فزاعة أرض الشام
Saturday 30 March 2013
كتبه/ شريف عبد العزيز الزهيري
[email protected]
في المؤتمر السنوي للجنة "إيباك" التي تقود مصالح اللوبي الصهيوني المسيطر على صناعة القرار الأمريكي، وقف نائب الرئيس الأمريكي "بايدن" يشرح باختصار ملخص الموقف الأمريكي تجاه الثورة السورية، فقال: "إن بشار الأسد يظهر عدم الاكتراث، كما كان والده، بحياة الإنسان السوري، وهو منخرط في عملية إجرام وحشي ضد شعبه، وموقفنا من هذه المأساة: أن على الأسد أن يرحل، ولكننا لن نتبنى عصابة إجرامية لاستبدال الأخرى في دمشق" وهو يقصد بهذه الجملة التعريضية جبهة النصرة السورية، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، والمرشح الرئاسي السابق والمحتمل على الأغلب، يزور الرياض في 4 مارس الجاري، ويقول في سياق المؤتمر الصحافي رادًّا على سؤال صحافي عن سبب التلكؤ الأمريكي في تسليح المعارضة السورية: إنه من الممكن أن يقع السلاح في الأيدي الخطأ، في تأكيد على السياسة الأمريكية تجاه محاصرة جبهة النصرة، أقوى الأجنحة الثورية المجاهدة في بلاد الشام ضد الطاغية بشار وجنوده.
فزاعة القاعدة والتنظيمات الجهادية كانت وما زالت هي أكبر هواجس المشروع الأمريكي للهيمنة والسيطرة على العالم الإسلامي، فعلى الرغم من اندلاع الثورات المجيدة في العديد من البلدان العربية والإسلامية، وتغيُّر شكل أنظمة الحكم فيها، إلا أن هذه الثورات لم تغير على الحقيقة شيئًا من طبيعة وسَمْتِ العلاقة الأمريكية مع دول المنطقة، فأمريكا كانت وما زالت المهيمنة والمسيطرة على المنطقة، ومسألة الخروج من فلك التبعية الأمريكية تبدو بعيدة المنال، على الأقل في هذه الفترة، ويبقي فكر القاعدة وخلاياها المجاهدة هي أكبر تهديد للنفوذ الأمريكي والأوروبي في المنطقة، لذلك فإن أمريكا قد بنت سياساتها الأمنية والاستخباراتية منذ بداية الألفية الجديدة على المواجهة الشاملة للأفكار والتنظيمات الجهادية، وتتبعها في كل أنحاء العالم، واعتبار هذا التتبع والحصار أولوية قصوى للسياسة الأمنية الأمريكية، لذلك كانت أجهزة المخابرات تتحرك بالتوازي مع الجيوش الأمريكية في أماكن التغلغل والانتشار، مثلما حدث في أفغانستان والعراق، وشنت أمريكا حروبًا سرية كثيرة ضد تنظيم القاعدة، حققت فيها نجاحات عديدة ولكنها لم تستطع أبدًا أن تقضي على هذا التنظيم لا حركيًّا ولا فكريًّا.
فلم تكد أمريكا أن تفرغ من الفخ الأفغاني، حتى وجدت نفسها مجبرة على الدخول في مواجهة أشد في بلاد الرافدين، بعد أن اعتقدت أن مسألة احتلال العراق ستكون أيسر بسبب وجود خونة الشيعة الذين تآمروا مع المحتل الصليبي لبلادهم، ومنذ سنة 2003 والقوات الأمريكية بفرعيها النظامي العسكري، والسري الاستخباراتي، في مواجهة شرسة مع تنظيم القاعدة والجماعات المجاهدة في العراق، استمرت حتى بداية ثورات الربيع العربي، والتي أجبرت الأمريكان ودوائر المخابرات في الغرب كله على إعادة رسم سياساتها الإستراتيجية في المنطقة، وأصبح النشاط المخابراتي منصبًّا على محاصرة العمل الجهادي، ومنع تسلله وانتقاله إلى بلاد الربيع العربي، خاصة إلى سوريا حيث الفزَّاعة الجديدة التي تقضُّ مضاجع الأمريكان؛ وهي جبهة "النصرة" المجاهدة.
فقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية المعروفة بخطها المتعصب تقريرًا مثيرًا في 11مارس، يتحدث عن تنامي دور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العراق خلال الفترة الأخيرة لملء الفراغ الذي تركه الجيش الأمريكي هناك، فقد كثفت الوكالة دعمها لوحدات مكافحة الإرهاب في العراق، لتعزيز قدراتها القتالية في محاربة القاعدة وشبكاتها، وسط تنامي القلق في واشنطن إزاء تداعيات الحرب في سوريا وعبورها لحدود دول الجوار، ومحاصرة جبهة النصرة السورية، والمخاوف الأميركية من تزايد قوة الجهاديين في بلاد الشام، لذلك لم يكن مستغربًا مسارعة النظام الأمريكي البائس بوضع جبهة النصرة على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، على الرغم من أنها لا تقاتل إلا جنود بشار، ولا تعمل إلا على أرض سوريا، في الوقت الذي تخلو هذه القائمة من اسم "حزب الله" الشيعي اللبناني، صاحب الصيت الوهمي والبطولة الزائفة في مواجهات كثيرة وممتدة جغرافيًّا وعسكريًّا ضد المصالح الأمريكية و"الإسرائيلية"، مما يؤكد مدى عمق العلاقات الإيرانية الأمريكية ضد العالم السني، خاصة المجاهدين منهم. وفي نفس السياق، وعلى نفس المنوال في المواجهة مع التنظيمات الجهادية في أرض الشام، قامت المخابرات البريطانية والفرنسية بالإشراف على عملية تدريب وإعداد كوادر عسكرية علمانية من الضباط الفارِّين من جيش بشار، ليكونوا نواة جيش يتولى مسألة مواجهة التنظيمات الجهادية وجبهة النصرة في الشام عسكريًّا، ويجري التدريب الغربي للمقاتلين السوريين في الأردن في محاولة لتعزيز الأطراف العلمانية في المعارضة، باعتبارها حصنًا ضد التطرف الإسلامي، والبدء في بناء قوات الأمن للحفاظ على النظام في حال سقوط بشار الأسد، والغرب أكثر ثقة في الأردن عن تركيا، بعد أن سمحت تركيا بدخول الكثير من المجاهدين الأجانب عبر أراضيها، مما جعل المنطقة الشمالية في سوريا في قبضة جبهة النصرة، لذلك فالغرب اعتمادًا على الأردن صاحبة السجل العريق في الولاء للغرب، سيعمل على تقوية الجنوب، ليعادل به تأثير الجهاديين في الشمال، لذلك لم يكن مستغربًا تلكم التصريحات المتوترة والقلقة من ملك الأردن عبد الله الثاني تجاه بلاد الربيع العربي عامة، وتعهداته وتأكيداته بأن هدفه في الحياة هو محاربة التيارات الإسلامية، ومنع وصول الإسلاميين إلى حكم بلاد الشام بأي ثمن.
جبهة النصرة السورية تحارب من كل اتجاه من الغرب ومن الشرق، ومع ذلك هي الفصيل الأكثر تأثيرًا وتنظيمًا وشعبية في صفوف الثوار السوريين، فالجبهة بدت أكثر نضجًا وفهمًا للشأن السوري، وقد استفاد المجاهدون من أخطائهم السابقة في العراق والتي أدت في النهاية لتلاشي وجودهم وجهودهم، فالشباب السوري يسارع الآن للانضمام إلى هذا التنظيم القوي، بسبب إخلاص وتضحية ونقاء مجاهدي النصرة، وأيضًا الساسة السوريون في الداخل والخارج يؤيدون هذه الجبهة ويرفضون الاتهامات الموجهة إليها من الغرب وأذياله، حتى أن الشيخ معاذ الخطيب زعيم الائتلاف المعارض أدان وضع الجبهة على قائمة الإرهاب، ورفضها بشدة، مما كلفه منصبه بإجباره على تقديم الاستقالة، وإن كان تراجع عنها لاحقًا، ولكنه في حكم المستقيل، وكذلك رفض الخطوة ذاتها العقيد رياض الأسعد قائد الجيش الحر، مما كلفه ثمنًا باهظًا بمحاولة اغتياله لإلصاق التهمة في جبهة النصرة، وهي الجريمة التي فقد خلالها الأسعد ساقه اليمنى كلها.
كل تلك الجهود المبذولة، والأموال المدفوعة والتدريبات من أمريكا وحلفائها الأوروبيين والخليجيين، من أجل التصدي لجبهة لا يتجاوز عدد منتسبيها الأربعة آلاف مقاتل، تؤكد على حقيقة واحدة، وهي أن الجهاد والمجاهدين وكل من يتبنَّى هذا الفكر، ويتبع هذه الإستراتيجية في تخليص الأمة من أسر التبعية الغربية، هو العدو الحقيقي لأمريكا وحلفائها، وهو الكابوس الذي يقض مضاجعهم أينما وُجِد وحلَّ، فالجهاد كان وما زال فزَّاعة أعداء الأمة، فهل أدرك القائمون على شئونها هذه الحقيقة أيضًا؟ أعتقد "لا".
فزاعة أرض الشام
Saturday 30 March 2013
كتبه/ شريف عبد العزيز الزهيري
[email protected]
في المؤتمر السنوي للجنة "إيباك" التي تقود مصالح اللوبي الصهيوني المسيطر على صناعة القرار الأمريكي، وقف نائب الرئيس الأمريكي "بايدن" يشرح باختصار ملخص الموقف الأمريكي تجاه الثورة السورية، فقال: "إن بشار الأسد يظهر عدم الاكتراث، كما كان والده، بحياة الإنسان السوري، وهو منخرط في عملية إجرام وحشي ضد شعبه، وموقفنا من هذه المأساة: أن على الأسد أن يرحل، ولكننا لن نتبنى عصابة إجرامية لاستبدال الأخرى في دمشق" وهو يقصد بهذه الجملة التعريضية جبهة النصرة السورية، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، والمرشح الرئاسي السابق والمحتمل على الأغلب، يزور الرياض في 4 مارس الجاري، ويقول في سياق المؤتمر الصحافي رادًّا على سؤال صحافي عن سبب التلكؤ الأمريكي في تسليح المعارضة السورية: إنه من الممكن أن يقع السلاح في الأيدي الخطأ، في تأكيد على السياسة الأمريكية تجاه محاصرة جبهة النصرة، أقوى الأجنحة الثورية المجاهدة في بلاد الشام ضد الطاغية بشار وجنوده.
فزاعة القاعدة والتنظيمات الجهادية كانت وما زالت هي أكبر هواجس المشروع الأمريكي للهيمنة والسيطرة على العالم الإسلامي، فعلى الرغم من اندلاع الثورات المجيدة في العديد من البلدان العربية والإسلامية، وتغيُّر شكل أنظمة الحكم فيها، إلا أن هذه الثورات لم تغير على الحقيقة شيئًا من طبيعة وسَمْتِ العلاقة الأمريكية مع دول المنطقة، فأمريكا كانت وما زالت المهيمنة والمسيطرة على المنطقة، ومسألة الخروج من فلك التبعية الأمريكية تبدو بعيدة المنال، على الأقل في هذه الفترة، ويبقي فكر القاعدة وخلاياها المجاهدة هي أكبر تهديد للنفوذ الأمريكي والأوروبي في المنطقة، لذلك فإن أمريكا قد بنت سياساتها الأمنية والاستخباراتية منذ بداية الألفية الجديدة على المواجهة الشاملة للأفكار والتنظيمات الجهادية، وتتبعها في كل أنحاء العالم، واعتبار هذا التتبع والحصار أولوية قصوى للسياسة الأمنية الأمريكية، لذلك كانت أجهزة المخابرات تتحرك بالتوازي مع الجيوش الأمريكية في أماكن التغلغل والانتشار، مثلما حدث في أفغانستان والعراق، وشنت أمريكا حروبًا سرية كثيرة ضد تنظيم القاعدة، حققت فيها نجاحات عديدة ولكنها لم تستطع أبدًا أن تقضي على هذا التنظيم لا حركيًّا ولا فكريًّا.
فلم تكد أمريكا أن تفرغ من الفخ الأفغاني، حتى وجدت نفسها مجبرة على الدخول في مواجهة أشد في بلاد الرافدين، بعد أن اعتقدت أن مسألة احتلال العراق ستكون أيسر بسبب وجود خونة الشيعة الذين تآمروا مع المحتل الصليبي لبلادهم، ومنذ سنة 2003 والقوات الأمريكية بفرعيها النظامي العسكري، والسري الاستخباراتي، في مواجهة شرسة مع تنظيم القاعدة والجماعات المجاهدة في العراق، استمرت حتى بداية ثورات الربيع العربي، والتي أجبرت الأمريكان ودوائر المخابرات في الغرب كله على إعادة رسم سياساتها الإستراتيجية في المنطقة، وأصبح النشاط المخابراتي منصبًّا على محاصرة العمل الجهادي، ومنع تسلله وانتقاله إلى بلاد الربيع العربي، خاصة إلى سوريا حيث الفزَّاعة الجديدة التي تقضُّ مضاجع الأمريكان؛ وهي جبهة "النصرة" المجاهدة.
فقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية المعروفة بخطها المتعصب تقريرًا مثيرًا في 11مارس، يتحدث عن تنامي دور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العراق خلال الفترة الأخيرة لملء الفراغ الذي تركه الجيش الأمريكي هناك، فقد كثفت الوكالة دعمها لوحدات مكافحة الإرهاب في العراق، لتعزيز قدراتها القتالية في محاربة القاعدة وشبكاتها، وسط تنامي القلق في واشنطن إزاء تداعيات الحرب في سوريا وعبورها لحدود دول الجوار، ومحاصرة جبهة النصرة السورية، والمخاوف الأميركية من تزايد قوة الجهاديين في بلاد الشام، لذلك لم يكن مستغربًا مسارعة النظام الأمريكي البائس بوضع جبهة النصرة على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، على الرغم من أنها لا تقاتل إلا جنود بشار، ولا تعمل إلا على أرض سوريا، في الوقت الذي تخلو هذه القائمة من اسم "حزب الله" الشيعي اللبناني، صاحب الصيت الوهمي والبطولة الزائفة في مواجهات كثيرة وممتدة جغرافيًّا وعسكريًّا ضد المصالح الأمريكية و"الإسرائيلية"، مما يؤكد مدى عمق العلاقات الإيرانية الأمريكية ضد العالم السني، خاصة المجاهدين منهم. وفي نفس السياق، وعلى نفس المنوال في المواجهة مع التنظيمات الجهادية في أرض الشام، قامت المخابرات البريطانية والفرنسية بالإشراف على عملية تدريب وإعداد كوادر عسكرية علمانية من الضباط الفارِّين من جيش بشار، ليكونوا نواة جيش يتولى مسألة مواجهة التنظيمات الجهادية وجبهة النصرة في الشام عسكريًّا، ويجري التدريب الغربي للمقاتلين السوريين في الأردن في محاولة لتعزيز الأطراف العلمانية في المعارضة، باعتبارها حصنًا ضد التطرف الإسلامي، والبدء في بناء قوات الأمن للحفاظ على النظام في حال سقوط بشار الأسد، والغرب أكثر ثقة في الأردن عن تركيا، بعد أن سمحت تركيا بدخول الكثير من المجاهدين الأجانب عبر أراضيها، مما جعل المنطقة الشمالية في سوريا في قبضة جبهة النصرة، لذلك فالغرب اعتمادًا على الأردن صاحبة السجل العريق في الولاء للغرب، سيعمل على تقوية الجنوب، ليعادل به تأثير الجهاديين في الشمال، لذلك لم يكن مستغربًا تلكم التصريحات المتوترة والقلقة من ملك الأردن عبد الله الثاني تجاه بلاد الربيع العربي عامة، وتعهداته وتأكيداته بأن هدفه في الحياة هو محاربة التيارات الإسلامية، ومنع وصول الإسلاميين إلى حكم بلاد الشام بأي ثمن.
جبهة النصرة السورية تحارب من كل اتجاه من الغرب ومن الشرق، ومع ذلك هي الفصيل الأكثر تأثيرًا وتنظيمًا وشعبية في صفوف الثوار السوريين، فالجبهة بدت أكثر نضجًا وفهمًا للشأن السوري، وقد استفاد المجاهدون من أخطائهم السابقة في العراق والتي أدت في النهاية لتلاشي وجودهم وجهودهم، فالشباب السوري يسارع الآن للانضمام إلى هذا التنظيم القوي، بسبب إخلاص وتضحية ونقاء مجاهدي النصرة، وأيضًا الساسة السوريون في الداخل والخارج يؤيدون هذه الجبهة ويرفضون الاتهامات الموجهة إليها من الغرب وأذياله، حتى أن الشيخ معاذ الخطيب زعيم الائتلاف المعارض أدان وضع الجبهة على قائمة الإرهاب، ورفضها بشدة، مما كلفه منصبه بإجباره على تقديم الاستقالة، وإن كان تراجع عنها لاحقًا، ولكنه في حكم المستقيل، وكذلك رفض الخطوة ذاتها العقيد رياض الأسعد قائد الجيش الحر، مما كلفه ثمنًا باهظًا بمحاولة اغتياله لإلصاق التهمة في جبهة النصرة، وهي الجريمة التي فقد خلالها الأسعد ساقه اليمنى كلها.
كل تلك الجهود المبذولة، والأموال المدفوعة والتدريبات من أمريكا وحلفائها الأوروبيين والخليجيين، من أجل التصدي لجبهة لا يتجاوز عدد منتسبيها الأربعة آلاف مقاتل، تؤكد على حقيقة واحدة، وهي أن الجهاد والمجاهدين وكل من يتبنَّى هذا الفكر، ويتبع هذه الإستراتيجية في تخليص الأمة من أسر التبعية الغربية، هو العدو الحقيقي لأمريكا وحلفائها، وهو الكابوس الذي يقض مضاجعهم أينما وُجِد وحلَّ، فالجهاد كان وما زال فزَّاعة أعداء الأمة، فهل أدرك القائمون على شئونها هذه الحقيقة أيضًا؟ أعتقد "لا".
فزاعة أرض الشام