الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لو قدّر لأحدنا أن يسلك طريقاً فيه شوك، لعدل عن الشوك أو جاوزه أو قصر عنه.
ولو أن أحدنا خيّر بين طريقين: عسير ويسير، سهل وصعب، وكان اليسير على أحب وأرضى ما يكون، وكان العسير على أسوأ ما يكون، لسلك العاقل اللبيب سبل اليسر والسلامة، ولحاول الأحمق سلوك غير هذا السبيل..
بل لو حمل أحدنا إناءً حاراً لاتخذ له وقاية تقيه من حرارة هذا الإناء، ولعمل كل ما في وسعه لجلب السلامة له، ودفع المضرة عنه.
ولو قال قائل: لا حاجة للوقاية من حر الإناء.. لقلنا: هذا جنون وسفه، فلو طلب من أحدنا المشي على أرض ذات شوك لشمّر واجتهد في السير.
فلو تهاون في ذلك خسر آلة المشي، ولو وقف قصر دون حاجته، ولو لبس واقياً من حذاء ونحوه، بلغ غايته وما قصّر، ولجاوز الشوك، وما تأثر..
فتلك هي تقوى الله. نعم؛ تلك هي تقوى الله.
أيها المبارك: إنه نجيّك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، ومن أنت بعينه، ومن لا تخرج عن سلطانه، ومن لا ملك إلا ملكه ولا رادّ لفضله، ولا مانع لما أعطى، ومن لا معطي لما منع.. إنه لحقيق بأن تجعل بينك وبين عذابه وقاية وحرزاً، ولا وقاية ولا حرز خير من ترك ما حرّم وامتثال ما أمره، فتقوى الله بترك المحرمات، وفعل الطاعات، والتقوى الهرب من النار وأسباب دخولها، والعمل بأسباب دخول الجنة..
بل هي: الصراط المستقيم..
وهي: الإيمان والعمل الصالح..
وهي: العلم النافع والعمل الصالح..
وهي: العمل بالمأمور وترك المحظور..
وهي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية..
وهي: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل..
وهي: ترك الذنوب أجمع..
بل وهي: أن يكون الله نصب عينيك..
خلّ الذنوب كبيرها *** وصغيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض *** والشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة *** إن الجبال من الحصى
أوصى المعصوم معاذ بن جبل فقال له:
{ اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن }
[رواه الترمذي وأحمد].
ووصيته لرجل واحد وصية للأمة أجمع.. يقول الله عز وجل وهو أغنى الأغنياء عن الخلق.. موصياً وموجهاً للناس أجمع:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
[النساء:1].
وقد ورد الأمر بالتقوى في القرآن ( 79) مرة يأمر الله عباده باتباع أوامره واجتناب نواهيه.. ويأمرهم بالتقوى.. بل والله وإن الشجاعة كل الشجاعة في تقوى الله والطاعة..
اتق الله فتقوى الله ما *** جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً *** إنما من يتق الله البطل
إنها أهم من اللباس الحسي.. بل وهي خير لباس
وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]،
وهي أكثر ما يدخل الناس الجنة.. وعندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال :
{ تقوى الله وحسن الخلق }
[رواه الترمذي وحسنه الألباني].
فيا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل..
امتنّ على العبد الضعيف بتوبة صادقة، وخشية لك يا رب، وتقوى.
فالمتقون في جنات وعيون.
وإن أهل التقوى هم وربي أهل الكرامة.
هم أهل السعادة الحقيقية في الدارين.
هم أهل العلم والخشية.
هم أهل المعية..
إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
[النحل:128]،
معية توفيق وتسديد، ونصرة وتأييد وإعانة وحماية.
أهل التقوى هم أهل المكانة العالية عند الله عز وجل..
يقول عز وجل:
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212].
وهم أهل الانتفاع بالذكرى والموعظة والقرآن الكريم..
قال جل وعز:
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:2،1].
وهم أهل العلم النافع والعمل الصالح.. يقول تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [البقرة:282]،
فمن اتقى الله فتح على قلبه ولبّه فعلمه واستعمله في طاعته.
بل أهل التقوى هم أهل الجنة..
هم أهل النعيم المقيم والسعادة الأبدية.. يقول عز وجل:
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
[آل عمران:15].
فهم أهل الدرجات، يحشرون إلى الرحمن وفداً، وتقرب لهم الجنة، ولهم الغرف المبنية يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، ولهم المقام الأمين ولهم مقعد صدق عند الله يحبهم الرحمن.. قال جل وعز:
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:7].
فهل حرصت أيها المبارك على ذلك..؟؟
إن الناظر بعين البصيرة إلى حاله.. ليرى ما يسؤوه إلا من رحم الله.
إنه ليرى التقصير.. كل التقصير.. ولكن السعيد كل السعادة من اغتنم أوقات حياته، وأعدّ واستعدّ، وعلم علماً يقيناً أنه مقبل على ربه.. ماثل بين يديه.. مطلع على كل ما قدم..
ألا وإن من اغتنام أوقات الحياة معرفة ماهية التقوى، وما ثمراتها وفوائدها التي يجنيها صاحبها منها.. ألا وإن من أعظم ثمراتها قبول الأعمال الصالحات
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
وكذلك توفيق صاحبها للتفريق بين الحق والباطل قال جل وعز:
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [الأنفال:29].
وكذلك الفوز بولاية الله جل وعز:
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ
[الجاثية:19].
وكذلك السلامة والأمن من الخوف والحزن
فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
[الأعراف:35].
والتقوى تفتح على صاحبها البركات من الأرض والسماوات، وتنزّل الرحمات
وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
والتقوى حماية للإنسان من نزع الشيطان، وصون له، وبشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لكلمات الله وذلك هو الفوز العظيم.. والعاقبة لهم:
إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].
وهي المخرج من الفتن، بها لفرج، وبها الرزق، وبها السعادة يقول الله عز وجل:
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
[الطلاق:3،2].
وهي وربي الكرامة كل الكرامة:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]،
وهذه الكرامة يقررها الرب جل وعز.. لا منظمة بشرية.. ولا هيئة عالمية.. ولا كيان أرضي، لكن يقررها من خلق هذه النفس البشرية فسواها.. وألهمها فجورها وتقواها.
فويل لمن دساها، ويا سعادة من زكاها بتقوى مولاها.
أيها المبارك: أسألك بمن شق سمعك وبصرك:
ألا تحب أن تكون بطلاً؟؟
ألا تحب أن تحشر مع أهل التقوى..؟؟
ألا تحب أن تكون من أهل الكرامة عند الله..؟؟
ألا تحب أن تكون لك عند الله الحسنى..؟؟
ألا تحب أن تكون سعيداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى..؟؟
ألا تحب أن تنادى يوم القيامة مع أهل التقوى، فتقوم في كنف الرحمن..؟؟
ألا تحب أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله..؟؟
ألا تحب أن يجعل لك ربك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية..؟؟
ألا تحب أن يقبل عملك عند ربك..؟؟
ألا تحب ذلك كله..؟؟
كأني بك تقول: بلى، بلى، ومن لا يحب ذلك؟!
إذن أيها المبارك: عجل بالانتظام في سلك أهل التقوى، والاعتصام من الله بالعروة الوثقى، جعلنا الله وإياك من المتقين، وصرف عنا وعنك شرور الشياطين..
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فإن أهل التقوى هم الأبطال حقاً، وأخيرا، وليس آخراً.. فلا يزال أحدنا عبداً عند سيده، ومولاه، والسيد هو الله، والله يقول للأولين والآخرين:
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ [النساء:131].
والرسول يوصينا فيقول:
{ اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم }
[رواه الترمذي وأحمد].
أيها المبارك: بعد هذا كله.. أسألك سؤالاً واحداً فقط.
هل عرفت كيف تكون بطلاً؟
أترك لك الجواب.. نعم أتركه لك أنت.. وفي هذه اللحظات أرفع لك، ولك قارئ الأعلام البيضاء.. معلنا الاستسلام أمام هذا الموضوع.
فهو وربي موضوع هام للغاية جداً، وليس لمثلي أن يخوض فيه، ولكنها وصية مشفق، ونصيحة محب لك يحب لك الخير كما يحبه لنفسه.
إي والذي برأ النسمة، وفلق الحبة، ولكن الموضوع طويل جدّ طويل.. أكتفي منه بعلالة كعلالة الظمآن، وإلماحة كإلماحة المنذر المحذر..
تم المقصود فيما مضى وتقدم، وأختم الكلام بقول الأول:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي الناس وهو سقيم
تمّ ما تمّ، وكتب ما تقدم على عجل بين، وخلل واضح،
راجياً من الله الستر والعافية في الدارين، وأن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يبارك في أعمارنا وأوقاتنا وأعمالنا،
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والمتابعة لسيد ولد آدم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،
وأن يحشرنا وإياكم في زمرة المتقين، والله أعلى وأعلم، ونسبة العلم إليه أسلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لو قدّر لأحدنا أن يسلك طريقاً فيه شوك، لعدل عن الشوك أو جاوزه أو قصر عنه.
ولو أن أحدنا خيّر بين طريقين: عسير ويسير، سهل وصعب، وكان اليسير على أحب وأرضى ما يكون، وكان العسير على أسوأ ما يكون، لسلك العاقل اللبيب سبل اليسر والسلامة، ولحاول الأحمق سلوك غير هذا السبيل..
بل لو حمل أحدنا إناءً حاراً لاتخذ له وقاية تقيه من حرارة هذا الإناء، ولعمل كل ما في وسعه لجلب السلامة له، ودفع المضرة عنه.
ولو قال قائل: لا حاجة للوقاية من حر الإناء.. لقلنا: هذا جنون وسفه، فلو طلب من أحدنا المشي على أرض ذات شوك لشمّر واجتهد في السير.
فلو تهاون في ذلك خسر آلة المشي، ولو وقف قصر دون حاجته، ولو لبس واقياً من حذاء ونحوه، بلغ غايته وما قصّر، ولجاوز الشوك، وما تأثر..
فتلك هي تقوى الله. نعم؛ تلك هي تقوى الله.
أيها المبارك: إنه نجيّك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، ومن أنت بعينه، ومن لا تخرج عن سلطانه، ومن لا ملك إلا ملكه ولا رادّ لفضله، ولا مانع لما أعطى، ومن لا معطي لما منع.. إنه لحقيق بأن تجعل بينك وبين عذابه وقاية وحرزاً، ولا وقاية ولا حرز خير من ترك ما حرّم وامتثال ما أمره، فتقوى الله بترك المحرمات، وفعل الطاعات، والتقوى الهرب من النار وأسباب دخولها، والعمل بأسباب دخول الجنة..
بل هي: الصراط المستقيم..
وهي: الإيمان والعمل الصالح..
وهي: العلم النافع والعمل الصالح..
وهي: العمل بالمأمور وترك المحظور..
وهي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية..
وهي: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل..
وهي: ترك الذنوب أجمع..
بل وهي: أن يكون الله نصب عينيك..
خلّ الذنوب كبيرها *** وصغيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض *** والشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة *** إن الجبال من الحصى
أوصى المعصوم معاذ بن جبل فقال له:
{ اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن }
[رواه الترمذي وأحمد].
ووصيته لرجل واحد وصية للأمة أجمع.. يقول الله عز وجل وهو أغنى الأغنياء عن الخلق.. موصياً وموجهاً للناس أجمع:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
[النساء:1].
وقد ورد الأمر بالتقوى في القرآن ( 79) مرة يأمر الله عباده باتباع أوامره واجتناب نواهيه.. ويأمرهم بالتقوى.. بل والله وإن الشجاعة كل الشجاعة في تقوى الله والطاعة..
اتق الله فتقوى الله ما *** جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً *** إنما من يتق الله البطل
إنها أهم من اللباس الحسي.. بل وهي خير لباس
وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]،
وهي أكثر ما يدخل الناس الجنة.. وعندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال :
{ تقوى الله وحسن الخلق }
[رواه الترمذي وحسنه الألباني].
فيا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل..
امتنّ على العبد الضعيف بتوبة صادقة، وخشية لك يا رب، وتقوى.
فالمتقون في جنات وعيون.
وإن أهل التقوى هم وربي أهل الكرامة.
هم أهل السعادة الحقيقية في الدارين.
هم أهل العلم والخشية.
هم أهل المعية..
إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
[النحل:128]،
معية توفيق وتسديد، ونصرة وتأييد وإعانة وحماية.
أهل التقوى هم أهل المكانة العالية عند الله عز وجل..
يقول عز وجل:
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212].
وهم أهل الانتفاع بالذكرى والموعظة والقرآن الكريم..
قال جل وعز:
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:2،1].
وهم أهل العلم النافع والعمل الصالح.. يقول تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [البقرة:282]،
فمن اتقى الله فتح على قلبه ولبّه فعلمه واستعمله في طاعته.
بل أهل التقوى هم أهل الجنة..
هم أهل النعيم المقيم والسعادة الأبدية.. يقول عز وجل:
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
[آل عمران:15].
فهم أهل الدرجات، يحشرون إلى الرحمن وفداً، وتقرب لهم الجنة، ولهم الغرف المبنية يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، ولهم المقام الأمين ولهم مقعد صدق عند الله يحبهم الرحمن.. قال جل وعز:
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:7].
فهل حرصت أيها المبارك على ذلك..؟؟
إن الناظر بعين البصيرة إلى حاله.. ليرى ما يسؤوه إلا من رحم الله.
إنه ليرى التقصير.. كل التقصير.. ولكن السعيد كل السعادة من اغتنم أوقات حياته، وأعدّ واستعدّ، وعلم علماً يقيناً أنه مقبل على ربه.. ماثل بين يديه.. مطلع على كل ما قدم..
ألا وإن من اغتنام أوقات الحياة معرفة ماهية التقوى، وما ثمراتها وفوائدها التي يجنيها صاحبها منها.. ألا وإن من أعظم ثمراتها قبول الأعمال الصالحات
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
وكذلك توفيق صاحبها للتفريق بين الحق والباطل قال جل وعز:
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [الأنفال:29].
وكذلك الفوز بولاية الله جل وعز:
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ
[الجاثية:19].
وكذلك السلامة والأمن من الخوف والحزن
فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
[الأعراف:35].
والتقوى تفتح على صاحبها البركات من الأرض والسماوات، وتنزّل الرحمات
وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
والتقوى حماية للإنسان من نزع الشيطان، وصون له، وبشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لكلمات الله وذلك هو الفوز العظيم.. والعاقبة لهم:
إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].
وهي المخرج من الفتن، بها لفرج، وبها الرزق، وبها السعادة يقول الله عز وجل:
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
[الطلاق:3،2].
وهي وربي الكرامة كل الكرامة:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]،
وهذه الكرامة يقررها الرب جل وعز.. لا منظمة بشرية.. ولا هيئة عالمية.. ولا كيان أرضي، لكن يقررها من خلق هذه النفس البشرية فسواها.. وألهمها فجورها وتقواها.
فويل لمن دساها، ويا سعادة من زكاها بتقوى مولاها.
أيها المبارك: أسألك بمن شق سمعك وبصرك:
ألا تحب أن تكون بطلاً؟؟
ألا تحب أن تحشر مع أهل التقوى..؟؟
ألا تحب أن تكون من أهل الكرامة عند الله..؟؟
ألا تحب أن تكون لك عند الله الحسنى..؟؟
ألا تحب أن تكون سعيداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى..؟؟
ألا تحب أن تنادى يوم القيامة مع أهل التقوى، فتقوم في كنف الرحمن..؟؟
ألا تحب أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله..؟؟
ألا تحب أن يجعل لك ربك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية..؟؟
ألا تحب أن يقبل عملك عند ربك..؟؟
ألا تحب ذلك كله..؟؟
كأني بك تقول: بلى، بلى، ومن لا يحب ذلك؟!
إذن أيها المبارك: عجل بالانتظام في سلك أهل التقوى، والاعتصام من الله بالعروة الوثقى، جعلنا الله وإياك من المتقين، وصرف عنا وعنك شرور الشياطين..
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فإن أهل التقوى هم الأبطال حقاً، وأخيرا، وليس آخراً.. فلا يزال أحدنا عبداً عند سيده، ومولاه، والسيد هو الله، والله يقول للأولين والآخرين:
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ [النساء:131].
والرسول يوصينا فيقول:
{ اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم }
[رواه الترمذي وأحمد].
أيها المبارك: بعد هذا كله.. أسألك سؤالاً واحداً فقط.
هل عرفت كيف تكون بطلاً؟
أترك لك الجواب.. نعم أتركه لك أنت.. وفي هذه اللحظات أرفع لك، ولك قارئ الأعلام البيضاء.. معلنا الاستسلام أمام هذا الموضوع.
فهو وربي موضوع هام للغاية جداً، وليس لمثلي أن يخوض فيه، ولكنها وصية مشفق، ونصيحة محب لك يحب لك الخير كما يحبه لنفسه.
إي والذي برأ النسمة، وفلق الحبة، ولكن الموضوع طويل جدّ طويل.. أكتفي منه بعلالة كعلالة الظمآن، وإلماحة كإلماحة المنذر المحذر..
تم المقصود فيما مضى وتقدم، وأختم الكلام بقول الأول:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي الناس وهو سقيم
تمّ ما تمّ، وكتب ما تقدم على عجل بين، وخلل واضح،
راجياً من الله الستر والعافية في الدارين، وأن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يبارك في أعمارنا وأوقاتنا وأعمالنا،
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والمتابعة لسيد ولد آدم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،
وأن يحشرنا وإياكم في زمرة المتقين، والله أعلى وأعلم، ونسبة العلم إليه أسلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم