[FONT=Arial (Arabic)]مسئول إيطالي سابق يكشف لـالأهرام
أسرار خطف أكيلي لاورو والطائرة المصرية عام1985
كراكسي ومبارك استخدما الحادثتين
لوضع ريجان علي طريق الحوار مع الفلسطينيين
إيطاليا رفضت اقتحام قوة دلتا الطائرة
وأعلنت حالة الحرب للرد علي أي هجوم[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]أجري الحديث : محمد عبدالهادي[/FONT]
[SIZE=-1][FONT=Arial (Arabic)]بادينى يتوسط مبارك وكراكسى[/FONT][/SIZE][FONT=Arial (Arabic)]تشكل قضية خطف السفينة الإيطالية أكيلي لاورو من جانب مسلحين فلسطينيين في أكتوبر1985, وما تبع ذلك من خطف الولايات المتحدة الطائرة المصرية التي كانت تقل الخاطفين إلي تونس لتسليمهم إلي منظمة التحرير الفلسطينية إلي مطار سيكونيلا بالقاعدة الجوية التابعة لحلف الناتو في جزيرة صقلية علامة فارقة في القضية الفلسطينية, فقد كان علي قيادة المنظمة بزعامة ياسر عرفات الاختيار بين استمرار رفع راية الكفاح المسلح أو إعلان نبذ العمليات الفدائية وقبول القرار242 لضمان فتح الولايات المتحدة حوارا معها تمهيدا لبدء عملية تسوية سياسية.
ولايزال يكتنف خلفيات الحادثتين ومجرياتهما الغموض والأسرار, لاسيما الدور الكبير الذي لعبه رئيس وزراء إيطاليا وقتها بتينو كراكسي بالتنسيق مع الرئيس حسني مبارك لابراز الحادثتين باعتبارهما نتاج استمرار معاناة الشعب الفلسطيني من الذل والمهانة علي يد إسرائيل, ولوضع أمريكا علي طريق الاعتراف بالمنظمة وفتح حوار معها( بدأ في تونس عام1988) تمهيدا لبدء عملية تسوية. ويكشف المستشار السياسي لرئيس الحكومة الإيطالية سفير إيطاليا السابق لدي مصر أنطوني باديني ـ الذي كلفه كراكسي متابعة الأزمة ومنحه الرئيس مبارك أخيرا وسام الجمهورية ـ في حديث مع الأهرام الكثير من الأسرار التي سيتضمنها كتاب سيصدره قريبا حول قضية خطف الطائرة المصرية, لاسيما رفض كراكسي خطف الأمريكان الطائرة المصرية ورفضه اقتحام قوة دلتا لها, إلي حد إعلان حالة الطوارئ وتكليف القوات المسلحة الإيطالية التصدي لأي هجوم أمريكي علي الطائرة وسماحه بعودتها سالمة إلي مصر, وكذلك تهديد واشنطن بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا.. وكيف رفع كراكسي ثمن موقفه بالعيش لاجئا سياسيا بقية حياته في تونس.
فيما يلي نص الحديث:
* كيف بدأت الأزمة؟
{ هذه الأزمة دارت رحاها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر1985 وتتعلق بواقعتي خطف. بدأت الأولي عندما اختطف أربعة فلسطينيين تابعين لجبهة التحرير العربية بزعامة محمد أبوالعباس الباخرة الإيطالية أكيلي لاورو من البحر المتوسط بغرض التوجه بها إلي ميناء أشدود الإسرائيلي لتنفيذ عملية فدائية وذلك في الرابع من شهر أكتوبر, والثانية عندما اختطفت الولايات المتحدة الأمريكية طائرة رسمية مصرية كان علي متنها أبوالعباس ومساعده والخاطفون ومصريون يحملون الصفة الدبلوماسية وبعض أفراد الحراسة.
وكانت مصر نجحت في إنهاء عملية اختطاف السفينة التي رست في ميناء بورسعيد بعد اكتشاف طاقم السفينة وجود أسلحة مع الخاطفين وحدوث صدامات عليها وقيام أحد الخاطفين بقتل راكب أمريكي علي متنها, فأجهضت العملية وسلم الخاطفون أنفسهم إلي السلطات المصرية التي قررت تسليمهم إلي منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وحملتهم الطائرة إلي هناك. وقد كان يتعين هبوط الطائرة في تونس إلا أن السلطات هناك رفضت هبوطها فظلت الطائرة تحلق في الجو بحثا عن مطار قريب للهبوط واتجهت إلي اليونان حيث رفضت السلطات هناك أيضا هبوطها. وفي هذه الأثناء قامت طائرات أمريكية بقطع مسار الطائرة واجبارها علي الهبوط في مطار سيكونيلا التابع لإحدي قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية بعدما وافقت السلطات الإيطالية علي طلبهم إذنا بالهبوط. وفور هبوط الطائرة المصرية حاصرتها قوات أمريكية دلتا بهدف اعتقال أبوالعباس ورفاقه فيما عدا المصريين ـ ونقلهم إلي طائرة أمريكية موجودة علي أرض المطار لنقلهم إلي الولايات المتحدة.
* ماذا عن موقف رئيس الحكومة الإيطالية زعيم الحزب الاشتراكي بتينو كراكسي؟
{ رفض كراكسي رفضا قاطعا اقتحام الطائرة المصرية أو اعتقال أي شخص علي متنها وأبلغ الأمريكيين أن موافقته علي هبوط الطائرة لم تقترن أي تعهدات أو التزامات بشأن مصير ركاب الطائرة.
* هل اتصل كراكسي بالرئيس مبارك وماذا جري فيه؟
{ نعم اتصل كراكسي بالحكومة المصرية وأبلغها بأن الطائرة تتمتع بحماية دبلوماسية وأن أي أعتداء عليها أو أي استخدام للعنف سيعد عدوانا علي مصر. ووافقت علي نزول الخاطفين الأربعة من الطائرة ووضعهم تحت تصرف السلطات القضائية الإيطالية فقط. أما بالنسبة لأبوالعباس ومساعده الذي لم نعرف حتي الآن هويته فقد طلبت مصر إعادتهما إليها علي متن الطائرة.
* وكيف تعاملت إيطاليا مع الأمر في ضوء ذلك؟
{ لقد بدأت إيطاليا منذ هذه اللحظة الصراع مع الولايات المتحدة ومقاومة طلباتها, فبينما كانت الاتصالات المصرية ـ الإيطالية جارية, اتصل الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بكراكسي وطلب منه أن يسمح بنقل كل الموجودين علي متن الطائرة ماعدا المصريين إلي الولايات المتحدة بدعوي قتلهم مواطنا أمريكيا, ولم تعترف واشنطن بالحماية الدبلوماسية وقرروا منذ البداية التعامل مع الموضوع باعتباره عملية إرهابية فقد عينوا أنفسهم قضاة وحيدين. لكن كراكسي رفض وأبلغ ريجان أنه اتفق مع المصريين علي وضع الخاطفين الأربعة تحت تصرف السلطات القضائية الإيطالية وأنه لن يسلم أي شخص للولايات المتحدة, وأن السلطات ستقوم بالتحقيق في بعض الأمور وإجراء التحريات اللازمة, وكان موقف كراكسي أن القضية بالأساس سياسية تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني المهدرة, وتمسكت إيطاليا بالقانون الدولي الذي يعطي الحق لها في تولي التحقيق لأن السفينة إيطالية وبضرورة أن يحترم الناتو القانون الدولي.
* كيف كان رد فعل الجانب الأمريكي؟
{ حاصرت قوات دلتاالطائرة بهدف اعتقال كل من كانوا علي متنها ونقلهم للولايات المتحدة.. وبدأت أزمة خطيرة.
* كيف أدارت حكومة كراكسي هذه الأزمة؟
{ لقد صدرت الأوامر للقوات الإيطالية بالقاعدة بحصار القوات الأمريكية والطائرة التي كانت مستعدة لنقل الخاطفين, وأنذرتها بمغادرة المكان وعدم المساس بالطائرة المصرية, فقام الجانب الأمريكي بتدعيم قواته بقوة أكبر حاصرت القوات الإيطالية. فصدرت الأوامر باستدعاء الكارابينيري أي قوات الشرطة العسكرية الإيطالية, وتم إعلان حالة الطوارئ ورفع درجة الجاهزية للقوات كما لو كانت حالة حرب. عندئذ اضطر القائد العسكري الأمريكي لقوة دلتا لاتخاذ قرار الانسحاب من المطار لتجنب مخاطر مواجهة عسكرية إيطالية ـ أمريكية.. وانتقلت الأزمة عندئذ إلي أزمة سياسية بين البلدين.
* هنا يظهر دور أنطوني باديني المستشار السياسي لكراكسي؟
{ لقد كلفني كراكسي بالتوجه إلي مطار سيكونيلا حيث أعددت تقريرا للحكومة حول الواقعة أرسلته إلي السلطات القضائية, وجوهر ما كتبته في التقرير هو أنه ليس هناك أدلة أو وقائع تبرر التحفظ علي أبوالعباس. ونصحت الحكومة بإطلاق سراحه حيث كان يتمتع بالحماية الدبلوماسية من جانب مصر. ووافقت الحكومة علي ما جاء في التقرير. وتم رفض تسليمه للأمريكان.
* لكن كانت هناك مخاوف من أن يخطف الأمريكان الطائرة مرة أخري من الجو بعد إقلاعها في طريقها إلي مصر وعلي متنها أبوالعباس والدبلوماسيون المصريون.. ماذا فعلتم؟
{ نعم كانت هناك محاوف لدينا من ذلك, ووضعنا خطة لاجهاض مثل هذا الأمر حيث قمنا بنقل الطائرة المصرية من مطار سيكونيلا إلي مطار روما وتابعت طائرات أمريكية مسارها وهبطت علي بعد مائة متر منها.
* ماهي تفاصيل هذه الخطة التي كنت شاهدا علي تنفيذها؟
{ إنها تبدو وكأنها فيلم من أفلام جيمس بوند.. فقد تم تكليف القوات الإيطالية بمطار روما والشرطة العسكرية بعمل درع بشري حول الطائرة المصرية, ثم قام شخصا بتمثيل دور أبوالعباس وهبط من الطائرة حيث تم نقله إلي سيارة ضمن موكب( تشريفة) ضم12 سيارة. وكلفنا شخص بأن يمثل دور عميل وابلاغ الجانب الأمريكي بأن الإيطاليين سينقلون أبوالعباس إلي الأكاديمية المصرية بروما التي كان يرأسها آنذاك فاروق حسني وزير الثقافة فتتبع الأمريكان الموكب لمحاولة اصطياد أبوالعباس بينما أبوالعباس كان لايزال علي متن الطائرة. في نفس الوقت كانت هناك طائرة تابعة للخطوط الجوية اليوجوسلافية رابضة في مطار روما تم نقل أبوالعباس إليها وتوجهت به إلي بلجراد بناء علي اتفاق بين مصر وإيطاليا ويوجوسلافيا.
* وكيف ومتي اكتشف الأمريكيون الخدعة وماذا كان رد فعلهم؟
{ لقد ذهب الأمريكيون أولا إلي الأكاديمية واكتشفوا عدم وجود أبوالعباس فيها وأبدوا لكراكسي ولي شخصيا غضبهم.. وحاولوا تدارك الأمر من خلال التأثير علي جهات إيطالية أخري حيث إن السفارة الأمريكية في روما مؤسسة غير عادية فكل مسئول فيها يتولي ملفا أو قطاعا وشئون العلاقة مع المؤسسات الإيطالية, وكان منهم مسئول من الاستخبارات الأمريكيةCIA تحت غطاء دبلوماسي يتولي ملف العلاقة مع السلطات القضائية ويتصور أن لديه يدا عليا عليها كون الولايات المتحدة دعمت إيطاليا والجهاز القضائي بها لكي يقف علي قدميه بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد ذهب هذا المسئول إلي السلطات القضائية لمحاولة اقناعها بالضغط لتسلم أبوالعباس ومساعده بدعوي قتل أمريكي كان علي متن السفينة مثلما استلمت الخاطفين الأربعة ظنا منه أن أبوالعباس لايزال في الطائرة وردت السلطة القضائية برفض هذا الطلب لعدم وجود أدلة ضد أبوالعباس ومساعده إلي جانب تمتعهما بحصانة دبلوماسية مصرية وعدم رغبة إيطاليا في إثارة أزمة في العلاقات مع مصر استنادا إلي التقرير الذي قدمته. لكن محاولات تحريض السلطة القضائية ضد الحكومة لتسلم الرجلين استمرت بينما كان رجال المخابرات الأمريكية ينقبون في كل مكان في روما يعتقدون أن المصريين خبأوا أبوالعباس فيه, وعندما فشلوا اتجهت السفارة إلي القضاء مرة أخري لاقناعه بإصدار قرار بالتحفظ علي الطائرة المصرية.
وقد كانت الحكومة تتوقع صدور مثل هذا القرار, ولم تكن في استطاعتها مخالفته كما كانت ستنشب أزمة مع القضاء بسبب عدم وجود أبوالعباس لمغادرته إلي بلجراد لذا وفي هذه الأثناء وبينما الأمريكان يسعون وراء إصدار قرار التحفظ كانت الطائرة المصرية قد غادرت باتجاه القاهرة, والطائرة اليوجوسلافية وصلت بلجراد. فعندما وصلت القوة الأمريكية إلي مطار روما بانتظار صدور قرار التحفظ كان المطار خاويا.
عندئذ شعر الأمريكيون بالمهانة, وصبوا جام غضبهم علي كراكسي وأرسلت السفارة إلي واشنطن رسالة فحواها الطلاينة لعبوا بينا, وأوصت فيها باتخاذ إجراءات عنيفة ضد كراكسي لرد الاعتبار, وحضر السفير الأمريكي إلي مكتبي وأبلغني أن هناك خطر قطع الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا وطلب اعتذارا رسميا.
* وماذا كان رد فعل كراكسي؟
{ لقد أعلن كراكسي أن ما فعله هو الصواب وأنه لن يعتذر.
* هذه هي الواقعة.. هل يمكن إلقاء الضوء علي الإطار السياسي الذي تعاملت حكومتكم مع هذه الواقعة علي أساسه؟
{ في هذا التوقيت كان كراكسي ومبارك والعاهل الأردني الملك حسين يسعون مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من أجل نبذ العنف واتخاذ موقف واضح لجهة الاعتراف بإسرائيل لبدء مفاوضات سلام. وقد كان عرفات متفهما لذلك لكن كثيرا من القيادات داخل منظمة التحرير الفلسطينية وقتها بما في ذلك حركة فتح لم تكن تقبل بذلك. وقام الاتحاد الأوروبي باتخاذ قرار الاعتراف بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني وبحق تقرير المصير لتشجيع عرفات علي اتخاذ هذه الخطوات, بينما الأمريكيون كانوا يعتبرون المنظمة منظمة إرهابية تبنيا لمواقف إسرائيل. لذا حاول كراكسي بالتعاون مع مبارك والملك حسين تحريك الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية بعيدا عن الموقف الإسرائيلي ودفع واشنطن للاعتراف بعرفات ـ بدأ الحوار في تونس عام1988 ـ لكن كان يتعين عليه أن ينبذ العنف ويعترف بإسرائيل حتي يحظي بحماية دبلوماسية من أوروبا والولايات المتحدة, وبدا وقتها في موقف غير واضح وربما متناقض ففي الوقت الذي كان يعلن فيه استعداده لوقف الكفاح المسلح والتفاوض جاءت عملية أكيلي لاورو لكي تجهض هذا التوجه, فقد كان أبوالعباس حليفا لعرفات في العلن بينما كان أبوالعباس حليفا لجبهة الرفض العربية المضادة لجهود التسوية السياسية وقتها.
لذلك أبدي الرئيس ريجان تفهمه لموقف إيطاليا في حادث الطائرة المصرية بعد عشرة أيام من هذه الواقعة.
[/FONT]
جريدة الأهرام - تقارير المراسلين ـ مسئول إيطالي سابق يكشف لـالأهرام أسرار خطف أكيلي لاورو والطائرة المصرية عام1985 كراكسي ومبارك استخدما الحادثتين لوضع ريجان علي طريق الحوار مع الفلسطينيين إيطاليا رفضت اقتحام قوة دلتا الطائرة وأعلنت حالة الحرب للرد
أسرار خطف أكيلي لاورو والطائرة المصرية عام1985
كراكسي ومبارك استخدما الحادثتين
لوضع ريجان علي طريق الحوار مع الفلسطينيين
إيطاليا رفضت اقتحام قوة دلتا الطائرة
وأعلنت حالة الحرب للرد علي أي هجوم[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]أجري الحديث : محمد عبدالهادي[/FONT]
ولايزال يكتنف خلفيات الحادثتين ومجرياتهما الغموض والأسرار, لاسيما الدور الكبير الذي لعبه رئيس وزراء إيطاليا وقتها بتينو كراكسي بالتنسيق مع الرئيس حسني مبارك لابراز الحادثتين باعتبارهما نتاج استمرار معاناة الشعب الفلسطيني من الذل والمهانة علي يد إسرائيل, ولوضع أمريكا علي طريق الاعتراف بالمنظمة وفتح حوار معها( بدأ في تونس عام1988) تمهيدا لبدء عملية تسوية. ويكشف المستشار السياسي لرئيس الحكومة الإيطالية سفير إيطاليا السابق لدي مصر أنطوني باديني ـ الذي كلفه كراكسي متابعة الأزمة ومنحه الرئيس مبارك أخيرا وسام الجمهورية ـ في حديث مع الأهرام الكثير من الأسرار التي سيتضمنها كتاب سيصدره قريبا حول قضية خطف الطائرة المصرية, لاسيما رفض كراكسي خطف الأمريكان الطائرة المصرية ورفضه اقتحام قوة دلتا لها, إلي حد إعلان حالة الطوارئ وتكليف القوات المسلحة الإيطالية التصدي لأي هجوم أمريكي علي الطائرة وسماحه بعودتها سالمة إلي مصر, وكذلك تهديد واشنطن بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا.. وكيف رفع كراكسي ثمن موقفه بالعيش لاجئا سياسيا بقية حياته في تونس.
فيما يلي نص الحديث:
* كيف بدأت الأزمة؟
{ هذه الأزمة دارت رحاها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر1985 وتتعلق بواقعتي خطف. بدأت الأولي عندما اختطف أربعة فلسطينيين تابعين لجبهة التحرير العربية بزعامة محمد أبوالعباس الباخرة الإيطالية أكيلي لاورو من البحر المتوسط بغرض التوجه بها إلي ميناء أشدود الإسرائيلي لتنفيذ عملية فدائية وذلك في الرابع من شهر أكتوبر, والثانية عندما اختطفت الولايات المتحدة الأمريكية طائرة رسمية مصرية كان علي متنها أبوالعباس ومساعده والخاطفون ومصريون يحملون الصفة الدبلوماسية وبعض أفراد الحراسة.
وكانت مصر نجحت في إنهاء عملية اختطاف السفينة التي رست في ميناء بورسعيد بعد اكتشاف طاقم السفينة وجود أسلحة مع الخاطفين وحدوث صدامات عليها وقيام أحد الخاطفين بقتل راكب أمريكي علي متنها, فأجهضت العملية وسلم الخاطفون أنفسهم إلي السلطات المصرية التي قررت تسليمهم إلي منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وحملتهم الطائرة إلي هناك. وقد كان يتعين هبوط الطائرة في تونس إلا أن السلطات هناك رفضت هبوطها فظلت الطائرة تحلق في الجو بحثا عن مطار قريب للهبوط واتجهت إلي اليونان حيث رفضت السلطات هناك أيضا هبوطها. وفي هذه الأثناء قامت طائرات أمريكية بقطع مسار الطائرة واجبارها علي الهبوط في مطار سيكونيلا التابع لإحدي قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية بعدما وافقت السلطات الإيطالية علي طلبهم إذنا بالهبوط. وفور هبوط الطائرة المصرية حاصرتها قوات أمريكية دلتا بهدف اعتقال أبوالعباس ورفاقه فيما عدا المصريين ـ ونقلهم إلي طائرة أمريكية موجودة علي أرض المطار لنقلهم إلي الولايات المتحدة.
* ماذا عن موقف رئيس الحكومة الإيطالية زعيم الحزب الاشتراكي بتينو كراكسي؟
{ رفض كراكسي رفضا قاطعا اقتحام الطائرة المصرية أو اعتقال أي شخص علي متنها وأبلغ الأمريكيين أن موافقته علي هبوط الطائرة لم تقترن أي تعهدات أو التزامات بشأن مصير ركاب الطائرة.
* هل اتصل كراكسي بالرئيس مبارك وماذا جري فيه؟
{ نعم اتصل كراكسي بالحكومة المصرية وأبلغها بأن الطائرة تتمتع بحماية دبلوماسية وأن أي أعتداء عليها أو أي استخدام للعنف سيعد عدوانا علي مصر. ووافقت علي نزول الخاطفين الأربعة من الطائرة ووضعهم تحت تصرف السلطات القضائية الإيطالية فقط. أما بالنسبة لأبوالعباس ومساعده الذي لم نعرف حتي الآن هويته فقد طلبت مصر إعادتهما إليها علي متن الطائرة.
* وكيف تعاملت إيطاليا مع الأمر في ضوء ذلك؟
{ لقد بدأت إيطاليا منذ هذه اللحظة الصراع مع الولايات المتحدة ومقاومة طلباتها, فبينما كانت الاتصالات المصرية ـ الإيطالية جارية, اتصل الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بكراكسي وطلب منه أن يسمح بنقل كل الموجودين علي متن الطائرة ماعدا المصريين إلي الولايات المتحدة بدعوي قتلهم مواطنا أمريكيا, ولم تعترف واشنطن بالحماية الدبلوماسية وقرروا منذ البداية التعامل مع الموضوع باعتباره عملية إرهابية فقد عينوا أنفسهم قضاة وحيدين. لكن كراكسي رفض وأبلغ ريجان أنه اتفق مع المصريين علي وضع الخاطفين الأربعة تحت تصرف السلطات القضائية الإيطالية وأنه لن يسلم أي شخص للولايات المتحدة, وأن السلطات ستقوم بالتحقيق في بعض الأمور وإجراء التحريات اللازمة, وكان موقف كراكسي أن القضية بالأساس سياسية تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني المهدرة, وتمسكت إيطاليا بالقانون الدولي الذي يعطي الحق لها في تولي التحقيق لأن السفينة إيطالية وبضرورة أن يحترم الناتو القانون الدولي.
* كيف كان رد فعل الجانب الأمريكي؟
{ حاصرت قوات دلتاالطائرة بهدف اعتقال كل من كانوا علي متنها ونقلهم للولايات المتحدة.. وبدأت أزمة خطيرة.
* كيف أدارت حكومة كراكسي هذه الأزمة؟
{ لقد صدرت الأوامر للقوات الإيطالية بالقاعدة بحصار القوات الأمريكية والطائرة التي كانت مستعدة لنقل الخاطفين, وأنذرتها بمغادرة المكان وعدم المساس بالطائرة المصرية, فقام الجانب الأمريكي بتدعيم قواته بقوة أكبر حاصرت القوات الإيطالية. فصدرت الأوامر باستدعاء الكارابينيري أي قوات الشرطة العسكرية الإيطالية, وتم إعلان حالة الطوارئ ورفع درجة الجاهزية للقوات كما لو كانت حالة حرب. عندئذ اضطر القائد العسكري الأمريكي لقوة دلتا لاتخاذ قرار الانسحاب من المطار لتجنب مخاطر مواجهة عسكرية إيطالية ـ أمريكية.. وانتقلت الأزمة عندئذ إلي أزمة سياسية بين البلدين.
* هنا يظهر دور أنطوني باديني المستشار السياسي لكراكسي؟
{ لقد كلفني كراكسي بالتوجه إلي مطار سيكونيلا حيث أعددت تقريرا للحكومة حول الواقعة أرسلته إلي السلطات القضائية, وجوهر ما كتبته في التقرير هو أنه ليس هناك أدلة أو وقائع تبرر التحفظ علي أبوالعباس. ونصحت الحكومة بإطلاق سراحه حيث كان يتمتع بالحماية الدبلوماسية من جانب مصر. ووافقت الحكومة علي ما جاء في التقرير. وتم رفض تسليمه للأمريكان.
* لكن كانت هناك مخاوف من أن يخطف الأمريكان الطائرة مرة أخري من الجو بعد إقلاعها في طريقها إلي مصر وعلي متنها أبوالعباس والدبلوماسيون المصريون.. ماذا فعلتم؟
{ نعم كانت هناك محاوف لدينا من ذلك, ووضعنا خطة لاجهاض مثل هذا الأمر حيث قمنا بنقل الطائرة المصرية من مطار سيكونيلا إلي مطار روما وتابعت طائرات أمريكية مسارها وهبطت علي بعد مائة متر منها.
* ماهي تفاصيل هذه الخطة التي كنت شاهدا علي تنفيذها؟
{ إنها تبدو وكأنها فيلم من أفلام جيمس بوند.. فقد تم تكليف القوات الإيطالية بمطار روما والشرطة العسكرية بعمل درع بشري حول الطائرة المصرية, ثم قام شخصا بتمثيل دور أبوالعباس وهبط من الطائرة حيث تم نقله إلي سيارة ضمن موكب( تشريفة) ضم12 سيارة. وكلفنا شخص بأن يمثل دور عميل وابلاغ الجانب الأمريكي بأن الإيطاليين سينقلون أبوالعباس إلي الأكاديمية المصرية بروما التي كان يرأسها آنذاك فاروق حسني وزير الثقافة فتتبع الأمريكان الموكب لمحاولة اصطياد أبوالعباس بينما أبوالعباس كان لايزال علي متن الطائرة. في نفس الوقت كانت هناك طائرة تابعة للخطوط الجوية اليوجوسلافية رابضة في مطار روما تم نقل أبوالعباس إليها وتوجهت به إلي بلجراد بناء علي اتفاق بين مصر وإيطاليا ويوجوسلافيا.
* وكيف ومتي اكتشف الأمريكيون الخدعة وماذا كان رد فعلهم؟
{ لقد ذهب الأمريكيون أولا إلي الأكاديمية واكتشفوا عدم وجود أبوالعباس فيها وأبدوا لكراكسي ولي شخصيا غضبهم.. وحاولوا تدارك الأمر من خلال التأثير علي جهات إيطالية أخري حيث إن السفارة الأمريكية في روما مؤسسة غير عادية فكل مسئول فيها يتولي ملفا أو قطاعا وشئون العلاقة مع المؤسسات الإيطالية, وكان منهم مسئول من الاستخبارات الأمريكيةCIA تحت غطاء دبلوماسي يتولي ملف العلاقة مع السلطات القضائية ويتصور أن لديه يدا عليا عليها كون الولايات المتحدة دعمت إيطاليا والجهاز القضائي بها لكي يقف علي قدميه بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد ذهب هذا المسئول إلي السلطات القضائية لمحاولة اقناعها بالضغط لتسلم أبوالعباس ومساعده بدعوي قتل أمريكي كان علي متن السفينة مثلما استلمت الخاطفين الأربعة ظنا منه أن أبوالعباس لايزال في الطائرة وردت السلطة القضائية برفض هذا الطلب لعدم وجود أدلة ضد أبوالعباس ومساعده إلي جانب تمتعهما بحصانة دبلوماسية مصرية وعدم رغبة إيطاليا في إثارة أزمة في العلاقات مع مصر استنادا إلي التقرير الذي قدمته. لكن محاولات تحريض السلطة القضائية ضد الحكومة لتسلم الرجلين استمرت بينما كان رجال المخابرات الأمريكية ينقبون في كل مكان في روما يعتقدون أن المصريين خبأوا أبوالعباس فيه, وعندما فشلوا اتجهت السفارة إلي القضاء مرة أخري لاقناعه بإصدار قرار بالتحفظ علي الطائرة المصرية.
وقد كانت الحكومة تتوقع صدور مثل هذا القرار, ولم تكن في استطاعتها مخالفته كما كانت ستنشب أزمة مع القضاء بسبب عدم وجود أبوالعباس لمغادرته إلي بلجراد لذا وفي هذه الأثناء وبينما الأمريكان يسعون وراء إصدار قرار التحفظ كانت الطائرة المصرية قد غادرت باتجاه القاهرة, والطائرة اليوجوسلافية وصلت بلجراد. فعندما وصلت القوة الأمريكية إلي مطار روما بانتظار صدور قرار التحفظ كان المطار خاويا.
عندئذ شعر الأمريكيون بالمهانة, وصبوا جام غضبهم علي كراكسي وأرسلت السفارة إلي واشنطن رسالة فحواها الطلاينة لعبوا بينا, وأوصت فيها باتخاذ إجراءات عنيفة ضد كراكسي لرد الاعتبار, وحضر السفير الأمريكي إلي مكتبي وأبلغني أن هناك خطر قطع الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا وطلب اعتذارا رسميا.
* وماذا كان رد فعل كراكسي؟
{ لقد أعلن كراكسي أن ما فعله هو الصواب وأنه لن يعتذر.
* هذه هي الواقعة.. هل يمكن إلقاء الضوء علي الإطار السياسي الذي تعاملت حكومتكم مع هذه الواقعة علي أساسه؟
{ في هذا التوقيت كان كراكسي ومبارك والعاهل الأردني الملك حسين يسعون مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من أجل نبذ العنف واتخاذ موقف واضح لجهة الاعتراف بإسرائيل لبدء مفاوضات سلام. وقد كان عرفات متفهما لذلك لكن كثيرا من القيادات داخل منظمة التحرير الفلسطينية وقتها بما في ذلك حركة فتح لم تكن تقبل بذلك. وقام الاتحاد الأوروبي باتخاذ قرار الاعتراف بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني وبحق تقرير المصير لتشجيع عرفات علي اتخاذ هذه الخطوات, بينما الأمريكيون كانوا يعتبرون المنظمة منظمة إرهابية تبنيا لمواقف إسرائيل. لذا حاول كراكسي بالتعاون مع مبارك والملك حسين تحريك الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية بعيدا عن الموقف الإسرائيلي ودفع واشنطن للاعتراف بعرفات ـ بدأ الحوار في تونس عام1988 ـ لكن كان يتعين عليه أن ينبذ العنف ويعترف بإسرائيل حتي يحظي بحماية دبلوماسية من أوروبا والولايات المتحدة, وبدا وقتها في موقف غير واضح وربما متناقض ففي الوقت الذي كان يعلن فيه استعداده لوقف الكفاح المسلح والتفاوض جاءت عملية أكيلي لاورو لكي تجهض هذا التوجه, فقد كان أبوالعباس حليفا لعرفات في العلن بينما كان أبوالعباس حليفا لجبهة الرفض العربية المضادة لجهود التسوية السياسية وقتها.
لذلك أبدي الرئيس ريجان تفهمه لموقف إيطاليا في حادث الطائرة المصرية بعد عشرة أيام من هذه الواقعة.
[/FONT]
جريدة الأهرام - تقارير المراسلين ـ مسئول إيطالي سابق يكشف لـالأهرام أسرار خطف أكيلي لاورو والطائرة المصرية عام1985 كراكسي ومبارك استخدما الحادثتين لوضع ريجان علي طريق الحوار مع الفلسطينيين إيطاليا رفضت اقتحام قوة دلتا الطائرة وأعلنت حالة الحرب للرد