10 آلاف مخبر سري في الجزائر
ينظر أغلب الجزائريين للمخبر السري نظرة ازدراء واحتقار، بل إن كلمة ''مخبر'' هي إهانة بالنسبة للكثيرين في الجزائر، ومع هذا يقدّم بعض المخبرين السريين المدنيين معلومات أدت وتؤدي إلى منع وقوع جرائم وأعمال إرهابية، وتطيح بشبكات إجرامية تهدد الأمن العام والسكينة.
يتذكر أغلب الجزائريين الذين عايشوا فترة التسعينيات عبارة ''الحس المدني''، التي وُصف بها متعاونون مع مصالح الأمن في مجال مكافحة الإرهاب، ويبدو هذا أكثـر الألقاب ''لطافة''، لأن الجزائريين تعوّدوا على تسمية المتعاونين مع مصالح الأمن بألقاب يمنعنا احترام المقام من ذكرها. ورغم هذا يحتاج ملف المخبرين للبحث، بسبب ما لاقته هذه الفئة من سوء فهم ومن ازدراء، بسبب سلوك بعض المخبرين غير اللائق وغباء بعضهم، حيث اشترى مواطن من غرداية، عام 2005 ، 50 غراما من الكيف ثم دسّها لشريكه في المصنع بالولاية ذاتها، وأبلغ الشرطة بعد ذلك، لكن التحقيق كشف بأن الأمر يتعلق بشكوى كيدية.
وفي قضية ثانية أبلغت طالبة في جامعة باب الزوار، بالعاصمة عام 2008 ، عن مكان اختفاء زعيم تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب''، عبد المالك درودكال، ثم كشف التحري بأن هدف البلاغ كان الانتقام من خطيب سابق للطالبة، علاوة على عشرات البلاغات المضحكة التي يتلقاها ضباط الأمن من مخبرين سريين أغبياء.
لكن بالمقابل سمحت معلومات قدّمها مخبرون سريون، حسب قيادي سابق في لجان الدفاع الذاتي ضد الإرهاب أو ما يعرف بـ''الباتريوت'' بتنفيذ عمليات نوعية ضد الجماعات الإرهابية والإجرامية، أهمها القضاء على العشرات من أمراء ''الجيا'' و''القاعدة'' في السنوات الماضية. ويوفّر المخبر السري معلومات حيوية تسمح للمحققين بالوصول إلى شبكات الجريمة وتفكيك العصابات الخطيرة، لكن نظرة المجتمع إليهم ما زالت سلبية، حيث دفعوا الثمن غاليا خلال العشرية الحمراء، وكانوا أول المستهدفين من الجماعات الإرهابية، قبل أن يتقلّص دورهم كثيرا في السنوات الأخيرة، بفعل تغير طريقة عمل أجهزة الأمن.
غياب الإطار القانوني
يقول السيد رمواسي طاهر، قاض متقاعد: ''تعني كلمة مخبر سري أن مصدر المعلومات التي تحصل عليها أجهزة الأمن وجهات التحقيق القضائي مصدرها سري، أي أنه لا يجوز كشفها أثناء المحاكمة وخلال مواجهة المتهمين، وهو ما يعني أن الإخبار السري يحصل في الجرائم الكبرى، مثل التهريب والفساد والإرهاب، ويبقى طي الكتمان بين ضباط الأمن وقضاة النيابة، على أن يقدّم المحققون الدليل القاطع خلال التحقيق، وإلا اعتبر الإخبار السري بلا معنى''. وأضاف محدثنا ''لم يعرّف القانون الجزائري المخبر السري الذي يتعامل مع أجهزة الأمن، إلا أنه قدّم بعض التعريفات المقتضبة في شكل اجتهادات قضائية تتعلق بالتحري حول الجرائم، إذ لا يوجد في التشريع الجزائري نص قانوني ينظّم عمل المخبرين السريين، على عكس بعض الدول في الغرب والشرق، ورغم هذا تتعامل أجهزة الأمن والدرك مع المخبر السري على أساس أنه أمر واقع''.
ويعمل في الجزائر نوعان من المخبرين السريين: الأول هم الموظفون في الشرطة من فئة أعوان البحث والتحري، وينتشر هؤلاء في الأماكن العامة ويسمح لهم القانون بالعمل بالزي المدني، وتنفيذ العمليات الأمنية بزيهم غير الرسمي. ويسمح انتشار هؤلاء وسط السكان، لأجهزة الأمن، بالحصول على قدر مهم من المعلومات، ولكن ليس بالقدر الكافي.
أما الفئة الثانية فهي فئة المدنيين الذين يعملون بصفة سرية مع مصالح الأمن والدرك، ويوفرون المعلومات في إطار التحريات ومكافحة الجريمة، وهؤلاء هم العين الحقيقية للعدالة ولأجهزة الأمن، لكن بعضهم يتحول من أداة في يد العدالة والأمن إلى وسيلة انتقام شخصي يقدم معلومات ذات طبيعة كيدية.
عددهم تناقص من 100 ألف إلى 10 آلاف مخبر
وافق عميد شرطة قضائية مازال في منصبه على تقديم بعض المعلومات حول موضوع المخبر السري، مقابل عدم كشف هويته، ويقول المتحدث الذي سنسميه ''عمار'': ''لا يقل عدد المخبرين السريين الذين يوفرون معلومات بصفة دورية لمصالح الأمن عن 10 آلاف شخص مدني، وقد تقلص عددهم، حيث كان عدد المخبرين خلال التسعينيات أكثـر من 100 ألف. وقد تغير سلوك مصالح الأمن بـ180 درجة، في السنوات الـ15 الأخيرة، وصارت أكثـر ''ديمقراطية'' في التعامل مع القضايا الجنائية، ويفرض احترام حقوق الإنسان على مصالح الأمن أن تحصل على المعلومة الأمنية الأكثـر دقة، دون اللجوء إلى خرق قانون الإجراءات الجزائية، الذي يمنع التجسس على الأشخاص ويمنع التعذيب ويمنع الاطّلاع على ملفاتهم الإدارية إلا بأمر قضائي''. وتكمن المشكلة، حسب رأي عميد الشرطة، في عدم توفر أي تكوين أمني لدى أكثـر من 90 بالمائة من وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق، الذين يجهل أغلبهم قواعد العمل الأمني في مكافحة الجريمة وعمليات التحري طويلة المدى حول شبكات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية. وفي الماضي كان قانون الطوارئ، خاصة في سنوات الدم، يسمح لمصالح الأمن بالقيام بعمليات تحر وتفتيش لا يسمح بها القضاة حاليا. بل إن بعض إطارات الأمن عملوا كمخبرين سريين في مهن كسائق طاكسي، أو عامل بمحل تجاري، أو حتى بائع متجول من أجل الحصول على المعلومات، ويحتاج مثل هذا التقمص، الآن، إلى رخصة قضائية من النيابة العامة وإخبار النائب العام بكل تفاصيل المهمة، وهو ما يعرقل عمل محققي الشرطة في مكافحة شبكات الجريمة، بسبب طبيعة الإجراءات القضائية المعقدة وبيروقراطية المحاكم''.
أكثـر من 90 بالمائة من المعلومات تأتي من المخبرين
يمر التحقيق في الجرائم بعدة مراحل، أولها مرحلة التحريات حول الجرائم، وتعدّ هذه أكثـر المراحل حساسية، حيث يعتمد المحققون على المخبرين السريين الذين يعملون لصالح أجهزة الشرطة والدرك والأمن العسكري. ويقول ضابط الشرطة المتقاعد ''ب.قلون'' إن ''المخبر السري هو شخص مدني يعمل لصالح أجهزة الأمن، ويوفر لها المعلومات التي تسمح للشرطة أو الدرك بحرية العمل والحصول على المعلومة دون الاقتراب من الهدف. وفي 90 بالمائة من القضايا التي يجري التحقيق بشأنها تحصل مصالح الأمن على المعلومات من مخبرين سريين. إنهم العين التي لا تنام، فأكثـر من 90 بالمائة من المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب يوفرها المخبرون السريون، الذين يوجدون في مناطق حساسة قد يؤدي تواجد مصالح الأمن بها إلى كشف عملية التحري. لكن بالمقابل فإن الضابط المحقق يفحص عن كل معلومة يدلي بها المخبر السري، بدقة شديدة، لمنع المعلومة ذات الطابع الكيدي''.
ويضيف المتحدث ''كنا نتلقى، يوميا، عشرات البلاغات الكيدية من مواطنين أثناء سنوات التسعينيات يتهم فيها المبلّغون أعداءهم، وحتى أقاربهم، بالعلاقة بالجماعات الإرهابية، ولو أن مصالح الأمن أخذت في الاعتبار هذه البلاغات الكيدية لوقعت الكارثة''.
ويقول محمد دعيس، ضابط سابق في الدرك الوطني، إنه ''على أي ضابط شرطة قضائية، سواء في الدرك أو الشرطة أو الأمن العسكري، أن يربط نفسه بشبكة مصادر معلومات تسمح له بالوصول إلى المعلومة في زمن قياسي. فمهمة ضابط الأمن هي، أولا وأخيرا، الحصول على المعلومات، أو ما نسميه في لغة التحقيقات والتحريات ''رأس الخيط'' الذي يسمح لنا بالوصول إلى أدق التفاصيل حول الجرائم والوقاية منها''.
هل تجنّد مصالح الأمن مخبرين سريين؟
يضيف محمد إنه ''في بعض الأحيان يصبح الحصول على معلومة أمنية أمرا أكثـر من ضروري، بل وحيويا، ويتعلق بأمن الوطن. وفي كثير من الأحيان تكون هذه المعلومة متاحة بسهولة لدى مواطن عادي وبسيط، مثل أحد أقارب أو جيران مجرم أو إرهابي أو مهرب خطير أو شخص مرتش. وهنا نضطر لطلب التعاون من هذا المواطن دون إرغامه، بل بإقناعه بجدوى العمل لصالح الأمن الوطني من أجل المصلحة العامة.. وفي السابق كان الكثير من المواطنين يرحبون بالتعاون معنا، لكن حاليا تواجه مصالح الأمن صعوبات كبرى، بسبب أن المخبر السري صار لا يقدّم المعلومة إلا بمقابل مادي''.
ويقول هنا القاضي المتقاعد ''ر.طاهر'': ''تبحث مصالح الأمن، في أغلب الأحيان، عن متعاونين يوفرون معلومات مقابل خدمات ووساطة توفرها مصالح الأمن لهؤلاء، مثل التوسط لدى السلطات الإدارية لصالح المتعاونين أو المخبرين. وأهم أهداف رجال وضباط أجهزة الأمن هم الموظفون في الإدارات، فلدى هؤلاء أكبر كم من المعلومات حول القضايا، وذلك لقدرتهم على الاطلاع على الملفات الإدارية وتصويرها. ويجب على الجميع التنبه والحذر من الادعاء الكاذب من قِبل المخبر السري، وهي ظاهرة شائعة''.
مكافآت مالية للمخبرين والسماح للمحققين بالتخفي أثناء التحقيقات
يقول المحامي ''س.شبيط'' إن قانون مكافحة الفساد 06/01، الصادر عام 2006، سمح لضباط الشرطة والدرك بالتخفي والتسلل إلى العصابات الإرهابية والإجرامية، حيث نصّ على إلغاء المتابعة الجزائية للمتورطين في جرائم التهريب والتهريب الضريبي وتبييض الأموال، ونصّ على منح مكافآت مالية تقتطع، لضباط الشرطة والدرك والمخبرين، من الأموال التي تحجز، طبقا للمعلومات التي يوفرها المتورطون في قضايا فساد تهريب. وقد لاقى تطبيق هذا القانون صعوبة كبرى، خاصة في مجال تحديد قيمة المكافأة المالية، حيث لم تحدد بدقة في القانون الصادر عام 2006، وهو ما أدى إلى عدم تطبيقها. وأعاب المتحدث على مصالح الأمن أنها لم تقم بحملة للإشهار لهذا القانون، الذي سيسمح بالإطاحة برؤوس التهريب الفساد والإرهاب.
الجزائري بطبعه متمرد ولا يتعاون مع مصالح الأمن
يلخص الباحث بلي عبد الوهاب، متخصص في علم النفس الاجتماعي، نظرة المجتمع الجزائري للمخبر السري قائلا: ''الجزائري بطبعه ثوري ومتمرد على القوانين، يحب الحرية، وكل هذه عوامل تؤدي إلى ''تحريم'' التعاون مع أجهزة الأمن. كما إن الفترات التاريخية التي مرّ بها المجتمع الجزائري، من استعمار وثورة تحرير، أدت إلى نظرة المجتمع الجزائري للمخبر السري النمطية. وفي أغلب المجتمعات في حوض البحر الأبيض المتوسط يكون التعاون مع السلطات الأمنية محرما في العرف الاجتماعي، لعدة أسباب تاريخية واجتماعية. وهنا فشلت المدرسة، حسب المتحدث، في تغيير نظرة الشباب في مجتمعنا إلى دور مصالح الأمن في حفظ النظام وتوفير الأمان للمجتمع.
http://www.elkhabar.com/ar/nas/337308.html
يتذكر أغلب الجزائريين الذين عايشوا فترة التسعينيات عبارة ''الحس المدني''، التي وُصف بها متعاونون مع مصالح الأمن في مجال مكافحة الإرهاب، ويبدو هذا أكثـر الألقاب ''لطافة''، لأن الجزائريين تعوّدوا على تسمية المتعاونين مع مصالح الأمن بألقاب يمنعنا احترام المقام من ذكرها. ورغم هذا يحتاج ملف المخبرين للبحث، بسبب ما لاقته هذه الفئة من سوء فهم ومن ازدراء، بسبب سلوك بعض المخبرين غير اللائق وغباء بعضهم، حيث اشترى مواطن من غرداية، عام 2005 ، 50 غراما من الكيف ثم دسّها لشريكه في المصنع بالولاية ذاتها، وأبلغ الشرطة بعد ذلك، لكن التحقيق كشف بأن الأمر يتعلق بشكوى كيدية.
وفي قضية ثانية أبلغت طالبة في جامعة باب الزوار، بالعاصمة عام 2008 ، عن مكان اختفاء زعيم تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب''، عبد المالك درودكال، ثم كشف التحري بأن هدف البلاغ كان الانتقام من خطيب سابق للطالبة، علاوة على عشرات البلاغات المضحكة التي يتلقاها ضباط الأمن من مخبرين سريين أغبياء.
لكن بالمقابل سمحت معلومات قدّمها مخبرون سريون، حسب قيادي سابق في لجان الدفاع الذاتي ضد الإرهاب أو ما يعرف بـ''الباتريوت'' بتنفيذ عمليات نوعية ضد الجماعات الإرهابية والإجرامية، أهمها القضاء على العشرات من أمراء ''الجيا'' و''القاعدة'' في السنوات الماضية. ويوفّر المخبر السري معلومات حيوية تسمح للمحققين بالوصول إلى شبكات الجريمة وتفكيك العصابات الخطيرة، لكن نظرة المجتمع إليهم ما زالت سلبية، حيث دفعوا الثمن غاليا خلال العشرية الحمراء، وكانوا أول المستهدفين من الجماعات الإرهابية، قبل أن يتقلّص دورهم كثيرا في السنوات الأخيرة، بفعل تغير طريقة عمل أجهزة الأمن.
غياب الإطار القانوني
يقول السيد رمواسي طاهر، قاض متقاعد: ''تعني كلمة مخبر سري أن مصدر المعلومات التي تحصل عليها أجهزة الأمن وجهات التحقيق القضائي مصدرها سري، أي أنه لا يجوز كشفها أثناء المحاكمة وخلال مواجهة المتهمين، وهو ما يعني أن الإخبار السري يحصل في الجرائم الكبرى، مثل التهريب والفساد والإرهاب، ويبقى طي الكتمان بين ضباط الأمن وقضاة النيابة، على أن يقدّم المحققون الدليل القاطع خلال التحقيق، وإلا اعتبر الإخبار السري بلا معنى''. وأضاف محدثنا ''لم يعرّف القانون الجزائري المخبر السري الذي يتعامل مع أجهزة الأمن، إلا أنه قدّم بعض التعريفات المقتضبة في شكل اجتهادات قضائية تتعلق بالتحري حول الجرائم، إذ لا يوجد في التشريع الجزائري نص قانوني ينظّم عمل المخبرين السريين، على عكس بعض الدول في الغرب والشرق، ورغم هذا تتعامل أجهزة الأمن والدرك مع المخبر السري على أساس أنه أمر واقع''.
ويعمل في الجزائر نوعان من المخبرين السريين: الأول هم الموظفون في الشرطة من فئة أعوان البحث والتحري، وينتشر هؤلاء في الأماكن العامة ويسمح لهم القانون بالعمل بالزي المدني، وتنفيذ العمليات الأمنية بزيهم غير الرسمي. ويسمح انتشار هؤلاء وسط السكان، لأجهزة الأمن، بالحصول على قدر مهم من المعلومات، ولكن ليس بالقدر الكافي.
أما الفئة الثانية فهي فئة المدنيين الذين يعملون بصفة سرية مع مصالح الأمن والدرك، ويوفرون المعلومات في إطار التحريات ومكافحة الجريمة، وهؤلاء هم العين الحقيقية للعدالة ولأجهزة الأمن، لكن بعضهم يتحول من أداة في يد العدالة والأمن إلى وسيلة انتقام شخصي يقدم معلومات ذات طبيعة كيدية.
عددهم تناقص من 100 ألف إلى 10 آلاف مخبر
وافق عميد شرطة قضائية مازال في منصبه على تقديم بعض المعلومات حول موضوع المخبر السري، مقابل عدم كشف هويته، ويقول المتحدث الذي سنسميه ''عمار'': ''لا يقل عدد المخبرين السريين الذين يوفرون معلومات بصفة دورية لمصالح الأمن عن 10 آلاف شخص مدني، وقد تقلص عددهم، حيث كان عدد المخبرين خلال التسعينيات أكثـر من 100 ألف. وقد تغير سلوك مصالح الأمن بـ180 درجة، في السنوات الـ15 الأخيرة، وصارت أكثـر ''ديمقراطية'' في التعامل مع القضايا الجنائية، ويفرض احترام حقوق الإنسان على مصالح الأمن أن تحصل على المعلومة الأمنية الأكثـر دقة، دون اللجوء إلى خرق قانون الإجراءات الجزائية، الذي يمنع التجسس على الأشخاص ويمنع التعذيب ويمنع الاطّلاع على ملفاتهم الإدارية إلا بأمر قضائي''. وتكمن المشكلة، حسب رأي عميد الشرطة، في عدم توفر أي تكوين أمني لدى أكثـر من 90 بالمائة من وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق، الذين يجهل أغلبهم قواعد العمل الأمني في مكافحة الجريمة وعمليات التحري طويلة المدى حول شبكات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية. وفي الماضي كان قانون الطوارئ، خاصة في سنوات الدم، يسمح لمصالح الأمن بالقيام بعمليات تحر وتفتيش لا يسمح بها القضاة حاليا. بل إن بعض إطارات الأمن عملوا كمخبرين سريين في مهن كسائق طاكسي، أو عامل بمحل تجاري، أو حتى بائع متجول من أجل الحصول على المعلومات، ويحتاج مثل هذا التقمص، الآن، إلى رخصة قضائية من النيابة العامة وإخبار النائب العام بكل تفاصيل المهمة، وهو ما يعرقل عمل محققي الشرطة في مكافحة شبكات الجريمة، بسبب طبيعة الإجراءات القضائية المعقدة وبيروقراطية المحاكم''.
أكثـر من 90 بالمائة من المعلومات تأتي من المخبرين
يمر التحقيق في الجرائم بعدة مراحل، أولها مرحلة التحريات حول الجرائم، وتعدّ هذه أكثـر المراحل حساسية، حيث يعتمد المحققون على المخبرين السريين الذين يعملون لصالح أجهزة الشرطة والدرك والأمن العسكري. ويقول ضابط الشرطة المتقاعد ''ب.قلون'' إن ''المخبر السري هو شخص مدني يعمل لصالح أجهزة الأمن، ويوفر لها المعلومات التي تسمح للشرطة أو الدرك بحرية العمل والحصول على المعلومة دون الاقتراب من الهدف. وفي 90 بالمائة من القضايا التي يجري التحقيق بشأنها تحصل مصالح الأمن على المعلومات من مخبرين سريين. إنهم العين التي لا تنام، فأكثـر من 90 بالمائة من المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب يوفرها المخبرون السريون، الذين يوجدون في مناطق حساسة قد يؤدي تواجد مصالح الأمن بها إلى كشف عملية التحري. لكن بالمقابل فإن الضابط المحقق يفحص عن كل معلومة يدلي بها المخبر السري، بدقة شديدة، لمنع المعلومة ذات الطابع الكيدي''.
ويضيف المتحدث ''كنا نتلقى، يوميا، عشرات البلاغات الكيدية من مواطنين أثناء سنوات التسعينيات يتهم فيها المبلّغون أعداءهم، وحتى أقاربهم، بالعلاقة بالجماعات الإرهابية، ولو أن مصالح الأمن أخذت في الاعتبار هذه البلاغات الكيدية لوقعت الكارثة''.
ويقول محمد دعيس، ضابط سابق في الدرك الوطني، إنه ''على أي ضابط شرطة قضائية، سواء في الدرك أو الشرطة أو الأمن العسكري، أن يربط نفسه بشبكة مصادر معلومات تسمح له بالوصول إلى المعلومة في زمن قياسي. فمهمة ضابط الأمن هي، أولا وأخيرا، الحصول على المعلومات، أو ما نسميه في لغة التحقيقات والتحريات ''رأس الخيط'' الذي يسمح لنا بالوصول إلى أدق التفاصيل حول الجرائم والوقاية منها''.
هل تجنّد مصالح الأمن مخبرين سريين؟
يضيف محمد إنه ''في بعض الأحيان يصبح الحصول على معلومة أمنية أمرا أكثـر من ضروري، بل وحيويا، ويتعلق بأمن الوطن. وفي كثير من الأحيان تكون هذه المعلومة متاحة بسهولة لدى مواطن عادي وبسيط، مثل أحد أقارب أو جيران مجرم أو إرهابي أو مهرب خطير أو شخص مرتش. وهنا نضطر لطلب التعاون من هذا المواطن دون إرغامه، بل بإقناعه بجدوى العمل لصالح الأمن الوطني من أجل المصلحة العامة.. وفي السابق كان الكثير من المواطنين يرحبون بالتعاون معنا، لكن حاليا تواجه مصالح الأمن صعوبات كبرى، بسبب أن المخبر السري صار لا يقدّم المعلومة إلا بمقابل مادي''.
ويقول هنا القاضي المتقاعد ''ر.طاهر'': ''تبحث مصالح الأمن، في أغلب الأحيان، عن متعاونين يوفرون معلومات مقابل خدمات ووساطة توفرها مصالح الأمن لهؤلاء، مثل التوسط لدى السلطات الإدارية لصالح المتعاونين أو المخبرين. وأهم أهداف رجال وضباط أجهزة الأمن هم الموظفون في الإدارات، فلدى هؤلاء أكبر كم من المعلومات حول القضايا، وذلك لقدرتهم على الاطلاع على الملفات الإدارية وتصويرها. ويجب على الجميع التنبه والحذر من الادعاء الكاذب من قِبل المخبر السري، وهي ظاهرة شائعة''.
مكافآت مالية للمخبرين والسماح للمحققين بالتخفي أثناء التحقيقات
يقول المحامي ''س.شبيط'' إن قانون مكافحة الفساد 06/01، الصادر عام 2006، سمح لضباط الشرطة والدرك بالتخفي والتسلل إلى العصابات الإرهابية والإجرامية، حيث نصّ على إلغاء المتابعة الجزائية للمتورطين في جرائم التهريب والتهريب الضريبي وتبييض الأموال، ونصّ على منح مكافآت مالية تقتطع، لضباط الشرطة والدرك والمخبرين، من الأموال التي تحجز، طبقا للمعلومات التي يوفرها المتورطون في قضايا فساد تهريب. وقد لاقى تطبيق هذا القانون صعوبة كبرى، خاصة في مجال تحديد قيمة المكافأة المالية، حيث لم تحدد بدقة في القانون الصادر عام 2006، وهو ما أدى إلى عدم تطبيقها. وأعاب المتحدث على مصالح الأمن أنها لم تقم بحملة للإشهار لهذا القانون، الذي سيسمح بالإطاحة برؤوس التهريب الفساد والإرهاب.
الجزائري بطبعه متمرد ولا يتعاون مع مصالح الأمن
يلخص الباحث بلي عبد الوهاب، متخصص في علم النفس الاجتماعي، نظرة المجتمع الجزائري للمخبر السري قائلا: ''الجزائري بطبعه ثوري ومتمرد على القوانين، يحب الحرية، وكل هذه عوامل تؤدي إلى ''تحريم'' التعاون مع أجهزة الأمن. كما إن الفترات التاريخية التي مرّ بها المجتمع الجزائري، من استعمار وثورة تحرير، أدت إلى نظرة المجتمع الجزائري للمخبر السري النمطية. وفي أغلب المجتمعات في حوض البحر الأبيض المتوسط يكون التعاون مع السلطات الأمنية محرما في العرف الاجتماعي، لعدة أسباب تاريخية واجتماعية. وهنا فشلت المدرسة، حسب المتحدث، في تغيير نظرة الشباب في مجتمعنا إلى دور مصالح الأمن في حفظ النظام وتوفير الأمان للمجتمع.
http://www.elkhabar.com/ar/nas/337308.html
التعديل الأخير: