نحو تفسير أسهل
الدكتور عائض القرني
سورة الْمُرْسَلَات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴿1﴾
أقسم الله تعالى بالرياح إذا هبت بعضها يتبع بعضاّ ، كعرف الفرس في التتابع ، وهو الذي أرسلها .
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ﴿2﴾
وأقسم سبحانه بالريح شديدة الهبوب ، عنيفة السير التي تعصف بما يقابلها وتهلكه وتدمره ، وهي أعتى الريح .
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴿3﴾
وأقسم سبحانه بالرياح التي تنشر السحاب وتسوقه وتفرقه ليسقي به بلد ميت ، وهي تنشر الأمطار في الأقطار .
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ﴿4﴾
و أقسم الله تعالى بالملائكة التي تأتي بالوحي تفرِق به بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، والإيمان والكفر .
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ﴿5﴾
و أقسم سبحانه بالملائكة التي تلقي الوحي من الله إلى الأنبياء ، وسمي ذكراّ لشرفه ، ولأنه يذكر الغافل والاهي والناسي .
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴿6﴾
والذكر فيه إعذار من الله إلى الخليقة ، وقطع احتياجاتهم بعدم الإرسال ، وإنذار لهم من عذاب شديد إن لم يؤمنوا .
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴿7﴾
إن الذي توعَدونه من القيامة وما فيها من مشاهد وأحداث كائن لا محالة وحاصل لا راد له .
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴿8﴾
فإذا النجوم أظلمت وذهب ضياؤها فأصبحت مسودة إيذاناً بقيام الساعة .
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ﴿9﴾
وإذا السماء تصدًعت وتشققت فصارت أبواباّ وذهب هذا السقف المحكم والبناء الشديد .
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴿10﴾
وإذا الجبال دُكَت وتناثرت في الهواء كالهباء وتطايرت في السماء كالسراب في الصحراء.
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴿11﴾
وَإِذَا الرُّسُلُ وُقت أو قُرر أو عُين لهم أجل معلوم للحكم بينهم وبين الأمم ، فأي يوم عظيم هذا اليوم الذي صار وقتاً للرسل ؟!!
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ﴿12﴾
ياله من يوم عظيم أُخرت فيه الرسل ليفصل الله بينهم وبين أقدامهم ، فيومٌ هذا شأنه يوم كبير جليل.
لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴿13﴾
أُخرت الرسل ليوم يفصل الله فيه بينهم وبين أقوامهم ، فمن أطاع نجا ، ومن عصا هلك.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴿14﴾
وما أنبأك ـ أيها الإنسان ـ بهذا اليوم وشدته وهوله ، أنت لا تعلم شأنه ولا تدري بما يحصل فيه!!
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿15﴾
هلاك عظيم وعذاب أليم لمن كذّب بهذا اليوم ، وجحد هذا المشهد الذي وعد الله به .
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ﴿16﴾
أما أهلكنا من سبقهم بالتكذيب كقوم نوح وعاد وثمود فقطعنا دابرهم وأبد نا خضراءهم.
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ﴿17﴾
ثم نهلك الأخرين فمن أتى بعدهم وكذّب المرسلين فنجعلهم كالسابقين بجامع التكذيب .
كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴿18﴾
وهذه سنة الله في كل مجرم وعادته في كل مكذِب ، ويشمل هذا كفار مكة فعقابهم كعقاب كعقاب من قبلهم .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿19﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بإلوهية الواحد القهار ورسالة النبي المختار صلى الله عليه وسلم ، في الدنيا خزي وفي الآخرة نار .
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴿20﴾
أما خلقناكم من ماء حقير في أصله ومكانه ، وهو النطفة ، فلماذا التجبر والتكبر والجحود؟
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴿21﴾
فوضعنا هذا الماء في محل حصين وهو رحم المرأة ، محفوظ من الآفات ، مصون عن التلف .
إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴿22﴾
إلى أجل مسمى ووقت معلوم ، وهو وقت الحمل بحساب دقيق دال على الحكمة .
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴿23﴾
فَقَدَرْنَا على الخلق والتصوير مع حسن التدبير في الحمل والولادة ، فما أعظم المقدر ، وأنعِم من مدبِّر .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿24﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بقدرة الواحد القهار في خلق الإنسان وخلقه في جميع الأطوار.
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ﴿25﴾
أما جعلنا الأرض ضامة للأحياء على ظهرها ، والأموات في باطنها ، أحياء لا يحصون وأموات لا يحصون .
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴿26﴾
أحياء على ظهرها ، يشربون ويسرحون ويمرحون ، وأمواتاً في جوفها يُنعَّمون أو يُعذَّبون ، ويُحاسبون ويُسألون .
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴿27﴾
وَجَعَلْنَا فِي الأرض جبالاً ثابتة في الأعماق ، طويلة في الآفاق ، رست أصولها وطالت رؤوسها ، وجعلنا لكم ماءً عذباً زلالاً تشربونه ، فمن الصخر تفجر النهر.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿28﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بقدرتنا في خلق الأرض بطبقاتها ، من الأحياء والأموات ، وخلق الجبال الرواسي ، والماء العذب .
انْطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿29﴾
سيروا إلى نار جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا ، اليوم ترونها رأي العين ، وتصلون حرها.
انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ﴿30﴾
سيروا إلى ظل من دخان جهنم العظيم قد انقسم ثلاثة أقسام ، فاستظلوا به ، وهو حر شديد ولهب رهيب .
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴿31﴾
لا يُظل من الحر ولا يغني من اللهب ، فالحر يشوي الوجوه واللهب يحرق الأجسام ، والدخان يسد الأنفاس ويخنق الناس.
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ﴿32﴾
إن جهنم ترمي في سمائها بشرَر ، كل شرارة مثل القصر العظيم في البناء الشاهق في السماء ، فهذا الشرر ، فكيف النار!!
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴿33﴾
كأنه إبل عظيمة سود تميل إلى الصفرة ، قد اسودت النار من غضب الجبار ، فقذفت بالمسود من الشرار.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿34﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بهذه النار وما فيها من دخان وشرار كأنه القصور أو الإبل الكبار.
هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ﴿35﴾
هذا يوم القيامة الذي لا ينطق فيه الكافر بكلام ينفعه ، فليس له حجة تقال ، ولا عذر يقبل.
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴿36﴾
ولا يسمح لهم بالكلام في ذلك المقام ، فيعتذرون ، لأنه ليس لهم عذر، إذاُ الكلام غير نافع والإذن به غير وارد.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿37﴾
هلاك ودمار لمن يكذًب بما جاء في هذا اليوم من عدم نطق الكافرين وعدم السماح لهم بالعذر فيعتذرون.
هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ﴿38﴾
هذا يوم يفصل الله فيه بين الخلائق ، جمعنا اللاحقين والسابقين والأولين والمتأخرين ، ليوفي الله كلاً بما فعل.
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ﴿39﴾
إن كان لكم حيلة فاحتالوا الأن ، وإن كان عندكم مخرج من العذاب فاسلكوه ، لتنجوا من بطش الله وعذابه ، بل لا قوة لكم ولا منعة.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿40﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بما ذكر من جميع الأولين والآخرين ، وعدم قدرة الكافر على الإحتيال على الواحد القهار.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴿41﴾
إِنَّ الْمُتَّقِينَ لربهم بفعل أوامره واجتناب نواهيه في ظلال الأشجار الباسقة ، والبساتين الغناء ، والحدائق الفيحاء ، ولهم عيون صافية عذبة جارية.
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴿42﴾
ولهم في الجنة فواكه كثيرة لذيذة ، يشتهونها بمذاقات شتى ، وطعوم مختلفة ، مع الأمن والسرور والنعيم والحبور .
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿43﴾
يُقال لهم : كلوا من أطيب الطعام وأحسنه ، واشربوا من ألذ الشراب وأحلاه ، معه الهناء والرضا ، بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا ، فهذا ثواب لذاك السعي المشكور.
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿44﴾
بمثل هذا الجزاء من النعماء والأمن والرخاء والسلامة والسراء يُجازى كل محسن في عمله متبع لرسوله خائف من ربه.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿45﴾
هلاك ودمار لمن أنكر ما ذكر من نعيم للمتقين أعده الله للمحسنين .
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ﴿46﴾
يُقال للكفار: كلوا يافجار من لذائذ هذه الدار في قصر من الأعمار ، فإن لذائذها منقطعة ونعيمها زائل.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿47﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بما ذكره الواحد القهار من أخبار الغيب.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ﴿48﴾
وإذا قيل للكفار: صلَّوا للملك الجبار وأطيعوه واتبعوا رسوله ، عصوا واستكبروا وجحدوا وأنكروا.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿49﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بالرسالة ، ورد الوحي وكفر به.
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴿50﴾
فَبِأَيِّ حديث بعد هذا القرآن المعجز المفحم المبارك البيِّن يؤمن هؤلاء الكفار؟ إذا لم يصدقوا بهذا الكتاب ، فلا تصديق لهم بكلام غيره.
الدكتور عائض القرني
سورة الْمُرْسَلَات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴿1﴾
أقسم الله تعالى بالرياح إذا هبت بعضها يتبع بعضاّ ، كعرف الفرس في التتابع ، وهو الذي أرسلها .
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ﴿2﴾
وأقسم سبحانه بالريح شديدة الهبوب ، عنيفة السير التي تعصف بما يقابلها وتهلكه وتدمره ، وهي أعتى الريح .
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴿3﴾
وأقسم سبحانه بالرياح التي تنشر السحاب وتسوقه وتفرقه ليسقي به بلد ميت ، وهي تنشر الأمطار في الأقطار .
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ﴿4﴾
و أقسم الله تعالى بالملائكة التي تأتي بالوحي تفرِق به بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، والإيمان والكفر .
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ﴿5﴾
و أقسم سبحانه بالملائكة التي تلقي الوحي من الله إلى الأنبياء ، وسمي ذكراّ لشرفه ، ولأنه يذكر الغافل والاهي والناسي .
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴿6﴾
والذكر فيه إعذار من الله إلى الخليقة ، وقطع احتياجاتهم بعدم الإرسال ، وإنذار لهم من عذاب شديد إن لم يؤمنوا .
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴿7﴾
إن الذي توعَدونه من القيامة وما فيها من مشاهد وأحداث كائن لا محالة وحاصل لا راد له .
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴿8﴾
فإذا النجوم أظلمت وذهب ضياؤها فأصبحت مسودة إيذاناً بقيام الساعة .
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ﴿9﴾
وإذا السماء تصدًعت وتشققت فصارت أبواباّ وذهب هذا السقف المحكم والبناء الشديد .
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴿10﴾
وإذا الجبال دُكَت وتناثرت في الهواء كالهباء وتطايرت في السماء كالسراب في الصحراء.
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴿11﴾
وَإِذَا الرُّسُلُ وُقت أو قُرر أو عُين لهم أجل معلوم للحكم بينهم وبين الأمم ، فأي يوم عظيم هذا اليوم الذي صار وقتاً للرسل ؟!!
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ﴿12﴾
ياله من يوم عظيم أُخرت فيه الرسل ليفصل الله بينهم وبين أقدامهم ، فيومٌ هذا شأنه يوم كبير جليل.
لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴿13﴾
أُخرت الرسل ليوم يفصل الله فيه بينهم وبين أقوامهم ، فمن أطاع نجا ، ومن عصا هلك.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴿14﴾
وما أنبأك ـ أيها الإنسان ـ بهذا اليوم وشدته وهوله ، أنت لا تعلم شأنه ولا تدري بما يحصل فيه!!
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿15﴾
هلاك عظيم وعذاب أليم لمن كذّب بهذا اليوم ، وجحد هذا المشهد الذي وعد الله به .
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ﴿16﴾
أما أهلكنا من سبقهم بالتكذيب كقوم نوح وعاد وثمود فقطعنا دابرهم وأبد نا خضراءهم.
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ﴿17﴾
ثم نهلك الأخرين فمن أتى بعدهم وكذّب المرسلين فنجعلهم كالسابقين بجامع التكذيب .
كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴿18﴾
وهذه سنة الله في كل مجرم وعادته في كل مكذِب ، ويشمل هذا كفار مكة فعقابهم كعقاب كعقاب من قبلهم .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿19﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بإلوهية الواحد القهار ورسالة النبي المختار صلى الله عليه وسلم ، في الدنيا خزي وفي الآخرة نار .
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴿20﴾
أما خلقناكم من ماء حقير في أصله ومكانه ، وهو النطفة ، فلماذا التجبر والتكبر والجحود؟
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴿21﴾
فوضعنا هذا الماء في محل حصين وهو رحم المرأة ، محفوظ من الآفات ، مصون عن التلف .
إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴿22﴾
إلى أجل مسمى ووقت معلوم ، وهو وقت الحمل بحساب دقيق دال على الحكمة .
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴿23﴾
فَقَدَرْنَا على الخلق والتصوير مع حسن التدبير في الحمل والولادة ، فما أعظم المقدر ، وأنعِم من مدبِّر .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿24﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بقدرة الواحد القهار في خلق الإنسان وخلقه في جميع الأطوار.
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ﴿25﴾
أما جعلنا الأرض ضامة للأحياء على ظهرها ، والأموات في باطنها ، أحياء لا يحصون وأموات لا يحصون .
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴿26﴾
أحياء على ظهرها ، يشربون ويسرحون ويمرحون ، وأمواتاً في جوفها يُنعَّمون أو يُعذَّبون ، ويُحاسبون ويُسألون .
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴿27﴾
وَجَعَلْنَا فِي الأرض جبالاً ثابتة في الأعماق ، طويلة في الآفاق ، رست أصولها وطالت رؤوسها ، وجعلنا لكم ماءً عذباً زلالاً تشربونه ، فمن الصخر تفجر النهر.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿28﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بقدرتنا في خلق الأرض بطبقاتها ، من الأحياء والأموات ، وخلق الجبال الرواسي ، والماء العذب .
انْطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿29﴾
سيروا إلى نار جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا ، اليوم ترونها رأي العين ، وتصلون حرها.
انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ﴿30﴾
سيروا إلى ظل من دخان جهنم العظيم قد انقسم ثلاثة أقسام ، فاستظلوا به ، وهو حر شديد ولهب رهيب .
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴿31﴾
لا يُظل من الحر ولا يغني من اللهب ، فالحر يشوي الوجوه واللهب يحرق الأجسام ، والدخان يسد الأنفاس ويخنق الناس.
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ﴿32﴾
إن جهنم ترمي في سمائها بشرَر ، كل شرارة مثل القصر العظيم في البناء الشاهق في السماء ، فهذا الشرر ، فكيف النار!!
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴿33﴾
كأنه إبل عظيمة سود تميل إلى الصفرة ، قد اسودت النار من غضب الجبار ، فقذفت بالمسود من الشرار.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿34﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بهذه النار وما فيها من دخان وشرار كأنه القصور أو الإبل الكبار.
هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ﴿35﴾
هذا يوم القيامة الذي لا ينطق فيه الكافر بكلام ينفعه ، فليس له حجة تقال ، ولا عذر يقبل.
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴿36﴾
ولا يسمح لهم بالكلام في ذلك المقام ، فيعتذرون ، لأنه ليس لهم عذر، إذاُ الكلام غير نافع والإذن به غير وارد.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿37﴾
هلاك ودمار لمن يكذًب بما جاء في هذا اليوم من عدم نطق الكافرين وعدم السماح لهم بالعذر فيعتذرون.
هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ﴿38﴾
هذا يوم يفصل الله فيه بين الخلائق ، جمعنا اللاحقين والسابقين والأولين والمتأخرين ، ليوفي الله كلاً بما فعل.
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ﴿39﴾
إن كان لكم حيلة فاحتالوا الأن ، وإن كان عندكم مخرج من العذاب فاسلكوه ، لتنجوا من بطش الله وعذابه ، بل لا قوة لكم ولا منعة.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿40﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بما ذكر من جميع الأولين والآخرين ، وعدم قدرة الكافر على الإحتيال على الواحد القهار.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴿41﴾
إِنَّ الْمُتَّقِينَ لربهم بفعل أوامره واجتناب نواهيه في ظلال الأشجار الباسقة ، والبساتين الغناء ، والحدائق الفيحاء ، ولهم عيون صافية عذبة جارية.
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴿42﴾
ولهم في الجنة فواكه كثيرة لذيذة ، يشتهونها بمذاقات شتى ، وطعوم مختلفة ، مع الأمن والسرور والنعيم والحبور .
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿43﴾
يُقال لهم : كلوا من أطيب الطعام وأحسنه ، واشربوا من ألذ الشراب وأحلاه ، معه الهناء والرضا ، بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا ، فهذا ثواب لذاك السعي المشكور.
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿44﴾
بمثل هذا الجزاء من النعماء والأمن والرخاء والسلامة والسراء يُجازى كل محسن في عمله متبع لرسوله خائف من ربه.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿45﴾
هلاك ودمار لمن أنكر ما ذكر من نعيم للمتقين أعده الله للمحسنين .
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ﴿46﴾
يُقال للكفار: كلوا يافجار من لذائذ هذه الدار في قصر من الأعمار ، فإن لذائذها منقطعة ونعيمها زائل.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿47﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بما ذكره الواحد القهار من أخبار الغيب.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ﴿48﴾
وإذا قيل للكفار: صلَّوا للملك الجبار وأطيعوه واتبعوا رسوله ، عصوا واستكبروا وجحدوا وأنكروا.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿49﴾
هلاك ودمار لمن كذًب بالرسالة ، ورد الوحي وكفر به.
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴿50﴾
فَبِأَيِّ حديث بعد هذا القرآن المعجز المفحم المبارك البيِّن يؤمن هؤلاء الكفار؟ إذا لم يصدقوا بهذا الكتاب ، فلا تصديق لهم بكلام غيره.