نحو تفسير أسهل
الدكتور عائض القرني
سورة القيامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿1﴾
أقسم قسماً بيوم الجزاء والحساب ، وزمن الثواب والعقاب ، يوم تقوم الساعة ويقع الفصل بين الناس.
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴿2﴾
وأقسم بالنفس المؤمنة التقية التي تلوم صاحبها على التقصير في الطاعة وفعل المعصية ، فيندم ويتحسر لتأنيبها له.
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴿3﴾
أيظن الكافر إذا تفتت عظامه في المقابر ، أن الله على جمعها ليس بقادر ، استبعاداً منه لليوم الآخر؟
بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴿4﴾
بلى سيجمعها الذي خلقها أول مرة ، وسيعيدها كما بدأها ، والله قادر على أن يجمع بنان الأصابع وهو أصغر الأعضاء الدقيقة ، فكيف بالكبار ، فإعادتها أيسر ، والكل عليه يسير سبحانه .
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴿5﴾
ولكن الإنسان يريد أن يبقى على الجحود فيما يستقبل من أيام عمره ، ويستمر على الفجور حتى أمام ما ينتظره من أهوال .
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿6﴾
يسأل الكافر المنكر: متى هذه القيامة ،استبعاداً وجحوداً وهي قريبة النزول ، وشيكة الوقوع ، وهم في غفلة عنها.
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﴿7﴾
إذا تحيَّر البصر ، ودهش الفكر ، وأصاب الإنسان ذهول ، وغطِّى على الرؤية ما حجبها من مشاهد الفزع.
وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴿8﴾
وذهب نور القمر، وانطمس ضياؤه ، واسود سناؤه ، فأظلم وجهه إيذاناً بقيام الساعة.
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴿9﴾
وألّف بين الشمس والقمر ، فطلعا من من الغرب مظلمين أصابهما الخسوف ، ومحقهما الكسوف ساعة الفزع والخوف.
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴿10﴾
حينها يصيح الإنسان لما شاهد تغير الأكوان ، أين المهرب من العذاب؟ أين المفر من يوم الحساب.
كَلَّا لَا وَزَرَ ﴿11﴾
ليس هناك مفر ـ أيها الأنسان ـ ولا ملجأ ولا منجى مما قدَّره الرحمن ، فالمفر الى الله ، والجمع عنده والحساب لديه.
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴿12﴾
إلى الله وحده منتهى الخليقة ، ومصير البشر ، ومرد الجميع ، ليحاسب كلاً بما فعل من خير وشر .
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴿13﴾
حينها يُخبر الإنسان بما عمل في الدنيا من صلاح وفساد ، وما قدمه أمامه من أعمال وماخلفه بعده من أولاد ومال.
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿14﴾
بَلِ الْإِنْسَانُ يشهد عَلَىٰ نَفْسِهِ ،فجوارحه تنطق بما فعل ، فهو خصيم نفسه ، وعلمه حجيجه ، وأعضاؤه خصومه.
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ﴿15﴾
ولو حضر واعتذر بكل ما يقدر عليه من المعاذير فلن تنفعه ، لأن الحجة قامت عليه ، فلن يُقبل عذره.
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿16﴾
لَا تُحَرِّكْ ـ أيها النبي ـ بالقرآن لِسَانَك ، لتتعجل حفظه ، وتبادر النسيان خوفاً أن يضيع منك القرآن .
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿17﴾
فالله متكفل لك بجمع القرآن في صدرك ، وأن تقرأه بلسانك في ليلك ونهارك بلا نسيان .
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴿18﴾
فإذا تلا جبريل عليك القرآن فاستمع لتلاوته ، وأنصت لقراءته ، وفيه أن القرآن يؤخذ بالتلقين من العالم .
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾
ثم إن الله تكفل بتوضيح ما أشكل من القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفهيمه ما أبهم ، وبيان ما أجمل من المعاني والأحكام .
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴿20﴾
ليس الأمر كما ادعيتم ، لكنكم تحبون الدنيا وزينتها ، وتؤثرون شهواتها ، وهي عاجلة لسرعة انقضائها وتصرُّمها وقصر عمرها.
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴿21﴾
وتتركون العمل للآخرة ، وتغفلون عن الاستعداد لها بالعمل الصالح ، متشاغلين باللهو واللعب.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴿22﴾
وجوه المؤمنين يوم القيامة مشرقة مسفرة ، حسنة ناعمة ، قد سطع عليها النور ، وجللها السرور.
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿23﴾
ترى الله ـ سبحانه ـ بالأبصار إكراماً منه ـ سبحانه ـ لهم على حسن الأعمال ، فلا يجدون لذةً أعظم ، ولا سروراً أتم من رؤيتهم لربهم جل في علاه .
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ﴿24﴾
ووجوه الكفار في ذاك اليوم عابسة مسودة كالحة ، غشيتها غبرة الذل والصغار ، وغطتها قترة الخوف والعار .
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴿25﴾
تتوقع أن تنزل بها داهية من الدواهي تقصم فقار الظهر ، لهول ما تشاهد ولسوء أفعالها ، فهي تنتظر أشد العذاب وأفظع العقاب.
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴿26﴾
حقاً إذا بلغت الروح أعلى الصدر وهي الترقوة ، حينها يشتد الكرب ، ويعظم الخطب ، وهي لحظة السكرات والكربات.
وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ ﴿27﴾
وقال بعضهم ممن حضر الميت وهو في النزع ، هل من راقٍ يرقيه ، وطبيب يشفيه مما هو فيه؟ والحقيقة أن لا راقياً ينفع ولا طبيباً يدفع.
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴿28﴾
وأيقن المُحتَضر وهو في سياق الموت بالفراق والفوت ، وتأكد من الرحيل لما بارت الحيل في دوائه ، وبطلت الوسائل في علاجه.
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴿29﴾
وتتابعت عليه الشدائد ، وتوالت عليه المصائب ، واتصلت شدة الدنيا بشدة الآخرة ، واصطكت ساقاه عند نزول الموت .
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴿30﴾
إلى الله المعاد ، وإليه يُساق العباد ، ليقع الحساب ، ويكون الفصل ، ويتم الجزاء العادل لكل عامل.
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ﴿31﴾
فَلَا صَدَّقَ بكتاب الله وَلَا صَلَّىٰ لله فأضمر التكذيب ، وأظهر العصيان ، فمعتقده باطل ، وعمله فاسد ، فهو قبيح الباطن والظاهر.
وَلَٰكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿32﴾
كَذَّبَ بالقرآن وأعرض عن الإيمان ، فردُّه أقبح رد ، وفعله أسوأ فعل ، جحد بالرسالة ، واخنار الضلالة .
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ ﴿33﴾
ثم سار إِلَىٰ أَهْلِهِ في الدنيا متكبراً متجبراً مغتبطاً بدنياه ، تبختر في مشيته ، وعظم في نفسه ، لعدم الخوف من ربه .
أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﴿34﴾
ويلٌ لك ثم ويل ، وهلاك بعده هلاك ، وهو تهديد ووعيد بالعذاب الشديد والعقاب الأكيد .
ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﴿35﴾
ثم ويلٌ لك بعد ويل ، وهلاك يتبعه هلاك ، ودمار وعار وشنار ، وخلود في النار لكل كافر جبار.
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴿36﴾
أَيَظنُ الْإِنْسَانُ أَنه سوف يُتْرَك هملاً لا يؤمر ولاينهى ولا يحاسب ولا يعاقب ، بل لابد له من شريعة يعمل بها ، ودين يتحاكم إليه .
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ ﴿37﴾
أما كان الإنسان في أول النشأة نطفة ضعيفة من ماء مهين فلماذا لا يتفكر في هذا الأصل؟ ويتدبر ويشكر ولا يكفر ويدع التكبر.
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿38﴾
ثم جعله الله علقة من دم جامد مخلقة بقدرته وتمام حكمته ، وسوى صورته وأبدع شكله في أحسن تقويم .
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﴿39﴾
فجعل الله من الإنسان صنفين : الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ليدوم التوالد ، ويحصل النماء ، وتستمر الخليقة في البقاء .
أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ﴿40﴾
أليس الله الذي خلق الإنسان وصوّره في أطوار بقادر على إعادته بعد موته ، وبعثه بعد فنائه؟ بلى والله ، إنه لقادر ، ونحن على ذلك من الشاهدين .
الدكتور عائض القرني
سورة القيامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿1﴾
أقسم قسماً بيوم الجزاء والحساب ، وزمن الثواب والعقاب ، يوم تقوم الساعة ويقع الفصل بين الناس.
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴿2﴾
وأقسم بالنفس المؤمنة التقية التي تلوم صاحبها على التقصير في الطاعة وفعل المعصية ، فيندم ويتحسر لتأنيبها له.
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴿3﴾
أيظن الكافر إذا تفتت عظامه في المقابر ، أن الله على جمعها ليس بقادر ، استبعاداً منه لليوم الآخر؟
بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴿4﴾
بلى سيجمعها الذي خلقها أول مرة ، وسيعيدها كما بدأها ، والله قادر على أن يجمع بنان الأصابع وهو أصغر الأعضاء الدقيقة ، فكيف بالكبار ، فإعادتها أيسر ، والكل عليه يسير سبحانه .
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴿5﴾
ولكن الإنسان يريد أن يبقى على الجحود فيما يستقبل من أيام عمره ، ويستمر على الفجور حتى أمام ما ينتظره من أهوال .
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿6﴾
يسأل الكافر المنكر: متى هذه القيامة ،استبعاداً وجحوداً وهي قريبة النزول ، وشيكة الوقوع ، وهم في غفلة عنها.
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﴿7﴾
إذا تحيَّر البصر ، ودهش الفكر ، وأصاب الإنسان ذهول ، وغطِّى على الرؤية ما حجبها من مشاهد الفزع.
وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴿8﴾
وذهب نور القمر، وانطمس ضياؤه ، واسود سناؤه ، فأظلم وجهه إيذاناً بقيام الساعة.
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴿9﴾
وألّف بين الشمس والقمر ، فطلعا من من الغرب مظلمين أصابهما الخسوف ، ومحقهما الكسوف ساعة الفزع والخوف.
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴿10﴾
حينها يصيح الإنسان لما شاهد تغير الأكوان ، أين المهرب من العذاب؟ أين المفر من يوم الحساب.
كَلَّا لَا وَزَرَ ﴿11﴾
ليس هناك مفر ـ أيها الأنسان ـ ولا ملجأ ولا منجى مما قدَّره الرحمن ، فالمفر الى الله ، والجمع عنده والحساب لديه.
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴿12﴾
إلى الله وحده منتهى الخليقة ، ومصير البشر ، ومرد الجميع ، ليحاسب كلاً بما فعل من خير وشر .
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴿13﴾
حينها يُخبر الإنسان بما عمل في الدنيا من صلاح وفساد ، وما قدمه أمامه من أعمال وماخلفه بعده من أولاد ومال.
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿14﴾
بَلِ الْإِنْسَانُ يشهد عَلَىٰ نَفْسِهِ ،فجوارحه تنطق بما فعل ، فهو خصيم نفسه ، وعلمه حجيجه ، وأعضاؤه خصومه.
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ﴿15﴾
ولو حضر واعتذر بكل ما يقدر عليه من المعاذير فلن تنفعه ، لأن الحجة قامت عليه ، فلن يُقبل عذره.
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿16﴾
لَا تُحَرِّكْ ـ أيها النبي ـ بالقرآن لِسَانَك ، لتتعجل حفظه ، وتبادر النسيان خوفاً أن يضيع منك القرآن .
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿17﴾
فالله متكفل لك بجمع القرآن في صدرك ، وأن تقرأه بلسانك في ليلك ونهارك بلا نسيان .
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴿18﴾
فإذا تلا جبريل عليك القرآن فاستمع لتلاوته ، وأنصت لقراءته ، وفيه أن القرآن يؤخذ بالتلقين من العالم .
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾
ثم إن الله تكفل بتوضيح ما أشكل من القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفهيمه ما أبهم ، وبيان ما أجمل من المعاني والأحكام .
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴿20﴾
ليس الأمر كما ادعيتم ، لكنكم تحبون الدنيا وزينتها ، وتؤثرون شهواتها ، وهي عاجلة لسرعة انقضائها وتصرُّمها وقصر عمرها.
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴿21﴾
وتتركون العمل للآخرة ، وتغفلون عن الاستعداد لها بالعمل الصالح ، متشاغلين باللهو واللعب.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴿22﴾
وجوه المؤمنين يوم القيامة مشرقة مسفرة ، حسنة ناعمة ، قد سطع عليها النور ، وجللها السرور.
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿23﴾
ترى الله ـ سبحانه ـ بالأبصار إكراماً منه ـ سبحانه ـ لهم على حسن الأعمال ، فلا يجدون لذةً أعظم ، ولا سروراً أتم من رؤيتهم لربهم جل في علاه .
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ﴿24﴾
ووجوه الكفار في ذاك اليوم عابسة مسودة كالحة ، غشيتها غبرة الذل والصغار ، وغطتها قترة الخوف والعار .
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴿25﴾
تتوقع أن تنزل بها داهية من الدواهي تقصم فقار الظهر ، لهول ما تشاهد ولسوء أفعالها ، فهي تنتظر أشد العذاب وأفظع العقاب.
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴿26﴾
حقاً إذا بلغت الروح أعلى الصدر وهي الترقوة ، حينها يشتد الكرب ، ويعظم الخطب ، وهي لحظة السكرات والكربات.
وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ ﴿27﴾
وقال بعضهم ممن حضر الميت وهو في النزع ، هل من راقٍ يرقيه ، وطبيب يشفيه مما هو فيه؟ والحقيقة أن لا راقياً ينفع ولا طبيباً يدفع.
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴿28﴾
وأيقن المُحتَضر وهو في سياق الموت بالفراق والفوت ، وتأكد من الرحيل لما بارت الحيل في دوائه ، وبطلت الوسائل في علاجه.
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴿29﴾
وتتابعت عليه الشدائد ، وتوالت عليه المصائب ، واتصلت شدة الدنيا بشدة الآخرة ، واصطكت ساقاه عند نزول الموت .
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴿30﴾
إلى الله المعاد ، وإليه يُساق العباد ، ليقع الحساب ، ويكون الفصل ، ويتم الجزاء العادل لكل عامل.
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ﴿31﴾
فَلَا صَدَّقَ بكتاب الله وَلَا صَلَّىٰ لله فأضمر التكذيب ، وأظهر العصيان ، فمعتقده باطل ، وعمله فاسد ، فهو قبيح الباطن والظاهر.
وَلَٰكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿32﴾
كَذَّبَ بالقرآن وأعرض عن الإيمان ، فردُّه أقبح رد ، وفعله أسوأ فعل ، جحد بالرسالة ، واخنار الضلالة .
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ ﴿33﴾
ثم سار إِلَىٰ أَهْلِهِ في الدنيا متكبراً متجبراً مغتبطاً بدنياه ، تبختر في مشيته ، وعظم في نفسه ، لعدم الخوف من ربه .
أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﴿34﴾
ويلٌ لك ثم ويل ، وهلاك بعده هلاك ، وهو تهديد ووعيد بالعذاب الشديد والعقاب الأكيد .
ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﴿35﴾
ثم ويلٌ لك بعد ويل ، وهلاك يتبعه هلاك ، ودمار وعار وشنار ، وخلود في النار لكل كافر جبار.
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴿36﴾
أَيَظنُ الْإِنْسَانُ أَنه سوف يُتْرَك هملاً لا يؤمر ولاينهى ولا يحاسب ولا يعاقب ، بل لابد له من شريعة يعمل بها ، ودين يتحاكم إليه .
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ ﴿37﴾
أما كان الإنسان في أول النشأة نطفة ضعيفة من ماء مهين فلماذا لا يتفكر في هذا الأصل؟ ويتدبر ويشكر ولا يكفر ويدع التكبر.
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿38﴾
ثم جعله الله علقة من دم جامد مخلقة بقدرته وتمام حكمته ، وسوى صورته وأبدع شكله في أحسن تقويم .
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﴿39﴾
فجعل الله من الإنسان صنفين : الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ليدوم التوالد ، ويحصل النماء ، وتستمر الخليقة في البقاء .
أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ﴿40﴾
أليس الله الذي خلق الإنسان وصوّره في أطوار بقادر على إعادته بعد موته ، وبعثه بعد فنائه؟ بلى والله ، إنه لقادر ، ونحن على ذلك من الشاهدين .