من التكفير إلى اتهامات العمالة , مشكلة عربية معاصرة
التكفير واتهامات العمالة ظاهرتان تعاني منهما المجتعات العربية، ويشتركان في التبادلية والتأثير لدى منظريهما وأرباب فكرهما الساقط، وقد فضحت قضية التكفير وجليت مساحيق الزيف عن وجهها القبيح وتنبهت العامة إلى مدى خطورة هذه الآفة وكارثيتها على استقرار الأوطان، ليبقى الشق الآخر من المرجفين وهم من يشتركون مع التكفيريين في قاسم مشترك حول نظرية المؤامرة وتخيلات وأوهام التكالب، ونعني بهم أولئك الاشخاص الذي نصبوا من أنفسهم أدعياء للقومية والوطنية وهم عن ذلك بعيد, ليكيلوا اتهامات العمالة والخيانة إلى كل من خالف نسقهم المعرفي أو أطرهم الايديولوجية, لايردعهم عن ذلك رادع أخلاقي أو مانع وطني، ومع خطورة ما يقدمون عليه من اتهام الآخرين سواء أكانوا أشخاصاً أو مؤسسات اعتبارية, فإن اتهاماتهم تلك قد غلفت من قبلهم بنوع من الحجج والترهات حتى أضحو أمام أنفسهم (ضمير للشعب) والمنافحين عن قضايا الأمة بعد أن أقصوا كل من خالفهم فيها واتهموه بالخيانة والتخابر والتعامل مع العدو الذي كثيراً ما يكون وهمياً، ولا وجود له إلا في عقولهم السوداء.
لاتخلو مرجعيات الأمر وخلفياته من نوع من التسطيح الثقافي والهرم الفكري، فعندما يشاهد عدة اشخاص برنامج حوارياً يتقارع فيه اثنان من المتحاورين الحجة على شاشة تلفاز فتكال الاتهامات إلى أحد الضيوف من قبل المشاركين أو المشاهدين بأنه العميل المندس لالشيء إلا أنه لم يغازل الهوى السياسي أو القشور الثقافية والتقوقع الفكري لمطلق الاتهام، فإن ذاك يعني ان هناك أزمة عقلية وثقافية تضرب بين ظهراني بعض المنتمين للفكر السياسي العربي الذين وجدو في التاليف وحشو الافكار والنظريات أيضاً ما يتيح لهم بث سمومهم وأفكارهم السوداوية حول نظرية المؤامرة لتتهم ذاك بالعمالة وهذا بالخيانة، في بادرة لا تقل خطورة عن كارثة فتاوى التكفير التي بليت بهما مع غيرها الأمة من تراكميات اللسان الطليق بكل ما يهدد ويشوه استقرار العقل قبل الوطن ما ساهم في توسيع هوة العلاقة بين المجتمعات وإحدث إرباك ثقافي وفكري لا يقتنع بسلامته ومنطلقاته من أوتي العقل وهو فهيم.
صحيفة الجزيرة - الخميس 28 رجب 1429 العدد 13090
Al Jazirah NewsPaper Thursday 31/07/2008 G Issue 13090
http://www.al-jazirah.com/81444/ria1.htm