نجحت المُؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الخامس والعشرين من فبراير 2013، وفي إطار مُنظمة الصواريخ الدفاعية Israel Missile Defense Organization، في اختبار الصاروخ أرو-3 (Arrow-3) المُضاد للصواريخ الهجومية. شارك في هذا المشروع كلٌّ من شركة بوينج الأمريكية، وصناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية (Israel Aerospace Industries (IAI، ومن المُتوقع أن يرقى نظام الأرو-3 إلى مستواه العملياتي الكامل في سنة 2014-2015.
والدور الأساسي لنظام الأرو-3 أن ينجح في التعامل مع الصواريخ الإيرانية "الهجومية" قبل وصولها إلى الأرض، ومثال ذلك الصاروخ شهاب-3 (Shehab-3)، وغدر-1 (1- Ghadr) والاثنان يعملان بالوقود السائل، ويمكنهما الوصول إلى هدف على الأرض على مسافة 1500 كم من نقطة الإطلاق.
وأيضًا نجد الصاروخ الهجومي الإيراني الثالث (Sajjil-2) تحت التطوير، ويتكون من مرحلتين، كل مرحلة بها محرك يعمل بالوقود الصلب، وفي إمكانه الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر. وبرغم تجربة هذا الصاروخ عدة مرات إلا أنه لم يُختبر على المستوى العملياتي حتى الآن. ولمواجهة هذه المنظومة الهجومية الإيرانية كان الصاروخ أرو-2 الإسرائيلي الدفاعي، حيث تم تطويره للتعامل مع الصواريخ سكود-ب الموجودة في مصر وسكود-سي وسكود-دي الموجودة في سوريا (أو ربما حزب الله أيضا).
وقد طُور الصاروخ أرو-2 لاعتراض صواريخ هجومية على مسافات مُختلفة من 300 كيلومتر إلى 600 كيلومتر، حيث بمقدوره الوصول إلى سرعة 2500 متر في الثانية، وفي سبيله الآن أن يتطور لمواجهة النوعيات المختلفة من الصواريخ الهجومية. أما الصواريخ الهجومية ذات المدى البعيد مثل الصاروخ الإيراني شهاب-3، والصاروخ "ساجيل" فتدخلان الغلاف الجوي بسرعات عالية حوالي 4000 متر/ثانية ولذلك سوف يكون الصاروخ أرو-3 مُهمًّا لمواجهة مثل هذه الصواريخ ذات مستويات السرعة العالية.
سبق تطوير نظام الأرو-3 المُضاد للصواريخ رحلة طويلة بدأت بتوقيع مُذكرة تفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة في 6 مايو 1986 حيث تولت الثانية تمويل المشروع من خلال مُنظمة مبادرة الدفاع الاستراتيجي (Strategic Defense Initiative Organization (SDIO التي تولت في ذلك الوقت العديد من المشاريع العسكرية ذات الطابع التكنولوجي المُتطور، وقامت بتكليف الصناعات الجوية الإسرائيلية Israel Aircraft (Industries (IAI البدء في تصميم "النموذج التكنولوجي" الأول للصاروخ "أرو-1" (technology demonstrator). وتبعه بعد ذلك الصاروخ أرو-2 الذي دخل الخدمة في عام 2000، ومن المتوقع أن الجيل التالي له سوف يكون نظام "أرو-3" حيث سوف يتواجد في الميدان بداية من 2014.
معضلات النظم الدفاعية المضادة للصواريخ:
لا تُوجد مُعضلات فنية تمنع إسقاط طائرة "مُهاجمة" تتحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت بواسطة صاروخ مُضاد للطائرات، فالطائرة حجمها كبير وسرعتها أقل بكثير من سرعة الصاروخ. في حين أن اعتراض صاروخ مُهاجم بواسطة صاروخ مُضاد يتطلب مواصفات وإمكانيات كثيرة تمكن الصاروخ المُضاد من اعتراض الصاروخ المهاجم. وهذه الإمكانيات تتركز في "نظم التحكم" control و"نظم التوجيه" guidance للصاروخ الدفاعي ومدى دقتها للوصول إلى الهدف المُهاجم، وفي وقت قصير جدًّا، وامتلاك وسيلة لتدميره، ولم يتصدَّ لهذا التحدي التكنولوجي حتى الآن إلا الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل.
وعلى سبيل المثال الصاروخ التجريبي "أرو-1" وصل مداه إلى 50 كيلومترا ولم يصل إلى مستوى الأداء الكامل إلا بعد أن تطور النظام إلى الصاروخ "أرو-2" Arrow-2 ونجاح تجربته الكاملة في الأول من نوفمبر 1999 (full interception). وفي 29 يوليو 2004 قامت إسرائيل والولايات المتحدة معًا بإجراء تجربة لتدمير صاروخ سكود-ب Scud-B.
يُعتبر الصاروخ أرو-3 الأعلى تكنولوجيا في منظومة الصاروخ الدفاعي "الأرو"، ويتميز بأنه يحتوي على أنظمة دقيقة جدًّا للاتصالات، ووحدات متطورة للتوجيه، ومستشعرات متقدمة تكنولوجيًّا تتيح للنظام تدمير الصاروخ المُعادي خارج الغلاف الجوي وليس في الطبقات العليا من الغلاف الجوي.ويتحقق ذلك بواسطة "عربة القتل" The Kill Vehicle التي يمكنها تحقيق المناورة والوصول إلى الهدف وتدميره خارج الغلاف الجوي. ومن بين الأشياء الحديثة في "عربة القتل" أنها لا تحمل مواد متفجرة داخلها، وأن تدمير الهدف يتحقق بالصدام الحركي المُباشر، أي باستخدام طاقة الحركة العالية جدًّا للصاروخ بآلاف الأمتار في الثانية (hit-to-kill technology)). بمعنى أن دقة التصادم، وسرعة الحركة الهائلة، سوف تؤدي إلى تدمير الهدف بدقة كاملة، وتحويله إلى مادة سائلة، ثم إلى بخار بسبب الحرارة الناشئة من هذا التصادم الرهيب. وسوف يحتوي نظام الأرو-3 على نظام دقيق لمسح كل ما يمثل مصدر يهدد هذه المهمة الدقيقة.
وقد أثار الاختبار الأول للصاروخ أرو-3 في فبراير الماضي الكثير من التعليقات، ومدى ما حققته التجربة العملية، وخرجت رسائل إلى طهران وإلى الدول العربية وإلى الداخل الفلسطيني بمجرد أن أصبح نظام الأرو-3 في طريقه إلى مستويات أداء فعالة قد تُضيف إلى إسرائيل حماية فعالة ضد التهديدات المختلفة حولها.
ولا شك أن تطوير النظام الصاروخي من أرو-2 إلى أرو-3 سوف يُضيف كثيرًا لقدرات الصواريخ الإسرائيلية المُضادة للصواريخ. ومن الواضح أن نتائج هذه التجارب لن تقتصر على حماية إسرائيل فحسب بل سوف تُؤثر على آفاق التكنولوجيات العسكرية في المستقبل. والنتيجة تعكس في نفس الوقت مدى التعاون الإسرائيلي-الأمريكي في هذا المجال، وما يضيفه من قدرات دفاعية للدولتين. ولا شك أن نظام "أرو-3" سوف يُرسل رسائل مهمة إلى أعداء الدولتين الإسرائيلية والأمريكية.
التمويل لمشروع " الأرو":
تكلف مشروع الصاروخ "الأرو" وتطويره من مرحلة إلى مرحلة بليونات الدولارات بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. وقد قُدرت تكلفة المشروع في البداية بما في ذلك الأعداد الأولية من الصواريخ التجريبية بحوالي 1.6 بليون دولار، وقُدر ثمن الصاروخ الواحد بحوالي 3 ملايين دولار. وبين سنة 1989 وعام 2007 أُنفق على المشروع من الولايات المتحدة حوالي 2.4 بليون دولار، وتشارك إسرائيل من ميزانيتها كل عام بحوالي 65 مليون دولار لهذا المشروع المستمر.
وبداية من عام 2008 تحول الإنفاق إلى مشروع النظام أرو-3 بمعدلات بدأت في سنة 2008 بحوالي 118.572 مليون دولار إلى أن وصلت إلى 125.175 مليون دولار في عام 2012. وهناك فرق بين أن تشتري هذا النظام المُضاد للصواريخ إذا كان هذا مُمكنًا أو مُتاحًا وأن تطور هذا النظام بنفسك أو مع شريك مثل الولايات المتحدة لتوليد تكنولوجيات جديدة لم تكن موجودة من قبل. وأهمية ذلك أن تلك التكنولوجيات لن يقتصر استخدامها على التطبيق العسكري بل سوف تُستخدم صورها المختلفة بعد ذلك في تطبيقات مدنية، الأمر الذي سوف يقلل من التكلفة الكلية.
مستقبل الأرو-3:
ثمة مجموعة من العناصر يتحدد على أساسها مستقبل " الأور- 3" ، وهي:
1. أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية في فبراير 25، 2013 نجاح تجربة للصاروخ الاعتراضي أرو-3 The Arrow-3 Missile Interceptor في إطار برنامج تطوير بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للدفاع الصاروخي. وخلال التجربة استمرت فترة طيران الصاروخ لمدة ست دقائق ولمسافة 100 كيلومتر (بداية الفضاء الخارجي) تمت خلالها قياسات مُختلفة لأداء الصاروخ لكن لم تحدث في هذه التجربة عملية "اعتراضية" لهدف محدد.
2. عكست تجربة الصاروخ أرو-3 إمكانية وصوله إلى مسافات بعيدة خارج الغلاف الجوي واعتراض الصواريخ الهجومية المُعادية وتدميرها قبل وصولها إلى الغلاف الجوي الإسرائيلي. ويتوقع مع نهاية هذه التجارب في 2016 أن إسرائيل سوف تمتلك قدرة اعتراض الصواريخ الباليستية المُعادية من مسافات بعيدة مُقارنة بالصاروخ أرو-2.
3. استخدام الصاروخ أرو-3 لتكنولوجيا "تصادم الحركة المباشر" ضد الصاروخ المهاجم وليس الاعتماد على شظايا رأس حربية ثقيلة الوزن (وزن الصاروخ أرو-3 سيكون أقل من وزن الصاروخ أرو-2 إلى النصف).
4. تجربة الصاروخ أرو-3 تعكس أهمية إدخال تكنولوجيات جديدة للنظام مقارنة بالصاروخ أرو-2 حيث ستقل أوزان بعض أجزاء الصاروخ وتزيد من سرعته وقدرته على تدمير الصاروخ المُعادي بدقة هائلة مقارنة بالصاروخ أرو-2.
5. سوف يعتمد الصاروخ أرو-3 في مراحل تطويره القادمة على تحديث أنظمته الرادارية، ووحدات إدارة المعركة battle management systems، ونظم الاتصالات، والقواذف الصاروخية Launchers.
منقول: RCSS