بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أيها الأفاضل : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الكذب من مساوئ الأخلاق ، وبالتحذير منه جاءت الشرائع ، وعليه اتفقت الفِطر ، و به يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة ، و الصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات ، وركن النبوات ، ونتيجة التقوى ، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ، والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق .
وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة ، وعلى تحريمه وقع الإجماع ، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة .
ولم يأت في الشرع جواز " الكذب " إلا في أمورٍ معينة لا يترتب عليها أكل حقوق ، ولا سفك دماء ، ولا طعن في أعراض ..الخ ، بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين ، أو مودة بين زوجين.
تحريم الكذب :
1-قال تعالى : (( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون )) [ النحل/105 ]
قال ابن كثير : " ثم أخبر تعالى أن رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس بمفتر ولا كذاب لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرارُ الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس ، والرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أصدق الناس ، وأبرهم ، وأكملهم علماً وعملاً وإيماناً وإيقاناً ، معروفاً بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا " بالأمين محمد " ، ولهذا سأل " هرقل " - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان فيما قال له : " هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل " ( تفسر ابن كثير ) ( 2 / 588 ) .
2- عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )) رواه البخاري ( 33 ) و مسلم ( 59 ) .
قال النووي : " الذي قاله المحققون والأكثرون - وهو الصحيح المختار - : أن معناه : أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم ، ... وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ(( كان منافقاً خالصا )) معناه : شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال ، قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه ، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه ، فهذا هو المختار في معنى الحديث ، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي ـ رضي الله عنه ـ معناه عن العلماء مطلقاً فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل " ( شرح مسلم ) ( 2 / 46 ، 47 ) .
د ـ الكذب في المزاح :
ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاً ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول " نيسان " أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهَّر ، والكذب حرام مازحاً كان صاحبه أو جادّا ، فالكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره .
عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إني لأمزح ولا أقول إلا حقّاً )) رواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) ( 12 / 391 ) ، والحديث : حسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 8 / 89 ) ، وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ( 2494 ) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : (( قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال : إني لا أقول إلا حقا )) رواه الترمذي ( 1990 ) ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ، ونحوه عند الطبراني في " الأوسط " ( 8 / 305 ) وحسَّنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 9 / 17 ) .
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : (( حدثنا أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع ، فضحك القوم ، فقال : ما يضحككم ؟ فقالوا : لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً )) )) رواه أبو داود ( 5004 ) وأحمد - واللفظ له - ( 22555 ) ، والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7658 ) .
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جادّاً ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها )) رواه أبو داود ( 5003 ) ، والترمذي ( 2160 ) - مختصراً - ، والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7578 ) .
منقووول
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أيها الأفاضل : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الكذب من مساوئ الأخلاق ، وبالتحذير منه جاءت الشرائع ، وعليه اتفقت الفِطر ، و به يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة ، و الصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات ، وركن النبوات ، ونتيجة التقوى ، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ، والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق .
وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة ، وعلى تحريمه وقع الإجماع ، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة .
ولم يأت في الشرع جواز " الكذب " إلا في أمورٍ معينة لا يترتب عليها أكل حقوق ، ولا سفك دماء ، ولا طعن في أعراض ..الخ ، بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين ، أو مودة بين زوجين.
تحريم الكذب :
1-قال تعالى : (( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون )) [ النحل/105 ]
قال ابن كثير : " ثم أخبر تعالى أن رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس بمفتر ولا كذاب لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرارُ الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس ، والرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أصدق الناس ، وأبرهم ، وأكملهم علماً وعملاً وإيماناً وإيقاناً ، معروفاً بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا " بالأمين محمد " ، ولهذا سأل " هرقل " - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان فيما قال له : " هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل " ( تفسر ابن كثير ) ( 2 / 588 ) .
2- عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )) رواه البخاري ( 33 ) و مسلم ( 59 ) .
قال النووي : " الذي قاله المحققون والأكثرون - وهو الصحيح المختار - : أن معناه : أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم ، ... وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ(( كان منافقاً خالصا )) معناه : شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال ، قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه ، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه ، فهذا هو المختار في معنى الحديث ، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي ـ رضي الله عنه ـ معناه عن العلماء مطلقاً فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل " ( شرح مسلم ) ( 2 / 46 ، 47 ) .
د ـ الكذب في المزاح :
ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاً ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول " نيسان " أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهَّر ، والكذب حرام مازحاً كان صاحبه أو جادّا ، فالكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره .
عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إني لأمزح ولا أقول إلا حقّاً )) رواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) ( 12 / 391 ) ، والحديث : حسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 8 / 89 ) ، وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ( 2494 ) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : (( قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال : إني لا أقول إلا حقا )) رواه الترمذي ( 1990 ) ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ، ونحوه عند الطبراني في " الأوسط " ( 8 / 305 ) وحسَّنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 9 / 17 ) .
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : (( حدثنا أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع ، فضحك القوم ، فقال : ما يضحككم ؟ فقالوا : لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً )) )) رواه أبو داود ( 5004 ) وأحمد - واللفظ له - ( 22555 ) ، والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7658 ) .
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جادّاً ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها )) رواه أبو داود ( 5003 ) ، والترمذي ( 2160 ) - مختصراً - ، والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7578 ) .
منقووول