اليورانيوم المنضب القاتل الصامت
استخدم في الحروب للقضاء السريع على جنود الخصم
يخترق جسم الإنسان بالاستنشاق والبلع ومس الجلد، والكليتان أكثر الأعضاء تأثراً
أدى اعتراف الحكومة الأمريكية باستخدام اليورانيوم المنضب في ترسانتها الحربية وفي الحروب التي شنتها على العراق 1991م والبوسنة 1995م وكذلك في البلقان 1999م إلى وقوع الكثير من الجدل حول خطورة استخدام هذه المادة. والحقيقة أن الحديث عن الإشعاع والعناصر المشعة والمفاعلات النووية وخصوصا اليورانيوم بشكل عام يصيب العالم بالذعر. وقد تسابقت وسائل الإعلام بجميع أنواعها إلى الإسهاب في تناول اليورانيوم المنضب. وتركز الحديث عن اليورانيوم المنضب حول نقطتين: إحداهما تتناول اليورانيوم المنضب بانفعال بالغ وتركز على المشاكل الصحية والبيئية ، أما الثانية فتتناول الدراسات التي تشير الى عدم وجود روابط بينه وبين المشاكل الصحية والبيئية.
وسوف نحاول هنا أن نتناول اليورانيوم المنضب من وجهة النظر العلمية لنتعرف على اليورانيوم المنضب وما المقصود به وما هي مصادره وكيفية استخداماته في الحروب والطرق التي من المرجح أن تؤدي إلى امتصاص جرعة حادة أو مزمنة والمخاطر الصحية من المنظور الإشعاعي وأيضا التسمم الكيميائي؟!.
ما هو اليورانيوم المنضب؟
اليورانيوم معدن ثقيل واسع الانتشار موجود في الطبيعة بعدة أشكال كيميائية مختلفة في جميع أشكال التربة والحجارة والبحار والمحيطات. ويوجد في مياه الشرب والأغذية. كما يوجد في الأسمدة المستخدمة في الزراعة. ويعتبر معدل الاستهلاك اليومي من عنصر اليورانيوم حوالي 9 ،1 ميكرو غرام لكل يوم من الغذاء والماء والهواء المستنشق. كما يحتوي جسم الإنسان في المتوسط على حوالي90 ميكرو غرام من اليورانيوم تتوزع كالتالي:
66% في الجهاز العظمي.
16% في الكبد.
8% في الكليتين.
10% في الأنسجة الأخرى.
اليورانيوم معدن شديد الصلابة وسام كيميائيا مثله مثل المعادن الثقيلة كالرصاص أو أي معدن ثقيل آخر حيث تتسبب هذه المعادن في مشاكل صحية إذا وجدت بكميات كبيرة داخل جسم الإنسان.
اليورانيوم 238 عنصر غير مستقر ويتفكك إلى الثوريوم 234 مع انبعاث جسيم ألفا «وهو عبارة عن نواة ذرة الهليوم». ويتفكك الثوريوم 234 إلى البروتكتينيوم 234مع انبعاث جسيم بيتا ويتكرر التفكك حتى يصل إلى حالة الاتزان حيث يعطي الرصاص 206 المستقر.
ويبلغ العمر النصفي لليورانيوم 238 حوالي 4468 مليون سنة. ويعرف العمرالنصفي للعناصر المشعة بالزمن اللازم لكي ينخفض النشاط الإشعاعي إلى النصف.
أما العمر النصفي اليورانيوم 235 فيبلغ حوالي 704 مليون سنة ويبلغ العمر النصفي لليورانيوم 234 حوالي 248 ألف سنة.
النظائر المكونة لليورانيوم
يتكون اليورانيوم الطبيعي من مزيج من ثلاثة نظائر مشعة هي:
اليورانيوم 238 «27 ،99% حسب الكتلة».
اليورانيوم 235 بنسبة «72 ،0%».
اليورانيوم 234بنسبة «0054 ،0»
ويستخدم اليورانيوم أساسا في توليد الطاقة النووية في المفاعلات النووية، حيث تستخدم المفاعلات النووية اليورانيوم الذي يكون فيه النظير يورانيوم 235 مخصبا بنسبة تتراوح بين 72 ،0% وحوالي 3%. ويسمى الجزء المتبقي بعد إزالة الجزء المخصب باليورانيوم المنضب. ويحتوي اليورانيوم المنضب عادة على التالي:
اليورانيوم 238 بنسبة «8 ،99% حسب الكتلة».
اليورانيوم 235 «2 ،0%».
اليورانيوم234 «0006 ،0%».
كما يحتوي على 60% من إشعاع اليورانيوم الطبيعي للكتلة ذاتها. ويمكن إنتاج اليورانيوم المنضب في إطار إعادة معالجة وقود المفاعلات النووية المستعمل.
ويمكن العثور في هذه الحالة على نظير آخر هو اليورانيوم 236 إلى جانب كميات ضئيلة من العناصر الناتجة عن الانشطار مثل البلوتنيوم والأمريسيوم والنبتنيوم و غيرها. ولا تزيد نسبة الإشعاع من هذه العناصر عن 1% وهي نسبة لا تؤخذ في الاعتبار فيما يتعلق بالنواحي الصحية والتسمم الكيميائي والإشعاعي.
ومما سبق يتضح لنا خطأ التسمية «اليورانيوم المنضب أو المستنفد» الذي يعني للوهلة الأولى أنه لا يحتوي على نشاط إشعاعي وغير خطير.
استخدامات اليورانيوم المنضب
يستعمل اليورانيوم المنضب في العديد من المجالات المدنية في صناعة الأثقال والموازنة للطائرات. كما يستخدم في المستشفيات كواق ضد الإشعاع الصادرمن الأشعة السينية «X Ray» وفي حاويات نقل المواد المشعة.وإذا اخذ في الاعتبار شدة كثافة اليورانيوم المنضب التي تبلغ حوالي ضعف كثافة الرصاص وإلى قدرته على اختراق أقوى الدروع والدبابات وعلى حدته «يجعل نفسه حادا» وهذا ما جعله مناسبا جدا لصناعة الذخائر المصممة لاختراق ألواح التصفيح المستخدمة في الدبابات المعادية كما يستخدم في ألواح التصفيح للدبابات. ويتركز استخدم اليورانيوم المنضب عادة في رأس الذخيرة التي تستخدم لتدمير الدبابات. وفي الوقت الحاضر لا يوجد معدن بديل عنه ويحمل نفس الصفات الاختراقية. ويعتبر اليورانيوم المنضب رخيصا جدا ومتوفرا بكميات كبيرة جدا حتى ان مصانع الذخيرة تحصل عليه بأسعار رمزية.
وهناك أكثر من 15 دولة معروفة تستخدم اليورانيوم المنضب في صناعة الذخائر منها:الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا،روسيا، اليونان، تركيا.
وقد تم استخدام اليورانيوم المنضب لأول مرة بكميات كبيرة في حرب الخليج الثانية«حرب تحرير الكويت». وقد تراوحت الكميات المستخدمة بين 300 إلى 800 طن من اليورانيوم المنضب «حسب مختلف المصادر». بينما أشار تقرير من منظمة الأمم المتحدة للحماية البيئة «UNEP» أن القوات البريطانية والأمريكية قد استخدمت كميات من الذخيرة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب يصل إلى حوالي 2000 طن في حرب الخليج الثالثة. وقد تم استخدام اليورانيوم في حرب الخليج الثالثة وفي مناطق مأهولة بالسكان بخلاف الحرب الثانية.
الخصائص الكيميائية لليورانيوم
عندما تخترق قذيفة من اليورانيوم المنضب صفائح الدبابة المدرعة، ينتج عن ذلك شظايا وغبار من أكسيدات اليورانيوم. ويختلف حجم الشظايا والغبار من الكبيرة التي يمكن رؤيتها إلى الجزيئات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة. ويتم استنشاق الجزيئات الدقيقة من غبار أكسيدات اليورانيوم عبر الجهاز التنفسي ويمكن لهذه الجزيئات أن تقتل الجنود داخل المدرعة في الحال. كما أن هذاالغبار سوف ينتشر حول المدرعة وقد ينتقل بواسطة الهواء، ويعتقد البعض أن هذا الغبار من أكسيدات اليورانيوم يمكن أن يقتل كل الموجودين في ساحة الحرب المجاورة للمدرعة المصابة بقذيفة من اليورانيوم المنضب. والحقيقة أن التجارب العلمية أوضحت أن جزيئات اليورانيوم الدقيقة ليست لها تأثير يذكر على بعد510 أمتار من المدرعة المصابة بقذيفة من اليورانيوم المنضب. ينتقل رذاذ الجزيئات الدقيقة في الهواء حسب قوانين الفيزياء حيث يختلط ويتوزع ويقل تركيزه في الهواء.
كيف يدخل إلى جسم الإنسان؟
ويمكن أن يتعرض الأفراد لليورانيوم عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع أو التماس الجلدي، ويعتبر الاستنشاق اكثر حالات التعرض أثناء أو بعد الحروب، وقد يستنشق اليورانيوم المنضب أثناء اندلاع حريق في مستودع يحتوي ذخيرة مصنعة من اليورانيوم المنضب، ويحدث الابتلاع عند فئات كثيرة من السكان نتيجة تلوث مياه الشرب أو الأغذية باليورانيوم المنضب، ويعتبر التعرض لليورانيوم عن طريق التماس الجلد من أقل الحالات أهمية لأن كمية اليورانيوم المنضب التي تخترق الجلد لتصل إلى الدم تظل قليلة. ولكن يمكن أن يصل إلى الدورة الدموية من خلال الجروح المفتوحة أو من شظايا اليورانيوم المنضب. ويحدد ذوبان اليورانيوم المنضب في الجسم مدى سرعة امتصاص الجسم له سواء من الرئتين أو من الجهاز الهضمي. كما يعتمد على نوع مركبات اليورانيوم وتركيبه الكيميائي، وكما هو معروف فإن جسم الإنسان وسط مائي. ولهذا يتم امتصاص مركبات اليورانيوم المنضب التي تذوب في الماء من خلال الرئتين في فترة لا تتجاوز أياما قليلة، أما مركبات اليورانيوم المنضب التي لا تذوب في الماء فقد يمتصها الجسم خلال شهور أو سنوات.
التأثير الكيميائي
يعتبر اليورانيوم من المواد السامة كيميائيا إذا دخل جسم الإنسان وتم امتصاصه إلى الدم وتوزع على أنسجة الجسم المختلفة. ويدخل اليورانيوم المنضب الجسم على شكل معدن «شظايا» أو مركبات على شكل أكسيدات اليورانيوم المنضب الناتجة عن احتراقه مثل:
ثاني أكسيد ثلاثي اليورانيوم المنضب U3O8 لونه رمادي غامق يتكون عند درجات الحرارة شديدة الارتفاع.
ثاني أكسيد اليورانيوم المنضب UO2 لونه اصفر ويتكون عند درجات حرارة متوسطة الارتفاع.
ثلاثي أكسيد اليورانيوم المنضب UO3.
وتعتبر هذه الأكسيدات غير قابلة للذوبان في الماء بسرعة. ولكنها تذوب ببطء «أسابيع لثلاثي أكسيد اليورانيوم المنضب UO3 وسنوات ثاني أكسيد ثلاثي اليورانيوم المنضب U3O8 وثاني أكسيد اليورانيوم المنضب UO2».
الامتصاص والذوبان
وتعتبر الكلى العضو الأكثر تأثرا باليورانيوم المنضب حيث يؤدي إلى موت و تلف خلايا الكلى وتلفها أو عدم قدرة الكلى على تصفية الدم وتنقيته. وذلك حسب تركيز اليورانيوم. يستنشق الجنود حوالي 95% من جزيئات اليورانيوم المنضب المتطايرة إذا تم قصف مدرعتهم أثناء الحرب، وتترسب جزيئات اليورانيوم المنضب المستنشقة في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي. ومعظم هذه الجزيئات يتم بلعها أو طردها عن طريق الأنف. أما الجزيئات التي يتم امتصاصها فتنتقل إلى الكلى وباقي أعضاء الجسم، وقد أوضحت الدراسات أنه 4 ،6 % فقط من جزيئات اليورانيوم المنضب القابلة للذوبان و3 ،0% فقط من جزيئات اليورانيوم المنضب غير القابلة للذوبان من اليورانيوم المنضب المستنشق يصل إلى الكلى. كما تبين أحدث الدراسات أن الجسم يمتص فقط 2 إلى 5% من اليورانيوم المنضب القابل للذوبان الذي يتم ابتلاعه أما باقي 98 إلى 95% فيتم التخلص منها بسرعة عن طريق الأمعاء، كما أن الجسم يمتص فقط 2 ،0% من اليورانيوم المنضب غير القابل للذوبان الذي يتم ابتلاعه أما باقي 8 ،99% فيتم التخلص منها بسرعة عن طريق الأمعاء.
ويتخلص جسم الإنسان من 90% من اليورانيوم المنضب القابل للذوبان الذي يصل الدم خلال الكلى في غضون أيام قليلة بعد التعرض مباشرة. أما ال 10% الباقية فتترسب في العظام وباقي أعضاء الجسم، ويتم التخلص منها على فترات طويلة، وإذا ما تم استنشاق كمية من أكسيدات اليورانيوم المنضب غير القابلة للذوبان فانها تبقى سنوات طويلة في الرئتين ويتم امتصاصها ببطء إلى الدم ثم تطرد من الجسم عن طريق الكلى «البول».
عموما تؤثر المعادن الثقيلة بشكل عام على الكبد ولكن في جرعات عالية التركيز، وقد تبين من الأبحاث على حيوانات التجارب أن اليورانيوم يسبب مشاكل وتلفا في الكبد إلا أنه لم تسجل أية حالة تلف أو مشاكل للكبد في الإنسان من اليورانيوم المنضب وخصوصا للعاملين على اليورانيوم المنضب المعرضين له أكثر من الجنود في ساحة الحرب.
التأثير الإشعاعي على الصحة
يوجد الإشعاع الطبيعي في كل مكان حولنا ويسمى الإشعاع الطبيعي أو الخلفية الإشعاعية، وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأ استخدام المفاعلات النووية وتقنية الإشعاع مما زاد من مصادر الإشعاع حولنا، واليورانيوم المنضب أحد مصادر الإشعاع الجديدة، وقد اهتم العلماء بهذه المصادر المشعة نظرا لتأثيراتها الصحية الخطرة على الإنسان، وقد حظيت الدراسات في هذا المجال باهتمام بالنظرا لحالة الرعب لدى جميع الفئات من الإشعاع والمفاعلات النووية، ولهذا فقد حدد العلماء الطرق التي يؤثر فيها الإشعاع على جسم الإنسان، وتقدر اللجنة العلمية للأمم المتحدة معدل الجرعة التي يتعرض لها الإنسان بحوالي 2 ،2 مللي سيفرت في السنة الواحدة من الإشعاعات المؤينة الطبيعية. ويمكن قياس مقدارالتعرض للأشعة وكيفية السيطرة على المواد المشعة وطرق الحماية منها.
أنواع التأثير
ويوجد نوعان من التأثيرات الجسمية من الأشعة:
أالتأثير الحاد المباشر: وهذا يحدث نتيجة التعرض لجرعة عالية من الأشعة خلال فترة قصيرة من دقائق قليلة إلى عدة أيام، وتتراوح الأعراض من غثيان وتقيؤ وفقدان الشعر وتغير في تركيب الدم وتغيير في التركيب الوراثي إلى موت سريع، وتظهر الأعراض بعد التعرض مباشرة لجرعات عالية من الأشعة.
بالتأثير البطيء وهذا يحدث نتيجة للتعرض لجرعات منخفضة من الأشعة لفترات طويلة تصل إلى سنوات عديدة، وتتمثل الأعراض في احتمال الإصابة بالسرطان في أحد أعضاء الجسم، ويعرف الزمن المستغرق للتعرض للأشعة بزمن التعرض، وتعرف كمية الأشعة الممتصة بمعدل الجرعة الممتصة من الإشعاع، ويحدث السرطان الناتج من التأثير البطيء نتيجة زمن تعرض طويل مع معدل قليل من الجرعة الممتصة. وقد استخدم العلماء نتائج التعرض لجرعة عالية من الإشعاع لوضع حدود لتعرض الناس بشكل عام وخاصة العاملين في المفاعلات النووية، إن معدل تأثير الإشعاع يزداد طرديا مع معدل الجرعة الممتصة.
ضحايا الإشعاع النووي
وقد تبين أن من واقع البحوث العلمية
والدراسات على ضحايا القنابل النووية في هيروشما ونجازاكي وعلى عمال مناجم اليورانيوم والعاملين في المفاعل النووية أنه عندما يتعرض 1000 «ألف» شخص بواقع 1 ،0 سيفرت «100 ملي سيفرت» لكل منهم فانه يتوفى خمسة إلى سبعة أشخاص بأنواع السرطان المختلفة نتيجة الإشعاع أي بمعدل ستة أشخاص في الألف. وتظهر أعراض اللوكيميا «سرطان الدم» في فترة تتراوح بين 1 إلى 10 سنوات. أما عندما ينخفض مقدار جرعة التعرض إلى01 ،0 سيفرت «10 ملي سيفرت» لكل شخص يصبح معدل الإصابة بينهم 6 «ستة» أشخاص لكل 000 ،10 «عشرة آلاف شخص». وعندما تنخفض الجرعة إلى 001 ،0 سيفرت «1 ملي سيفرت» لكل شخص يصبح معدل الإصابة بالسرطان 6 حالات لكل مائة ألف شخص. ويقل المعدل أكثر بانخفاض مقدار جرعة التعرض. وقد أوضح آخر مؤتمر دولي للإشعاع أن أقل جرعة للتعرض التي يمكن أن يحدث منها ضرر إحصائيا هي 100 ملي سيفرت. وهذا لا يعني أن هذه الجرعة أو أقل لا تسبب مشاكل صحية ولكن إذا وجدت مشاكل فانها ليست بالضرورة من الإشعاع فقط ولكن لأسباب أخرى مختلفة مثل التدخين والبيئة وغيرها.
ويتعرض الناس إلى الإشعاعات المؤينة من خارج الجسم ويسمي التعرض الخارجي، أو من مواد ذات نشاط إشعاعي داخل الجسم ويسمى التعرض الداخلي، ويحدث التعرض الخارجي من مصادر إشعاعية طبيعية أو صناعية، ومن المصادر الإشعاع الطبيعية الفضاء والتربة ومواد البناء من حولنا. ومن العناصر الطبيعية المشعة الموجودة في التربة النظائر المشعة لكل من البوتاسيوم واليورانيوم والراديوم وغيرها، ومن المصادر الإشعاعية الصناعية السماد الكيماوي ومناجم اليورانيوم والمفاعلات النووية والأشعة السينية «X Ray» والمصادر المشعة المستخدمة في تشخيص الأمراض والعلاج، وتعتبر أشعة جاما والأشعة السينية أشعة كهرومغناطيسية مثل الضوء ولكنها تحمل طاقة، وتخترق جسم الإنسان بسرعة الضوء، وخلال مرورها عبر الجسم تفقد جزءا من طاقتها، وهذا ما يحدث أثناء التعرض الخارجي للإشعاع، أما أشعة ألفا وبيتا فعبارة عن جسيمات مشحونة قليلة النفاذية تصطدم بأجسامنا وتفقد طاقتها، وتعتبر أقل خطورة في التعرض الخارجي من أشعة جاما.
عناصر مشعة في أجسامنا
ويحدث التعرض الداخلي نتيجة لاستهلاك مصادر الإشعاع الطبيعي والصناعي، فكل شخص معرض لاستهلاك مصادر مشعة بشكل يومي، من الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي نتناوله والماء الذي نشربه، عناصر مثل البوتاسيوم والكربون والراديوم هي بعض من المصادر الطبيعية المشعة التي تصل إلى داخل أجسامنا، عناصر مشعة صناعية تصل إلى أجسامنا من تلوث طعامنا نتيجة حوادث مفاعلات نووية أو تجارب نووية أو غيرها، وتتراكم العناصر المشعة في أجسامنا إذا كان معدل دخولها الجسم أكثر من مقدار تخلص الجسم منها، كل عنصر مشع يتصرف بطريقه الخاصة والمختلفة عن الآخر داخل أعضاء الجسم، البعض يبقى لفترة قصيرة جدا «إلى عدة أيام» والبعض الآخر قد يبقى مدة طويلة تصل إلى عدة سنوات، وتنطلق من هذه العناصر أشعة ألفا وبيتا وجاما، وتفقد جزيئات ألفا وبيتا طاقتهما داخل الجسم «وهنا تعتبران أشد خطورة من أشعة جاما» بينما تخترق أشعة جاما الجسم وتفقد جزءا من طاقتها خلال مرورها عبر أعضاء الجسم، وعندما تمر الأشعة المختلفة عبر أنسجة الجسم تترك جزءا من طاقتها، ويختلف التلف الذي يصيب أعضاء الجسم حسب قابلية الجسم ونوع الأشعة ما إذا كانت ألفا أو بيتا أو جاما، وقد طور علماء الإشعاع طرقاً عديدة لمعرفة وقياس ما إذا كانت كمية الإشعاع الذي يتعرض له جسم الإنسان يتسبب في ضرر «تلف في عضو من أعضاء الجسم» أو غير مؤثر على أعضاء الجسم، وفي ما يلي بعض الوحدات المستخدمة في الإشعاع:
الجرعة الممتصة: مقدار الجرعة الممتصة «المترسبة» من الطاقة الإشعاعية في كتلة الجسم «1 غرام» وتعرف بالغري Gray Gy».
الجرعة المكافئة: مقدار الطاقة الممتصة «الجرعة الممتصة» من أشعة ألفا أو بيتا أو جاما التي تحدث التأثير البيولوجي في الجسم وتعرف سيفرت Sievert.
مقدار جرعات الإشعاع
وقد حددت منظمة الصحة العالمية مقدار الجرعات التي تفوق التعرض الطبيعي بالتالي:
بالنسبة للتعرض في مكان العمل «العاملين»: ينبغي ألا تتجاوز جرعة الإشعاع الفعلية 20 ميلي سيفرت في السنة في المتوسط لمدة خمس سنوات. أو كمية فعلية تبلغ 50 ميلي سيفرت في السنة الواحدة منفردة، وينبغي ألا تتجاوز كمية التعرض المقابلة لها بالنسبة للأطراف «اليدين والقدمين» أو البشرة 500 ميلي سيفرت.
بالنسبة لتعرض عامة الناس: فينبغي ألا تتجاوز الجرعة الفعلية 1 ميلي سيفرت في السنة الواحدة منفردة، وفي الحالات الاستثنائية. ينبغي ألا تتجاوز كمية التعرض الفعلية 5 ميلي سيفرت في السنة الواحدة المنفردة، أو ألا تتجاوز كمية التعرض الفعلية في المتوسط طيلة 5 سنوات متتالية 1 ميلي سيفرت في السنة الواحدة المنفردة، وينبغي ألا تتجاوز جرعة التعرض المقابلة لها بالنسبة للبشرة 50ميلي سيفرت في السنة، وعندما تصاب مدرعة بقذيفة من اليورانيوم المنضب يتعرض طاقم المدرعة لكميات كبيرة منه كذلك يتعرض الأشخاص الموجودون قرب موقع الإصابة لحظة حدوثها نظراً لحمل الهواء لتركيزات كبيرة من الأبخرة الملوثة.
وجدير بالذكر أن دخول كمية من اليورانيوم المنضب من الاستنشاق التي تعادل تعرض 1 سيفرت هي 125 غرام.
استخدم في الحروب للقضاء السريع على جنود الخصم
يخترق جسم الإنسان بالاستنشاق والبلع ومس الجلد، والكليتان أكثر الأعضاء تأثراً
أدى اعتراف الحكومة الأمريكية باستخدام اليورانيوم المنضب في ترسانتها الحربية وفي الحروب التي شنتها على العراق 1991م والبوسنة 1995م وكذلك في البلقان 1999م إلى وقوع الكثير من الجدل حول خطورة استخدام هذه المادة. والحقيقة أن الحديث عن الإشعاع والعناصر المشعة والمفاعلات النووية وخصوصا اليورانيوم بشكل عام يصيب العالم بالذعر. وقد تسابقت وسائل الإعلام بجميع أنواعها إلى الإسهاب في تناول اليورانيوم المنضب. وتركز الحديث عن اليورانيوم المنضب حول نقطتين: إحداهما تتناول اليورانيوم المنضب بانفعال بالغ وتركز على المشاكل الصحية والبيئية ، أما الثانية فتتناول الدراسات التي تشير الى عدم وجود روابط بينه وبين المشاكل الصحية والبيئية.
وسوف نحاول هنا أن نتناول اليورانيوم المنضب من وجهة النظر العلمية لنتعرف على اليورانيوم المنضب وما المقصود به وما هي مصادره وكيفية استخداماته في الحروب والطرق التي من المرجح أن تؤدي إلى امتصاص جرعة حادة أو مزمنة والمخاطر الصحية من المنظور الإشعاعي وأيضا التسمم الكيميائي؟!.
ما هو اليورانيوم المنضب؟
اليورانيوم معدن ثقيل واسع الانتشار موجود في الطبيعة بعدة أشكال كيميائية مختلفة في جميع أشكال التربة والحجارة والبحار والمحيطات. ويوجد في مياه الشرب والأغذية. كما يوجد في الأسمدة المستخدمة في الزراعة. ويعتبر معدل الاستهلاك اليومي من عنصر اليورانيوم حوالي 9 ،1 ميكرو غرام لكل يوم من الغذاء والماء والهواء المستنشق. كما يحتوي جسم الإنسان في المتوسط على حوالي90 ميكرو غرام من اليورانيوم تتوزع كالتالي:
66% في الجهاز العظمي.
16% في الكبد.
8% في الكليتين.
10% في الأنسجة الأخرى.
اليورانيوم معدن شديد الصلابة وسام كيميائيا مثله مثل المعادن الثقيلة كالرصاص أو أي معدن ثقيل آخر حيث تتسبب هذه المعادن في مشاكل صحية إذا وجدت بكميات كبيرة داخل جسم الإنسان.
اليورانيوم 238 عنصر غير مستقر ويتفكك إلى الثوريوم 234 مع انبعاث جسيم ألفا «وهو عبارة عن نواة ذرة الهليوم». ويتفكك الثوريوم 234 إلى البروتكتينيوم 234مع انبعاث جسيم بيتا ويتكرر التفكك حتى يصل إلى حالة الاتزان حيث يعطي الرصاص 206 المستقر.
ويبلغ العمر النصفي لليورانيوم 238 حوالي 4468 مليون سنة. ويعرف العمرالنصفي للعناصر المشعة بالزمن اللازم لكي ينخفض النشاط الإشعاعي إلى النصف.
أما العمر النصفي اليورانيوم 235 فيبلغ حوالي 704 مليون سنة ويبلغ العمر النصفي لليورانيوم 234 حوالي 248 ألف سنة.
النظائر المكونة لليورانيوم
يتكون اليورانيوم الطبيعي من مزيج من ثلاثة نظائر مشعة هي:
اليورانيوم 238 «27 ،99% حسب الكتلة».
اليورانيوم 235 بنسبة «72 ،0%».
اليورانيوم 234بنسبة «0054 ،0»
ويستخدم اليورانيوم أساسا في توليد الطاقة النووية في المفاعلات النووية، حيث تستخدم المفاعلات النووية اليورانيوم الذي يكون فيه النظير يورانيوم 235 مخصبا بنسبة تتراوح بين 72 ،0% وحوالي 3%. ويسمى الجزء المتبقي بعد إزالة الجزء المخصب باليورانيوم المنضب. ويحتوي اليورانيوم المنضب عادة على التالي:
اليورانيوم 238 بنسبة «8 ،99% حسب الكتلة».
اليورانيوم 235 «2 ،0%».
اليورانيوم234 «0006 ،0%».
كما يحتوي على 60% من إشعاع اليورانيوم الطبيعي للكتلة ذاتها. ويمكن إنتاج اليورانيوم المنضب في إطار إعادة معالجة وقود المفاعلات النووية المستعمل.
ويمكن العثور في هذه الحالة على نظير آخر هو اليورانيوم 236 إلى جانب كميات ضئيلة من العناصر الناتجة عن الانشطار مثل البلوتنيوم والأمريسيوم والنبتنيوم و غيرها. ولا تزيد نسبة الإشعاع من هذه العناصر عن 1% وهي نسبة لا تؤخذ في الاعتبار فيما يتعلق بالنواحي الصحية والتسمم الكيميائي والإشعاعي.
ومما سبق يتضح لنا خطأ التسمية «اليورانيوم المنضب أو المستنفد» الذي يعني للوهلة الأولى أنه لا يحتوي على نشاط إشعاعي وغير خطير.
استخدامات اليورانيوم المنضب
يستعمل اليورانيوم المنضب في العديد من المجالات المدنية في صناعة الأثقال والموازنة للطائرات. كما يستخدم في المستشفيات كواق ضد الإشعاع الصادرمن الأشعة السينية «X Ray» وفي حاويات نقل المواد المشعة.وإذا اخذ في الاعتبار شدة كثافة اليورانيوم المنضب التي تبلغ حوالي ضعف كثافة الرصاص وإلى قدرته على اختراق أقوى الدروع والدبابات وعلى حدته «يجعل نفسه حادا» وهذا ما جعله مناسبا جدا لصناعة الذخائر المصممة لاختراق ألواح التصفيح المستخدمة في الدبابات المعادية كما يستخدم في ألواح التصفيح للدبابات. ويتركز استخدم اليورانيوم المنضب عادة في رأس الذخيرة التي تستخدم لتدمير الدبابات. وفي الوقت الحاضر لا يوجد معدن بديل عنه ويحمل نفس الصفات الاختراقية. ويعتبر اليورانيوم المنضب رخيصا جدا ومتوفرا بكميات كبيرة جدا حتى ان مصانع الذخيرة تحصل عليه بأسعار رمزية.
وهناك أكثر من 15 دولة معروفة تستخدم اليورانيوم المنضب في صناعة الذخائر منها:الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا،روسيا، اليونان، تركيا.
وقد تم استخدام اليورانيوم المنضب لأول مرة بكميات كبيرة في حرب الخليج الثانية«حرب تحرير الكويت». وقد تراوحت الكميات المستخدمة بين 300 إلى 800 طن من اليورانيوم المنضب «حسب مختلف المصادر». بينما أشار تقرير من منظمة الأمم المتحدة للحماية البيئة «UNEP» أن القوات البريطانية والأمريكية قد استخدمت كميات من الذخيرة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب يصل إلى حوالي 2000 طن في حرب الخليج الثالثة. وقد تم استخدام اليورانيوم في حرب الخليج الثالثة وفي مناطق مأهولة بالسكان بخلاف الحرب الثانية.
الخصائص الكيميائية لليورانيوم
عندما تخترق قذيفة من اليورانيوم المنضب صفائح الدبابة المدرعة، ينتج عن ذلك شظايا وغبار من أكسيدات اليورانيوم. ويختلف حجم الشظايا والغبار من الكبيرة التي يمكن رؤيتها إلى الجزيئات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة. ويتم استنشاق الجزيئات الدقيقة من غبار أكسيدات اليورانيوم عبر الجهاز التنفسي ويمكن لهذه الجزيئات أن تقتل الجنود داخل المدرعة في الحال. كما أن هذاالغبار سوف ينتشر حول المدرعة وقد ينتقل بواسطة الهواء، ويعتقد البعض أن هذا الغبار من أكسيدات اليورانيوم يمكن أن يقتل كل الموجودين في ساحة الحرب المجاورة للمدرعة المصابة بقذيفة من اليورانيوم المنضب. والحقيقة أن التجارب العلمية أوضحت أن جزيئات اليورانيوم الدقيقة ليست لها تأثير يذكر على بعد510 أمتار من المدرعة المصابة بقذيفة من اليورانيوم المنضب. ينتقل رذاذ الجزيئات الدقيقة في الهواء حسب قوانين الفيزياء حيث يختلط ويتوزع ويقل تركيزه في الهواء.
كيف يدخل إلى جسم الإنسان؟
ويمكن أن يتعرض الأفراد لليورانيوم عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع أو التماس الجلدي، ويعتبر الاستنشاق اكثر حالات التعرض أثناء أو بعد الحروب، وقد يستنشق اليورانيوم المنضب أثناء اندلاع حريق في مستودع يحتوي ذخيرة مصنعة من اليورانيوم المنضب، ويحدث الابتلاع عند فئات كثيرة من السكان نتيجة تلوث مياه الشرب أو الأغذية باليورانيوم المنضب، ويعتبر التعرض لليورانيوم عن طريق التماس الجلد من أقل الحالات أهمية لأن كمية اليورانيوم المنضب التي تخترق الجلد لتصل إلى الدم تظل قليلة. ولكن يمكن أن يصل إلى الدورة الدموية من خلال الجروح المفتوحة أو من شظايا اليورانيوم المنضب. ويحدد ذوبان اليورانيوم المنضب في الجسم مدى سرعة امتصاص الجسم له سواء من الرئتين أو من الجهاز الهضمي. كما يعتمد على نوع مركبات اليورانيوم وتركيبه الكيميائي، وكما هو معروف فإن جسم الإنسان وسط مائي. ولهذا يتم امتصاص مركبات اليورانيوم المنضب التي تذوب في الماء من خلال الرئتين في فترة لا تتجاوز أياما قليلة، أما مركبات اليورانيوم المنضب التي لا تذوب في الماء فقد يمتصها الجسم خلال شهور أو سنوات.
التأثير الكيميائي
يعتبر اليورانيوم من المواد السامة كيميائيا إذا دخل جسم الإنسان وتم امتصاصه إلى الدم وتوزع على أنسجة الجسم المختلفة. ويدخل اليورانيوم المنضب الجسم على شكل معدن «شظايا» أو مركبات على شكل أكسيدات اليورانيوم المنضب الناتجة عن احتراقه مثل:
ثاني أكسيد ثلاثي اليورانيوم المنضب U3O8 لونه رمادي غامق يتكون عند درجات الحرارة شديدة الارتفاع.
ثاني أكسيد اليورانيوم المنضب UO2 لونه اصفر ويتكون عند درجات حرارة متوسطة الارتفاع.
ثلاثي أكسيد اليورانيوم المنضب UO3.
وتعتبر هذه الأكسيدات غير قابلة للذوبان في الماء بسرعة. ولكنها تذوب ببطء «أسابيع لثلاثي أكسيد اليورانيوم المنضب UO3 وسنوات ثاني أكسيد ثلاثي اليورانيوم المنضب U3O8 وثاني أكسيد اليورانيوم المنضب UO2».
الامتصاص والذوبان
وتعتبر الكلى العضو الأكثر تأثرا باليورانيوم المنضب حيث يؤدي إلى موت و تلف خلايا الكلى وتلفها أو عدم قدرة الكلى على تصفية الدم وتنقيته. وذلك حسب تركيز اليورانيوم. يستنشق الجنود حوالي 95% من جزيئات اليورانيوم المنضب المتطايرة إذا تم قصف مدرعتهم أثناء الحرب، وتترسب جزيئات اليورانيوم المنضب المستنشقة في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي. ومعظم هذه الجزيئات يتم بلعها أو طردها عن طريق الأنف. أما الجزيئات التي يتم امتصاصها فتنتقل إلى الكلى وباقي أعضاء الجسم، وقد أوضحت الدراسات أنه 4 ،6 % فقط من جزيئات اليورانيوم المنضب القابلة للذوبان و3 ،0% فقط من جزيئات اليورانيوم المنضب غير القابلة للذوبان من اليورانيوم المنضب المستنشق يصل إلى الكلى. كما تبين أحدث الدراسات أن الجسم يمتص فقط 2 إلى 5% من اليورانيوم المنضب القابل للذوبان الذي يتم ابتلاعه أما باقي 98 إلى 95% فيتم التخلص منها بسرعة عن طريق الأمعاء، كما أن الجسم يمتص فقط 2 ،0% من اليورانيوم المنضب غير القابل للذوبان الذي يتم ابتلاعه أما باقي 8 ،99% فيتم التخلص منها بسرعة عن طريق الأمعاء.
ويتخلص جسم الإنسان من 90% من اليورانيوم المنضب القابل للذوبان الذي يصل الدم خلال الكلى في غضون أيام قليلة بعد التعرض مباشرة. أما ال 10% الباقية فتترسب في العظام وباقي أعضاء الجسم، ويتم التخلص منها على فترات طويلة، وإذا ما تم استنشاق كمية من أكسيدات اليورانيوم المنضب غير القابلة للذوبان فانها تبقى سنوات طويلة في الرئتين ويتم امتصاصها ببطء إلى الدم ثم تطرد من الجسم عن طريق الكلى «البول».
عموما تؤثر المعادن الثقيلة بشكل عام على الكبد ولكن في جرعات عالية التركيز، وقد تبين من الأبحاث على حيوانات التجارب أن اليورانيوم يسبب مشاكل وتلفا في الكبد إلا أنه لم تسجل أية حالة تلف أو مشاكل للكبد في الإنسان من اليورانيوم المنضب وخصوصا للعاملين على اليورانيوم المنضب المعرضين له أكثر من الجنود في ساحة الحرب.
التأثير الإشعاعي على الصحة
يوجد الإشعاع الطبيعي في كل مكان حولنا ويسمى الإشعاع الطبيعي أو الخلفية الإشعاعية، وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأ استخدام المفاعلات النووية وتقنية الإشعاع مما زاد من مصادر الإشعاع حولنا، واليورانيوم المنضب أحد مصادر الإشعاع الجديدة، وقد اهتم العلماء بهذه المصادر المشعة نظرا لتأثيراتها الصحية الخطرة على الإنسان، وقد حظيت الدراسات في هذا المجال باهتمام بالنظرا لحالة الرعب لدى جميع الفئات من الإشعاع والمفاعلات النووية، ولهذا فقد حدد العلماء الطرق التي يؤثر فيها الإشعاع على جسم الإنسان، وتقدر اللجنة العلمية للأمم المتحدة معدل الجرعة التي يتعرض لها الإنسان بحوالي 2 ،2 مللي سيفرت في السنة الواحدة من الإشعاعات المؤينة الطبيعية. ويمكن قياس مقدارالتعرض للأشعة وكيفية السيطرة على المواد المشعة وطرق الحماية منها.
أنواع التأثير
ويوجد نوعان من التأثيرات الجسمية من الأشعة:
أالتأثير الحاد المباشر: وهذا يحدث نتيجة التعرض لجرعة عالية من الأشعة خلال فترة قصيرة من دقائق قليلة إلى عدة أيام، وتتراوح الأعراض من غثيان وتقيؤ وفقدان الشعر وتغير في تركيب الدم وتغيير في التركيب الوراثي إلى موت سريع، وتظهر الأعراض بعد التعرض مباشرة لجرعات عالية من الأشعة.
بالتأثير البطيء وهذا يحدث نتيجة للتعرض لجرعات منخفضة من الأشعة لفترات طويلة تصل إلى سنوات عديدة، وتتمثل الأعراض في احتمال الإصابة بالسرطان في أحد أعضاء الجسم، ويعرف الزمن المستغرق للتعرض للأشعة بزمن التعرض، وتعرف كمية الأشعة الممتصة بمعدل الجرعة الممتصة من الإشعاع، ويحدث السرطان الناتج من التأثير البطيء نتيجة زمن تعرض طويل مع معدل قليل من الجرعة الممتصة. وقد استخدم العلماء نتائج التعرض لجرعة عالية من الإشعاع لوضع حدود لتعرض الناس بشكل عام وخاصة العاملين في المفاعلات النووية، إن معدل تأثير الإشعاع يزداد طرديا مع معدل الجرعة الممتصة.
ضحايا الإشعاع النووي
وقد تبين أن من واقع البحوث العلمية
والدراسات على ضحايا القنابل النووية في هيروشما ونجازاكي وعلى عمال مناجم اليورانيوم والعاملين في المفاعل النووية أنه عندما يتعرض 1000 «ألف» شخص بواقع 1 ،0 سيفرت «100 ملي سيفرت» لكل منهم فانه يتوفى خمسة إلى سبعة أشخاص بأنواع السرطان المختلفة نتيجة الإشعاع أي بمعدل ستة أشخاص في الألف. وتظهر أعراض اللوكيميا «سرطان الدم» في فترة تتراوح بين 1 إلى 10 سنوات. أما عندما ينخفض مقدار جرعة التعرض إلى01 ،0 سيفرت «10 ملي سيفرت» لكل شخص يصبح معدل الإصابة بينهم 6 «ستة» أشخاص لكل 000 ،10 «عشرة آلاف شخص». وعندما تنخفض الجرعة إلى 001 ،0 سيفرت «1 ملي سيفرت» لكل شخص يصبح معدل الإصابة بالسرطان 6 حالات لكل مائة ألف شخص. ويقل المعدل أكثر بانخفاض مقدار جرعة التعرض. وقد أوضح آخر مؤتمر دولي للإشعاع أن أقل جرعة للتعرض التي يمكن أن يحدث منها ضرر إحصائيا هي 100 ملي سيفرت. وهذا لا يعني أن هذه الجرعة أو أقل لا تسبب مشاكل صحية ولكن إذا وجدت مشاكل فانها ليست بالضرورة من الإشعاع فقط ولكن لأسباب أخرى مختلفة مثل التدخين والبيئة وغيرها.
ويتعرض الناس إلى الإشعاعات المؤينة من خارج الجسم ويسمي التعرض الخارجي، أو من مواد ذات نشاط إشعاعي داخل الجسم ويسمى التعرض الداخلي، ويحدث التعرض الخارجي من مصادر إشعاعية طبيعية أو صناعية، ومن المصادر الإشعاع الطبيعية الفضاء والتربة ومواد البناء من حولنا. ومن العناصر الطبيعية المشعة الموجودة في التربة النظائر المشعة لكل من البوتاسيوم واليورانيوم والراديوم وغيرها، ومن المصادر الإشعاعية الصناعية السماد الكيماوي ومناجم اليورانيوم والمفاعلات النووية والأشعة السينية «X Ray» والمصادر المشعة المستخدمة في تشخيص الأمراض والعلاج، وتعتبر أشعة جاما والأشعة السينية أشعة كهرومغناطيسية مثل الضوء ولكنها تحمل طاقة، وتخترق جسم الإنسان بسرعة الضوء، وخلال مرورها عبر الجسم تفقد جزءا من طاقتها، وهذا ما يحدث أثناء التعرض الخارجي للإشعاع، أما أشعة ألفا وبيتا فعبارة عن جسيمات مشحونة قليلة النفاذية تصطدم بأجسامنا وتفقد طاقتها، وتعتبر أقل خطورة في التعرض الخارجي من أشعة جاما.
عناصر مشعة في أجسامنا
ويحدث التعرض الداخلي نتيجة لاستهلاك مصادر الإشعاع الطبيعي والصناعي، فكل شخص معرض لاستهلاك مصادر مشعة بشكل يومي، من الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي نتناوله والماء الذي نشربه، عناصر مثل البوتاسيوم والكربون والراديوم هي بعض من المصادر الطبيعية المشعة التي تصل إلى داخل أجسامنا، عناصر مشعة صناعية تصل إلى أجسامنا من تلوث طعامنا نتيجة حوادث مفاعلات نووية أو تجارب نووية أو غيرها، وتتراكم العناصر المشعة في أجسامنا إذا كان معدل دخولها الجسم أكثر من مقدار تخلص الجسم منها، كل عنصر مشع يتصرف بطريقه الخاصة والمختلفة عن الآخر داخل أعضاء الجسم، البعض يبقى لفترة قصيرة جدا «إلى عدة أيام» والبعض الآخر قد يبقى مدة طويلة تصل إلى عدة سنوات، وتنطلق من هذه العناصر أشعة ألفا وبيتا وجاما، وتفقد جزيئات ألفا وبيتا طاقتهما داخل الجسم «وهنا تعتبران أشد خطورة من أشعة جاما» بينما تخترق أشعة جاما الجسم وتفقد جزءا من طاقتها خلال مرورها عبر أعضاء الجسم، وعندما تمر الأشعة المختلفة عبر أنسجة الجسم تترك جزءا من طاقتها، ويختلف التلف الذي يصيب أعضاء الجسم حسب قابلية الجسم ونوع الأشعة ما إذا كانت ألفا أو بيتا أو جاما، وقد طور علماء الإشعاع طرقاً عديدة لمعرفة وقياس ما إذا كانت كمية الإشعاع الذي يتعرض له جسم الإنسان يتسبب في ضرر «تلف في عضو من أعضاء الجسم» أو غير مؤثر على أعضاء الجسم، وفي ما يلي بعض الوحدات المستخدمة في الإشعاع:
الجرعة الممتصة: مقدار الجرعة الممتصة «المترسبة» من الطاقة الإشعاعية في كتلة الجسم «1 غرام» وتعرف بالغري Gray Gy».
الجرعة المكافئة: مقدار الطاقة الممتصة «الجرعة الممتصة» من أشعة ألفا أو بيتا أو جاما التي تحدث التأثير البيولوجي في الجسم وتعرف سيفرت Sievert.
مقدار جرعات الإشعاع
وقد حددت منظمة الصحة العالمية مقدار الجرعات التي تفوق التعرض الطبيعي بالتالي:
بالنسبة للتعرض في مكان العمل «العاملين»: ينبغي ألا تتجاوز جرعة الإشعاع الفعلية 20 ميلي سيفرت في السنة في المتوسط لمدة خمس سنوات. أو كمية فعلية تبلغ 50 ميلي سيفرت في السنة الواحدة منفردة، وينبغي ألا تتجاوز كمية التعرض المقابلة لها بالنسبة للأطراف «اليدين والقدمين» أو البشرة 500 ميلي سيفرت.
بالنسبة لتعرض عامة الناس: فينبغي ألا تتجاوز الجرعة الفعلية 1 ميلي سيفرت في السنة الواحدة منفردة، وفي الحالات الاستثنائية. ينبغي ألا تتجاوز كمية التعرض الفعلية 5 ميلي سيفرت في السنة الواحدة المنفردة، أو ألا تتجاوز كمية التعرض الفعلية في المتوسط طيلة 5 سنوات متتالية 1 ميلي سيفرت في السنة الواحدة المنفردة، وينبغي ألا تتجاوز جرعة التعرض المقابلة لها بالنسبة للبشرة 50ميلي سيفرت في السنة، وعندما تصاب مدرعة بقذيفة من اليورانيوم المنضب يتعرض طاقم المدرعة لكميات كبيرة منه كذلك يتعرض الأشخاص الموجودون قرب موقع الإصابة لحظة حدوثها نظراً لحمل الهواء لتركيزات كبيرة من الأبخرة الملوثة.
وجدير بالذكر أن دخول كمية من اليورانيوم المنضب من الاستنشاق التي تعادل تعرض 1 سيفرت هي 125 غرام.