وأفصحت مصادر إعلامية غربية عن أجواء "خطة عسكرية" للحسم السريع، أُعدت من طرف كبار خبراء الحرب والإستراتيجية في البنتاغون ووكالة الاستخبارات، دخلت آخر مراحل العد العكسي، والذي يتوقع وصوله إلى ساعة الصفر قبل نهاية السنة الحالية، إلا إذا حصل شيء ما أو حادث مفاجئ أو مفتعل في مياه الخليج العربي أو في العراق، يعجل بإشعال نيران الحرب والخراب في المنطقة.
في الوقت الذي تزداد فيه المعارضة داخل أمريكا لمغامرة العراق الكارثية الفاشلة، يشحن النظام الإيراني الرأي العام ضد هجوم محتمل على البلد، مستهدفا منشآته النووية ومواقعه الإستراتيجية، قبل انتهاء هذه السنة (2008).
ويتساءل كثيرون في إيران هذه الأيام: متى تبدأ الحرب؟ وحتى الآن، لا يأخذ الناس على محمل الجد إمكانية وقوع الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل في القريب العاجل. والسبب في هذا التناقض، هو تضارب تصريحات المسؤولين في الجمهورية الإيرانية عن إمكانية حصول مثل هذا الاحتمال.
ففي تصريح نشرته الصحف الإيرانية، قال يحيي رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، والمستشار الحالي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، إنه لا يتوقع هجوما أمريكيا، "لأن الولايات المتحدة متورطة في العراق.. ومن المستبعد جدا أن تبدأ القوات الأجنبية في المنطقة هجوما جديدا، لأنها منشغلة بالحرب في العراق وأفغانستان، وعليها أن تركز على ذلك.. وقال أيضا.. إن إيران لديها الآن نظام مخابرات قوي وصواريخ قوية، و"نحن نراقب عن كثب تحركات الأجانب في الدول المجاورة بتكنولوجيا أقمار صناعية ورادارات متطورة جدا، وإذا دخلوا مجالنا الجوي أو مياهنا الإقليمية، سنرد بما هو مناسب".
وبدا أيضا الأميرال وليام فالون، قائد القيادة المركزية الأمريكية ـ قبل استقالته منذ أشهر قليلة ـ حريصا هو أيضا على تهدئة اللهجة الخطابية خلال مقابلة له مع قناة الجزيرة مؤخرا، وسئل عما إذا كانت هناك حرب تلوح في الأفق؟ فقال: "لا، وأتمنى عدم حدوث ذلك.. هذا القرع المستمر لطبول الحرب يبدو لي غير مفيد".
وحتى وقت قريب، اتُهمت بعض الصحف المتشددة الإيرانية بأنها "تخيف الجماهير" من خلال التركيز على "سيناريوهات الحرب المرعبة"، ولعبت بعض العناوين الصحفية الأخرى، المحسوبة على التيارات المتشددة في دهاليز النظام الإيراني دور "الطابور الخامس"، كلما كان الحديث عن احتمال الحرب ووقوعه.
وتكثر المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية المحافظة في إيران ـ حاليا ـ للحديث عن إمكانية نشوب الحرب وتبرير أسبابها، واستعداد إيران لمواجهة العدو، وهذا من خلال "حفر مئات الآلاف من القبور "الوهمية" لدفن جنود العدو في المحافظات الحدودية المحاذية لإيران".
ومع ذلك، ربما لا تزال هناك مسألة مطروحة بجد، عن مدى جدية التهديدات بالحرب، وتداعياتها على إيران. وفي رأي الخبراء الغربيين، فإن إمكانية نشوب حرب في هذه الفترة لا تزيد ولا تقل عن (50/50)، ولكن قد تميل الكفة من أحد الجانبين لصالح الآخر، ومؤشر الزمن لا يخدم الطرفين، رغم ما قيل بخصوص الخطط الحربية وتوقيتها وجهوزيتها اللوجيستية والمعنوية...
وفي الوقت الذي اشتدت فيه الكارثة الأمريكية في العراق، يعتقد المتطرفون من المحافظين الجدد، من أمثال نائب الرئيس ديك تشيني، أن فرصتهم للسيطرة على مخزون البترول الإيراني سوف تفلت من أيديهم إذا لم يتصرفوا قبل انقضاء هذه السنة (2008) الحاسمة.
والآلة الإعلامية الجهنمية "الحربية" الأمريكية تعبئ بكل قوة من أجل التأثير على الرأي العام، وهذا بالتناغم مع جماعات الضغط المسيحية الأصولية، ولوبيات الشركات الكبرى البترولية والعسكرية، الذين يدعون أن "إستراتيجيتهم" هي إنهاء التهديد النووي الإيراني.
وإذا كنا نرغب في دراسة الحالة بواقعية بعيدا عن أي تحيز، فإنه يمكن القول إن الولايات المتحدة وحلفاءها، لا يمكن لهم ـ بأي حال من الأحوال- أن تسمح بجمهورية إسلامية نووية. وكان سيمور هيرش قد كشف لصحيفة النيويوركر في (2006) عن القاذفات الأمريكية التي "كانت تحلق في رحلات تحاكي مهمات إطلاق أسلحة نووية".
أما صحيفة (Sunday Times) البريطانية، فإنها نشرت مؤخرا تقريرا لمراسلتها في واشنطن Sarah Backsterبعنوان "مجموعة أمريكية جوية سرية تضع اللمسات الأخيرة على خطة لضرب إيران".
ومما جاء في التقرير، أن الولايات المتحدة أعدت فريقا خاصا، لوضع خطة إستراتيجية شديدة السرية "للحرب القادمة مع إيران".. وهذه الوحدة الخاصة ترفع تقاريرها مباشرة إلى الجنرال مايكل موسلي قائد سلاح الطيران الأمريكي، وتتكون من "20 إلى 30 ضابطا من كبار الضباط في سلاح الطيران وخبراء في الحرب الاليكترونية يتمتعون بحق الحصول على كل التسهيلات من البيت الأبيض والمخابرات المركزية وغيرها من الوكالات الاستخبارية.
وكشفت أيضا نفس الصحيفة، أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) خططت لشن ضربات جوية على 1200 هدف في إيران بغية القضاء على قدراتها العسكرية خلال ثلاثة أيام فقط.
ونقلت تسريبات صحفية معلومات تؤكد أنه عندما جرت تغييرات في القيادة العسكرية الأمريكية بالعراق، لوحظ ـ على الخصوص ـ تعيين الأدميرال ويليام فالون على رأس القيادة المركزية المسؤولة مباشرة عن أمن الشرق الأوسط. وجاء التفسير العسكري لمسؤولين في البنتاغون، اعتبروا أن تعيين "طيار بحري" ليشرف على العمليات العسكرية في الخليج، له دلالة واحدة على الخطوات التحضيرية لضربات استباقية على المنشآت النووية الإيرانية، إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك.
ومباشرة بعد التعيينات العسكرية، جاء خطاب الرئيس بوش "الجريء" حول الإستراتيجية العراقية الجديدة، حيث احتلت إيران المرتبة الأولى في سلم أعداء الولايات المتحدة، في حين جاءت سوريا في المرتبة الثانية!!.
وكان موقع "الملف" الإخباري الالكتروني، قد نقل عن وكالة "نوفوستي ـ NOVOSTI" الروسية للأنباء، إمكانية تدمير الطائرات والصواريخ الأمريكية 40 - 50% من المنشآت النووية الإيرانية في أول غارة تشن في إطار عملية عسكرية تهدف إلى تدمير كل المنشآت النووية الإيرانية.
ومن الجهة الأخرى، تستطيع الآلة العسكرية الإيرانية إسقاط ما بين 15 ـ 20% من الصواريخ والطائرات الأمريكية المهاجمة وإصابة سفن عسكرية بحرية أميركية.
وكشفت الوكالة الروسية أيضا، أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أقرت بالفعل خطة الهجوم على إيران، والتي أطلق عليها اسم "اللسعة"، مشيرة إلى أن عملية "اللسعة"، قد تستمر لمدة عشر ساعات وتتضمن ضرب حوالي 20 منشأة نووية إيرانية أساسية، بصواريخ تطلقها طائرات وغواصات أمريكية.
إحدى الصحف البريطانية كشفت هي الأخرى عن تقرير إسرائيلي يقول أن إسرائيل قد أعدت خطة عسكرية لضرب مفاعلات إيران النووية، وإنها باتت على أهبة الاستعداد للقيام بهذه المهمة. إلا أن الحقيقة التي تعلمها واشنطن أكثر من أي عاصمة أوروبية أخرى، أن إيران لا تمتلك سلاحا نوويا واحدا، ولا هي هددت أبدا ببناء برنامج واحد لمثل هذا التسليح؛ حيث إن تقديرات الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، تعترف أنه حتى مع التسليم بالإرادة السياسية لذلك، لن تستطيع إيران بناء أسلحة نووية قبل عام 2017 إلى 2020، وفق التقديرات المتفائلة جدا.
وفي هذا السياق، لا ننسى أن إيران، على عكس الولايات المتحدة وإسرائيل، التزمت بأحكام معاهدة منع الانتشار النووي، التي كانت أحد الموقعين الأصليين عليها، وأنها تسمح بالتفتيش الروتيني في مواقعها في ظل التزاماتها القانونية. وفي 2003م، اتخذت ضد طهران تدابير عقابية لا لزوم لها، بتحريض من واشنطن وتل أبيب. ولم يتحدث تقرير واحد أبدا صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ـ وبصريح العبارة ـ عن أن إيران انحرفت ببرنامجها من أجل الاستخدام المدني للطاقة النووية إلى الاستخدام العسكري.
ومع ذلك، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها تعتقد أن فرض المزيد من الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية من جانب المجتمع الدولي من شأنه إجبار إيران بالقوة التخلي عن سعيها للسيطرة على كامل دورة الوقود النووي.
غير أن عامل التوقيت حاليا، مهم. وبعبارة أخرى، هناك الآن سباق بين سرعة البرنامج النووي الإيراني للوصول إلى "نقطة اللاعودة" وفعالية العقوبات الدولية على النظام السياسي. وليس من الواضح حتى الآن من الذي سيكون الأسرع من الآخر.
وإذا كانت سرعة إيران في تنمية وتطوير النووي والتحكم في تقنياته، يتجاوز فعالية العقوبات، فإن احتمال وقوع هجوم أمريكي أو إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية من شأنه أن يصبح حقيقة ماثلة للعيان، وأن الحرب، مع كل تداعيات الدمار والموت، من شأنها أن تنفجر في أخطر بقعة جغرافية في العالم.
ومن ناحية أخرى، إذا كانت سرعة فعالية العقوبات تجاوزت بمراحل أي تقدم نووي إيراني، فإن إمكانية نشوب الحرب سوف تتقلص إلى حد ما، حتى وإن تسامح المجتمع الإيراني مع العقوبات الاقتصادية المؤلمة المفروضة عليه.
وذكرت معلومات دبلوماسية أوروبية أن الإدارة الأمريكية رغم استمرارها في إشاعة أجواء الغموض تجاه إستراتيجيتها في محاصرة إيران وتطويقها في المنطقة، إلا أنها توصلت إلى اقتناع كامل، بأن مطلب "تغيير السلوك" مع إيران لن يقود إلى أية نتيجة، وبالتالي فإن أفضل وسيلة لتغيير سلوك النظام في طهران هو تغييره بالقوة العسكرية.
واعترف مدير قسم الإرهاب والأمن القومي الأمريكي في مركز (The Nixon Center)، أليكس ديبات، قائلا: "إن صقور الإدارة الأمريكية مصرون على أن الحل العسكري هو الطريق الوحيد للتعامل مع النظام الإيراني".
وبات في حكم المؤكد "قيام الولايات المتحدة بشن حرب على الجمهورية الإسلامية، تعتمد في الأساس على مبدأ "الصدمة والترهيب"، حيث تبدأ الحرب بإطلاق هجوم صاعق يدمر أسلحة الدمار الشامل ومفاعلات الطاقة النووية والقوات المسلحة ومظاهر الدولة والبنية التحتية الاقتصادية في إيران خلال يوم واحد.. مشيرا إلى أن القاذفات الأمريكيّة المتمركزة في قواعدها في بلدان الخليج والعراق وأفغانستان، تستطيع القضاء على 10 آلاف هدف خلال ساعات محدودة، إلى جانب القدرة التدميرية الضخمة التي تستطيع القوات البحرية المنتشرة في الخليج العربي إحداثها مستخدمة صواريخ "توماهوك".
وإذا بقيت نفس السياسة الإيرانية في إثارة المزيد من الغموض، ونشر البلبلة في صفوف المعارضين، لكسب المزيد من الوقت، فإنه بالتأكيد سوف تواجه إيران جولة أخرى من العقوبات الشديدة، واحتمال نشوء الحرب، إذا ثبت أن العقوبات الحالية غير فعالة.
ويبدو أن المفاوض الإيراني اختار سياسة كسب الوقت كأسلوب، ولكن يجب أن لا يخفى في أذهاننا أن هذا "التكتيك"، حتى وإن استُخدم بشكل ذكي، فقدرته محدودة، لأن الجميع في انتظار الرد والجواب بنعم أم لا، وهو الفيصل في الملف النووي الإيراني مهما طال الزمن.
بعض الإيرانيين يتصورون أن حكومة محمود أحمدي نجاد تسعى عمدا إلى مواجهة مسلحة مع الولايات المتحدة، لأنها تنوي ـ في المقابل ـ قمع ما يسمى بـ"المعارضة" السياسية الداخلية الناشئة، بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجها نظام "الملالي" الإيراني المتشدد.
قد لا يتفق البعض مع وجهة النظر هذه، وتحديدا التوجه إلى الحرب لقمع معارضة الداخل!! لأنه وبكل بساطة داخل إيران، ليس هناك معارضة لديها ما يكفي من التماسك والتنظيم لتشكل خطرا ما على من هم في السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهذا لا يتطلب شن حرب ضد أكبر قوة عظمى في العالم.
وتشير معظم التقارير الأمريكية إلى أن الضربة العسكرية ـ المتوقعة ـ ستكون قبل نهاية هذا العام. وهذه الضربة الجوية "المكثفة" و"المكلفة"، ستتحمل تبعاتها إدارة الرئيس بوش في سبيل توقيف ما يسمى بمغامرات "إيران النووية" حسب زعمهم.
وتشير نفس التقارير إلى أن دولا مثل العراق والبحرين والكويت والسعودية والإمارات وقطر وحتى إسرائيل، ستكون جميعاً معنية بتحمل تبعات هذه الضربة، سواء أكانت بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. وفي انتظار حدوث "الأسوأ"، سيبقى الحديث يدور حول "الكلفة" التي سيدفعها الجميع بدون استثناء.
وأفصحت مصادر إعلامية غربية عن أجواء "خطة عسكرية" للحسم السريع، أُعدت من طرف كبار خبراء الحرب والإستراتيجية في البنتاغون ووكالة الاستخبارات، دخلت آخر مراحل العد العكسي، والذي يتوقع وصوله إلى ساعة الصفر قبل نهاية السنة الحالية، إلا إذا حصل شيء ما أو حادث مفاجئ أو مفتعل في مياه الخليج العربي أو في العراق، يعجل بإشعال نيران الحرب والخراب في المنطقة.
http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=10236