السيطرة على القوات
على مر الزمن شغلت قضية السيطرة على القوات وقيادتها عقول الإستراتيجيين والقادة العسكريين ، وكلما تطورت الأسلحة تطوراً سريعاً كانت الحاجة ماسة للسيطرة على القوات التي تستخدمها وهذا ما يحصل في وقتنا الحاضر بحيث يمكن أن نقول أن السيطرة على القوات اليوم هي أحد أهم المشكلات الإستراتيجية العسكرية.
إن مجمل الأعمال والإجراءات الهادفة إلى قيادة القوات بشكل يؤمن تنفيذ الخطة المقررة ، وحركة الأعمال القتالية ومرونتها بما يضمن التنسيق بين مختلف صنوف الأسلحة والقوات ، والإستخدام الأمثل لخصائصها وقدراتها ، بغية تحقيق المردود الأقصى في القتال ، هي ما يطلق عليه مصطلح عملية السيطرة على القوات .
وتعتبر هذه العملية عنصراً أساسياً من عناصر إدارة الأعمال القتالية ، ويتوقف عليها نجاح القوات أو فشلها في تحقيق مهامها .
قديماً كانت السيطرة على القوات في الحروب عملية غير معقدة ، نظراً إلى أن المعركة كانت تدار على أرض محدودة في مساحتها ، وبقوات متراصة تسهل مراقبتها ، وبأسلحة بدائية ذات مدى منظور ، وبظهور الأسلحة النارية ذات المدى البعيد بالنسبة إلى الأسلحة البدائية ، إضطرت القوات إلى الإنتشار على مناطق واسعة ، وازدادت صعوبة السيطرة التكتيكية عليها، ونشأت إلى جانب ذلك صعوبة في السيطرة الإستراتيجية ، بسبب وجود مسارح عمليات متباعدة تنتشر عليها قوات كبيرة ، ولم يخفف هذه الصعوبات سوى تحسن وسائل النقل والإتصال السلكي واللاسلكي .
ولقد تطورت أساليب ووسائل السيطرة على القوات في الحرب العالمية الثانية تحت تأثير إتساع مسارح الأعمال القتالية وتزايد حركة القوات وتنوعها ، ومع ظهور أسلحة التدمير الشامل وما رافقها من ضرورة الحسم الإستراتيجي وخطورة الضربة النووية الأولى شهدت أساليب السيطرة على القوات ووسائلها تطوراً جذرياً في المجالين التكتيكي والإستراتيجي ساعد على حدوثه التقدم العلمي والتقني الذي تسارع منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية بحيث ظهر جلياً في حرب الخليج الأولى والثانية شاملاً جميع المجالات البرية والبحرية والجوية بالإضافة إلى الفضاء الخارجي .
صفات المعركة الحديثة :
إن التطور التقني المتسارع الذي عرفته الوسائل القتالية أكسب المعركة الحديثة صفات جديدة وهامة ، مما أعاد النظر في أساليب تنظيم القوات وتوزيعها ونشرها وتسليحها وطرائق قتالها سواءً في الدفاع أم الهجوم وفي البر أو البحر أو الجو والفضاء الخارجي ، وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات على ميدان المعركة ، مما استجوب إعادة النظر في أسلوب السيطرة على القوات في مواجهة الصفات الجديدة التي أصبحت تتميز بها المعركة الحديثة ، ومن أبرز صفات المعركة الحديثة :
- ضخامة القوات المشتركة فيها .
- إتساع مسارح القتال وتعددها .
- خوض الأعمال القتالية في البر والبحر والجو والفضاء الخارجي وتحت الماء .
- إزدياد حركة القوات ومدى عملها ووتيرة أنشطتها .
- تنوع وسائل القتال وقوتها وحركتها في التبديل السريع في الأوضاع القتالية سواءً في الدفاع أو الهجوم .
- إحتمال إستخدام أسلحة التدمير الشامل في المستويات الإستراتيجية أو العمليات التكتيكية .
مبادئ السيطرة على القوات
يروي المؤرخون ، أن نابليون بونا برت كان حين يضع الخطط لمعاركه يتنبأ بالتطورات الممكنة والمحتملة ويضع لكل إحتمال خطة أو حلا. ومن هذا القبيل ، يروى أن ضباطا من هيئة أركان نابليون دخل عليه وكان نائما ، فأيقظه وأعلمه عن معطيات الوضع الطارئ في ساحة القتال ، فأمره أن يفتح درجاً دله عليه في مكتبه ، ويأخذ منه الخطة ذات الرقم الذي حدده وأن ينفذها ، ثم عاد نابليون إلى نومه ،وتشير هذه القصة – إن صحت روايتها – إلى سيطرة نابليون على قواته ، وإلى ثقته بهذه السيطرة ، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن تنبؤات نابليون وخططه الرئيسية وخططه البديلة لم تكن دائما عند حسن ظن المؤرخين ، فحربه في روسيا في أوائل القرن التاسع عشر دليل على ذلك .)) وبناءً على هذه الصفات كان لا بد لعملية السيطرة على القوات من أن تتفاعل معها ، وتواكب التطور ، وتعيد بناء مفهومها وأساليبها ووسائلها وفق مبادئ محددة ، يمكن تلخيص أهمها في ما يلي :
- مركزية سيطرة القيادة على القوات ، مع مرونة محدودة في المبادرة التي يترك زمامها بين أيدي القيادات التابعة ، بحيث تتوافر الديناميكية والقدرة على مواجهة الطوارئ لدى تلك القيادات ، شريطة أن لايقع تعارض بين المبادرة والخطة المقررة ، فتكون الأولى في خدمة الثانية روحاً وأداءً . كل ذلك من أجل تجنب إتخاذ مبادرات تتنافى مع أسس الخطة الموضوعة وروحها ، لاسيما وأن سرعة وقوع الأحداث وتغير المواقف تفسح مجالاً واسعاً لمثل هذه المبادرات .
- التمسك بالهدف الرئيسي ، وعدم التخلي عنه من أجل بلوغ أهداف ثانوية ، إلا إذا كانت تطورات الأعمال القتالية تشير إلى إمكانية إستغلال النجاحات الثانوية وتطويرها لمصلحة الهدف الرئيسي.
- إختيار الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف المناسب بحيث يتحقق التلاؤم الأقصى بين الهدف والوسيلة إليه ، فتكون المعادلة بين الكلفة والمردود مواتية إلى أبعد حد ممكن .
- الإعتماد على الإبتكار والتوقع والمبادرة والمرونة والخبرات العملية المكتسبة ، بشكل يجعل السيطرة على القوات بعيدة عن الجمود والنهج المدرسي والقوالب التقليدية المألوفة ، ويضمن بالتالي مباغتة الخصم في الزمان والمكان ونوعية الأعمال القتالية وحجم القوات المشتركة فيها .
- تأمين إستمرارية السيطرة على القوات بالرغم من تعرض مراكز السيطرة في الحرب التقليدية لضربات الطيران والمدفعية والصواريخ وهجمات القوات المحمولة جواً، وتعرض تلك المراكز في الحرب النووية لضربات أسلحة التدمير الشامل .
- استمرارية الرصد والاستطلاع وجمع المعلومات وتعدد وسائلها ، وكشف التهديدات المعادية من أبعد مسافة ممكنة بغية الحصول على أطول مدة للإنذار والاستعداد.
- السرعة في تقدير المواقف المتغيرة واتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها وإبلاغها بسرعة إلى القوات المكلفة بتنفيذ المهام القتالية .
- موثوقية الإتصالات وسرعتها ،وتعدد تسليحها ، وقدرتها على مقاومة المعدات الإلكترونية المعادية ، وضمان إستمرار عملها في ظروف استخدام أسلحة التدمير الشامل ، وتأمين الاتصال مع مختلف الأنساق والتشكيلات والوسائل النارية العضوية والداعمة والوحدات الإدارية والفنية ، بالإضافة إلى الإتصال مع القوات الصديقة المجاورة.
- إستمرارية المراقبة والتوجيه بعد إصدار الأوامر إلى القوات وبعد بدء تنفيذ المهام القتالية ، بغية تصحيح مسار الأعمال القتالية انطلاقا من تغير المواقف القتالية وردود فعل العدو المتوقعة أو المفاجئة .
- تنسيق أنشطة مختلف صنوف القوات والأسلحة ، بشكل يضمن تكامل أعمالها القتالية وتعاونها في خدمة الهدف المشترك ، وتأمين الدعم المتبادل فيما بينها ، ويؤدي بالتالي إلى تحقيق الفاعلية القصوى.
العنصر البشري في السيطرة
مهما بلغت الأجهزة والمعدات الحديثة المساعدة المستخدمة في السيطرة على القوات ، فإن العنصر البشري يبقى الأصل والأساس ، فالإنسان هو الذي يستخدم هذه الأجهزة والمعدات ، ويوجهها الوجهة الصحيحة سواء لدى تشغيلها أو حين إستثمارها أو الإفادة من المعطيات والبيانات والمعلومات التي تقدمها ، ولذلك عدة أسباب منها :
- تتضمن منظومة الأجهزة والمعدات الحديثة المساعدة المستخدمة في القيادة والسيطرة أجهزة ومعدات مضادة تحاول أن تعطل المنظومة المعادية ، أو تشوش عليها ، أو تفوت عليها بعض المعلومات ، أو تدخل عليها معلومات خاطئة .
- لكل سلاح حديث سلاح مضاد له ، فالصواريخ يمكن شل فاعليتها بصاروخ مضاد ، وجهاز الرادار له جهاز يشوش عليه أو يبطل عمله .
- الجهاز الفني المعقد يحتاج إلى إنسان فني كفء لتشغيله وإستثماره .
صعوبات السيطرة ومعوقاتها
لا شك في أن السيطرة على القوات ، من أجل قيادتها قيادة فعلية حازمة ، وزجها في المعركة حتى بلوغ النصر أو الهدف المحدد في الخطة ، ليست بالأمر السهل أو الميسور دائماً ، ذلك أن هناك معوقات وصعوبات وأسباب قد تعرض السيطرة إلى الضياع أو فقدان التوازن أو الإهتزاز ، ومن هذه المعوقات والصعوبات والأسباب :
- شخص القائد . فما لم يكن القائد متمتعاً بالكفاءة والمقدرة العلمية والذكاء والألمعية ، والحكمة والقدرة على إستيعاب جميع عناصر المعركة وعوامل الظروف الراهن لها ، والقدرة على الإستجابة المرنة والسريعة لتغيرات الموقف ، فإن زمام السيطرة يضعف ، إن لم يفقد وجوده وأثره وتأثيره .
- خطة المعركة . فقد تكون الخطة ناقصة في أصلها أو غير مستوعبة إحتمالات تطور القتال في ميدان المعركة ، أو غير مكتملة في تحديد البدائل لمواجهة تلك الإحتمالات ، وتوفير الوسائل اللازمة لتلك البدائل وقد تكون الخطة ذات عيوب في تقدير إمكانات العدو ونواياه أو غير ذلك من العيوب.
- التعاون بين صنوف الأسلحة . إذ كثيراً ما يؤدي التعاون ، أو ضعفه ، أو إنعدامه ، إلى التأثير المباشر على تنفيذ الخطة وسير المعركة .
- الأسلحة الجديدة . إذ ليس من المستبعد وبخاصة في عصرنا الراهن أن يزج أحد الأطراف المتصارعة أو أكثر من طرف واحد سلاحاً أو أسلحة جديدة ، تفاجئ بها الأطراف الأخرى ، وتترك أثرها المباشر على سير المعركة أو مصيرها .
الإجراءات اللازمة لتحقيق السيطرة على القوات
من أجل معالجة بعض هذه المعوقات والصعوبات والأسباب ، هناك تدابير لا بد من إتخاذها سواءً في حالة السلم أو حالة الحرب ، من أجل تحقيق السيطرة على القوات ، ويأتي في مقدمة هذه التدابير : التربية العسكرية المتينة ورفع مستوى الإستعداد القتالي ، وإعداد القوات لتنفيذ مهام القتال ، وإعداد القادة الأكفاء لممارسة السيطرة بمختلف أشكالها وأبعادها ، وتطوير قدراتها من خلال المشاريع والمناورات المدروسة لغاية تحقيق السيطرة ، والسهر على التوجيه المعنوي ، والحصول المستمر على المعلومات عن الموقف وجمعها وتنسيقها وتحليلها وتنظيم التعاون الوثيق بين مختلف صنوف الأسلحة والتشكيلات القتالية.
ولقد ذكرنا التربية العسكرية المتينة على أنها أحد التدابير الأولى في توفير العوامل اللازمة للسيطرة على القوات ، ولعل إستخدام الأساليب والمعدات الحديثة في مختلف مراحل السيطرة على القوات يأتي من بين تلك التدابير الهامة . وتتباين الأساليب والمعدات المستخدمة حسب بنية التشكيلات المقاتلة ، وتنظيم أنساق الهيكل الهرمي للقوات المسلحة ، ومستوى تطور الأساليب والمعدات نفسها من الناحية التقنية وقدراتها على التجاوب مع المهام المطلوبة ،و توفير الوقت وتأمين الدقة . وتعتمد الأساليب والمعدات الحديثة على مبادئ الرياضيات وعلى المكننة والحاسبات الإلكترونية الرقمية والتحليلية ومختلف الإنجازات المحققة في مجالات الرادار والإتصالات والفضاء ، والتصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني والراداري والحراري ، ومنصات عرض البيانات والأوضاع التكتيكية والإستراتيجية رقمياً وبيانياً وترسيمياً.
ويدخل في إطار الأساليب والمعدات الحديثة ، الإتصالات التي توفر الجهد وتؤمن الانتقال التلقائي من مرحلة إلى أخرى ، في حين تتحقق متطلبات الإتصال الأساسية للسيطرة من خلال إستخدام أنظمة اتصال متعددة الإتجاهات ، تعمل على ترددات مناسبة ، وتؤمن الإتصالات البعيدة عبر الأقمار الإصطناعية ، وسفن الإتصالات اللاسلكية الراسية في عرض البحر.
ومن أجل تحقيق مبدأ إستمرارية السيطرة على القوات ، في حال وقوع ضربات معادية ، تقليدية أو نووية ، تقام مراكز سيطرة تبادلية ، وتقسم كل قيادة في الهرم التسلسلي العسكري ، إلى مجموعتين متباعدتين أو أكثر بحيث تستطيع مجموعة منها أن تسيطر على القوات وتتابع القتال إذا ما دمرت إحدى المجموعات القيادية أو أخرجت من المعركة وعلى هذا الأساس تقسم هيئة القيادة ( القائد ومعاونه وهيئة أركانه ) في التشكيل الميداني إلى مجموعات ثلاث ، تعمل إحداها في مركز القيادة المتقدم ، والأخرى في مركز القيادة الرئيسي ، والثالثة في مركز القيادة الخلفي ، ويكون لكل مركز موقع رئيسي ومواقع تبادلية ، بعضها بري أو بحري ، وبعضها الأخر جوي .
وبناءً على ذلك ، تقسم هيئة القيادة الإستراتيجية العليا إلى مجموعات قيادية ، تمتلك كل واحدة منها وسائل متعددة بعيدة المدى ، وأنظمة إلكترونية تجمع داخل مركز سيطرة بري مطمور تحت الأرض ، أو داخل غواصة غاطسة تحت الماء أوعلى متن مركز سيطرة طائر ( مقر قيادة طائرة ) بغية إستمرار السيطرة على القوات ومتابعة إدارة الحرب وشؤون الدولة ، حتى بعد تلقي الضربة النووية الأولى .
خصائص السيطرة على القوات
لا شك في أن مفهوم السيطرة على القوات ، ومبادئها ، والإجراءات المتخذة لتوفي تحقيقها ، ومشكلاتها وصعوباتها ، ووسائلها ومعداتها ، تشكل موضوعاً واحداً متكامل الجوانب ،متناسقاً في أهدافه ووسائله ، ويمكن إستخدام هذا الموضوع وتطبيقه ، مفهوماً ومبادئاً وأساليب في مختلف المستويات القيادية ، الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية ، والتشكيلات الكبيرة والصغيرة ، مع إختلاف في هذا المجال أو ذلك ، وفي هذه القيادة أو تلك ، وفي هذا التشكيل أو ذاك حسب مقتضيات الوضع وواقع الحال .
وعلى هذا ، فإن تحقيق السيطرة على القوات البرية يأخذ في إعتباره عوامل تختلف بعض الاختلاف عن العوامل التي يجب إعتبارها في السيطرة على القوات الجوية ، وهكذا ينسحب هذا المفهوم ليغطي مجموع صنوف القوات والأسلحة والهدف من وراء إعتبار هذا الإختلاف بين العوامل يبقى ذاته دون تغيير ، وهو تحقيق السيطرة على القوات إلى أقصى حد ممكن .
نظام القيادة والسيطرة والإتصال وجمع المعلومات
لا شك في أن الزيادة المضطردة في تطور الأسلحة الحديثة والتقدم التقني المتسارع ونشوء ميادين جديدة للصراع المسلح لم تعرفها الحروب حتى اليوم ولم تجر تجربتها بعد ، أدت كلها إلى حدوث تعقيدات وإشكاليات ما برحت تثير التخوف والتحسب لدى قادة القوات المسلحة وهيئات الأركان ، ومبعث هذا التخوف والتحسب هو خشية القادة من أن تؤدي التعقيدات والإشكاليات إلى تخطي قدراتها على قيادة قواتهم والسيطرة عليها بالرغم من الأنظمة الممكنة الموضوعة في خدمتهم من أجل تأمين القيادة والسيطرة والإتصال وجمع المعلومات .
ذلك أن هذه الأجهزة ، وبخاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات ( التجسس والرصد والمراقبة والمسح ) ستوفر معلومات متنوعة وغزيرة يغرق في خضمها ضباط الأركان ، فيضيعون وقتاً ثميناً في مراجعتها وتقويم مدلولاتها ، بحيث تضيق الفسحة أمامهم لوضع التقارير واقتراح الحلول البدائل على قادتهم ، لا سيما وأن تدفق المعلومات وتغيرها السريع ونشوء عوامل جديدة فيها ، تتطلب أن يهرع هؤلاء الضباط إلى تقديم تقارير يتلو كل منها الآخر بسرعة فائقة .
ولقد أدرك المختصون أهمية أنظمة القيادة والسيطرة والإتصال Command Control Communication C التي يرمز إليها في الغرب باسم (C4 ) والأنظمة التي تقوم بجمع المعلومات ، ولاسيما بعد أن ظهرت التعقيدات التي سبق ذكرها ،ومنها أن وضع الإشارات وتسجيل المعلومات على الخرائط واللوحات والبيانات وإعداد التقارير والتحليلات وتقدير المواقف أصبحت تستغرق وقتاً طويلاً في أكثر الأحيان ، مما يجعل المعطيات التي توضع بتصرف القائد متأخرة عدة ساعات عن الوقت المناسب لاتخاذ القرار ، ويمكن أن نأخذ مثلا على ذلك ، هو ما يمكن أن يحدث من فوضى في مسرح العمليات بين طرفين يمتلكا خطوط قتال متداخلة ومتقاربة وحيث التجمعات السكانية متداخلة أيضاً ، وحيث المحيط زاخر بالإجراءات الإلكترونية والإجراءات الإلكترونية المضادة من الطرفين معا وحيث تتضارب المعلومات وتتداخل البيانات وتزخر وتتدفق بشكل عجيب . وإذا لم تتوافر للقائد الوسائل القادرة على جمع المعلومات وتنسيقها وبرمجتها وتحميلها على الخرائط واللوحات والبيانات ، وكذلك الوسائل التي تؤمن له الإتصال المفتوح مع التشكيلات التابعة له ، فإن سيطرته على قواته وقيادته لها ستتعرضان إلى صعوبات جمة ، قد تؤدي إلى تغير مسيرة المعركة ونهايتها .
يعتبر نظام القيادة والسيطرة والإتصال وجمع المعلومات (C4 ) نظاماً متكاملاً في أهدافه وأجهزته ومعداته ، وترابط هذه الأجهزة والمعدات وتكاملها فيما بين بعضها بعضا ، ويتميز هذا النظام ، إذا ما توافرت له جميع العناصر البشرية والمادية والجاهزية اللازمة ، بقدرته على أن يكون وسيلة فعالة يستخدمها القائد للسيطرة على قواته وقيادتها ، وإذا ما دمج هذا النظام مع نظام كمبيوتري آلي لمعالجة المعطيات ، فإن هذه المجموعة تستطيع أن تقدم إلى القائد معلومات مفيدة بشأن دفع الرجال والأسلحة إلى المكان المناسب في الوقت المناسب وهذه ميزة عظيمة لتحقيق مبدأ ( الاقتصاد بالجهد ) وخاصة حينما يواجه أحد الطرفين تفوقاً عددياً لدى الطرف الآخر .
ويتوقف نجاح أي نظام للقيادة والسيطرة والاتصال وجمع المعلومات(C4) على تأمين شبكة الاتصالات اللازمة لإيصال المعطيات والمعلومات ، فكلما زادت فعالية شبكات الاتصالات ، أدت هذه الأنظمة عملها بصورة أفضل ، ويشترط في شبكة الإتصالات أن تكون مرنة سريعة الحركة رقمية بكاملها ، مأمونة حتى تفي بجميع المتطلبات التكتيكية للمعركة الحديثة .
لقد أصبح استخدام نظام متكامل للقيادة والسيطرة والاتصال وجمع المعلومات أمراً ضرورياً ولازماً للسيطرة على القوات وقيادتها ، وذلك في مختلف التشكيلات المقاتلة والمستويات القيادية ..
في مجال السيطرة على القوات البحرية ، ينبغي أن تؤخذ العوامل الآتية بعين الإعتبار
- إتساع مسارح العمليات البحرية ، مما يجعل مسألة الإتصالات تحتل المقام الأول .
- التنسيق والتعاون بين القوات البحرية والقوات الجوية لتأمين الحماية والدعم.
- التنسيق مع مشاة البحرية في عمليات الإبرار .
- السيطرة الإدارية على سفن الدعم اللوجستي البحري .
في مجال السيطرة على القوات البرية تأخذ في الإعتبار العوامل التالية:
- قدرة الستائر الطبيعية على إخفاء أجزاء من قوة العدو ، لذا يفترض التركيز على التعامل مع التهديدات المفاجئة والمواقف الطارئة.
- تأثير طبيعة مسارح القتال الجبلية أو الصحراوية أو الغابات على فاعلية القوات ، واحتمال تناقص هذه الفاعلية .
- العلاقة بين حركة القوات والموانع الطبيعية والصناعية في مسارح العمليات
في مجال السيطرة القوات الجوية ينبغي على القيادة الأخذ بالعوامل التالية :
- إنفتاح المجال الجوي الذي تعمل فيه الطائرات ، إذ يتعذر إحتلاله أو حصاره أو إغلاقه بشكل مطلق .
- ضرورة التنسيق الدقيق بين عمل المقاتلات الإعتراضية وعمل وسائل الدفاع الجوي ( البرية والبحرية ) أثناء تنفيذ مهام التغطية والدفاع الجوي ، في عملية معقدة عليها أن تؤمن امتناع وسائل الدفاع م/ ط عن الرمي من البر أو البحر حين وجود الطيران الصديق فوق القوات أو إشتباكه مع العدو في معركة جوية ، وامتناع الطيران عن دخول المجال الجوي الذي تتعامل فيه وسائل الدفاع الجوي ( البري أو البحري ) الصديقة مع العدو.
- ضرورة التنسيق بين عمل المقاتلات القاذفة وطائرات الدعم وبين علم القوات البرية أو البحرية المدعومة ، حتى تحقق عمليات الدعم الجوي الغايات المحددة لها .
- السرعة الهائلة في تبدل المواقف الجوية ، بحيث تتطلب من القيادات إجراء حسابات متنوعة ودقيقة واتخاذ القرارات بسرعة ونقلها إلى القوات في فترة زمنية جداً قصيرة.
على مر الزمن شغلت قضية السيطرة على القوات وقيادتها عقول الإستراتيجيين والقادة العسكريين ، وكلما تطورت الأسلحة تطوراً سريعاً كانت الحاجة ماسة للسيطرة على القوات التي تستخدمها وهذا ما يحصل في وقتنا الحاضر بحيث يمكن أن نقول أن السيطرة على القوات اليوم هي أحد أهم المشكلات الإستراتيجية العسكرية.
إن مجمل الأعمال والإجراءات الهادفة إلى قيادة القوات بشكل يؤمن تنفيذ الخطة المقررة ، وحركة الأعمال القتالية ومرونتها بما يضمن التنسيق بين مختلف صنوف الأسلحة والقوات ، والإستخدام الأمثل لخصائصها وقدراتها ، بغية تحقيق المردود الأقصى في القتال ، هي ما يطلق عليه مصطلح عملية السيطرة على القوات .
وتعتبر هذه العملية عنصراً أساسياً من عناصر إدارة الأعمال القتالية ، ويتوقف عليها نجاح القوات أو فشلها في تحقيق مهامها .
قديماً كانت السيطرة على القوات في الحروب عملية غير معقدة ، نظراً إلى أن المعركة كانت تدار على أرض محدودة في مساحتها ، وبقوات متراصة تسهل مراقبتها ، وبأسلحة بدائية ذات مدى منظور ، وبظهور الأسلحة النارية ذات المدى البعيد بالنسبة إلى الأسلحة البدائية ، إضطرت القوات إلى الإنتشار على مناطق واسعة ، وازدادت صعوبة السيطرة التكتيكية عليها، ونشأت إلى جانب ذلك صعوبة في السيطرة الإستراتيجية ، بسبب وجود مسارح عمليات متباعدة تنتشر عليها قوات كبيرة ، ولم يخفف هذه الصعوبات سوى تحسن وسائل النقل والإتصال السلكي واللاسلكي .
ولقد تطورت أساليب ووسائل السيطرة على القوات في الحرب العالمية الثانية تحت تأثير إتساع مسارح الأعمال القتالية وتزايد حركة القوات وتنوعها ، ومع ظهور أسلحة التدمير الشامل وما رافقها من ضرورة الحسم الإستراتيجي وخطورة الضربة النووية الأولى شهدت أساليب السيطرة على القوات ووسائلها تطوراً جذرياً في المجالين التكتيكي والإستراتيجي ساعد على حدوثه التقدم العلمي والتقني الذي تسارع منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية بحيث ظهر جلياً في حرب الخليج الأولى والثانية شاملاً جميع المجالات البرية والبحرية والجوية بالإضافة إلى الفضاء الخارجي .
صفات المعركة الحديثة :
إن التطور التقني المتسارع الذي عرفته الوسائل القتالية أكسب المعركة الحديثة صفات جديدة وهامة ، مما أعاد النظر في أساليب تنظيم القوات وتوزيعها ونشرها وتسليحها وطرائق قتالها سواءً في الدفاع أم الهجوم وفي البر أو البحر أو الجو والفضاء الخارجي ، وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات على ميدان المعركة ، مما استجوب إعادة النظر في أسلوب السيطرة على القوات في مواجهة الصفات الجديدة التي أصبحت تتميز بها المعركة الحديثة ، ومن أبرز صفات المعركة الحديثة :
- ضخامة القوات المشتركة فيها .
- إتساع مسارح القتال وتعددها .
- خوض الأعمال القتالية في البر والبحر والجو والفضاء الخارجي وتحت الماء .
- إزدياد حركة القوات ومدى عملها ووتيرة أنشطتها .
- تنوع وسائل القتال وقوتها وحركتها في التبديل السريع في الأوضاع القتالية سواءً في الدفاع أو الهجوم .
- إحتمال إستخدام أسلحة التدمير الشامل في المستويات الإستراتيجية أو العمليات التكتيكية .
مبادئ السيطرة على القوات
يروي المؤرخون ، أن نابليون بونا برت كان حين يضع الخطط لمعاركه يتنبأ بالتطورات الممكنة والمحتملة ويضع لكل إحتمال خطة أو حلا. ومن هذا القبيل ، يروى أن ضباطا من هيئة أركان نابليون دخل عليه وكان نائما ، فأيقظه وأعلمه عن معطيات الوضع الطارئ في ساحة القتال ، فأمره أن يفتح درجاً دله عليه في مكتبه ، ويأخذ منه الخطة ذات الرقم الذي حدده وأن ينفذها ، ثم عاد نابليون إلى نومه ،وتشير هذه القصة – إن صحت روايتها – إلى سيطرة نابليون على قواته ، وإلى ثقته بهذه السيطرة ، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن تنبؤات نابليون وخططه الرئيسية وخططه البديلة لم تكن دائما عند حسن ظن المؤرخين ، فحربه في روسيا في أوائل القرن التاسع عشر دليل على ذلك .)) وبناءً على هذه الصفات كان لا بد لعملية السيطرة على القوات من أن تتفاعل معها ، وتواكب التطور ، وتعيد بناء مفهومها وأساليبها ووسائلها وفق مبادئ محددة ، يمكن تلخيص أهمها في ما يلي :
- مركزية سيطرة القيادة على القوات ، مع مرونة محدودة في المبادرة التي يترك زمامها بين أيدي القيادات التابعة ، بحيث تتوافر الديناميكية والقدرة على مواجهة الطوارئ لدى تلك القيادات ، شريطة أن لايقع تعارض بين المبادرة والخطة المقررة ، فتكون الأولى في خدمة الثانية روحاً وأداءً . كل ذلك من أجل تجنب إتخاذ مبادرات تتنافى مع أسس الخطة الموضوعة وروحها ، لاسيما وأن سرعة وقوع الأحداث وتغير المواقف تفسح مجالاً واسعاً لمثل هذه المبادرات .
- التمسك بالهدف الرئيسي ، وعدم التخلي عنه من أجل بلوغ أهداف ثانوية ، إلا إذا كانت تطورات الأعمال القتالية تشير إلى إمكانية إستغلال النجاحات الثانوية وتطويرها لمصلحة الهدف الرئيسي.
- إختيار الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف المناسب بحيث يتحقق التلاؤم الأقصى بين الهدف والوسيلة إليه ، فتكون المعادلة بين الكلفة والمردود مواتية إلى أبعد حد ممكن .
- الإعتماد على الإبتكار والتوقع والمبادرة والمرونة والخبرات العملية المكتسبة ، بشكل يجعل السيطرة على القوات بعيدة عن الجمود والنهج المدرسي والقوالب التقليدية المألوفة ، ويضمن بالتالي مباغتة الخصم في الزمان والمكان ونوعية الأعمال القتالية وحجم القوات المشتركة فيها .
- تأمين إستمرارية السيطرة على القوات بالرغم من تعرض مراكز السيطرة في الحرب التقليدية لضربات الطيران والمدفعية والصواريخ وهجمات القوات المحمولة جواً، وتعرض تلك المراكز في الحرب النووية لضربات أسلحة التدمير الشامل .
- استمرارية الرصد والاستطلاع وجمع المعلومات وتعدد وسائلها ، وكشف التهديدات المعادية من أبعد مسافة ممكنة بغية الحصول على أطول مدة للإنذار والاستعداد.
- السرعة في تقدير المواقف المتغيرة واتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها وإبلاغها بسرعة إلى القوات المكلفة بتنفيذ المهام القتالية .
- موثوقية الإتصالات وسرعتها ،وتعدد تسليحها ، وقدرتها على مقاومة المعدات الإلكترونية المعادية ، وضمان إستمرار عملها في ظروف استخدام أسلحة التدمير الشامل ، وتأمين الاتصال مع مختلف الأنساق والتشكيلات والوسائل النارية العضوية والداعمة والوحدات الإدارية والفنية ، بالإضافة إلى الإتصال مع القوات الصديقة المجاورة.
- إستمرارية المراقبة والتوجيه بعد إصدار الأوامر إلى القوات وبعد بدء تنفيذ المهام القتالية ، بغية تصحيح مسار الأعمال القتالية انطلاقا من تغير المواقف القتالية وردود فعل العدو المتوقعة أو المفاجئة .
- تنسيق أنشطة مختلف صنوف القوات والأسلحة ، بشكل يضمن تكامل أعمالها القتالية وتعاونها في خدمة الهدف المشترك ، وتأمين الدعم المتبادل فيما بينها ، ويؤدي بالتالي إلى تحقيق الفاعلية القصوى.
العنصر البشري في السيطرة
مهما بلغت الأجهزة والمعدات الحديثة المساعدة المستخدمة في السيطرة على القوات ، فإن العنصر البشري يبقى الأصل والأساس ، فالإنسان هو الذي يستخدم هذه الأجهزة والمعدات ، ويوجهها الوجهة الصحيحة سواء لدى تشغيلها أو حين إستثمارها أو الإفادة من المعطيات والبيانات والمعلومات التي تقدمها ، ولذلك عدة أسباب منها :
- تتضمن منظومة الأجهزة والمعدات الحديثة المساعدة المستخدمة في القيادة والسيطرة أجهزة ومعدات مضادة تحاول أن تعطل المنظومة المعادية ، أو تشوش عليها ، أو تفوت عليها بعض المعلومات ، أو تدخل عليها معلومات خاطئة .
- لكل سلاح حديث سلاح مضاد له ، فالصواريخ يمكن شل فاعليتها بصاروخ مضاد ، وجهاز الرادار له جهاز يشوش عليه أو يبطل عمله .
- الجهاز الفني المعقد يحتاج إلى إنسان فني كفء لتشغيله وإستثماره .
صعوبات السيطرة ومعوقاتها
لا شك في أن السيطرة على القوات ، من أجل قيادتها قيادة فعلية حازمة ، وزجها في المعركة حتى بلوغ النصر أو الهدف المحدد في الخطة ، ليست بالأمر السهل أو الميسور دائماً ، ذلك أن هناك معوقات وصعوبات وأسباب قد تعرض السيطرة إلى الضياع أو فقدان التوازن أو الإهتزاز ، ومن هذه المعوقات والصعوبات والأسباب :
- شخص القائد . فما لم يكن القائد متمتعاً بالكفاءة والمقدرة العلمية والذكاء والألمعية ، والحكمة والقدرة على إستيعاب جميع عناصر المعركة وعوامل الظروف الراهن لها ، والقدرة على الإستجابة المرنة والسريعة لتغيرات الموقف ، فإن زمام السيطرة يضعف ، إن لم يفقد وجوده وأثره وتأثيره .
- خطة المعركة . فقد تكون الخطة ناقصة في أصلها أو غير مستوعبة إحتمالات تطور القتال في ميدان المعركة ، أو غير مكتملة في تحديد البدائل لمواجهة تلك الإحتمالات ، وتوفير الوسائل اللازمة لتلك البدائل وقد تكون الخطة ذات عيوب في تقدير إمكانات العدو ونواياه أو غير ذلك من العيوب.
- التعاون بين صنوف الأسلحة . إذ كثيراً ما يؤدي التعاون ، أو ضعفه ، أو إنعدامه ، إلى التأثير المباشر على تنفيذ الخطة وسير المعركة .
- الأسلحة الجديدة . إذ ليس من المستبعد وبخاصة في عصرنا الراهن أن يزج أحد الأطراف المتصارعة أو أكثر من طرف واحد سلاحاً أو أسلحة جديدة ، تفاجئ بها الأطراف الأخرى ، وتترك أثرها المباشر على سير المعركة أو مصيرها .
الإجراءات اللازمة لتحقيق السيطرة على القوات
من أجل معالجة بعض هذه المعوقات والصعوبات والأسباب ، هناك تدابير لا بد من إتخاذها سواءً في حالة السلم أو حالة الحرب ، من أجل تحقيق السيطرة على القوات ، ويأتي في مقدمة هذه التدابير : التربية العسكرية المتينة ورفع مستوى الإستعداد القتالي ، وإعداد القوات لتنفيذ مهام القتال ، وإعداد القادة الأكفاء لممارسة السيطرة بمختلف أشكالها وأبعادها ، وتطوير قدراتها من خلال المشاريع والمناورات المدروسة لغاية تحقيق السيطرة ، والسهر على التوجيه المعنوي ، والحصول المستمر على المعلومات عن الموقف وجمعها وتنسيقها وتحليلها وتنظيم التعاون الوثيق بين مختلف صنوف الأسلحة والتشكيلات القتالية.
ولقد ذكرنا التربية العسكرية المتينة على أنها أحد التدابير الأولى في توفير العوامل اللازمة للسيطرة على القوات ، ولعل إستخدام الأساليب والمعدات الحديثة في مختلف مراحل السيطرة على القوات يأتي من بين تلك التدابير الهامة . وتتباين الأساليب والمعدات المستخدمة حسب بنية التشكيلات المقاتلة ، وتنظيم أنساق الهيكل الهرمي للقوات المسلحة ، ومستوى تطور الأساليب والمعدات نفسها من الناحية التقنية وقدراتها على التجاوب مع المهام المطلوبة ،و توفير الوقت وتأمين الدقة . وتعتمد الأساليب والمعدات الحديثة على مبادئ الرياضيات وعلى المكننة والحاسبات الإلكترونية الرقمية والتحليلية ومختلف الإنجازات المحققة في مجالات الرادار والإتصالات والفضاء ، والتصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني والراداري والحراري ، ومنصات عرض البيانات والأوضاع التكتيكية والإستراتيجية رقمياً وبيانياً وترسيمياً.
ويدخل في إطار الأساليب والمعدات الحديثة ، الإتصالات التي توفر الجهد وتؤمن الانتقال التلقائي من مرحلة إلى أخرى ، في حين تتحقق متطلبات الإتصال الأساسية للسيطرة من خلال إستخدام أنظمة اتصال متعددة الإتجاهات ، تعمل على ترددات مناسبة ، وتؤمن الإتصالات البعيدة عبر الأقمار الإصطناعية ، وسفن الإتصالات اللاسلكية الراسية في عرض البحر.
ومن أجل تحقيق مبدأ إستمرارية السيطرة على القوات ، في حال وقوع ضربات معادية ، تقليدية أو نووية ، تقام مراكز سيطرة تبادلية ، وتقسم كل قيادة في الهرم التسلسلي العسكري ، إلى مجموعتين متباعدتين أو أكثر بحيث تستطيع مجموعة منها أن تسيطر على القوات وتتابع القتال إذا ما دمرت إحدى المجموعات القيادية أو أخرجت من المعركة وعلى هذا الأساس تقسم هيئة القيادة ( القائد ومعاونه وهيئة أركانه ) في التشكيل الميداني إلى مجموعات ثلاث ، تعمل إحداها في مركز القيادة المتقدم ، والأخرى في مركز القيادة الرئيسي ، والثالثة في مركز القيادة الخلفي ، ويكون لكل مركز موقع رئيسي ومواقع تبادلية ، بعضها بري أو بحري ، وبعضها الأخر جوي .
وبناءً على ذلك ، تقسم هيئة القيادة الإستراتيجية العليا إلى مجموعات قيادية ، تمتلك كل واحدة منها وسائل متعددة بعيدة المدى ، وأنظمة إلكترونية تجمع داخل مركز سيطرة بري مطمور تحت الأرض ، أو داخل غواصة غاطسة تحت الماء أوعلى متن مركز سيطرة طائر ( مقر قيادة طائرة ) بغية إستمرار السيطرة على القوات ومتابعة إدارة الحرب وشؤون الدولة ، حتى بعد تلقي الضربة النووية الأولى .
خصائص السيطرة على القوات
لا شك في أن مفهوم السيطرة على القوات ، ومبادئها ، والإجراءات المتخذة لتوفي تحقيقها ، ومشكلاتها وصعوباتها ، ووسائلها ومعداتها ، تشكل موضوعاً واحداً متكامل الجوانب ،متناسقاً في أهدافه ووسائله ، ويمكن إستخدام هذا الموضوع وتطبيقه ، مفهوماً ومبادئاً وأساليب في مختلف المستويات القيادية ، الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية ، والتشكيلات الكبيرة والصغيرة ، مع إختلاف في هذا المجال أو ذلك ، وفي هذه القيادة أو تلك ، وفي هذا التشكيل أو ذاك حسب مقتضيات الوضع وواقع الحال .
وعلى هذا ، فإن تحقيق السيطرة على القوات البرية يأخذ في إعتباره عوامل تختلف بعض الاختلاف عن العوامل التي يجب إعتبارها في السيطرة على القوات الجوية ، وهكذا ينسحب هذا المفهوم ليغطي مجموع صنوف القوات والأسلحة والهدف من وراء إعتبار هذا الإختلاف بين العوامل يبقى ذاته دون تغيير ، وهو تحقيق السيطرة على القوات إلى أقصى حد ممكن .
نظام القيادة والسيطرة والإتصال وجمع المعلومات
لا شك في أن الزيادة المضطردة في تطور الأسلحة الحديثة والتقدم التقني المتسارع ونشوء ميادين جديدة للصراع المسلح لم تعرفها الحروب حتى اليوم ولم تجر تجربتها بعد ، أدت كلها إلى حدوث تعقيدات وإشكاليات ما برحت تثير التخوف والتحسب لدى قادة القوات المسلحة وهيئات الأركان ، ومبعث هذا التخوف والتحسب هو خشية القادة من أن تؤدي التعقيدات والإشكاليات إلى تخطي قدراتها على قيادة قواتهم والسيطرة عليها بالرغم من الأنظمة الممكنة الموضوعة في خدمتهم من أجل تأمين القيادة والسيطرة والإتصال وجمع المعلومات .
ذلك أن هذه الأجهزة ، وبخاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات ( التجسس والرصد والمراقبة والمسح ) ستوفر معلومات متنوعة وغزيرة يغرق في خضمها ضباط الأركان ، فيضيعون وقتاً ثميناً في مراجعتها وتقويم مدلولاتها ، بحيث تضيق الفسحة أمامهم لوضع التقارير واقتراح الحلول البدائل على قادتهم ، لا سيما وأن تدفق المعلومات وتغيرها السريع ونشوء عوامل جديدة فيها ، تتطلب أن يهرع هؤلاء الضباط إلى تقديم تقارير يتلو كل منها الآخر بسرعة فائقة .
ولقد أدرك المختصون أهمية أنظمة القيادة والسيطرة والإتصال Command Control Communication C التي يرمز إليها في الغرب باسم (C4 ) والأنظمة التي تقوم بجمع المعلومات ، ولاسيما بعد أن ظهرت التعقيدات التي سبق ذكرها ،ومنها أن وضع الإشارات وتسجيل المعلومات على الخرائط واللوحات والبيانات وإعداد التقارير والتحليلات وتقدير المواقف أصبحت تستغرق وقتاً طويلاً في أكثر الأحيان ، مما يجعل المعطيات التي توضع بتصرف القائد متأخرة عدة ساعات عن الوقت المناسب لاتخاذ القرار ، ويمكن أن نأخذ مثلا على ذلك ، هو ما يمكن أن يحدث من فوضى في مسرح العمليات بين طرفين يمتلكا خطوط قتال متداخلة ومتقاربة وحيث التجمعات السكانية متداخلة أيضاً ، وحيث المحيط زاخر بالإجراءات الإلكترونية والإجراءات الإلكترونية المضادة من الطرفين معا وحيث تتضارب المعلومات وتتداخل البيانات وتزخر وتتدفق بشكل عجيب . وإذا لم تتوافر للقائد الوسائل القادرة على جمع المعلومات وتنسيقها وبرمجتها وتحميلها على الخرائط واللوحات والبيانات ، وكذلك الوسائل التي تؤمن له الإتصال المفتوح مع التشكيلات التابعة له ، فإن سيطرته على قواته وقيادته لها ستتعرضان إلى صعوبات جمة ، قد تؤدي إلى تغير مسيرة المعركة ونهايتها .
يعتبر نظام القيادة والسيطرة والإتصال وجمع المعلومات (C4 ) نظاماً متكاملاً في أهدافه وأجهزته ومعداته ، وترابط هذه الأجهزة والمعدات وتكاملها فيما بين بعضها بعضا ، ويتميز هذا النظام ، إذا ما توافرت له جميع العناصر البشرية والمادية والجاهزية اللازمة ، بقدرته على أن يكون وسيلة فعالة يستخدمها القائد للسيطرة على قواته وقيادتها ، وإذا ما دمج هذا النظام مع نظام كمبيوتري آلي لمعالجة المعطيات ، فإن هذه المجموعة تستطيع أن تقدم إلى القائد معلومات مفيدة بشأن دفع الرجال والأسلحة إلى المكان المناسب في الوقت المناسب وهذه ميزة عظيمة لتحقيق مبدأ ( الاقتصاد بالجهد ) وخاصة حينما يواجه أحد الطرفين تفوقاً عددياً لدى الطرف الآخر .
ويتوقف نجاح أي نظام للقيادة والسيطرة والاتصال وجمع المعلومات(C4) على تأمين شبكة الاتصالات اللازمة لإيصال المعطيات والمعلومات ، فكلما زادت فعالية شبكات الاتصالات ، أدت هذه الأنظمة عملها بصورة أفضل ، ويشترط في شبكة الإتصالات أن تكون مرنة سريعة الحركة رقمية بكاملها ، مأمونة حتى تفي بجميع المتطلبات التكتيكية للمعركة الحديثة .
لقد أصبح استخدام نظام متكامل للقيادة والسيطرة والاتصال وجمع المعلومات أمراً ضرورياً ولازماً للسيطرة على القوات وقيادتها ، وذلك في مختلف التشكيلات المقاتلة والمستويات القيادية ..
في مجال السيطرة على القوات البحرية ، ينبغي أن تؤخذ العوامل الآتية بعين الإعتبار
- إتساع مسارح العمليات البحرية ، مما يجعل مسألة الإتصالات تحتل المقام الأول .
- التنسيق والتعاون بين القوات البحرية والقوات الجوية لتأمين الحماية والدعم.
- التنسيق مع مشاة البحرية في عمليات الإبرار .
- السيطرة الإدارية على سفن الدعم اللوجستي البحري .
في مجال السيطرة على القوات البرية تأخذ في الإعتبار العوامل التالية:
- قدرة الستائر الطبيعية على إخفاء أجزاء من قوة العدو ، لذا يفترض التركيز على التعامل مع التهديدات المفاجئة والمواقف الطارئة.
- تأثير طبيعة مسارح القتال الجبلية أو الصحراوية أو الغابات على فاعلية القوات ، واحتمال تناقص هذه الفاعلية .
- العلاقة بين حركة القوات والموانع الطبيعية والصناعية في مسارح العمليات
في مجال السيطرة القوات الجوية ينبغي على القيادة الأخذ بالعوامل التالية :
- إنفتاح المجال الجوي الذي تعمل فيه الطائرات ، إذ يتعذر إحتلاله أو حصاره أو إغلاقه بشكل مطلق .
- ضرورة التنسيق الدقيق بين عمل المقاتلات الإعتراضية وعمل وسائل الدفاع الجوي ( البرية والبحرية ) أثناء تنفيذ مهام التغطية والدفاع الجوي ، في عملية معقدة عليها أن تؤمن امتناع وسائل الدفاع م/ ط عن الرمي من البر أو البحر حين وجود الطيران الصديق فوق القوات أو إشتباكه مع العدو في معركة جوية ، وامتناع الطيران عن دخول المجال الجوي الذي تتعامل فيه وسائل الدفاع الجوي ( البري أو البحري ) الصديقة مع العدو.
- ضرورة التنسيق بين عمل المقاتلات القاذفة وطائرات الدعم وبين علم القوات البرية أو البحرية المدعومة ، حتى تحقق عمليات الدعم الجوي الغايات المحددة لها .
- السرعة الهائلة في تبدل المواقف الجوية ، بحيث تتطلب من القيادات إجراء حسابات متنوعة ودقيقة واتخاذ القرارات بسرعة ونقلها إلى القوات في فترة زمنية جداً قصيرة.