اللواء زغلول فتحى يحكى قصة استسلام موقع لسان بورتوفيق للكتيبة 43 صاعقة
«الشروق» تحاور الضابط المصرى صاحب أشهر صورة أذلت إسرائيل فى حرب أكتوبر
اللواء أركان حرب زغلول فتحى
صورة معجزة.. عبقرية.. كانت كفيلة بمحو أجزاء كبيرة من عار حرب يونيو 1967.. بمفردها غسلت ما حاق بالأذهان جراء الدعاية الصهيونية التى طالما أشبعت الجندى المصرى سخرية بعد حرب الأيام الستة التى دفع فيها ثمن اخطاء كارثية لقيادته دون أن تتاح له فرصة حقيقية للتعبير عن نفسه كمقاتل صعب المراس.. بدون إطالة.. هذه الصورة هى تلك التى وقف فيها ضباط إسرائيليون أمام ضابط مصرى فى هزيمة واستسلام.. يؤدون التحية له بيد.. ويقدمون علم غطرسة كيانهم الغاصب بالأخرى.
نحو 40 عاما مرت على هذه اللقطة العبقرية.. التى اصطادها الفنان المبدع مكرم جاد الكريم، مصور «الأخبار» ولا يخلو منها كتاب مدرسى أو فيلم وثائقى يتناول حرب أكتوبر أو أحد أبطالها.. كل منا عندما ينظر إليها يشعر بحميمة كبيرة تجاه ذلك الضابط المصرى، الذى أحبه المصريون والعرب دون أن يعرفوا حتى اسمه.. لكنهم حبوا فيه انتصاره وكبرياءه.. التى أعادت لهم كرامتهم الجريحة فى هذا التوقيت.
«الشروق» فتشت عن هذا الضابط المصرى، صاحب هذه الصورة، وحاورته بمناسبة عيد تحرير سيناء، إنه اللواء أركان حرب زغلول فتحى، وكان فى حرب أكتوبر برتبة «رائد»، وهو قائد الكتيبة 43 صاعقة، التى كانت تعمل ضمن تشكيل المجموعة 127 صاعقة، التى كانت تعمل فى نطاق الجيش الثالث الميدانى، إبان هذه الحرب، فحكى لنا قصة هذه الصورة، التى التقطت بعد أن استسلم ضباط وجنود واحد من أكثر الحصون قوة ومناعة على الجبهة، وهو حصن «لسان بورتوفيق».
تشعر وأنت بين يدى هذا القائد أنه عائد للتو من جبهات القتال.. عندما يعرض أمامك القرارات التى اتخذها فى إدارة أعمال القتال مع العدو تشعر انه يعرضها لأول مرة، وكأنه يستعد لتنفيذها بعد لحظات، فالرجل خاض الحروب التى خاضها الجيش المصرى بداية من اليمن، مرورا بحرب يونيو 1967، والتى انسحب فيها بسريته كاملة الأفراد والمعدات، فحرب الاستنزاف، وصولا إلى حرب أكتوبر، وحرب تحرير الكويت فى عام 1991، وتدرج فى المناصب بالقوات المسلحة، وأنهى حياته العملية «رئيسا لكرسى الاستراتيجية العسكرية» فى أكاديمية ناصر العسكرية.
فى استرسال يؤكد اللواء فتحى على أن «مهمة الاستيلاء على لسان بوتوفيق الذى كان من أقوى المواقع الحصينة التى أنشأها العدو الإسرائيلى على طول جبهة قناة السويس، كانت فى غاية الصعوبة.. لأننى ورجالى كان أمامنا ثلاث عقبات.. الأولى مرتبطة بموقع اللسان.. والثانية متمثلة فى تاريخ القتال عند هذا الموقع.. والثالثة بمرتبطة بقوة العدو الإسرائيلى».
ولكى نتخيل صعوبة هذه المهمة وقبل الدخول فى ملحمة حصار قواتنا للقوات الإسرائيلية المتمركزة فى هذا الحصن لابد وأن نتعرف على طوبغرافية هذا الموقع، فيعتبر لسان بورتوفيق الممتد على الشاطئ الشرقى لقناة السويس بمثابة برزخ داخل خليج السويس تحيطة المياه من ثلاث جهات، ويصل طوله إلى كيلومترين، ويتراوح عرضه ما بين 50 إلى 300 متر، الجهة الجنوبية للموقع هى آخر طرف اللسان، وتطل على خليج السويس، والجهة الغربية للموقع تطل على القناة، وهى امتداد اللسان الموازى للقناة ونفس هذا الامتداد من ناحية الشرق يطل على مياه البركة المسحورة، أما الطرف الآخر للسان ناحية الشمال فهو يطل على اليابس من أرض سيناء.
وأقام الإسرائيليون حصنا منيعا من حصون خط بارليف عند منتصف اللسان فى مواجهة بورتوفيق، وأطلقوا عليه اسم «حصن كواى»، بحسب اللواء جمال حماد فى كتابه المهم «المعارك الحربية على الجبهة المصرية» وكانوا يستخدمونه بحكم موقعه الحاكم لإدارة وتصحيح نيران مدفعية الميدان والمدفعية بعيدة المدى المتمركزة فى منطقة عيون موسى، لقصف المناطق المصرية الحيوية على الضفة الغربية لقناة السويس، وهى مناطق بورتوفيق، والسويس ومعامل البترول بالزيتية والقاعدة البحرية فى ميناء الأدبية، والإشراف بالملاحظة على منطقة بعيدة ممتدة، تشمل خليج السويس حتى منطقة السادات باستخدام وسائل الملاحظة البصرية.
وخصصت إسرائيل للدفاع عن موقع اللسان سرية عدا فصيلة، مدعومة بـ3 دبابات كانت تتمركز داخل النقطة القوية، علاوة على 8 دبابات كانت تتمركز خارج اللسان كاحتياطى تكتيكى، وكانت تكديسات الذخائر والطعام والمياه داخل النقطة تكفى حاجة الموقع للقتال أكثر من 15 يوما تحت ظرف الحصار.
ينتقل اللواء فتحى بعد ذلك للحديث عن شكل تحصينات هذا الموقع قائلا «بعد أن يصعد الجندى المصرى إلى الرصيف يجد أمامه ساترا ترابيا ارتفاعه من 10 إلى 15 مترا، مغطى بالكامل بأسلاك شائكة، وفوق هذه الأسلاك خنادق ودشم مدعومة برشاشات، وأضف إلى ذلك 3 دبابات داخل اللسان، و8 دبابات فى الجزء الشمالى من اللسان المتصل بأرض سيناء، تعمل كاحتياطى تكتيكى له، وحدد العدو توقيت تحركها لنجدة هذا الموقع بعد 30 دقيقة من بدء الاقتحام».
ما سبق كان وافيا عن العقبة المرتبطة بالموقع، أما ما يتعلق بالعقبة المرتبطة بـ«تاريخ القتال فى الموقع»، فيقول عنها اللواء فتحى «بعد حرب عام 1967، تمركزت الكتيبة 43 صاعقة فى منطقة قريبة من بورتوفيق للدفاع عن المواقع الحيوية الموجودة فيها، ومع تطور الاستراتيجية المصرية بعد هذه الحرب من الصمود إلى الدفاع النشط وصولا إلى حرب الاستنزاف، خصصت القيادة مهمة لهذه الكتيبة للإغارة على هذا اللسان، وتكبيد العدو الموجود فيه خسائر فادحة فى الأفراد والمعدات، وهو ما نجحت فيه مجموعة قتال من الكتيبة بامتياز».
وأشار إلى أن «مشكلة هذا الموقع أن هامش المناورة فيه محدود للغاية.. فلا يتيح للقوات التى تهاجمه القيام بأى عملية للالتفاف والتطويق.. أى لا مجال للهجوم من الأجناب أو المؤخرة.. فلا يوجد أمام القوة المصرية المهاجمة إلا الهجوم بالمواجهة.. وهى أصعب مهمة يمكن أن تقابل الهجوم على موقع محصن مثل لسان بورتوفيق.. وبالرغم من ذلك نجح رجال الكتيبة 43 صاعقة فى عام 1969 من الإغارة على الموقع وبالمواجهة، وكبدوا العدو خسائر فادحة».
نجاح الكتيبة المصرية فى الإغارة على هذا الموقع ــ بحسب اللواء فتحى ــ جعل العدو الإسرائيلى يعمل على تحصينه بكل ما أوتى من قوة، فقاموا بتحصين الموقع بعمل ساتر ترابى يحيط باللسان من كل ناحية بارتفاع 15 مترا، ثم قسموا الموقع إلى جزءين. النقطة الرئيسية فى المنتصف والنقطة الفرعية فى الجنوب عند سن اللسان، وقاموا بتحصين نقاط الاقتراب التى يستحيل قدوم أحد للموقع إلا من خلالها.
ولكى تتم الخطة بإحكام أخبر اللواء واصل اللواء فتحى بأن الموعد المحدد لمهمة كتيبته فى الإغارة على لسان بورتوفيق سيكون بعد ساعة سين (بدء القتال) المحددة للحرب بثلاث ساعات، وهو ما حرمه من عنصر المفاجأة؛ لأنها بدأت مهمتها فى الخامسة مساء وهجومها بالمواجهة على الموقع الذى أصبح به 11 دبابة، بدلا من 3 دبابات.
يعود اللواء فتحى ليتذكر بدء هجوم رجاله على هذا الموقع «كانت بداية هجومنا من خلال العبور بمجموعة من أقصى يمين النقطة.. ومجموعتان من أقصى يسار النقطة، لعدم السماح للعدو بالخروج من النقطة من اتجاه سيناء، و3 مجموعات من المواجهة، الذى هو المجهود الرئيسى لقواتنا، ورغم نيران العدو الكثيفة تمكنت هذه الجموعات من الوصول إلى الساتر الترابى والاستيلاء عليه، وإصابة دباباتين للعدو، وقامت بعمل كمائن مهمتها قطع الطرق خارج وداخل اللسان، ورص حقلين للألغام لإعاقة حركة الأفراد والدبابات».
واضاف قائلا: «فى الساعة السادسة والدقيقة الأربعين من مسا يوم 6 أكتوبر، دفعت سرية الصاعقة المخصصة لمهاجمة النقطة القوية الرئيسية من المواجهة، ورغم أن النيران المركزة انهمرت عليها أثناء عبور القناة مما أدى إلى استشهاد قائدها وبعض أفرادها، فقد تمكنت السرية من الوصول إلى الساتر الترابى، ونجحت إحدى فصائلها فى مهاجمة واحتلال الجزء الجنوبى للنقطة القوية، وتدمير العدو بها».
مر اليوم الأول ــ يواصل اللواء فتحى ــ وشن العدو بشن هجوم مضاد على هذه الفصيلة التى احتلت الجزء الجنوبى للنقطة القوية الرئيسية مرتين، إحداهما فى أول ضوء والثانية فى آخر ضوء يوم 7 أكتوبر، ولكن المحاولتين باءتا بالفشل، وظلت الفصيلة متمسكة بموقعها، وحاولت استغلال نجاح هذه الفصيلة فدفعت فصيلتين لتعزيزها، وتحت قصف ستر نيرانى مركز من الساعة السابعة من مساء 7 أكتوبر، قامت الفصائل الثلاثة بمهاجمة النقطة القوية الرئيسية من اتجاه الجنوب، ولكنها عجزت عن اقتحامها فقررت سحبها إلى الضفة الغربية لإعادة تجميعها».
وعند منتصف ليلة 7 ــ 8 أكتوبر قرر اللواء فتحى تنفيذ عملية الهجوم مرة أخرى بقوة سرية جديدة كاملة بوحدات دعمها (كانت تعمل كاحتياطى للكتيبة غرب القناة)، وقامت هذه السرية بعبور القناة بقواربها فى سكون مستغلة ساعات الظلام وبدون أى ستر من نيران المدفعية، وفور وصولها إلى الشاطئ الشرقى اندفعت لمهاجمة النقطة القوية، ولكن نظرا لقوة تحصينها لم تتمكن من اقتحامها.
وأصدر قائد الكتيبة أوامره بضرب الحصار حول الموقع وعزله تماما عن العالم الخارجى، وقرر إعادة تنظيم المجموعات، ووضع خطة جديدة للهجوم على الموقع.
ويوم 10 أكتوبر حاول اليهود اختراق الحصار عن طريق البحر بواسطة قوارب «برترام» وضفادع بشرية، وذلك لإنقاذ القوة الإسرائيلية المحاصرة فى الموقع إلا أنها هربت من كثافة النيران المصرية.
وفى يوم 11 أكتوبر أقدم العدو على محاولة مستميتة تحرير رجاله المحاصرين بالموقع من خلال هجمات جوية عنيفة على كمائن القطع التى أعدتها الصاعقة المصرية عند مدخل اللسان، لإجبارها على التخلى عن مواقعها، حتى يمكن له إرسال تعزيزات إلى الموقع أو سحبهم، ولكن مجموعات القطع ظلت متمسكة بمواقعها رغم ما حاق بها من خسائر.
ويواصل اللواء فتحى عرض تفاصيل معركة لسان بورتوفيق بقوله: «عند الساعة 8 من مساء يوم 12 أكتوبر تحدث إلى قائد الجيش الثالث اللواء عبدالمنعم واصل، وقال لى: اوقف الضرب، الموقع طالب التسليم، وسيأتى إليك مندوب من المخابرات الحربية ليبلغك بترتيبات التسليم، وفى يوم 13 أكتوبر وصل مندوب الصليب الأحمر، وعبر إلى الموقع الإسرائيلى، وسجل فيه أسماء الموجودين فيه برتبهم، وجاء معه بأقدم ضابط بالموقع وهو الملازم أول «شلومو أردينست»، حيث كان قائد الموقع رائد وقتل يوم 8 أكتوبر، وكان معه 37 أسيرا منهم 17 جريحا، والضباط الموجودون خمسة، فضلا عن 20 قتيلا، واجراءات التسليم تمت غرب القناة وتم تصويرها بالفيديو.
اللواء فتحى بعد اجراءات التسليم قال «صممت على معاينة الموقع بصحبة شلومو وضابطين إسرائليين آخرين، للتأكد من عدم تفخيخه بالألغام، وهو ما استجاب له مندوب الصليب الأحمر، كنت أمر معهما على كل الدشم والملاجئ وأمرهما بالدخول إليه.. فلو أنه مفخخ سينفجر فيهما».
هنا وصلنا إلى قصة الصورة بيت القصيد من هذا الموضوع، فيقول اللواء فتحى «فى إحدى المرات التى كنت أقوم فيها بالاستطلاع مع قائد المجموعة 127 صاعقة العقيد فؤاد بسيونى. شاهدنا جنودا إسرائيليين يغيرون علم إسرائيل بآخر جديد، فقال لى انظر وهو يشتاط غضبا.. إنهم يغيرون العلم.. وكأنهم يقولون لنا إنهم لن يرحلوا من هنا، فقلت له: اهدأ يا أفندم إن شاء الله سأهديك هذا العلم فى يوم ما.. وأثناء مرورى مع الضباط الإسرائيليين تذكرت هذا الموقف، فقلت لـ«شلومو أردنيست أين العلم الإسرائيلى؟».. أحضره لى، وأدى التحية العسكرى لى، وسلمنى العلم، ومصور «الأخبار» مكرم جاد الكريم التقط الصورة التى يحتفى بها المصريون، وفى هذه الأثناء كان قائد المجموعة قد أصيب فذهبت إليه فى المستشفى وأعطيته العلم الإسرائيلى الذى وعدته به.. فسعد سعادة بالغة، وقال لى سلمه إلى اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش، فأحسن استقبالى.
استغل الإسرائيليون موقع اللسان المشرف على خليج السويس فى إطلاق نيران المدفعية والصواريخ بعيدة المدى على المدن المصرية الحيوية فى الضفة الغربية للقناة، وخاصة مدينة بورفؤاد ومعامل تكرير البترول فى السويس والقاعدة البحرية بمدينة الأدبية. وخلال حرب أكتوبر تمكنت قوة من الصاعقة المصرية هى الكتيبة 43 صاعقة، من حصار الحصن وقتل وجرح عدد كبير من أفرادها خلال فترة الحصار، ورغم طلبات الاستغاثة المتكررة من القوة الإسرائيلية المحاصرة ومحاولة الطيران وسلاح البحرية الإسرائيلى فك الحصار، فإن جميع المحاولات فشلت.
وفى يوم 13 أكتوبر استسلمت قوة الحصن ورفع العلم المصرى، وأسر 37 فردا من بينهم خمسة ضباط، بينهم قائد الحصن الملازم شلومو أردينست.
كتب «تال» فى يوميات يوم 11 أكتوبر، أن القيادة الإسرائيلية عهدت إلى سلاح البحرية بإنقاذ رجال حصن الرصيف، خاصة أنه لم تعد هناك فرصة لصد هجوم المصريين. وفى الساعة الثامنة مساء توجهت قوة بحرية مؤلفة من ستة زوارق مطاطية وثلاثة لانشات إلى الحصن، لكنها جوبهت بإطلاق نار عنيف من المدفعية المصرية من عيار 130 مليمترا. وهنا أدركت قيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية أن المهمة لا يمكن تنفيذها، واضطرت القوة البحرية إلى الانسحاب.
وكان رأى نائب رئيس الأركان، ضرورة أن تستسلم القوة المحاصرة لجنود الصاعقة المصريين. وفى ليلة الثانى عشر من أكتوبر أجرت قيادة المنطقة الجنوبية اتصالا بقائد الحصن شلومو أردينيست، وطلبت منه تقريرا عن الوضع، فعرفت بازدياد الأوضاع سوءا، ولذلك أعطت لشلومو حرية إصدار القرار بالاستسلام. ولكنه رفض وطلب بسرعة إرسال قوة لإنقاذ المحاصرين.
وفى صباح يوم 12 أكتوبر، عاودت القيادة الجنوبية الاتصال بقائد الحصن وأمرته بالاستسلام للمصريين، لكنه أراد الاستسلام للصليب الأحمر. وكانت مخاوف الإسرائيليين أن يرفض المصريون استسلام القوة الإسرائيلية للصليب الأحمر، باعتبار أن الصليب الأحمر مسئول عن الأسرى وليس عن استسلام القوات.
وفى ليلة الثالث عشر من أكتوبر ــ يقول يسرائيل تال ــ أبلغنا من قبل الصليب الأحمر بموافقة المصريين على استسلام القوة الإسرائيلية للصليب الأحمر، ولكن بشرط أن يتسلم مندوب الصليب الأحمر الجنود المستسلمين عند الضفة الغربية للقناة. فوافق وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيس الأركان على الشرط المصرى.
وفى ذلك اليوم استسلم جنود حصن الرصيف فى حضور مندوبى الصليب الأحمر. بلغ عدد الأسرى 37 بينهم 20 جريحا، بالإضافة إلى خمسة قتلى
«الشروق» تحاور الضابط المصرى صاحب أشهر صورة أذلت إسرائيل فى حرب أكتوبر
اللواء أركان حرب زغلول فتحى
صورة معجزة.. عبقرية.. كانت كفيلة بمحو أجزاء كبيرة من عار حرب يونيو 1967.. بمفردها غسلت ما حاق بالأذهان جراء الدعاية الصهيونية التى طالما أشبعت الجندى المصرى سخرية بعد حرب الأيام الستة التى دفع فيها ثمن اخطاء كارثية لقيادته دون أن تتاح له فرصة حقيقية للتعبير عن نفسه كمقاتل صعب المراس.. بدون إطالة.. هذه الصورة هى تلك التى وقف فيها ضباط إسرائيليون أمام ضابط مصرى فى هزيمة واستسلام.. يؤدون التحية له بيد.. ويقدمون علم غطرسة كيانهم الغاصب بالأخرى.
نحو 40 عاما مرت على هذه اللقطة العبقرية.. التى اصطادها الفنان المبدع مكرم جاد الكريم، مصور «الأخبار» ولا يخلو منها كتاب مدرسى أو فيلم وثائقى يتناول حرب أكتوبر أو أحد أبطالها.. كل منا عندما ينظر إليها يشعر بحميمة كبيرة تجاه ذلك الضابط المصرى، الذى أحبه المصريون والعرب دون أن يعرفوا حتى اسمه.. لكنهم حبوا فيه انتصاره وكبرياءه.. التى أعادت لهم كرامتهم الجريحة فى هذا التوقيت.
«الشروق» فتشت عن هذا الضابط المصرى، صاحب هذه الصورة، وحاورته بمناسبة عيد تحرير سيناء، إنه اللواء أركان حرب زغلول فتحى، وكان فى حرب أكتوبر برتبة «رائد»، وهو قائد الكتيبة 43 صاعقة، التى كانت تعمل ضمن تشكيل المجموعة 127 صاعقة، التى كانت تعمل فى نطاق الجيش الثالث الميدانى، إبان هذه الحرب، فحكى لنا قصة هذه الصورة، التى التقطت بعد أن استسلم ضباط وجنود واحد من أكثر الحصون قوة ومناعة على الجبهة، وهو حصن «لسان بورتوفيق».
تشعر وأنت بين يدى هذا القائد أنه عائد للتو من جبهات القتال.. عندما يعرض أمامك القرارات التى اتخذها فى إدارة أعمال القتال مع العدو تشعر انه يعرضها لأول مرة، وكأنه يستعد لتنفيذها بعد لحظات، فالرجل خاض الحروب التى خاضها الجيش المصرى بداية من اليمن، مرورا بحرب يونيو 1967، والتى انسحب فيها بسريته كاملة الأفراد والمعدات، فحرب الاستنزاف، وصولا إلى حرب أكتوبر، وحرب تحرير الكويت فى عام 1991، وتدرج فى المناصب بالقوات المسلحة، وأنهى حياته العملية «رئيسا لكرسى الاستراتيجية العسكرية» فى أكاديمية ناصر العسكرية.
3 صعوبات
يعود اللواء فتحى إلى يناير 1973، حيث تم تعيينه رئيسا لعمليات الكتيبة 43 صاعقة، ويتذكر أنه فى فبراير من نفس العام صدرت الأوامر بأن يكون تدريب الكتيبة على مهمة محددة وهى «الاستيلاء على حصن لسان بورتوفيق»، لحرمان العدو من أهميته الاستراتيجية الكبيرة. لم تمض أشهر معدودة حتى أصبح قائدا لهذه الكتيبة فى يوليو من نفس العام.فى استرسال يؤكد اللواء فتحى على أن «مهمة الاستيلاء على لسان بوتوفيق الذى كان من أقوى المواقع الحصينة التى أنشأها العدو الإسرائيلى على طول جبهة قناة السويس، كانت فى غاية الصعوبة.. لأننى ورجالى كان أمامنا ثلاث عقبات.. الأولى مرتبطة بموقع اللسان.. والثانية متمثلة فى تاريخ القتال عند هذا الموقع.. والثالثة بمرتبطة بقوة العدو الإسرائيلى».
ولكى نتخيل صعوبة هذه المهمة وقبل الدخول فى ملحمة حصار قواتنا للقوات الإسرائيلية المتمركزة فى هذا الحصن لابد وأن نتعرف على طوبغرافية هذا الموقع، فيعتبر لسان بورتوفيق الممتد على الشاطئ الشرقى لقناة السويس بمثابة برزخ داخل خليج السويس تحيطة المياه من ثلاث جهات، ويصل طوله إلى كيلومترين، ويتراوح عرضه ما بين 50 إلى 300 متر، الجهة الجنوبية للموقع هى آخر طرف اللسان، وتطل على خليج السويس، والجهة الغربية للموقع تطل على القناة، وهى امتداد اللسان الموازى للقناة ونفس هذا الامتداد من ناحية الشرق يطل على مياه البركة المسحورة، أما الطرف الآخر للسان ناحية الشمال فهو يطل على اليابس من أرض سيناء.
وأقام الإسرائيليون حصنا منيعا من حصون خط بارليف عند منتصف اللسان فى مواجهة بورتوفيق، وأطلقوا عليه اسم «حصن كواى»، بحسب اللواء جمال حماد فى كتابه المهم «المعارك الحربية على الجبهة المصرية» وكانوا يستخدمونه بحكم موقعه الحاكم لإدارة وتصحيح نيران مدفعية الميدان والمدفعية بعيدة المدى المتمركزة فى منطقة عيون موسى، لقصف المناطق المصرية الحيوية على الضفة الغربية لقناة السويس، وهى مناطق بورتوفيق، والسويس ومعامل البترول بالزيتية والقاعدة البحرية فى ميناء الأدبية، والإشراف بالملاحظة على منطقة بعيدة ممتدة، تشمل خليج السويس حتى منطقة السادات باستخدام وسائل الملاحظة البصرية.
وخصصت إسرائيل للدفاع عن موقع اللسان سرية عدا فصيلة، مدعومة بـ3 دبابات كانت تتمركز داخل النقطة القوية، علاوة على 8 دبابات كانت تتمركز خارج اللسان كاحتياطى تكتيكى، وكانت تكديسات الذخائر والطعام والمياه داخل النقطة تكفى حاجة الموقع للقتال أكثر من 15 يوما تحت ظرف الحصار.
تاريخ الموقع
اللواء فتحى يؤكد أن «طبيعة الأرض لم تكن العقبة الوحيدة التى تجعل من الهجوم على هذا الموقع أمرا بالغ الصعوبة، فبالإضافة إلى ذلك كانت سرعة التيار فى هذه المنطقة أعلى من أى مكان آخر فى قناة السويس، وكان هذا التيار السريع يجرف القوارب إلى أماكن أبعد من المخطط الوصول إليها عند الحد الأمامى للسان، وهو ما يجعلها تمضى وقتا أطول فى المياه، وما يزيد من صعوبة الموقف هو أن الحد الأمامى لهذا اللسان كان رصيفا تستخدمه هيئة قناة السويس قبل عام 1967، ولذلك كان الإسرائيليون يسمونه أحيانا «موقع رصيف الميناء»، وكان ارتفاعه 2.5 متر، وهذا الرصيف يلتقى مع الماء بزاوية قائمة، وليس بشكل متدرج كما الحال فى بقية النقاط التى «دبشها» العدو بميل من أسفل إلى أعلى، وهو ما يجعل الصعود إلى الرصيف صعبا جدا، خاصة فى حالات الجذر التى تنحسر فيها المياه بشدة، وكان الجندى المصرى لا يستطيع الصعود إليه إلا على أكتاف زملائه بصعوبة».ينتقل اللواء فتحى بعد ذلك للحديث عن شكل تحصينات هذا الموقع قائلا «بعد أن يصعد الجندى المصرى إلى الرصيف يجد أمامه ساترا ترابيا ارتفاعه من 10 إلى 15 مترا، مغطى بالكامل بأسلاك شائكة، وفوق هذه الأسلاك خنادق ودشم مدعومة برشاشات، وأضف إلى ذلك 3 دبابات داخل اللسان، و8 دبابات فى الجزء الشمالى من اللسان المتصل بأرض سيناء، تعمل كاحتياطى تكتيكى له، وحدد العدو توقيت تحركها لنجدة هذا الموقع بعد 30 دقيقة من بدء الاقتحام».
ما سبق كان وافيا عن العقبة المرتبطة بالموقع، أما ما يتعلق بالعقبة المرتبطة بـ«تاريخ القتال فى الموقع»، فيقول عنها اللواء فتحى «بعد حرب عام 1967، تمركزت الكتيبة 43 صاعقة فى منطقة قريبة من بورتوفيق للدفاع عن المواقع الحيوية الموجودة فيها، ومع تطور الاستراتيجية المصرية بعد هذه الحرب من الصمود إلى الدفاع النشط وصولا إلى حرب الاستنزاف، خصصت القيادة مهمة لهذه الكتيبة للإغارة على هذا اللسان، وتكبيد العدو الموجود فيه خسائر فادحة فى الأفراد والمعدات، وهو ما نجحت فيه مجموعة قتال من الكتيبة بامتياز».
وأشار إلى أن «مشكلة هذا الموقع أن هامش المناورة فيه محدود للغاية.. فلا يتيح للقوات التى تهاجمه القيام بأى عملية للالتفاف والتطويق.. أى لا مجال للهجوم من الأجناب أو المؤخرة.. فلا يوجد أمام القوة المصرية المهاجمة إلا الهجوم بالمواجهة.. وهى أصعب مهمة يمكن أن تقابل الهجوم على موقع محصن مثل لسان بورتوفيق.. وبالرغم من ذلك نجح رجال الكتيبة 43 صاعقة فى عام 1969 من الإغارة على الموقع وبالمواجهة، وكبدوا العدو خسائر فادحة».
نجاح الكتيبة المصرية فى الإغارة على هذا الموقع ــ بحسب اللواء فتحى ــ جعل العدو الإسرائيلى يعمل على تحصينه بكل ما أوتى من قوة، فقاموا بتحصين الموقع بعمل ساتر ترابى يحيط باللسان من كل ناحية بارتفاع 15 مترا، ثم قسموا الموقع إلى جزءين. النقطة الرئيسية فى المنتصف والنقطة الفرعية فى الجنوب عند سن اللسان، وقاموا بتحصين نقاط الاقتراب التى يستحيل قدوم أحد للموقع إلا من خلالها.
خطة الاقتحام
ويقول قائد الكتيبة 43 صاعقة إن خطة اللواء عبدالمنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميدانى (أثناء الحرب) تجاه هذا الموقع، كانت تقوم على عدم الاستيلاء عليه فى اليومين الأول والثانى للقتال، لأنه يريد إدخال دخول الدبابات الثمانى الموجودة كاحتياطى تكتيكى له من الاشتباك مع قوات المشاة التى تعبر قناة السويس، وبالتالى إعاقتها عن إتمام مهمة العبور بنجاح، ومن هنا أعطى أوامره بعدم ضم هذا الموقع ضمن المواقع التى ستقصفها المدفعية المصرية بعد نجاح الضربة الجوية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، كى تلوذ هذه الدبابات بالموقع مع أول طلقة مدفعية، وهنا تحقق المطلوب منها بعدم الاشتباك مع القوات التى تقوم بعملية العبور، وهنا تأتى مهمة الكتيبة بحصار الموقع بمن فيه، ومنع خروج أو دخول قوات من العدو إليه والعمل على تدميره، وهو ما حدث بالضبط كما خطط قائد الجيش.ولكى تتم الخطة بإحكام أخبر اللواء واصل اللواء فتحى بأن الموعد المحدد لمهمة كتيبته فى الإغارة على لسان بورتوفيق سيكون بعد ساعة سين (بدء القتال) المحددة للحرب بثلاث ساعات، وهو ما حرمه من عنصر المفاجأة؛ لأنها بدأت مهمتها فى الخامسة مساء وهجومها بالمواجهة على الموقع الذى أصبح به 11 دبابة، بدلا من 3 دبابات.
يعود اللواء فتحى ليتذكر بدء هجوم رجاله على هذا الموقع «كانت بداية هجومنا من خلال العبور بمجموعة من أقصى يمين النقطة.. ومجموعتان من أقصى يسار النقطة، لعدم السماح للعدو بالخروج من النقطة من اتجاه سيناء، و3 مجموعات من المواجهة، الذى هو المجهود الرئيسى لقواتنا، ورغم نيران العدو الكثيفة تمكنت هذه الجموعات من الوصول إلى الساتر الترابى والاستيلاء عليه، وإصابة دباباتين للعدو، وقامت بعمل كمائن مهمتها قطع الطرق خارج وداخل اللسان، ورص حقلين للألغام لإعاقة حركة الأفراد والدبابات».
واضاف قائلا: «فى الساعة السادسة والدقيقة الأربعين من مسا يوم 6 أكتوبر، دفعت سرية الصاعقة المخصصة لمهاجمة النقطة القوية الرئيسية من المواجهة، ورغم أن النيران المركزة انهمرت عليها أثناء عبور القناة مما أدى إلى استشهاد قائدها وبعض أفرادها، فقد تمكنت السرية من الوصول إلى الساتر الترابى، ونجحت إحدى فصائلها فى مهاجمة واحتلال الجزء الجنوبى للنقطة القوية، وتدمير العدو بها».
مر اليوم الأول ــ يواصل اللواء فتحى ــ وشن العدو بشن هجوم مضاد على هذه الفصيلة التى احتلت الجزء الجنوبى للنقطة القوية الرئيسية مرتين، إحداهما فى أول ضوء والثانية فى آخر ضوء يوم 7 أكتوبر، ولكن المحاولتين باءتا بالفشل، وظلت الفصيلة متمسكة بموقعها، وحاولت استغلال نجاح هذه الفصيلة فدفعت فصيلتين لتعزيزها، وتحت قصف ستر نيرانى مركز من الساعة السابعة من مساء 7 أكتوبر، قامت الفصائل الثلاثة بمهاجمة النقطة القوية الرئيسية من اتجاه الجنوب، ولكنها عجزت عن اقتحامها فقررت سحبها إلى الضفة الغربية لإعادة تجميعها».
وعند منتصف ليلة 7 ــ 8 أكتوبر قرر اللواء فتحى تنفيذ عملية الهجوم مرة أخرى بقوة سرية جديدة كاملة بوحدات دعمها (كانت تعمل كاحتياطى للكتيبة غرب القناة)، وقامت هذه السرية بعبور القناة بقواربها فى سكون مستغلة ساعات الظلام وبدون أى ستر من نيران المدفعية، وفور وصولها إلى الشاطئ الشرقى اندفعت لمهاجمة النقطة القوية، ولكن نظرا لقوة تحصينها لم تتمكن من اقتحامها.
وأصدر قائد الكتيبة أوامره بضرب الحصار حول الموقع وعزله تماما عن العالم الخارجى، وقرر إعادة تنظيم المجموعات، ووضع خطة جديدة للهجوم على الموقع.
ويوم 10 أكتوبر حاول اليهود اختراق الحصار عن طريق البحر بواسطة قوارب «برترام» وضفادع بشرية، وذلك لإنقاذ القوة الإسرائيلية المحاصرة فى الموقع إلا أنها هربت من كثافة النيران المصرية.
وفى يوم 11 أكتوبر أقدم العدو على محاولة مستميتة تحرير رجاله المحاصرين بالموقع من خلال هجمات جوية عنيفة على كمائن القطع التى أعدتها الصاعقة المصرية عند مدخل اللسان، لإجبارها على التخلى عن مواقعها، حتى يمكن له إرسال تعزيزات إلى الموقع أو سحبهم، ولكن مجموعات القطع ظلت متمسكة بمواقعها رغم ما حاق بها من خسائر.
العدو يستسلم
أمام الحصار الحديدى الذى ضربه رجال الكتيبة 43 صاعقة أدرك قائد الموقع الإسرائيلى الملازم أول «شلومو أردينست» أن موقعه محاصر من جميع الجهات، ولكنه لم يكن لديه شك فى أن قوات الجيش الإسرائيلى ستأتى لنجدته سريعا وترفع الحصار المصرى عنه، ولكن بعد مرور بضعة أيام زاد وضعه حرجا داخل الحصن، فقد أخذت الذخيرة فى التناقص، ونفذ المورفين والأمصال والضمادات، وراح الجرحى يتلوون من آلامهم. وفى اليوم الخامس (10 أكتوبر)، وصلت إلى الحصن رسالة لاسلكية من القيادة الجنوبية الإسرائيلية كان نصها «إذا لم نستطع خلال 24 ساعة إرسال التعزيزات إليكم يمكنكم الاستسلام».ويواصل اللواء فتحى عرض تفاصيل معركة لسان بورتوفيق بقوله: «عند الساعة 8 من مساء يوم 12 أكتوبر تحدث إلى قائد الجيش الثالث اللواء عبدالمنعم واصل، وقال لى: اوقف الضرب، الموقع طالب التسليم، وسيأتى إليك مندوب من المخابرات الحربية ليبلغك بترتيبات التسليم، وفى يوم 13 أكتوبر وصل مندوب الصليب الأحمر، وعبر إلى الموقع الإسرائيلى، وسجل فيه أسماء الموجودين فيه برتبهم، وجاء معه بأقدم ضابط بالموقع وهو الملازم أول «شلومو أردينست»، حيث كان قائد الموقع رائد وقتل يوم 8 أكتوبر، وكان معه 37 أسيرا منهم 17 جريحا، والضباط الموجودون خمسة، فضلا عن 20 قتيلا، واجراءات التسليم تمت غرب القناة وتم تصويرها بالفيديو.
اللواء فتحى بعد اجراءات التسليم قال «صممت على معاينة الموقع بصحبة شلومو وضابطين إسرائليين آخرين، للتأكد من عدم تفخيخه بالألغام، وهو ما استجاب له مندوب الصليب الأحمر، كنت أمر معهما على كل الدشم والملاجئ وأمرهما بالدخول إليه.. فلو أنه مفخخ سينفجر فيهما».
هنا وصلنا إلى قصة الصورة بيت القصيد من هذا الموضوع، فيقول اللواء فتحى «فى إحدى المرات التى كنت أقوم فيها بالاستطلاع مع قائد المجموعة 127 صاعقة العقيد فؤاد بسيونى. شاهدنا جنودا إسرائيليين يغيرون علم إسرائيل بآخر جديد، فقال لى انظر وهو يشتاط غضبا.. إنهم يغيرون العلم.. وكأنهم يقولون لنا إنهم لن يرحلوا من هنا، فقلت له: اهدأ يا أفندم إن شاء الله سأهديك هذا العلم فى يوم ما.. وأثناء مرورى مع الضباط الإسرائيليين تذكرت هذا الموقف، فقلت لـ«شلومو أردنيست أين العلم الإسرائيلى؟».. أحضره لى، وأدى التحية العسكرى لى، وسلمنى العلم، ومصور «الأخبار» مكرم جاد الكريم التقط الصورة التى يحتفى بها المصريون، وفى هذه الأثناء كان قائد المجموعة قد أصيب فذهبت إليه فى المستشفى وأعطيته العلم الإسرائيلى الذى وعدته به.. فسعد سعادة بالغة، وقال لى سلمه إلى اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش، فأحسن استقبالى.
الرواية الإسرائيلية للمعركة
نشرت صحيفة «معاريف» العبرية، على موقعها الإلكترونى، فى أواخر سبتمبر 2012 لأول مرة يوميات الجنرال الإسرائيلى يسرائيل تال، الذى كان نائبا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى أثناء حرب أكتوبر. تناولت يوميات «تال» استسلام القوة الإسرائيلية فى حصن لسان بورتوفيق، الذى أطلق عليه الإسرائيليون حصن الرصيف، ويعتبر أحد أكثر حصون بارليف تحصينا.استغل الإسرائيليون موقع اللسان المشرف على خليج السويس فى إطلاق نيران المدفعية والصواريخ بعيدة المدى على المدن المصرية الحيوية فى الضفة الغربية للقناة، وخاصة مدينة بورفؤاد ومعامل تكرير البترول فى السويس والقاعدة البحرية بمدينة الأدبية. وخلال حرب أكتوبر تمكنت قوة من الصاعقة المصرية هى الكتيبة 43 صاعقة، من حصار الحصن وقتل وجرح عدد كبير من أفرادها خلال فترة الحصار، ورغم طلبات الاستغاثة المتكررة من القوة الإسرائيلية المحاصرة ومحاولة الطيران وسلاح البحرية الإسرائيلى فك الحصار، فإن جميع المحاولات فشلت.
وفى يوم 13 أكتوبر استسلمت قوة الحصن ورفع العلم المصرى، وأسر 37 فردا من بينهم خمسة ضباط، بينهم قائد الحصن الملازم شلومو أردينست.
كتب «تال» فى يوميات يوم 11 أكتوبر، أن القيادة الإسرائيلية عهدت إلى سلاح البحرية بإنقاذ رجال حصن الرصيف، خاصة أنه لم تعد هناك فرصة لصد هجوم المصريين. وفى الساعة الثامنة مساء توجهت قوة بحرية مؤلفة من ستة زوارق مطاطية وثلاثة لانشات إلى الحصن، لكنها جوبهت بإطلاق نار عنيف من المدفعية المصرية من عيار 130 مليمترا. وهنا أدركت قيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية أن المهمة لا يمكن تنفيذها، واضطرت القوة البحرية إلى الانسحاب.
وكان رأى نائب رئيس الأركان، ضرورة أن تستسلم القوة المحاصرة لجنود الصاعقة المصريين. وفى ليلة الثانى عشر من أكتوبر أجرت قيادة المنطقة الجنوبية اتصالا بقائد الحصن شلومو أردينيست، وطلبت منه تقريرا عن الوضع، فعرفت بازدياد الأوضاع سوءا، ولذلك أعطت لشلومو حرية إصدار القرار بالاستسلام. ولكنه رفض وطلب بسرعة إرسال قوة لإنقاذ المحاصرين.
وفى صباح يوم 12 أكتوبر، عاودت القيادة الجنوبية الاتصال بقائد الحصن وأمرته بالاستسلام للمصريين، لكنه أراد الاستسلام للصليب الأحمر. وكانت مخاوف الإسرائيليين أن يرفض المصريون استسلام القوة الإسرائيلية للصليب الأحمر، باعتبار أن الصليب الأحمر مسئول عن الأسرى وليس عن استسلام القوات.
وفى ليلة الثالث عشر من أكتوبر ــ يقول يسرائيل تال ــ أبلغنا من قبل الصليب الأحمر بموافقة المصريين على استسلام القوة الإسرائيلية للصليب الأحمر، ولكن بشرط أن يتسلم مندوب الصليب الأحمر الجنود المستسلمين عند الضفة الغربية للقناة. فوافق وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيس الأركان على الشرط المصرى.
وفى ذلك اليوم استسلم جنود حصن الرصيف فى حضور مندوبى الصليب الأحمر. بلغ عدد الأسرى 37 بينهم 20 جريحا، بالإضافة إلى خمسة قتلى
التعديل الأخير: