أسرعت بالاحتلال إلى مناطق ومدن أخرى كوجدة والدار البيضاء، فكان ذكيا في تعامله مع الأجانب، فهو الذي أجلاهم عن مراكش قبل دخول الهيبة إليها باسطا موقفه في قوله:".. أتريدون أن نترك هؤلاء التجار من النصارى.. يبقون في مراكش حتى يأتيهم أهل سوس فيقتلونهم فيذهب الحوز كله بجميع قبائله بذلك سدى؟ [61]؛

- أنه ذو رؤية عميقة لما يجب أن تكون عليه المقاومة سياسيا ودينيا واستراتيجيا واجتماعيا ونفسيا.. والتي يمكن استنتاجها من نمط مقاومته؛

- أنه كان وفيّا لمنهاج المقاومة فلم ينقلب عليه على الرَّغْم من كثرة إغراءات الحماية ووعودها؛

- أنه كان خصما عنيدا وغير مهادن للحماية الفرنسية ووجودها بالمغرب..

وأخيرا، هل سيأتي علينا زمان سنفتقر فيه إلى شهود عيان على عهد الحماية؟

لا جرم أن هذا الأمر واقع، ولعل السبيل لتجاوزه هو الاعتناء بالثقافة الشفهية وبحامليها من المقاومين وغيرهم، ولن يتأتى هذا إلا بالتدوين أي تحويل الشفهي إلى كتابي، وكان هذا صنيعا جليلا للعلامة محمد المختار السوسيّ حين اهْتَبَل بالثقافة الشفهية للقائد الناجم الأخصاصيّ.


من بحث الاستاذ احمد السعيدي عن مقاومة المغرب للوجود الاجنبي


مواضيع متعلقة

الجيش المغربي الشريفي

بوحمارة الخائن الذي اضعف المغرب
 
رد: القائد العسكري المغربي الناجم الأخصاصي

هذا الموضوع كنت وضعته قبل مدة ولكن اذكر ان المنتدى تعرض للتخريب فضاع الموضوع مع جملة مواضيعي التي اختفت ولكني و جدته بعد بحث في منتديات اخرى و الحمد لله اعيد نشره لتعم الفائدة ولذكرى رجل من رجال المغرب الافذاذ الذي رفض بعد احتلال المغرب سنة 1912 العمل مع الاحتلال الفرنسي بحكم مكانته الكبيرة في الجيش المغربي فقد كان برتبة كولونيل و ترك الجاه و المنصب وتوجه الى الجبال مجاهدا في سبيل الله و الوطن
 
رد: القائد العسكري المغربي الناجم الأخصاصي

78973182_p.jpg


قوات المقاومة المغربية المكونة من قبائل الصحراء و سوس بقيادة القائد الصحراوي البطل الشيخ محمد الهيبة سنة 1912 و الذي انضم اليه القائد الناجم الاخصاصي على مشارف بلدة سيدي بوعثمان شمال مراكش من اجل العبور نحو العاصمة المغربية فاس واستردادها من المحتل الفرنسي
 
عودة
أعلى