تقلب الذين كفروا في النعمة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
كثيراً ما نسمع من بعض المسلمين سؤالاً يتكرر، ليس فيه استنكار - وحاشا للمسلم أن يخرج عن إطار الأدب مع الله تعالى - إنما هو سؤال الجاهل بما يرى، ويودّ أن يكون على هدى من الله وبصيرة ، يقول السائل : هؤلاء الكفار يعيشون في نعمة وأمان ويسكن معظمهم البيوت الفارهة ويعيشون حياة الدعة والرفاهية ، وتراهم في بلدانهم أحراراً ، وبلادُهم جناتٌ وأنهار ، ونحن – المسلمين- أهل الدين الحق والعقيدة السليمة يعيش أكثرنا في ضنك وفقر، نجتر مآسينا المتزايدة ويحكمنا الطغاة وتتعسفنا الأمم الظالمة .
أما أنّ بلادنا يحكمها الظالمون فلأننا ابتعدنا عن ديننا وحاربنا ربنا بالمناكير، فزاد الفساد. وتخلّفت الكثرة الكاثرة عن الرجوع إلى ربهم ،فسلط الله تعالى علينا بذنوبنا من لا يخافه ولا يرحمنا ، وكيف ينصر الله قوماً يسمّون أنفسهم مسلمين وشرع الله غائب عنهم ،وقوانينهم التي تحكمهم مستوردة وترانا نحاربه – سبحانه- ثم نطلب منه النصر ! والقاعدة القرآنية تعلن { ولينصًرَنّ اللهُ من ينصره } ، { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .
لن نقف كثيراً في هذه النقطة لوضوحها، لكنني رغبت أن نقف على السؤال الذي طرحه الكثير وذكرناه قبل قليل في تنعم الكفار في الدنيا ،وحياة عموم المسلمين البائسة ، فأذكر قوله تعالى في سورة آل عمران في الآيتين ( 196-197) { لا يغرنّك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } فأورد باختصار ما قاله المفسران الجليلان ابن كثير والقرطبي رحمهما الله مع شيء من التعليق :
يقول ابن كثير: قال تعالى لا تنظر إلى ترف هؤلاء الكفار من النعمة والغبطة والسرور فعمّا قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة .ويذكر القرطبي: أنّ الله يعجل لهم المتاع ، والمتاع ما يُنتفع به ،ثم يزول ، وسماه القرآن متاعاً قليلاً لأنه فانِ ،وكل فانٍ قليلٌ وإن كان كثيراً .
ثم يعلق ابن كثير قائلاً :فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا وجميع ما هم فيه { متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } وهذه الآية كقوله تعالى: { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } وقوله سبحانه { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } وقوله تعالى: { نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } ويقول تعالى: { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } والروَيدُ : القليل. وكقوله تعالى { أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين } . وأنبه إلى أن الآيات الأولى ذكرت (المتاع) الذي ينتهي ، ولا خير فيما ينتهي فهو القليل وإن كثُر ، وتأمل في قوله تعالى { أمهلهم رويدا }، إنه عطاء دنيوي وعذاب أُخرَويّ.
وينقل القرطبي عن الترمذي ما رواه المستورد الفهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع " وبماذ ترجع الأصبع ؟! هذا ما يأخذه الكافر في الدنيا ، والدنيا دار ابتلاء والآخرة للمتقين ، والكافرون ليس لهم في الآخرة إلا النار ، فليأخذوا نصيبهم في الدنيا فقط. وهذا من عدل الله تعالى في عباده ، فالكفار بشر يعملون أحياناً أو أحايين كثيرة خيراً لا يقوم على الاعتقاد الصحيح والإيمان السليم ، فينالون أجرهم في حياتهم الدنيا وليس لهم في الآخرة من خلاق. سوى لظى النار الخالد. وتأمل معي قوله تعالى ( وكذلك نجزي الظالمين ، لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ، وكذلك نجزي الظالمين) فمن ابتعد عن الحق وكفر بنعمة الله كانت النار مأواه الدائم . وبئس ما مهدوا لأنفسهم فخسروها. وما حياتهم الرغيدة في الدنيا إلا استدراجاً ، ألم يقل الله تعالى : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين }؟
ويوضح القرطبي الفكرة قائلاً " إن الكفار غير منعم عليهم في الدنيا حقيقة ، لأن حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة , ونِعَمُ الكفار مشوبة بالآلام والعقوبات , فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم , فهو وإن استلذ آكله لا يقال : أنعِمَ عليه ; لأن فيه هلاك روحه
ويورد القرطبي رحمه الله فائدة جليلة فيقول :" فالنِّعَم ضربان : نِعَمُ نفع، ونِعَم دفع ; فنعم النفع ما وصل إليهم من فنون اللذات , ونعم الدفع ما صرف عنهم من أنواع الآفات . فعلى هذا قد أنعم على الكفار نعم الدفع قولا واحدا ; وهو ما زوي عنهم من الآلام والأسقام , ولا خلاف في أنه – سبحانه- لم ينعِم عليهم نعمة دينه . أما المسلمون فلهم في الآخرة – قولاً واحداً – نِعَم النفع الخالدة التي لا تنفد . والآخرة دار الثواب أبد الآبدين ، وشتان ما بين المتاع والبقاء .
والدنيا دار ابتلاء ، وللابتلاء والاختبار زمان ومكان محددان ، ثم يأتي النعيم المقيم .... ولا أظن عاقلاً يفضل عاجلاً على آجل ، ويستبدل قليلاً بكثير ، فما وعد الله به عباده المؤمنين إن أحسنوا عقيدة وعملاً خيرٌ كثير... ووعد العظيم عظيم ،
أما أنّ بلادنا يحكمها الظالمون فلأننا ابتعدنا عن ديننا وحاربنا ربنا بالمناكير، فزاد الفساد. وتخلّفت الكثرة الكاثرة عن الرجوع إلى ربهم ،فسلط الله تعالى علينا بذنوبنا من لا يخافه ولا يرحمنا ، وكيف ينصر الله قوماً يسمّون أنفسهم مسلمين وشرع الله غائب عنهم ،وقوانينهم التي تحكمهم مستوردة وترانا نحاربه – سبحانه- ثم نطلب منه النصر ! والقاعدة القرآنية تعلن { ولينصًرَنّ اللهُ من ينصره } ، { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .
لن نقف كثيراً في هذه النقطة لوضوحها، لكنني رغبت أن نقف على السؤال الذي طرحه الكثير وذكرناه قبل قليل في تنعم الكفار في الدنيا ،وحياة عموم المسلمين البائسة ، فأذكر قوله تعالى في سورة آل عمران في الآيتين ( 196-197) { لا يغرنّك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } فأورد باختصار ما قاله المفسران الجليلان ابن كثير والقرطبي رحمهما الله مع شيء من التعليق :
يقول ابن كثير: قال تعالى لا تنظر إلى ترف هؤلاء الكفار من النعمة والغبطة والسرور فعمّا قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة .ويذكر القرطبي: أنّ الله يعجل لهم المتاع ، والمتاع ما يُنتفع به ،ثم يزول ، وسماه القرآن متاعاً قليلاً لأنه فانِ ،وكل فانٍ قليلٌ وإن كان كثيراً .
ثم يعلق ابن كثير قائلاً :فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا وجميع ما هم فيه { متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } وهذه الآية كقوله تعالى: { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } وقوله سبحانه { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } وقوله تعالى: { نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } ويقول تعالى: { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } والروَيدُ : القليل. وكقوله تعالى { أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين } . وأنبه إلى أن الآيات الأولى ذكرت (المتاع) الذي ينتهي ، ولا خير فيما ينتهي فهو القليل وإن كثُر ، وتأمل في قوله تعالى { أمهلهم رويدا }، إنه عطاء دنيوي وعذاب أُخرَويّ.
وينقل القرطبي عن الترمذي ما رواه المستورد الفهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع " وبماذ ترجع الأصبع ؟! هذا ما يأخذه الكافر في الدنيا ، والدنيا دار ابتلاء والآخرة للمتقين ، والكافرون ليس لهم في الآخرة إلا النار ، فليأخذوا نصيبهم في الدنيا فقط. وهذا من عدل الله تعالى في عباده ، فالكفار بشر يعملون أحياناً أو أحايين كثيرة خيراً لا يقوم على الاعتقاد الصحيح والإيمان السليم ، فينالون أجرهم في حياتهم الدنيا وليس لهم في الآخرة من خلاق. سوى لظى النار الخالد. وتأمل معي قوله تعالى ( وكذلك نجزي الظالمين ، لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ، وكذلك نجزي الظالمين) فمن ابتعد عن الحق وكفر بنعمة الله كانت النار مأواه الدائم . وبئس ما مهدوا لأنفسهم فخسروها. وما حياتهم الرغيدة في الدنيا إلا استدراجاً ، ألم يقل الله تعالى : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين }؟
ويوضح القرطبي الفكرة قائلاً " إن الكفار غير منعم عليهم في الدنيا حقيقة ، لأن حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة , ونِعَمُ الكفار مشوبة بالآلام والعقوبات , فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم , فهو وإن استلذ آكله لا يقال : أنعِمَ عليه ; لأن فيه هلاك روحه
ويورد القرطبي رحمه الله فائدة جليلة فيقول :" فالنِّعَم ضربان : نِعَمُ نفع، ونِعَم دفع ; فنعم النفع ما وصل إليهم من فنون اللذات , ونعم الدفع ما صرف عنهم من أنواع الآفات . فعلى هذا قد أنعم على الكفار نعم الدفع قولا واحدا ; وهو ما زوي عنهم من الآلام والأسقام , ولا خلاف في أنه – سبحانه- لم ينعِم عليهم نعمة دينه . أما المسلمون فلهم في الآخرة – قولاً واحداً – نِعَم النفع الخالدة التي لا تنفد . والآخرة دار الثواب أبد الآبدين ، وشتان ما بين المتاع والبقاء .
والدنيا دار ابتلاء ، وللابتلاء والاختبار زمان ومكان محددان ، ثم يأتي النعيم المقيم .... ولا أظن عاقلاً يفضل عاجلاً على آجل ، ويستبدل قليلاً بكثير ، فما وعد الله به عباده المؤمنين إن أحسنوا عقيدة وعملاً خيرٌ كثير... ووعد العظيم عظيم ،