من 1954 الى اليوم ...مسيرة كفاح و أمل

الحاج سليمان 

صقور الدفاع
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
6,644
التفاعل
17,780 200 35
الدولة
Algeria
الجيش الوطني الشعبي...
من جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي

لم يؤسس جيش التحرير الوطني بمرسوم أوقرار فوقي، بل خرج من رحم المعاناة التي ألمت بالشعب الجزائْري جراء الاستعمار الفرنسي، وكذا الظروف المحيطة بالثورة والإستراتجية التي اعتمدتها لبلوغ هدفها المتمثل في الاستقلال الوطني .فتكون جيش التحرير الوطني من عناصر مؤمنة بالكفاح المسلح،عرفت كيف تستفيد من تجارب وتقاليد شعبها التواق للحرية.وأدركت تمام الإدراك انه لا يمكن تنظيم جيش كلاسيكي لمواجهة القوات الاستعمارية ، بل كانت ترى في الزخم الشعبي قوة حقيقية يمكن الاعتماد عليها من خلال تبنيها لقضيتها العادلة. وقد احذ قادة الثورة على عاتقهم مسؤولية وضع هياكل لجيش وطني تحريري ،وذلك بتشكيل مجموعات صغيرة قادرة على خوض حرب عصابات تبعا لظروف المعركة التي كان ينبغي خوضها مع الجيش الاستعماري، الذي كان متفوقا عدة وعددا. وكان السند الشعبي المتعاظم الذي لقيه جيش التحرير الوطني ،و ازدياد عدد المنخرطين في صفوفه إيمانا بالثورة ودفاعا عن الوطن،قد مكنه من متابعة مسيرة الكفاح وبدا في تحسين وتطوير هياكله بصفة تدريجية وفقا لمعطيات الحرب حتى حلول تاريخ 20 أوت 1956. إذا انعقد مؤتمر الصومام وتم إعداد قاعدة صلبة لهذا الجيش. حيث تم تشكيل وتنظيم بنيه ومعداته حسب مقتضيات المرحلة الجديدة في مسيرة الثورة. مما أعطى دينامكية للثورة المسلحة ومكن من رفع فعالية وحداته بشكل محسوس. وقد تجلت هذه الفعالية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من الحرب، خاصة بعد تزويده بمعدات وأسلحة متطورة ساهمت بقدر كبير في حسم المعركة لصالحه ضد الجيش الاستعماري وتحقيق الاستقلال الوطني.


ومع انجاز جيش التحرير لمهمته التي توجت بالاستقلال الوطني وحتمية تكوين جيش نظامي قادر على حماية هذا المكسب، أعلن عن تحوير جيش التحرير إلى الجيش الوطني الشعبي في الأيام الأولى الاستقلال وذلك بهدف وضع تشكيلاته تحت سلطة مركزية واحدة.
وأمام الأخطار التي واجهتها البلاد غداة الاستقلال والتي كانت تهدد التماسك الوطني والأمن الداخلي بسبب أعمال التخريب المادي الذي تعرضت له المؤسسات على يد الجيش السري وبتواطؤ مع الخونة

والقيام بأعمال الشغب وإشاعة الفوضى، كان على الجيش التحرير الوطني الشعبي تصفية هذه الجيوب وتحقيق الأمن والاستقرار، وتحمل في هذا الظرف العصيب مسؤولية تشغيل المرافق في جميع الظروف.

اضطلع الجيش الوطني الشعبي بمهامه وذلك بمشاركته الفعالة في مشروع الوطني الهادف إلى استكمال الاستقلال في جميع الميادين النشاط حيث قام بـ:

- سد شغور المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية و الإدارية.

- تطهير الحدود الشرقية والغربية من الألغام الممتدة على خطي شال وموريس وإزالة أثار الحرب المدمرة.

- بناء مرافق الخدمات و تقريبها من المواطنين لفك العزلة عنهم.

- رسم الحدود مع الدول المجاورة وتامين سلامتها.

كما كان الجيش الوطني الشعبي من وراء مسيرة الرحلة الطويلة التي لم تخل من المشاق من اجل القضاء على مخلفات قرن وثلث قرن من الاضطهاد والتعسف في أبشع صوره.

وبالموازاة مع هذه المهمة لم يتوان الجيش الوطني الشعبي في الاهتمام بالتكوين العسكري وتدعيم قدراته القتالية، فلم تمض السنة الأولى على الاستقلال حتى ظهرت إلى الوجود قيادة الدرك الوطني في اوت 1962 . ومصلحة الإشارة في 15 سبتمبر 1962. كما عين وزير الدفاع في 27 سبتمبر 1962 .
وفي اكتوبر 1962 وصلت إلى الجزائر وحدة صغيرة من الطائرات العمودية كما وصلت في نفس الشهر مجموعة من الطائرات المقاتلة.

في هذا الإطار شرع في إنشاء هياكل التكوين والتدريب وإرسال البعثات إلى الدول الشقيقة والصديقة لتتحرج من كبريات المدارس والمعاهد في مختلف التخصصات مشكلة بذلك أولى الطلائع التي ستؤطر الجيش الوطني الشعبي وتطوره تنظيما وتسليحا.


ومع انجاز جيش التحرير لمهمته التيولما ضبط إطار التكوين وبدأت المدارس تظهر إلى الوجود كمدرسة أشبال الثورة في ماي 1963 والكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال في جوان 1963،ثم تلاها إنشاء هياكل التكوين الأخرى في مختلف الأسلحة بما يستجيب لمتطلبات الجيوش الحديثة والتقنيات العسكرية المعاصرة والتزويد بالأسلحة والتجهيزات المتطورة .أخذت جموع الشباب تتدفق للانخراط في صفوف الجيش الوطني الشعبي، خاصة في الأسلحة التقنية مثل الطيران، البحرية، الهندسة العسكرية، الإشارة ... وغيرها.

والقيام بأعمال الشغب وإشاعة الفوضى، كان على الجيش التحريربعد هذا بدأت ثمار التكوين تؤتي أكلها وأخذت الدفعات تتخرج الواحدة تلوى الأخرى في الداخل والخارج وبدا الجيش يكبر وتشكيلاته تبرز إلى الوجود، فأصبح في حاجة إلى الاختصاصيين في ميدان النقل والإدارة والقضاء وبدأت هياكل التكوين في الاتساع، حيث تم إنشاء مدرسة النقل العسكري في مارس 1963، مدرسة الدرك الوطني بسيدي بلعباس في 27مارس 1964.وصدر مرسوم قانون القضاء العسكري في 22 أوت 1964. وعندما حلت سنة 1965تم إنشاء المدرسة الوطنية لسلاح المضاد للطيران بالرغاية.وبتاريخ 15سبتمبر 1965 تم فتح المدرسة التكتيكية للعتاد العسكري تلتها مدرسة الصحة العسكرية في 11 نوفمبر1965. وكذا مركز التدريب ببوغار.كما أنشأت المدرسة الفنية للملاحة الجوية بالبليدة في 1965.

وفي سنة 1966 شهد الجيش الوطني الشعبي رجوع عدة دفعات من المتربصين في الخارج كان لها الفضل في دعم منظومة التكوين والتدريب في الجيش الذي كان دائما على أهبة الاستعداد للوقوف إلى جانب الأشقاء في كل أزمة تحل بهم. فبالرغم من الأعمال الجليلة التي قام بها جيشنا على المستوى الوطني، فقد تقاسم أعباء المصير المشترك مع الأشقاء العرب بعد نكسة 05 جوان 1967 اثر العدوان الإسرائيلي على مصر، حيث هب الجيش الوطني الشعبي لنجدتها. وتحركت الطلائع الأولى إلى ارض المعركة، فحطت أول طائرة عسكرية جزائرية في مطار القاهرة يوم 06 جوان1967 ثم وصل بعد ذلك بقليل لواء بري،التحق بالخط الأول للجبهة. وعندما استعاد الجيش المصري أنفاسه، وبدأت حرب الاستنزاف كان أفراد الجيش في الطليعة في جبهة القتال، فلبوا بلاءا حسنا واستبسلوا استبسالا نادرا، رغم عدم تكافؤ الإمكانيات بينهم وبين العدو. ونفس الموقف المشرف سجله الجيش الوطني الشعبي في حرب اكتوبر1973. فبالرغم من طابع السرية المفاجأة التي اتسمت يهما حرب 06 أكتوبر 1973 ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية، إلا أن هذا لم يمنع الجزائر من نصرة الأشقاء في مصر وسوريا حيث احتلت المرتبة الثانية بعد العراق من حيث الدعم العسكري الذي قدم لهذه الحرب.

كانت خطوة الجيش الوطني الشعبي التالية هي المساهمة في عملية تشييد الوطن، وذلك عندما أدركت الدولة الجزائرية في فترة ما بعد الاستقلال أن معركة البناء لا يمكن أن تتم إلا بالاعتماد على سواعد شبابها الذين يمثلون أغلبية السكان، وأن الاعتناء بهذه الفئة هوالضمان الوحيد لتجنيد طاقتهم الهائلة حول المهام الوطنية في إطار الخدمة الوطنية.

لخدمة الوطنية تجنيد الطاقات لأنبل المهام

لقد تعززت صفوف الجيش الوطني الشعبي بعد سن قانون الخدمة الوطنية في16 افريل 1968.بطاقات شبانية أعطت دفعا جديدا لقواتنا المسلحة وبذلك صارت هذه المؤسسة تمثل تنظيما جديدا ونمطا أصيلا في استعمال الموارد البشرية، بغية المساهمة في التنمية الوطنية وتدعيم الجبهة الدفاعية .كما أضحت الخدمة الوطنية خزانا يمد الجيش بالإطارات الكفاءة.في هذا المضمار بعد سنة من ذلك تم في افريل 1969 التحاق الطلائع الأولى من المجندين بصفة رسمية، وتوالت الدفعات تبعا من جميع الشرائح الشعبية لتعزيز قوات الجيش العاملة. ومن أهم المبادئ التي ارتكزت عليها الخدمة الوطنية:

مبدأ المساواة والعدالة، مبدأ المجانية، مبدأ الوحدة والإجمالية، مبدأ الفعالية، مبدأ التلاحم والتكييف الدائم، مبدأ المبادلة والمشاركة المتبادلة، مبدأ التنظيم والتطبيق.


والقيام بأعمال الشغب وإشاعة الفوضى، كانوبفضل التنظيم المحكم الذي عرفته الخدمة الوطنية بمختلف هيأتها وهياكلها انطلق إفرادها بخطى ثابتة لبناء الوطن وحماية الأمة. وحققوا انجازات عظمى ستبقى شاهدة على جهودهم وتفانيهم .

انجازات شباب الخدمة الوطنية :
لقد تعددت انجازات التي قام بها شباب الخدمة الوطنية، خاصة الدفعات الأولى التي ساهمت في تحقيق عدة مشاريع كالمخطط الرباعي الأول ومشاريع البرامج الخاصة بالتنمية المناطق الريفية والفقيرة . وقد تمثلت هذه الانجازات، في بناء القرى النموذجية ومختلف مرافقها الحيوية، بناء السدود الجديدة وإصلاح القديمة منها، شق الطرق، حفر الآبار ومد الأنابيب، مد الأسلاك وأعمدة الكهرباء والهاتف . كما ساهم هؤلاء الشباب بقسط وافر في فك العزلة على المناطق النائية وكذا بناء المدارس والثانويان والجامعات في كثير من ولايات الوطن حيث أتاحوا للأجيال الصاعدة فرصة الالتحاق بميدان التعليم، إضافة إلى قيامهم بانجاز العديد من المطارات المدنية في مختلف جهات الوطن خاصة بالمدن الجنوبية . دون أن ننسى مساهمتهم في شق الطرق السريعة والخطوط السكة الحديدية.

كما يزخر سجل انجازات الخدمة الوطنية بمشاريع كبرى دعمت التنمية من أبرزها:

طريق الوحدة الإفريقية:
باعتبار الجزائر جزءا لا يتجزأ من القارة الإفريقية، بدأت مند الاستقلال على تحقيق هذه الوحدة، وفي هذا السياق عمدت إلى إنشاء طريق عابر للصحراء. إذ يعتبر يوم 16سبتمبر 1971 يوما تاريخيا لدى الشباب الخدمة الوطنية الذين تحدوا كل الظروف الطبيعية القاسية في الصحراء بكل عزم وإصرار، قصد تمتين الروابط والصلات الوثيقة بالدول الإفريقية جنوب الصحراء ن مما يسهل التعاون المتبادل وتوطيد العلاقات بين الجزائر وهذه الدول.

السد الأخضر:
من اجل مكافحة ظاهرة زحف الرمال والتصحر نحومدن الشمال تقرر إقامة حزام غابي سمي ب:"السد الأخضر"والذي بدا انجازه في سنة 1971،تمتد على مساحة 3 مليون هكتار بطول قدره 160 كلم وبعرض 20 كلم،حتى يغطي سهول البادية المرتفعة والأطلس الصحراوي .وقد تكفل الجيش الوطني الشعبي من حلال شباب الخدمة الوطنية بهذا المشروع الضخم.

مشروع الألف قرية:
في إطار انجاز المشاريع الاجتماعية الكبرى لتنمية المناطق الفقيرة والمحرومة. أسندت الدولة مهمة إقامة مثل هذه المشاريع إلى الجيش الوطني الشعبي حيث تكفل شباب الخدمة الوطنية ببناء ألف قرية بغية القضاء على الأكواخ وأحداث تغييرات في المجتمع الريفي قصد إعادة التوازن بتن المدن والأرياف والحد من ظاهرة النزوح الريفي.

ولتحقيق هذا المشروع الضخم، تم تجنيد كل الطاقات وبرز في الطليعة الشباب الخدمة الوطنية للعمل على قدم وساق من اجل تنفيذ هذا المشروع الذي تحقق النصيب الأوفى منه.


الجيـش من خلال الدســاتير
فرض مسار التشييد وإعادة البناء الوطني في فترة الستينيات، إقامة مشاريع كبرى. وكان من الطبيعي أن يساهم الجيش في هذا المسار بصفته القوة الوحيدة المنظمة آنذاك حيث خوّلت المادة الثامنة (08) من دستور 1963 صلاحيات إجتماعية وسياسية وإقتصادية. واعتبرت أن الجيش، وطني وشعبي، في خدمة الشعب والجمهورية ويشارك في النشاطات السياسية، الإقتصادية والإجتماعية في إطار الحزب. نصت المادة 82 على مايلي:
"تتمثل المهمة الدائمة للجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني ودرع الثورة في المحافظة على استقلال الوطن وسيادته والقيام بتأمين الدفاع عن الوحدة الترابية ومياهها الإقليمية وجرفها القاري ومنطقتها الإقتصادية الخاصة بها" أما المادة 83، فنصت على أنّ:
"العنصر الشعبي عامل حاسم في الدفاع الوطني"
" الجيش الوطني الشعبي هوالجهاز الدائم الذي يتمحور حوله الدفاع الوطني ودعمه".

ومن هنا تحددت سياسة الجزائر في مجال الدفاع الوطني الذي يتضمن سلامة التراب الوطني وعدم المساس بحدوده الثابتة وحرية الأمة في صياغة إختياراتها، كما تحددت أيضا على أساس قدراتها الإقتصادية الوطنية والمتطلبات المرتبطة بموقعها الجغرافي. ولقد كانت حصيلة الخبرات التي تجمّعت أثناء الشدائد مرجعا عكس عبقرية قواتنا المسلحة التي اضطلعت بواجب التصدي لكل الأخطار والإعتداءات التي من شأنها المساس بأمن البلاد وسلامة التراب الوطني.

ومثل هذه المهام جعلت قيادة الجيش تبذل أقصى الجهود لتطوير الطاقة الدفاعية لقواتنا المسلحة وتعزيزها حتى تتكيف مع التقنيات الحديثة بصفة جدية وواسعة لتصبح الأداة الدفاعية الفعالة.

ولكي يكون تطوّر الدفاع الوطني منسجما مع روح ثورة التحرير ومبادىء الأمة، كان العنصر الشعبي أحد أهم العناصر الأساسية والإستراتيجية، ومن هنا نصّت المادة 84 من دستور 1976 على مايلي:
"الخدمة الوطنية واجب وشرف"
"لقد تأسّست الخدمة الوطنية تلبية لمتطلبات الدفاع الوطني وتأمين الترقية الإجتماعية والثقافية لأكبر عدد ممكن وللمساهمة في تنمية البلاد".

ومن هذا المنظور، فإن الخدمة الوطنية بما توفره للشباب المجنّد تشكل قاعدة للدفاع الوطني، كما تتوفر على بعد إقتصادي واجتماعي وعميق لما تحققه من رفع لمستواهم الفكري والثقافي وتعميق وعيهم وإدماجهم في أعمال التنمية.

وقد بقي الجيش الوطني الشعبي مثابرا يقظا يؤدي مهامه الدفاعية ويسجل حضوره الدائم بفعالية على الجبهة التنموية وفي أي ظرف تناديه فيه الجزائر لحفظ سلامة الأمة من الأخطار. إلى أن أعلن عن الإصلاحات الشاملة التي مسّت دوره ومهامه كما حددها دستور 1989. وبالمصادقة على دستور 23 فبراير 1989 دخلت الجزائر مرحلة متميزة في مسار تحوّلها السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي، إذ أن مضامين الدستور الجديد في جوهرها تعكس في أكثر من موضع إهتماما خاصا بالإنسان ككائن حضاري يهدف إلى التغيير نحوالأفضل كما أنّه وسيلة هذا التغيير. فوضع له ضمانات من خلال التنصيص على حقوقه الأساسية، وحق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، وبات من الضروري الفصل بين السلطات. وبهذه الصياغة الجديدة تسامى الجيش الوطني الشعبي عن النقاش السياسي، حيث إنحصرت مهامه في الدفاع عن السيادة والوحدة الوطنيتين وهذا ما أكدته المادة 24 من الدستور الجديد، حيث نصت على "تنتظم الطاقة الدفاعية للأمة ودعمها وتطويرها حول الجيش الوطني الشعبي. تتمثل المهمة الدائمة للجيش الوطني الشعبي في المحافظة على الإستقلال والدفاع عن السيادة الوطنية. كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية وحماية مجالها البري والجوي ومختلف مناطق أملاكها البحرية"، وهوما أكده دستور 96 المعدّل في المادة 25. وعندما إقتضت الضرورة إحداث إصلاحات سياسية قصد بلورة المفهوم الديمقراطي في بلادنا طبقا للدستور الجديد لم يبد الجيش الوطني الشعبي أيّة عرقلة في طريق الديمقراطية بل بارك هذه الخطوة بسموّه فوق كل النزاعات والتيارات، والبقاء حارسا على ضمان الشرعية الدستورية لبناء مجتمع يسوده العدل والمساواة.

وللتكيف مع المقتضيات الدستورية التي نص عليها دستور 23 فبراير وخاصة المادة 24 منه، بادرت الهيئة القيادية لوزارة الدفاع الوطني ورئاسة أركان الجيش بالإنسحاب من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني والعمل السياسي ككل، من أجل التفرغ للمهام المحددة لها دستوريا وإلتزامها بالدستور نصا وروحا.



تجسد هذا في تعليمة رئيس أركان الجيش رقم:51/89/ق.أ/ج.و.ش بتاريخ 04/04/89 المتضمنة المهام الدستورية الجديدة للجيش الوطني الشعبي والواجبات المترتبة عليها بالنسبة لأعضائه:

"لا لأي عسكري مع كونه مواطنا كامل الحقوق، التطلع للمشاركة في أي نشاط سياسي، أوضد أي تشكيل سياسي سواء كان ذلك داخل المؤسسات العسكرية أوخارجها"

وبهذا الفهم المسؤول، يكون الجيش الوطني الشعبي قد إستجاب عن قناعة للشرعية الدستورية وحافظ على وحدته وتماسك عناصره وبات من الضروري أن يتفرغ إلى المهام المسندة إليه دستوريا، مع حرصه على إنجاح المسار الديمقراطي، وهوماتجلى من خلال دوره الريادي في تأمين كل الإستحقاقات الوطنية التي تمت لإستكمال البناء المؤسساتي وكان آخرها الإنتخابات التشريعية التي جرت في 30 ماي 2002.

الجيـــش ومكافحـة الإرهــاب
إذا كان جيش التحرير قد واجه بالأمس أعتى قوة إستعمارية إستيطانية قتلت الأبرياء وهتكت الأعراض ويتمت الأطفال ورملت النساء وشردت العائلات وهدمت العمران والمرافق. فإن الجيش الوطني الشعبي يواجه اليوم عدوا لايقل خطورة عن الأول وهوالإرهاب الهمجي الذي تمارسه جماعات تمردت على القيم والشرائع السماوية والأعراف والقوانين الوضعية بالتواطؤ مع قوى الشر في الداخل والخارج.

"ولقد أثبت الجيش الوطني الشعبي ومن حوله القوى الوطنية الحية خلال عقد كامل من مكافحة الإرهاب. وفاءه لرسالة الشهداء حيث حافظ على الدولة الجمهورية ومؤسساتها بعد أن كانت مهددة بالإنهيار، وهذا بفضل صمود أفراد قواتنا المسلحة وتحليهم بالروح الإنضباطية العالية والسلوك العسكري القويم والإنسجام ووحدة الصف، التي راهن الأعداء على تفكيكها. وهوماكان يتجلى من خلال الإشاعات والدعايات المغرضة والتصريحات التي كان يدلي بها بعض الأشخاص الذين باعوا ذممهم ووضعوا أنفسهم في خدمة أعداء الجزائر وروجت لها بعض وسائل الإعلام الموجهة والمأجورة.




"ولكن الجيش الوطني الشعبي تصدى لها بكل ثبات وإرادة صلبة بفضل مايتميزبه أفراده من وعي وإيمان راسخ بقداسة المهمة الوطنية المسندة إليهم، والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والأمة وحرصهم الأكيد على سلامة ووحدة التراب الوطني وتحقيق الأمن والإستقرار في ربوعه.


"ولما كانت وحدات الجيش الوطني الشعبي تواجه الإرهاب وحدها في الميدان وتواصل اقتلاع جذوره من هذه الأرض الطاهرة وملاحقة فلوله، ناشدت الجزائر منذ البداية المجموعة الدولية داعية إياها إلى تكاتف الجهود لمحاصرة هذه الظاهرة، التي تعتبر الحدود الدولية خطوطا وهمية، قبل إستفحال خطرها الذي يهدد الأمن والإستقرار الدوليين. ولكن بعض الأطراف الدولية كانت مترددة، كما كانت مواقف بعضها محتشمة ومخجلة. وقد وصل الأمر بالبعض إلى حد التدعيم اللوجستيكي للجماعات الإرهابية. إلى أن استهدفت أقوى دولة في العالم، في أهم مراكزها الحساسة وتأكد للرأي العام العالمي بما لايدع مجالا للشك تنبؤ الجزائر بهذا الوباء الداهم الذي يهدد الإنسانية في كياناتها، وهوما عزّز موقف الجزائر الدولي في هذا المجال، وزاد من مصداقية قواتنا المسلحة التي جنبت البلاد خطرا كان محدقا بها بانتصارها على قوى الشّر.



تحديــث الجيــــش وعصرنتـه
تماشيا مع التطورات التنظيمية والتقنية التي تعرفها الجيوش العالمية، كان حرص القيادة دوما على تحديث قواتنا المسلحة وعصرنتها حتى تكون في مستوى المهمة الوطنية المقدسة المنوطة بها. وذلك إبتداء من سنة 1976، حيث أصبحت وحداتنا مجهزة بآليات ممكننة، ومن ثم يمكن القول بأن عصرنة الجيش قد بدأت من هذا التاريخ مع إدخال وسائل قتال متحركة.

ولم تقتصر العصرنة على عامل العتاد بل كان التنظيم والتكوين والتدريب محل اهتمام وانشغال القيادة. ومن ثم كان إنشاء أركان الجيش الوطني الشعبي في 28/11/1984. وفي 03/05/1986 تم إنشاء القوات البرية. وأعيد تشكيل وهيكلة القوات بالحجم الذي يؤمن القيام بنشاطات عملياتية. وقد شهدت سنوات الثمانينات أعمالا تنظيمية كبيرة مست مختلف القوات إنطلاقا من دراسة ميدانية عميقة تم استخلاصها خلال سنوات طويلة من العمل العسكري المتواصل الذي أدخل تحسينات نوعية على المورد البشري من حيث مستواه التكويني النظري والتطبيقي.

ومن هذا المنظور، أعيد تشكيل وهيكلة القوات بالحجم الذي يؤمن القيام بنشاطات عملياتية ترتكز على قدرات النار والحركة المتناميين مع ضبط ميكانيزمات وقنوات ملائمة للقيادة والإتصال، وبذلك ظهر تشكيل وحدات قتالية من نوع الفرق والتي تعتبر نموذجا بالنسبة للقوات البرية.

كما تم تنظيم قوام المعركة بتزويدها بمنظومات أسلحة جد متطورة إلى جانب الأجهزة الأخرى اللازمة للإستعمال وصيانة هذه المنظومة والتدريب عليها. وقد تم ذلك بالنسبة لأسلحة القتال الثلاثة التي استمر تنظيمها وفق المهام الموكلة إليها، وهكذا تم في 27/10/1986 إنشاء: القوات البحرية، القوات الجوية، المفتشية العامة للجيش ومندوبية الدفاع الشعبي.




وفي سنة 1987 أعيد تنظيم عدة مديريات بوزارة الدفاع الوطني، كما أنشئت في 05 ديسمبر 1986 قيادة الدفاع الجوي عن الإقليم، وبذلك اكتمل بناء الجيش الوطني الشعبي بهياكله وفروعه. وتبقى عملية تطوير قواتنا المسلحة وتدعيم قدراتها القتالية تتصدر أولويات القيادة العليا للجيش التي تعمل على تعزيز منظومة الدفاع الوطني.


ولبلوغ هذه الغاية، تسهر حاليا عدة مؤسسات منتجة على تجديد وعصرنة بعض العتاد لمختلف القوات.

ولنأخذ في هذا السياق ثلاثة نماذج تمثل القوات الثلاث وهي القاعدة المركزية للإمداد ببني مراد ( القوات البرية )، مؤسسة البناء والتصليح البحري بمرسى الكبير (القوات البحرية) ومؤسسة صناعة الطائرات بطفراوي (القوات الجوية ).

القاعدة المركزية للإمداد ببني مراد
تعتبرالقاعدة المركزية للإمداد ببني مراد سندا كبيرا للصناعات الوطنية ذات البعد الإستراتيجي، وهي قبل ذلك تمثل قاعدة صناعية متكاملة على مستوى القوات البرية، ساهمت في الرفع من القدرات القتالية لعدد معتبر من وسائل القتال من خلال عمليات التجديد والتطوير. ويتمحور نشاطها حول: تصنيع قطع الغيار الميكانيكي والمعدني والتجهيزات البترولية والهيدروليكية والمنجمية والصناعة الميكانيكية، التصليح الميكانيكي الثقيل والإلكتروني، تجديد السيارات وقطع الميكانيك التكميلية، تليين أطواق العجلات، التحليلات الكيماوية والمعدنية وتجارب الميكانيك والتكوين المهني. بالإضافة إلى السهر على رفع قدرات وتطوير بعض العتاد العسكري. وتولي القيادة أهمية كبيرة لتجديد العتاد وتطويره حيث اشتملت خطة العمل على مرحلتين: الأولى وهي التحكم في عملية تجديد العتاد التي كانت توكل فيما مضى إلى الخبرات الأجنبية. وقد شكلت هذه المرحلة تحديا كبيرا، لكن بفضل تظافر جهود الجميع من عسكريين ومهندسين وتقنيين ومستخدمين مدنيين، تم التغلب على كل الصعاب، وأصبح عتاد القوات البرية اليوم يجدد على المستوى الوطني. أما المرحلة الثانية فتمثلت في عصرنة هذا العتاد ووضعه في مستوى التكنولوجيات الجديدة.

مؤسسة البناء والتصليح البحري بمرسى الكبير (القوات البحرية)
تتمثل المهام الأساسية لهذه المؤسسة في: تصليح وتجديد وعصرنة الأسطول العسكري البحري،نشاطات ذات الصلة بتطوير البناء والتصليح البحري، تسويق الإنتاج والخدمات التي من شأنها استثمار القدرات التقنية الصناعية والتجارية ومن أهدافها:

تطوير وسائل المراقبة البحرية، الخاصة بالخدمة الوطنية لحراس الشواطىء، إجراء دراسات وإنجاز مشروع حوض جاف في مرسى الكبير، تحديد المحاور الجديدة البحث التطبيقي المتعلقة بأشغال تجديد وعصرنة الأسطول العسكري البحري، إنشاء وتعزيز الوسائل الصناعية الوطنية للبناء والتصليح البحري في الموانىء الرئيسية وتطوير التعاون والشراكة وذلك من خلال: جعل الجزائر مركزا للصناعة والتصليح الجهوي والإستفادة من الإستثمارات الخاصة بالقطاع البحري الوطني.

وقد رسمت المؤسسة لنفسها إستراتيجية لتطوير قدراتها المتمثلة في: تحسين المردود ونوعية الإنتاج وتوسيع وتطوير طاقته وقدرته.

مؤسسة صناعة الطائرات بطفراوي (القوات الجوية )
يعود انطلاق الصناعة الطيرانية بالجزائر إلى سنة 1988 حيث قامت وزارة النقل بإبرام عقد مع نظيرتها التشيكية قصد تركيب طائرات "زلين" وكانت هذه المهمة آنذاك مسندة لمؤسسة صناعة السيارات بالرويبة
بموجب المرسوم 07/93 المؤرخ في جويلية 1993 تم تحويل المشروع إلى وزارة الدفاع الوطني وأنشأت بذلك مؤسسة صناعة الطائرات في طفراوي بوهران والتي تضم كفاءات وطنية عسكرية ومدنية في مجال الصناعة الطيرانية، تمكنت من تحقيق منجزات معتبرة في ظرف زمني قصير، تجسدت أساسا بالتحكم في تكنولوجية صناعة وتركيب كل من طائرة "فرناس 142" و"سفير 43" واللتين يمكن إستعمالهما في ميادين عدة، كالتدريب والتكوين الأساسي بالمدارس العسكرية، الملاحة الجوية النهارية والليلية، الحراسة والمراقبة البرية والجوية، نقل المستخدمين، الإخلاء الصحي والإسعاف، نقل البريد والإتصال وغيرها من الوظائف.



تعتبر مؤسسة صناعة الطائرات ذات طابع إقتصادي، تسهر على توفير حاجيات الشركاء والمتعاملين بمختلف أنواع الطائرات، كما تقدم خدمات ما بعد البيع، أعمال المراقبة، الصيانة، المتابعة التقنية والتكوين والتأهيل.
وبالرغم من حداثة هذا الميدان ببلادنا فإن المؤسسة تحقق أهدافها وفقا للبرنامج المسطر. وتعمل المؤسسة على التعريف بمنتوجها من خلال الأبواب المفتوحة التي دأبت على تنظيمها، لإستقطاب اهتمام أكبر قدر من المتعاملين والزبائن تأكيدا على وجود وقيام صناعة طيرانية جزائرية رفيعة المستوى وبتكاليف موضوعية وضمان فوائد عديدة للمتعاملين معها، كالتسهيلات الهامة من أعمال الصيانة والمتابعة للعتاد، بالإضافة إلى التأهيل المستمر والنوعي للمستخدمين.

ويبقى اقتحام السوق الدولية من أهداف المؤسسة (خاصة السوق الإفريقية) إذ أصبحت منتوجاتها تجلب اهتمام دول عديدة.

هذه النماذج التي أخذناها كعينات لمؤسسات منتجة تعتبر أرضية صلبة لعصرنة قواتنا. وعلى العموم فإن للجيش الوطني الشعبي مؤسسات صناعية عديدة ومتنوعة تشكل لبنة كبرى في رسم معالم السياسة الدفاعية لأية دولة. وإدراكا منه لهذه الأهمية الكبرى عمد الجيش الوطني الشعبي منذ (40) أربعين سنة من العمل الجاد والتخطيط المستقبلي الذي يخضع إلى التقدير الواقعي لإحتياجات جيشنا إلى وضع أرضية صناعية عسكرية حتى تستكمل الوحدات جاهزيتها القتالية المطالبة بتوظيفها في كل الظروف. وعليه يمكن حصر هذه الأرضية الصناعية في مجموع المنتوج الصناعي العسكري. حيث برزت إلى الميدان مؤسستان صناعيتان هما مؤسسة البناءات الميكانيكية ومؤسسة الإنجازات الصناعية. أسندت للأولى مهمة صناعة الأسلحة الخفيفة، تلبية لإحتياجات الدفاع الوطني والتقليل من التبعية الخارجية. أما الثانية فتختص بإنتاج الذخيرة من العيار الصغير بكل مكوناته. كما يتعدى نشاطها إلى مجالات أخرى كإنتاج القطع والأدوات الموجهة لصناعة منتوجات عسكرية ومدنية، زيادة على صناعة الشارات، الرتب، الأوسمة العسكرية وشبه العسكرية، الأوسمة التذكارية، الميداليات، وتقوم بصناعة مثبتات خارجية لعظام الأطراف العليا والسفلى في إطار تعاملها مع المستشفى المركزي للجيش وبعض المراكز الإستشفائية الجامعية.

إلى جانب هاتين المؤسستين توجد وحدات صناعية أخرى أوكلت لها مهام تزويد الجيش الوطني الشعبي بما يحتاجه من مستلزمات كالديوان الوطني للمواد المتفجرة ومؤسسة الصناعات الميكانيكية ووحدة الألبسة والتأثيث ومؤسسة الملابس والأحذية. وبالتوازي مع إنشاء مختلف القوات وإعادة التنظيم الشامل للبنية الهيكلية للجيش الوطني الشعبي، تجلت الإنعكاسات الإيجابية لهذه العملية الكبرى على مستوى التكوين والتدريب داخل المؤسسة العسكرية. وهكذا تم إنشاء المدرسة التطبيقية للدفاع الجوي عن الإقليم في أكتوبر 1985. ثم تلتها المدرسة العليا للدفاع الجوي عن الإقليم، وفي نفس السياق التكويني والتدريبي نجد المدرسة العليا للدرك الوطني بيسر وكذلك المدرسة التطبيقية للهندسة ببجاية والمدرسة التطبيقية للإشارة بالقليعة. وفي عام 1998 أسست المدرسة الوطنية التحضيرية لدراسات مهندس، التي ينتظر أن تتخرج أول دفعة هذه السنة.

هذه الهياكل كلها نماذج تدلل على الأهمية التي توليها قيادة الجيش الوطني الشعبي لمنظومة التكوين والتدريب بوتيرة متسارعة عبر كافة أرجاء الوطن وبمنهجية محكمة، تسمح بإمداد المؤسسة العسكرية بالإطارات الكفأة والقيادات القادرة على تحمل المسؤوليات في مختلف الإختصاصات العسكرية، وفق خط متصاعد بالتوازي مع التطورات التكنولوجية الحاصلة في جيوش العالم، ومتطلبات حاجيات الجيش الوطني الشعبي.

وموازاة مع العدد المتزايد للهياكل القاعدية من مراكز تدريب ومدارس تطبيقية، عرفت المناهج التكوينية والوسائل البيداغوجية تحسينا وتطويرا وعصرنة بما يتلاءم واللحاق بركب التطورات المتزايدة، بهدف الإرتقاء إلى مستوى الجيوش المحترفة في الدول المتقدمة. وهي كلها تندرج ضمن الجهد الجبار للإستثمار في مجال الإنسان بإعتباره أحسن استثمار وأضمنه.

إستراتيجية الجديدة للإتصال في الجيش

لقد فسح المجال في المرحلة الأخيرة أمام خطاب إعلامي مغرض و معادي تفنن مروجوه في إلصاق تهم واهية بالمؤسسة العسكرية، لذلك كان لزاما التفكير في سياسة إعلامية جديدة مواكبة للتطورات الحاصلة.

فالخطابات التي استهدفت المؤسسة العسكرية ما فتئت تتنامى متخذة من بعض العناوين الصحفية قنوات للترويج لأفكار غريبة و خاطئة. و مروجو هذه الرسائل يدركون أنه يكفي أن يكرر الخبر، و لو افتقد المصداقية حتى يرسخ في ذهن المتلقي (الجمهور)، و شيئا فشيئا يتم تداولهعلى أساس أنه صحصح و لا يرقى إليه الشك.

وبموجب المرسوم 07/93 المؤرخ في جويلية 1993 تم تحويللقد فسح المجال في المرحلة الأخيرة أمام خطاب إعلامي مغرض ومعادي تفنن مروجوه في إلصاق تهم واهية بالمؤسسة العسكرية، لذلك كان لزاما التفكير في سياسة إعلامية جديدة مواكبة للتطورات الحاصلة.

وبموجب القانون الوزاري رقم 273/2001 المؤرخ في 31 جويلية 2001 تقرر تكييف الإتصال داخل المؤسسة العسكرية مع الوضع الجديد والذي أشار إلى ضرورة "وجود إستراتيجية إتصال خاصة بالمؤسسة العسكرية للرد على هجومات القوى المعادية داخل الوطن وخارجه، والتي تتعرض لها منهجيا... وتفنيد أدنى تشكشك في طبيعة وسمعة جيش شعبي وجمهوري في خدمة الوطن".

فبعد أحداث العشرية السابقة والتحول الذي شهدته الجزائر على أكثر من صعيد، كان لزاما على الجيش الوطني الشعبي إحداث تغييرات في السياسة الإعلامية المتبعة باستحداث خلايا إتصال بإمكانها مواجهة مختلف الحملات المغرضة التي تستهدف المؤسسة العسكرية وتسعى إلى تشويه صورتها وتحملها ظلما وعدوانا مسؤولية جميع المشاكل التي تعرفها البلاد.

فمن الضروري أن يتبنى الجيش الوطني الشعبي إستراتيجية فعالة تقوم على تعزيز العلاقة بينه وبين الأمة وعدم ترك المجال شاغرا لجهات ما لتعطي الإنطباع أنها على دراية بخبايا المؤسسة العسكرية وتتفنن في رسم صورة كاذبة وزيفة لجيشنا، بعيدة كل البعد عن الواقع.

ومن شأن توطيد العلاقة بين الجيش والأمة أن تؤدي إلى ترسيخ السمعة الطيبة التي يتمتع بها الجيش الوطني الشعبي لدى الشعب. وتراعي الإستراتيجية الجديدة المتبعة من قبل الجيش الوطني الشعبي عنصر المصداقية والفعالية لبلوغ الهدف المنشود ولن يتأتى ذلك إلا بفضل رسالة إعلامية موضوعية وصادقة لا يرقى إليها الشك، على أن تأخذ بعين الإعتبار تبسيط المعلومات حتى تمس كل فئات المجتمع وتبلغ بالتالي الهداف المرجوة.




لقد استحدثت في مرحلة أولى لسلة إتصال تتكون من خلايا إتصال منصبة لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، قادة القوات، والدرك الوطني وقادة النواحي العسكرية.


وأوكلت لخلايا الإتصال المهام التالية:

- إقتراح كل عمل يتعين مباشرته في مادة الإتصال.
- تحضير وتنظيم المؤتمرات الصحفية.
- جمع، إستغلال، معالجة، متابعة وبث الأخبار التي تهم الدفاع الوطني لفئدة القيادة والإطارات.
- تجسيد كل عمل من شأنه المساهمة في معرفة صورة أفضل للوظيفة العسكرية وللقوات المسلحة وتحسين صورتها لدى الجمهور.
- تنسيق أعمال الإتصال التي تخص أوتهم الدفاع الوطني.
- ترقية وضمان إعداد وإنجاز وتوزيع المنشورات والوثائق السمعية البصرية الموجهة للإتصال الداخلي والخارجي على هياكل وزارة الدفاع الوطني.
- المبادرة بإقامة علاقات مفيدة ودائمة مع الأجهزة الإعلامية الوطنية.

ونظرا للأهمية التي يكتسيها ميدان المعلوماتية وتميزه بالآنية والفورية وسهولة الوصول إلى الخبر إرتأت القيادة استحداث موقع (web) على شبكة الأنترنت، وذلك حتى يشغل حيزا إعلاميا ويتم تزويد المتصفح بأكبر قدر من المعلومات المتعلقة بالمؤسسة العسكرية.

تعاون مع الجيوش الأجنبية

بغرض تنويع الشراكة والتعاون مع الدول الأجنبية، دون إغفال تلك التي تجمعها مع الدول المغاربية وبالعالم العربي إنخرطت الجزائر في مارس 2000 في الحوار المتوسطي لحلف شمال الأطلسي.

كما شهد تعاون الجيش الوطني الشعبي مع الجيوش الأجنبية تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة وتبرز الزيارات التي قامت بها الوفود العسكرية من دول مختلفة إلى الجزائر وكذا الزيارات التي قادت عسكريين جزائريين إلى عدة دول مدى حرص الجزائر على تطوير علاقات التعاون بين جيشها وجيوش مختلف الدول ومع حلف شمال الأطلسي.

ويمكن إعتبار زيارة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق محمد العماري إلى المقر العام للقوات الأمريكية المتواجدة في شتوتغارت بألمانيا في مارس 2001 تطورا نوعيا في العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية. كما تعد زيارة نائب قائد قوات حلف شمالي الأطلسي في جنوب أوربا، إلى الجزائر في شهر أوت 1998، الأولى من نوعها لمسؤول عسكري أمريكي سام حيث دشنت سلسلة المناورات البحرية المشتركة.




وفي شهر سبتمبر من نفس السنة وجهت دعوة للجزائر لحضور ندوة لمنظمة حلف شمالي الأطلسي تناولت موضوع التحديات البحرية في الألفية الجديدة، تبعتها زيارات لمسؤولين عسكريين من منظمة حلف شمالي الأطلسي إلى الجزائر.

ويمكن تفسير ذلك الإهتمام الذي توليه منظمة حلف شمالي الأطلسي ولجيشها بالسمعة التي تحظى بها الجزائر في منظمة البحر الأبيض المتوسط.

لقد ترجم التعاون الجزائري الأطلسي بسلسلة تمارين بحرية مشتركة شرع فيها في سنة 1998 شارك الأسطول الأمريكي السادس في إحداها في شهر اكتوبر 1998.

وفي شهر ماي 2000 جرت مناورات بحرية مشتركة بين القوات الجزائرية والأمريكية تمثلت في تمارين إنزال وإنقاذ الأشخاص في حالة نزاع مسلحوكذا تمارين على الإتصالات واستخدام الرادارات، حيث شاركت في هذه المناورات قطع المدمرة أرتير -وراد غورد عن الجانب الأمريكي والسفينتين البحريتين قاذفتي الصواريخ "الرايس حميدو" و"الرايس علي" وسفن تابعة لحرس الشواطىء وفرقة غواصين عن الجانب الجزائري. من جهة أخرى قامت عدة سفن تابعة للدول الأوربية العضوة في منظمة حلف شمالي الأطلسي بعنليات توقف بميناء الجزائر في إطار زيارات الصداقة والتعاون.

وقد مكنت الزيارات التي قام بها المسؤولون العسكريون الأمريكيون إلى الجزائر من دفع الإتصالات بين الجزائر وحلف شمالي الأطلسي وانخراط الجزائر رسميا في الحوار المتوسطي لحلف شمالي الأطلسي وتحضير الجيش الوطني الشعبي للمشاركة في العمليات الإنسانية وحفظ المن في منطقة المتوسط وإفريقيا تحت إشراف منظمة حلف شمالي الأطلسي.

والأكيد أن العلاقات بين الجزائر ومنظمة حلف شمالي الأطلسي ستتعزز مستقبلا من خلال برمجة توقفات لقطع بحرية تابعة للحلف إبتداء من سبتمبر 2002، وتنفيذ مخطط عمل ملموس بعد سنة 2002، ومن شان ذلك أن يعطي العلاقات بين الجزائر والمنظمة الأطلسية دفعا قويا من خلال تعميق المباحثات حول السياسة الأمنية والإقتصادية لأوربا ودور الدول المتوسطية، خصوصا المغاربية منها في الإستراتيجية الجديدة لمنظمة حلف شمالي الأطلسي. وبحكم هذا التعاون مع الجيوش الأجنبية في ظل المصالح المشتركة، فإن الإحترافية كخيار إستراتيجي للجيش الوطني الشعبي تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى.



الإحترافية... خيار إستراتيجي

الجيش الوطني الشعبي رمز السيادة وركيزة الأمة مدعولمواكبة العصرنة ومسار التحديث،وذلك لضمان مواصلة مهامه على أكمل وجه،في إطار ما خوله له الدستور.

وإذا كان الأمن بالنسبة للجزائر هوأداة مرتبطة بالطابع السياسي-العسكري لمحيطها الذي من شأنه أن يحدد الأهداف الإستراتيجية والدفاعية للجزائر كان عليها أن تكيف وتعزز وتطور قدرات دفاعها الوطني.

وقد أشار السيد الفريق محمد العماري رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في عدة مناسبات إلى معادلة تعديل وعصرنة الجيش الوطني الشعبي،على غرار العرض الذي قدمه في شهر فيفري 2000 بمناسبة زيارته إلى القاعدة المركزية للإمداد ببني مراد،بحضور أعضاء لجنتي الدفاع بالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.

عصرنة يفرضها وزن الجزائر على الساحة الدولية وموقعها الجغرافي المتميز وإمكانياتها الطبيعية والبشرية. إلى جانب توجهها الذي صنعه إستقلالها وكذلك مبادؤها،وبالتالي فإن الإحترافية تبقى هدفا دائما للجيش الوطني الشعبي على حد قول السيد الفريق.

إن المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية للحفاظ على الإستقلال والسيادة الوطنية،جعل الإنتقال إلى الإحترافية الشغل الشاغل لقادتها. وتتمثل الأسباب التي أدت بالجيش الوطني الشعبي للتفكير في الإنتقال إلى الإحترافية وتبني العصرنة التي ينتج عنها بالضرورة تركيبة بشرية تتكون في غالبيتها من العاملين مع الحفاظ على مهامه الرئيسية المتمثلة في خدمة الشعب والأمة،نوجزها في :
- السياق الجيو-إستراتيجي : ويعد من بين العوامل التي تفرض إنتقال الجيش الوطني الشعبي إلى الإحترافية. حيث برزت نزاعات وبؤر توتر جديدة لأسباب إثنية،إجتماعية وسياسية مما أدى إلى ظهور حركات إرهابية وتعرض بعض الأقطار لحروب أهلية منذ زوال المواجهة المستمرة بين المعسكرين الشرقي والغربي،وهذا ما أدى إلى مضاعفة مناطق النزاعات التي أصبحت تهدد الأمن على المسويين الإقليمي والدولي. إلى جانب ذلك يمكننا ذكر مشاكل الأقليات في أوربا الوسطى وتصاعد الأصولية الدينية والإرهاب. هذه المعطيات جعلت النزاعات في العالم أكثر حدة خاصة مع إنعكاسات العولمة السياسية والإقتصادية.
- التطور التكنولوجي في مجال الأسلحة : يعتبر التطور التكنولوجي الذي تشهده مختلف السلحة من بين الأسباب التي تدفع مؤسستنا العسكرية لعصرنة قواتها المسلحة واختيار نهج الإحترافية الذي يتم بلوغه تدريجيا. كما أن المهام الموكلة للقوات المسلحة تتطلب تطورا وفعالية على غرار العتاد العسكري "الذكي" الذي يبقي بمثابة عناصر ضرورية لإنجاح أية مهمة عسكرية. كما أن دخول الجزائر عهد التعددية الحزبية،وندرة الموارد المالية والتجارب المستقاة من الخدمة الوطنية خلال العشريات الثلاث السابقة،تشكل عوامل تستدعي وجوب تكيف الجيش مع هذا الوضع الجديد وتدعيم قدراته العملياتية وتحديث وعصرنة العتاد والأجهزة المستخدمة.

تتطلب المهام الجديدة الموكلة للقوات المسلحة أفرادا مختصين وبصفة خاصة ضباط وضباط صف يتمتعون بالكفاءة،سيما في مجال قيادة الأفراد وبدراية في ميدان المعلوماتية والإتصال.

ولعل أكبر التحديات المطروحة حاليا بخصوص التحديث،تلك المتعلقة باقتناء وسائل وعتاد قتال أكثر تطورا بفاتورات باهضة. لذلك إتخذت القيادة جملة من الإجراءات من بينها تجديد وصيانة العتاد الموجود في الخدمة،وهي المهام التي تتكفل بها حاليا القاعدة المركزية للإمداد التي تمثل دعما مهما للصناعة الإستراتيجية الوطنية الناشئة.

وضمن منظور تحديث وسائل دفاعاته،وسعيا منه إلى تطوير إمكانياته قصد تكوين جيش عصري وتجسيد مفهوم الإحترافية والدقة في الأداء تعكف قيادة الجيش الوطني الشعبي على تنظيم مناورات تخص مختلف الأسلحة ضمن برنامج التحضير للقتال.

هذه المناورات هي فرصة للإستعانة بوسائل وتقنيات جديدة واختبار إمكانيات وقدرات أفراد قواتنا المسلحة،ومدى تحكمها في التكنولوجيات الحديثة،وتندرج المناورة الجوية (مجد 2000) التي كان حقل الرمي المركزي للطيران بحاسي بحبح مسرحا لها يوم 10 ماي 2000 ضمن هذا الإطار،كتتويج للعمل المتواصل الذي تقوم به قواعدنا الجوية من تمارين وتدريبات وفق برامجها السنوية.

كما تعتبر المناورة البرية (رعد 2001) الخاصة بالفرقة الثامنة المدرعة حلقة في سلسلة التطور الذي يشهده جيشنا الوطني الشعبي وتقييم مددى جاهزية أفراده للإضطلاع بمهامهم في الدفاع عن حرمة وسمعة الوطن.






+ السلطة المؤقتة الأممية في كمبوديا :
شارك ممثلوا الجيش الوطني الشعبي في هذه البعثة الأمميةتمت هذه المهمة في كمبوديا بين فيفري 1992 وسبتمبر 1993 وتمثلت مهامها في ضمان تطبيق الإتفاق المتعلق بالتسوية السياسية الشاملة للنزاع الذي أبرم في باريس بتاريخ 23 أكتوبر 1991.
كما كلفت هذه البعثة أيضا بالمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وتنظيم وتسيير إنتخابات عامة حرة ونزيهة، وكذا المسائل العسكرية والإدارة المدنية وحفظ النظام.
- إعادة المبعدين واللاجئين الكمبوديين إلى الوطن وإسكانهم والنهوض بالمؤسسات الأساسية للبلاد خلال المرحلة الإنتقالية.

هذه باختصار البعثات الأممية للمحافظة على السلم الأممي التي شارك فيها الجيش الوطني الشعبي، والتي مكنت افراده من اكتساب الخبرة في مجال حفظ الأمن وفي المهام الإنسانية التي تشرف عليها هيئة الأمم المتحدة. وأثبتت بما لا يدع مجالا للشك كفاءة عناصر الجيش الوطني الشعبي وحرصهم على آداء المهام الموكلة إليهم على أكمل وجه.

الآفاق المستقبلية
أرسلت البعثة الأممية إلى كمبوديا بين أكتوبر 1991 ومارستتراءى الآفاق المستقبلية للجيش الوطني الشعبي من خلال التحديات التي تفرضها التحولات الكبرى الحاصلة على المستوى الدولي في جميع المجالات، وتنامي صراع المصالح وسياسة التكتلات في ظل النظام العالمي الجديد، وبروز مفهوم العولمة بكل ما يحمله من انعكاسات على العلاقات الدولية وما ترتب عنها من تطور في مفهوم السلام والأمن الدوليين والمخاطر التي يمكن أن تهددهما.

من هذا المنظور يأتي التصور الإستراتيجي للآفاق المستقبلية للجيش الوطني الشعبي، الذي يرتكز على العنصر البشري باعتباره البنية الأساسية لأي مشروع مستقبلي، وهوما جعل القيادة العليا للجيش تعمل باستمرار على تحسين وتطوير المستوى العلمي والتقني لأفراد قواتنا المسلحة بما يمكنها من التحكم المثل في التقنيات العصرية وفق المعطيات الإستراتيجية التي يفرضها التطور الحاصل في المجال العسكري وقوام المعركة الحديثة، وما يتطلبه من إعداد جيد في التكوين لاكتساب الخبرة التكنولوجية في مختلف التقنيات العسكرية وما تقتضيه من تجهيزهت متطورة تتماشى وطبيعة المراحل القادمة وما تفرضه من رهانات.


المصدر : موقع وزارة الدفاع
 
عودة
أعلى