ونظرا لعقيدة إدارة بوش بخصوص "الحرب الوقائية"، وهي التي فتحت الطريق على مصراعيه لإشعال حروب كبيرة في العالم، دون إشعار أو حصول استفزاز واضح، وميل المسؤولين إلى تجاهل حقائق الواقع، فإن الجميع متخوف ويترقب. كما أن الرهان على الحرب في المستقبل، زاد من حجم هذه المخاوف
بقلم يوسف شلي
تساءل الذين انتقدوا الحرب على العراق منذ عام 2003م عن مصير تلك التصريحات النارية لتيار المحافظين الجدد داخل البيت الأبيض أو خارجه، ورغبتهم الذهاب إلى بغداد لطرد "الديكتاتور" وتحرير الشعب من قيود القهر والاضطهاد والطغيان و.. و.. و..، وقد احتلت الولايات المتحدة العراق، ولم تتحقق الحرية، وتدهورت الأوضاع أكثر فأكثر، لتزداد مأساة العراق ويلفها سوء المصير والقرار.
وانصب حديثهم أيضا العلني هنا وهناك، أن الدور سيأتي قريبا على نظام "الملالي" في طهران، ليتمتع الشعب الإيراني بالحرية والديمقراطية، وعلى نظام البعث في سوريا... هذه الرؤية الأمريكية المحافظة، كانت دائما على جدول أعمال الرئيس جورج بوش، أو بالأحرى نائب الرئيس، ديك تشيني.
إليزابث تشيني (40 عاماً)، ابنة ديك تشيني، المنسقة الحالية لعمل هيئة "مجموعة عمليات إيران سوريا"، التي أنشئت لوضع إستراتيجية أكثر عدائية لإرساء الديمقراطية في هاتين الدولتين "لمارقتين"، وردا على سؤال حول ضربة إسرائيلية محتملة على إيران، قالت: "بالتأكيد، أنا لا أعتقد أنه ينبغي علينا أن نفعل أي شيء ولكن علينا أن ندعمهم". وبالمثل، اقترح جون بولتون، السفير السابق في الأمم المتحدة، على إدارة بوش شن هجوم جوي على إيران.
عضو الكونغرس الأمريكي، رون بول، صرح في الآونة الأخيرة، أن زملائه في الكونغرس يؤيدون "صراحة ضربة وقائية نووية" ضد إيران، في حين أن "التوصية" المعروضة على مجلس النواب تحت رقم (362HJ)، المدعومة من الديمقراطيين وكذلك الجمهوريين، تحث على فرض العقوبات من خلال الحصار البحري على إيران، وسيكون ذلك بمثابة إعلان حرب.
وتم إنشاء وإقامة سلسلة جديدة من القواعد العسكرية الأمريكية بالقرب من الحدود الإيرانية، والاقتراب من المجال الحيوي الإستراتيجي لإيران، وقد كشف سيمور هيرش، الصحفي الأمريكي البارز، في نهاية العام الماضي، أن إدارة الرئيس جورج بوش ـ وبدعم من القيادة الديمقراطية في الكونغرس ـ أطلقت برنامجا "سريا"، يستهدف زعزعة استقرار [إيران] والقيادة الدينية المهيمنة على السلطة، ميزانيته تقدر بحوالي 400 مليون دولار أمريكي، وهذا عبر التسلل إلى الحدود الدولية من خلال الأنشطة التي تقوم بها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في إطار "الحرب على الإرهاب"، عبر المجموعات المناهضة للنظام في المناطق "المتمردة"، وسكانها من البلوش والأحوازيين والأقليات العربية الأخرى القوية.
(لهذه المجموعة سوابق في نشر الرعب والتقتيل، حيث شملت الحملات السابقة التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وفروعها في المنطقة التي تديرها، مثل أفغانستان في الثمانينات، السيارات المفخخة والقنابل، وحتى الإبل "المفخخة" ضد الروس، والعراق في التسعينات، باستخدام أيضا السيارات المفخخة والمتفجرات الأخرى).
كما أن عدم استعداد الإيرانيين تعليق أنشطة التخصيب النووي، والاستجابة للضغوطات الدولية، خلال كل مراحل التفاوض مع الأوروبيين في السنوات والأشهر الأخيرة، وكذا التهديدات من قبل مختلف المسؤولين الإيرانيين ضد الولايات المتحدة الأمريكية في حالة هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، زادت من حالة التوتر العالي بين الطرفين المتنازعين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التكهنات شبه الرسمية بحدوث الهجوم الخاطف (مسؤول سامي في البنتاغون صرح لقناة ABC Newsالإخبارية، أن هناك احتمالا قائما بأن إسرائيل ستنفذ مثل هذا الهجوم...).
هيرش، المطلع على خفايا وخبايا الملف الإيراني في واشنطن، ذكر أن أي فوز للسناتور الديمقراطي باراك أوباما في سباق الرئاسيات الأمريكية، قد يكون إشارة "فاصلة" لإدارة بوش لشن حملة جوية ضد هذا البلد. كما لاحظ المحلل الأمريكي "جيم لوب" في (Inter Press Service)، أن هناك عددا من "التحذيرات العامة من قبل صقور الولايات المتحدة القريبين من مكتب تشيني، بحصول أحد الأمرين في القريب العاجل: إما عن طريق إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإن إيران سوف يتم مهاجمتها بين انتخابات نوفمبر ويناير 2009م، بعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد".
ونظرا لعقيدة إدارة بوش بخصوص "الحرب الوقائية"، وهي التي فتحت الطريق على مصراعيه لإشعال حروب كبيرة في العالم، دون إشعار أو حصول استفزاز واضح، وميل المسؤولين إلى تجاهل حقائق الواقع، فإن الجميع متخوف ويترقب. كما أن الرهان على الحرب في المستقبل، زاد من حجم هذه المخاوف (فكل بث مغرض لأخبار سيئة متعلقة بإيران فقط، تدفع بسعر برميل النفط إلى المزيد من الارتفاع الجنوني).
ولا عجب، إنه سيناريو، وإذا كان هناك درس واحد نستخلصه من هذه الإدارة في السنوات الأخيرة الماضية، فهو أن لا فيتو على "أي ملف"، وكل شيء قابلا للتحقيق، وأن كل مسؤول سام في إدارة الرئيس بوش، يرى نفسه قادرا على إيجاد واقع خاص به يفرضه على كوكب الأرض.
المستشار الرئاسي السابق للرئيس بوش، كارل روف، قال للصحافي رون سوسكيند في أكتوبر 2004م، جملته الشهيرة: "نحن الآن إمبراطورية، وعندما نعمل ونتحرك، نخلق واقعنا الخاص. وإذا كنتم أنتم تدرسون الوقائع العالمية بحكمة وترزي، فنحن مثلكم، سوف نقوم ـ إضافة إلى ذلك ـ بفرض حقائق جديدة في الساحة العالمية، التي يمكنكم أيضا الاطلاع عليها ودراستها، دون التأثير فيها، لأن الأمور لن تعود كما كانت من قبل. نحن الجهة الفاعلة والمؤثرة في التاريخ... وأنتم، جميعا، سوف نترك لكم مجرد دراسة ما نقوم به فقط".
* الصدمة النفطية العالمية في المستقبل القريب:
ومع ذلك، فالواقع أحيانا ـ كما هو الحال في العراق ـ وسيلة للعودة إلى الحقيقة، مهما كان جنون أو قوة الإمبراطورية الحالمة (الولايات المتحدة). وعندما يتعلق الأمر بإيران، فالواقع يشير إلى وسائل النفط والغاز الطبيعي. وهذه الأيام، فإن أيا من المتاعب المحتملة، التي تؤثر على السوق النفطية، ستؤدي إلى اهتزاز مريع لأسواق النفط العالمية.
إذ إن امتلاك إيران، لأكبر ثاني احتياطي عالمي من النفط والغاز الطبيعيين، يجعل منها القوة المسيطرة على خريطة الطاقة العالمية رغما عن أنف أمريكا وضغوطاتها. وفي هذا الصدد، رأت مجموعة (The National Security Network)، أن تقديرات إدارة بوش من خلال سياسة التهديدات والعقوبات ضد إيران، تسببت في ارتفاع سعر برميل النفط من 30 - 40 دولار ليصل إلى 140 دولار خلل الأيام القليلة الماضية.
وفي يوم واحد، ارتفع سعر برميل النفط بـ11 دولارا بعد التهديدات التي أطلقها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، شاؤول موفاز، بخصوص الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية التي "لا يمكن تجنبها".
وبالنظر إلى ذلك، دعونا نتصور، للحظة، ما يمكن أن يؤدي إليه أي هجوم جوي ضد إيران، وبأي طريقة أو وسيلة:
ـ هجوم منفرد إسرائيلي بمعزل عن أمريكا.
ـ هجوم أمريكي بحت.
ـ أو الهجوم المشترك بالتعاون بين واشنطن وتل أبيب. ومن المرجح، حينئذ، انفجار أسعار النفط بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
وعندما سئل ـ مؤخرا ـ المراسل ريتشارد انجيل من قبل بريان ويليامز في NBC Nightly Newsعن المعلومات المتداولة حول أثار الهجوم الإسرائيلي على إيران، خاصة في موضوع ارتفاع أسعار النفط عالميا، أجاب المراسل بالقول: "طلبت من محلل مختص في شؤون النفط عن المسألة، فقال: سعر برميل النفط بعد المواجهة؟ أذكر أي سعر تريد: 300 دولار، 400 دولار للبرميل".
وقال أحد المضاربين في النفط، لأحدى القنوات الإعلامية الأمريكية، إن النفط سوف يصل إلى 200 دولار للبرميل الواحد في غضون دقائق)!!
لكن، بطبيعة الحال، فإن الجانب الإيراني، ومهما بلغ حجم الهجوم الإسرائيلي أو الأمريكي، أو معا سويا، ستكون ردة فعله غير محدودة، سواء بقدراتهم الذاتية أو من خلال "وكلائهم" في المنطقة، الذين لا يعدون ولا يحصون (العراق، لبنان، فلسطين، دول الخليج، أفغانستان والجاليات الإيرانية في الخارج).
* هل يمكن لإسرائيل مهاجمة إيران؟
إن إيران لا تفرق بين إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية إذا حدث الهجوم الجوي المرتقب عليها، فالطائرات أمريكية، والصواريخ صناعة أمريكية، والضوء الأخضر أمريكي، وعبور المجال الجوي العراقي الذي تسيطر عليه القوات الجوية الأمريكية، سيكون بموافقة أمريكية، والغطاء السياسي أمريكي... (في الواقع، المفاوضات بين القوات الأمريكية والحكومة العراقية بخصوص الاتفاقية الأمنية الطويلة الأمد، مازالت تراح مكانها، علما أن إدارة بوش طالبت إبقاء السيطرة على المجال الجوي العراقي، لتصل إلى 29000 قدم (8839 متر)، بعد 31 ديسمبر 2008م).
وبعبارة أخرى، وعشية وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، فإن إسرائيل، الكيان الصغير والضعيف في منطقة الشرق الأوسط، ستبقى تعتمد بشدة على تحالفها مع أمريكا، وقد تجد نفسها "متورطة" بشكل أو بآخر في بدء الحرب الأمريكية، وفي مواجهة الصدمة النفطية العالمية مع تداعياتها المذهلة على جميع الدول.
وبالإضافة إلى ذلك، خلصت أحدث تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية، إلى أن إيران أوقفت أجزاء من برنامجها النووي في عام 2003م، وأن جهاز الاستخبارات الأمريكية يشك من التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة التي تتهم إيران بأنها على وشك امتلاك قنبلة نووية. وبطبيعة الحال، لا ننسى في الصورة الأخرى قوة إسرائيل النووية المقدرة بحوالي 200 قنبلة.
* عامل أوباما والمعضلة الإيرانية
المشكلة الأولى المطروحة على الجميع، تعتبر مسألة بسيطة. النفط، الذي كان يراوح 146 دولار للبرميل الواحد الأسبوع الماضي، انخفض إلى 136 دولار (ويرجع ذلك جزئيا إلى البيان الذي أدلى به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والذي قلل فيه من "إمكانية قيام الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن الأمر ليس وشيكا)، وأثناء التجارب الصاروخية الإيرانية الأخيرة، ارتفع سعر برميل النفط إلى 137 دولارا.
ويقول بعض المراقبين، إنه وبفوز أوباما، فإن برميل النفط الخام سيقفز إلى 170 دولار. أما رئيس الشركة النفطية الروسية العملاقة (Gazprom)، فإنه يتوقع أن يصل قيمته إلى 250 في غضون 18 شهرا، حتى وإن لم يحدث أي هجوم على إيران.
إن كل قفزة في أسعار النفط، تؤكد المخاطر القادمة التي تهدد استقرار الدول والأنظمة.
وبالمقابل، هذا يعني، أنه مع مرور كل يوم، يصعب شن مثل هذا الهجوم على إيران. وهناك بالفعل معارضة كبيرة داخل الإدارة الأمريكية؛ فالشعب الأمريكي، يشعر بالألم، وهو غير مهيأ، كما تشير استطلاعات الرأي، لتغطية مثل هذا الهجوم المحتمل.
وفي تقريره خلال جلسات الاستماع في الكونغرس، كان وزير الدفاع روبرت جيتس واضحا تماما: أي هجوم على إيران، سيكون "الملاذ الأخير". كما قدم سيناريو مروع للعواقب المحتملة لهجوم أمريكي محتمل:
"أعتقد أن إيران لا يمكن لها عسكريا مهاجمتنا مباشرة، فموازين القوة بيننا مختلفة جدا، وهي لصالحنا، وطهران تعي ذلك جيدا، لكني أعتقد في المقابل، أنها قادرة على إغلاق الخليج، وتوقيف جميع الصادرات النفطية، وإطلاق العنان لموجة كبيرة من الرعب الإرهاب في كل مكان، في الشرق الأوسط، أوروبا وحتى هنا في الولايات المتحدة... وقدرتها الفائقة الحصول على المزيد من التعاون مع حزب الله لزعزعة استقرار لبنان. لذلك، اعتقد أن قدرتها على الانتقام منا بالطريقة العسكرية التقليدية محدودة جدا، وهي تملك إمكانات القيام بكل ما تريده، وربما أكثر، أنا هنا فقط أصف المشهد العام وبواقعية".
هيرش، في تقريره الأخير حول موضوع إدارة البرنامج السري في إيران، قال: أسر لي أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطي، في نهاية العام الماضي، في اجتماع غداء، أن وزير الدفاع غيتس اجتمع مع أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ (تعقد مثل هذه الاجتماعات بانتظام)، وقد حذر من عواقب أي ضربة إستباقية على إيران إذا قررت إدارة الرئيس جورج بوش القيام بذلك، وقال: كما أشار عضو مجلس الشيوخ، "سنقوم بإيجاد أجيال من الجهاديين، وأحفادنا سيحاربون أعداءنا هنا في أمريكا". (تحذير وزير الدفاع أذهل أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس).
فالحرب على إيران لن تمر بهدوء، وطهران لن تستسلم بسهولة، وسوف يشهد العالم موجة من العمليات الانتقامية المضادة في كل أنحاء العالم، خاصة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وأول ضحية في هذا الصراع، الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والأسيوية المستهلكة للنفط والغاز. ولأول مرة، سيشهد العالم صراعا من نوع آخر، لن يكون السلاح، هو عامل الحسم، بل برميل النفط ومحطات الوقود جيوب الناس.
http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=10224
بقلم يوسف شلي
تساءل الذين انتقدوا الحرب على العراق منذ عام 2003م عن مصير تلك التصريحات النارية لتيار المحافظين الجدد داخل البيت الأبيض أو خارجه، ورغبتهم الذهاب إلى بغداد لطرد "الديكتاتور" وتحرير الشعب من قيود القهر والاضطهاد والطغيان و.. و.. و..، وقد احتلت الولايات المتحدة العراق، ولم تتحقق الحرية، وتدهورت الأوضاع أكثر فأكثر، لتزداد مأساة العراق ويلفها سوء المصير والقرار.
وانصب حديثهم أيضا العلني هنا وهناك، أن الدور سيأتي قريبا على نظام "الملالي" في طهران، ليتمتع الشعب الإيراني بالحرية والديمقراطية، وعلى نظام البعث في سوريا... هذه الرؤية الأمريكية المحافظة، كانت دائما على جدول أعمال الرئيس جورج بوش، أو بالأحرى نائب الرئيس، ديك تشيني.
إليزابث تشيني (40 عاماً)، ابنة ديك تشيني، المنسقة الحالية لعمل هيئة "مجموعة عمليات إيران سوريا"، التي أنشئت لوضع إستراتيجية أكثر عدائية لإرساء الديمقراطية في هاتين الدولتين "لمارقتين"، وردا على سؤال حول ضربة إسرائيلية محتملة على إيران، قالت: "بالتأكيد، أنا لا أعتقد أنه ينبغي علينا أن نفعل أي شيء ولكن علينا أن ندعمهم". وبالمثل، اقترح جون بولتون، السفير السابق في الأمم المتحدة، على إدارة بوش شن هجوم جوي على إيران.
عضو الكونغرس الأمريكي، رون بول، صرح في الآونة الأخيرة، أن زملائه في الكونغرس يؤيدون "صراحة ضربة وقائية نووية" ضد إيران، في حين أن "التوصية" المعروضة على مجلس النواب تحت رقم (362HJ)، المدعومة من الديمقراطيين وكذلك الجمهوريين، تحث على فرض العقوبات من خلال الحصار البحري على إيران، وسيكون ذلك بمثابة إعلان حرب.
وتم إنشاء وإقامة سلسلة جديدة من القواعد العسكرية الأمريكية بالقرب من الحدود الإيرانية، والاقتراب من المجال الحيوي الإستراتيجي لإيران، وقد كشف سيمور هيرش، الصحفي الأمريكي البارز، في نهاية العام الماضي، أن إدارة الرئيس جورج بوش ـ وبدعم من القيادة الديمقراطية في الكونغرس ـ أطلقت برنامجا "سريا"، يستهدف زعزعة استقرار [إيران] والقيادة الدينية المهيمنة على السلطة، ميزانيته تقدر بحوالي 400 مليون دولار أمريكي، وهذا عبر التسلل إلى الحدود الدولية من خلال الأنشطة التي تقوم بها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في إطار "الحرب على الإرهاب"، عبر المجموعات المناهضة للنظام في المناطق "المتمردة"، وسكانها من البلوش والأحوازيين والأقليات العربية الأخرى القوية.
(لهذه المجموعة سوابق في نشر الرعب والتقتيل، حيث شملت الحملات السابقة التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وفروعها في المنطقة التي تديرها، مثل أفغانستان في الثمانينات، السيارات المفخخة والقنابل، وحتى الإبل "المفخخة" ضد الروس، والعراق في التسعينات، باستخدام أيضا السيارات المفخخة والمتفجرات الأخرى).
كما أن عدم استعداد الإيرانيين تعليق أنشطة التخصيب النووي، والاستجابة للضغوطات الدولية، خلال كل مراحل التفاوض مع الأوروبيين في السنوات والأشهر الأخيرة، وكذا التهديدات من قبل مختلف المسؤولين الإيرانيين ضد الولايات المتحدة الأمريكية في حالة هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، زادت من حالة التوتر العالي بين الطرفين المتنازعين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التكهنات شبه الرسمية بحدوث الهجوم الخاطف (مسؤول سامي في البنتاغون صرح لقناة ABC Newsالإخبارية، أن هناك احتمالا قائما بأن إسرائيل ستنفذ مثل هذا الهجوم...).
هيرش، المطلع على خفايا وخبايا الملف الإيراني في واشنطن، ذكر أن أي فوز للسناتور الديمقراطي باراك أوباما في سباق الرئاسيات الأمريكية، قد يكون إشارة "فاصلة" لإدارة بوش لشن حملة جوية ضد هذا البلد. كما لاحظ المحلل الأمريكي "جيم لوب" في (Inter Press Service)، أن هناك عددا من "التحذيرات العامة من قبل صقور الولايات المتحدة القريبين من مكتب تشيني، بحصول أحد الأمرين في القريب العاجل: إما عن طريق إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإن إيران سوف يتم مهاجمتها بين انتخابات نوفمبر ويناير 2009م، بعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد".
ونظرا لعقيدة إدارة بوش بخصوص "الحرب الوقائية"، وهي التي فتحت الطريق على مصراعيه لإشعال حروب كبيرة في العالم، دون إشعار أو حصول استفزاز واضح، وميل المسؤولين إلى تجاهل حقائق الواقع، فإن الجميع متخوف ويترقب. كما أن الرهان على الحرب في المستقبل، زاد من حجم هذه المخاوف (فكل بث مغرض لأخبار سيئة متعلقة بإيران فقط، تدفع بسعر برميل النفط إلى المزيد من الارتفاع الجنوني).
ولا عجب، إنه سيناريو، وإذا كان هناك درس واحد نستخلصه من هذه الإدارة في السنوات الأخيرة الماضية، فهو أن لا فيتو على "أي ملف"، وكل شيء قابلا للتحقيق، وأن كل مسؤول سام في إدارة الرئيس بوش، يرى نفسه قادرا على إيجاد واقع خاص به يفرضه على كوكب الأرض.
المستشار الرئاسي السابق للرئيس بوش، كارل روف، قال للصحافي رون سوسكيند في أكتوبر 2004م، جملته الشهيرة: "نحن الآن إمبراطورية، وعندما نعمل ونتحرك، نخلق واقعنا الخاص. وإذا كنتم أنتم تدرسون الوقائع العالمية بحكمة وترزي، فنحن مثلكم، سوف نقوم ـ إضافة إلى ذلك ـ بفرض حقائق جديدة في الساحة العالمية، التي يمكنكم أيضا الاطلاع عليها ودراستها، دون التأثير فيها، لأن الأمور لن تعود كما كانت من قبل. نحن الجهة الفاعلة والمؤثرة في التاريخ... وأنتم، جميعا، سوف نترك لكم مجرد دراسة ما نقوم به فقط".
* الصدمة النفطية العالمية في المستقبل القريب:
ومع ذلك، فالواقع أحيانا ـ كما هو الحال في العراق ـ وسيلة للعودة إلى الحقيقة، مهما كان جنون أو قوة الإمبراطورية الحالمة (الولايات المتحدة). وعندما يتعلق الأمر بإيران، فالواقع يشير إلى وسائل النفط والغاز الطبيعي. وهذه الأيام، فإن أيا من المتاعب المحتملة، التي تؤثر على السوق النفطية، ستؤدي إلى اهتزاز مريع لأسواق النفط العالمية.
إذ إن امتلاك إيران، لأكبر ثاني احتياطي عالمي من النفط والغاز الطبيعيين، يجعل منها القوة المسيطرة على خريطة الطاقة العالمية رغما عن أنف أمريكا وضغوطاتها. وفي هذا الصدد، رأت مجموعة (The National Security Network)، أن تقديرات إدارة بوش من خلال سياسة التهديدات والعقوبات ضد إيران، تسببت في ارتفاع سعر برميل النفط من 30 - 40 دولار ليصل إلى 140 دولار خلل الأيام القليلة الماضية.
وفي يوم واحد، ارتفع سعر برميل النفط بـ11 دولارا بعد التهديدات التي أطلقها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، شاؤول موفاز، بخصوص الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية التي "لا يمكن تجنبها".
وبالنظر إلى ذلك، دعونا نتصور، للحظة، ما يمكن أن يؤدي إليه أي هجوم جوي ضد إيران، وبأي طريقة أو وسيلة:
ـ هجوم منفرد إسرائيلي بمعزل عن أمريكا.
ـ هجوم أمريكي بحت.
ـ أو الهجوم المشترك بالتعاون بين واشنطن وتل أبيب. ومن المرجح، حينئذ، انفجار أسعار النفط بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
وعندما سئل ـ مؤخرا ـ المراسل ريتشارد انجيل من قبل بريان ويليامز في NBC Nightly Newsعن المعلومات المتداولة حول أثار الهجوم الإسرائيلي على إيران، خاصة في موضوع ارتفاع أسعار النفط عالميا، أجاب المراسل بالقول: "طلبت من محلل مختص في شؤون النفط عن المسألة، فقال: سعر برميل النفط بعد المواجهة؟ أذكر أي سعر تريد: 300 دولار، 400 دولار للبرميل".
وقال أحد المضاربين في النفط، لأحدى القنوات الإعلامية الأمريكية، إن النفط سوف يصل إلى 200 دولار للبرميل الواحد في غضون دقائق)!!
لكن، بطبيعة الحال، فإن الجانب الإيراني، ومهما بلغ حجم الهجوم الإسرائيلي أو الأمريكي، أو معا سويا، ستكون ردة فعله غير محدودة، سواء بقدراتهم الذاتية أو من خلال "وكلائهم" في المنطقة، الذين لا يعدون ولا يحصون (العراق، لبنان، فلسطين، دول الخليج، أفغانستان والجاليات الإيرانية في الخارج).
* هل يمكن لإسرائيل مهاجمة إيران؟
إن إيران لا تفرق بين إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية إذا حدث الهجوم الجوي المرتقب عليها، فالطائرات أمريكية، والصواريخ صناعة أمريكية، والضوء الأخضر أمريكي، وعبور المجال الجوي العراقي الذي تسيطر عليه القوات الجوية الأمريكية، سيكون بموافقة أمريكية، والغطاء السياسي أمريكي... (في الواقع، المفاوضات بين القوات الأمريكية والحكومة العراقية بخصوص الاتفاقية الأمنية الطويلة الأمد، مازالت تراح مكانها، علما أن إدارة بوش طالبت إبقاء السيطرة على المجال الجوي العراقي، لتصل إلى 29000 قدم (8839 متر)، بعد 31 ديسمبر 2008م).
وبعبارة أخرى، وعشية وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، فإن إسرائيل، الكيان الصغير والضعيف في منطقة الشرق الأوسط، ستبقى تعتمد بشدة على تحالفها مع أمريكا، وقد تجد نفسها "متورطة" بشكل أو بآخر في بدء الحرب الأمريكية، وفي مواجهة الصدمة النفطية العالمية مع تداعياتها المذهلة على جميع الدول.
وبالإضافة إلى ذلك، خلصت أحدث تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية، إلى أن إيران أوقفت أجزاء من برنامجها النووي في عام 2003م، وأن جهاز الاستخبارات الأمريكية يشك من التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة التي تتهم إيران بأنها على وشك امتلاك قنبلة نووية. وبطبيعة الحال، لا ننسى في الصورة الأخرى قوة إسرائيل النووية المقدرة بحوالي 200 قنبلة.
* عامل أوباما والمعضلة الإيرانية
المشكلة الأولى المطروحة على الجميع، تعتبر مسألة بسيطة. النفط، الذي كان يراوح 146 دولار للبرميل الواحد الأسبوع الماضي، انخفض إلى 136 دولار (ويرجع ذلك جزئيا إلى البيان الذي أدلى به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والذي قلل فيه من "إمكانية قيام الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن الأمر ليس وشيكا)، وأثناء التجارب الصاروخية الإيرانية الأخيرة، ارتفع سعر برميل النفط إلى 137 دولارا.
ويقول بعض المراقبين، إنه وبفوز أوباما، فإن برميل النفط الخام سيقفز إلى 170 دولار. أما رئيس الشركة النفطية الروسية العملاقة (Gazprom)، فإنه يتوقع أن يصل قيمته إلى 250 في غضون 18 شهرا، حتى وإن لم يحدث أي هجوم على إيران.
إن كل قفزة في أسعار النفط، تؤكد المخاطر القادمة التي تهدد استقرار الدول والأنظمة.
وبالمقابل، هذا يعني، أنه مع مرور كل يوم، يصعب شن مثل هذا الهجوم على إيران. وهناك بالفعل معارضة كبيرة داخل الإدارة الأمريكية؛ فالشعب الأمريكي، يشعر بالألم، وهو غير مهيأ، كما تشير استطلاعات الرأي، لتغطية مثل هذا الهجوم المحتمل.
وفي تقريره خلال جلسات الاستماع في الكونغرس، كان وزير الدفاع روبرت جيتس واضحا تماما: أي هجوم على إيران، سيكون "الملاذ الأخير". كما قدم سيناريو مروع للعواقب المحتملة لهجوم أمريكي محتمل:
"أعتقد أن إيران لا يمكن لها عسكريا مهاجمتنا مباشرة، فموازين القوة بيننا مختلفة جدا، وهي لصالحنا، وطهران تعي ذلك جيدا، لكني أعتقد في المقابل، أنها قادرة على إغلاق الخليج، وتوقيف جميع الصادرات النفطية، وإطلاق العنان لموجة كبيرة من الرعب الإرهاب في كل مكان، في الشرق الأوسط، أوروبا وحتى هنا في الولايات المتحدة... وقدرتها الفائقة الحصول على المزيد من التعاون مع حزب الله لزعزعة استقرار لبنان. لذلك، اعتقد أن قدرتها على الانتقام منا بالطريقة العسكرية التقليدية محدودة جدا، وهي تملك إمكانات القيام بكل ما تريده، وربما أكثر، أنا هنا فقط أصف المشهد العام وبواقعية".
هيرش، في تقريره الأخير حول موضوع إدارة البرنامج السري في إيران، قال: أسر لي أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطي، في نهاية العام الماضي، في اجتماع غداء، أن وزير الدفاع غيتس اجتمع مع أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ (تعقد مثل هذه الاجتماعات بانتظام)، وقد حذر من عواقب أي ضربة إستباقية على إيران إذا قررت إدارة الرئيس جورج بوش القيام بذلك، وقال: كما أشار عضو مجلس الشيوخ، "سنقوم بإيجاد أجيال من الجهاديين، وأحفادنا سيحاربون أعداءنا هنا في أمريكا". (تحذير وزير الدفاع أذهل أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس).
فالحرب على إيران لن تمر بهدوء، وطهران لن تستسلم بسهولة، وسوف يشهد العالم موجة من العمليات الانتقامية المضادة في كل أنحاء العالم، خاصة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وأول ضحية في هذا الصراع، الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والأسيوية المستهلكة للنفط والغاز. ولأول مرة، سيشهد العالم صراعا من نوع آخر، لن يكون السلاح، هو عامل الحسم، بل برميل النفط ومحطات الوقود جيوب الناس.
http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=10224