يعشق الروس كل ما هو ضخم وكبير، حتى أن حضارتهم دوماً تميزت بالفخامة والضخامة، وربما كان هذا عائداً إلى عدة عوامل، فمساحة روسيا – الاتحاد السوفيتي قديماً – شديدة الضخامة، والجليد هناك شديد الكثافة، وأجسامهم ضخمة للغاية مقارنة بأجسام بقية الشعوب، وأشد ما يميزهم عن غيرهم القوة والنشاط والإصرار، وقلما تجتمع هذه العناصر الثلاثة في شعب واحد.
في الكريملين تجد مجموعة من التحف النادرة التي ربما لن تراها في أي ماكن آخر على مستوى العالم، فتجد جرس القيصر Tsar Bell الذي يشك كثيراً من الناس إن كان يرن حقاً أم لا ووزنه يصل إلى 25 طن وارتفاعه 6.14 متر وهو الأضخم على مستوى العالم.
وهناك أيضاً مدفع القيصر Tsar Cannon الضخم الذي يصل وزن القذيفة الواحدة فقط إلى 1000 كيلو جرام فقط، فما بالك بالمدفع؟ وزن المدفع 39 طن وعياره 890 ملم وارتفاعه يصل إلى 5.34 متر.
ولا بأس إذا اقتصر الأمر على الضخامة فقط، فجرس القيصر لم يسمعه أحد يرن حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من وجود 4 قذائف أسفل مدفع القيصر، فلم يتم استخدامه أبداً، ولكن أن تقوم روسيا بتصنيع قنبلة شديدة الضخامة، تُعد القنبلة الذرية بجانبها لعب أطفال، فهذا هو ما يستوعبه عقل.
سباق التسليح
حينما ألقت أمريكا القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، فرضت على العالم الجديد قوة جديدة يصعب السيطرة عليها اسمها القوة النووية. وبهذة القوة خضعت الدول الصديقة قبل العدوة، وبدأت خريطة العالم الحديث تكشف عن نفسها، لتنهار الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ومنافستها الشرسة فرنسا، ليكشف العالم عن قوة جديدة أجبرت العالم أن يعمل لها ألف حساب .. قوة التسليح النووي المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدأت يظهر للكتلة الرأسمالية عدو معاد يسعى حثيثاً إلى كسب السباق في مضمار التسليح النووي، فظل خلف الولايات المتحدة منافساً ومتجسساً على مدار 8 سنوات بعد الحرب العالمية الثانية، لتظهر إلى الوجود قضية هزت الرأي العام .. قضية زوزنبرج.
وقضية روزنبرج هي قضية الزوجان جوليوس وإيثيل روزنبرج، وفيها تم نقل معلومات شديدة الخطورة عن التسليح النووي للجانب السوفيتي، لتستوي بهذا كفتي ميزان التسليح النووي العالمي وتتحول القوة في العالم من قوة القطب الأوحد إلى القطبين المتنافرين، ويظهر مصطلح القوتين العظميين للإشارة إلى الجانب السوفييتي والأمريكي اللذان أصبحا على قدم المساواة في التسليح النووي.
بل إن الكتلة السوفييتية بذلت الكثير من الجهد في هذا الشأن، حتى أنه قيل أن مجموع ما لديها من القنابل النووية يكفي لإبادة العالم تماماً.
قنبلة القيصر
هي قنبلة (إيفان الكبير) وهي الأكثر ضخامة وقوة وخطورة على مستوى العالم منذ أن عرف العالم أسلحة الدمار الشامل، هي قنبلة هيدروجينية تنفجر على ثلاث مراحل شديدة التدمير، ففي المرحلة الأولى تنفجر قنبلة نووية عادية – وهي أقوى من التي أفنت هيروشيما – لمجرد بث الحرارة العالية لإتمام التفاعل الثاني والثالث.
تؤدي الحرارة المتولدة من الإنفجار الأول إلى تحفيز عملية الاندماج النووي لنظائر الهيدروجين في المرحلتين الثانية والثالثة، وقوتها التدميرية هائلة تُقاس بالميجا طن، والميجا طن الواحدة تساوي 10 آلاف طن من مادة تي إن تي TNT شديدة التفجير. فقوة انفجار القنبلة صُممت لتكون 100 ميجا طن (حاول ضرب 100 × 10 آلاف TNT) ولكن خشى العلماء من استفحال أمر التلوث والغبار الذري، فقاموا بتخفيضها إلى 50 ميجا طن، وقاموا باستبدال اليورانيوم 235 بالرصاص لتقليل الغبار الذري.
القنبلة من حيث الأبعاد والوزن، تزن 27 طن وهي بهذا الوزن تكون أضخم قنبلة عرفها التاريخ، وطولها 8 أمتار وقطرها 2 متر، وحملتها الطائرة Tu-95V التي كانت حمولتها تعادل وزن القنبلة بالكاد.
تم اختيار جزيرة Novaya Zemlya في المحيط المتجمد الشمالي لاختبار القنبلة الجديدة، وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1961 وفي الساعة 11.30 صباحاً تم إلقاء القنبلة من ارتفاع 10500 متر عن الهدف، وهبطت باستخدام مظلة هبوط تتيح لها هبوطاً بطيئاً لمدة 188 ثانية حتى مكان الانفجار على الارتفاع 4000 متر فوق منطقة الإنفجار، وذلك حتى تسمح للطائرة الحاملة للقنبلة بوقت كاف للفرار.
تم اختيار طائرتين للقيام بالعملية، وتم طلائمها باللون الأبيض بطريقة خاصة حتى تقيهما من تأثير الإشعاعات الضارة، وتم تحميل القنبلة على الهيكل الخارجي للطائرة الحاملة، وتم إرفاق مظلة وزنها طن لتخفيف هبوط القنبلة بشكل يسمح للطائرتين بالابتعاد لمسافة لا تقل عن 45 كم حتى يكونا في مأمن من موقع الانفجار.
التأثير الرهيب للقنبلة
على الرغم من أن القنبلة قد تم تفجيرها على ارتفاع 4000 متر عن سطح نقطة التفجير، فإن الآثار التي خلفتها القنبلة كانت مرعبة بكل المقاييس.
لو كنت قاطناً في مكان على بُعد 1000 كم من مكان الإنفجار، فقد كان يمكنك رؤية الضوء الناجم عنه، على الرغم من السماء الملبدة بالغيوم، فقد وصف أحد الواصفين قوة الإنفجار قائلاً:
“ضوء ابيض باهر غطى الأفق , و بعد مدة طويلة من الزمن تناهى الى سمعي صوت قوي مهيب و أحسست بالعصف , بدا الأمر كما لو ان الأرض كانت تموت”
وكان ضغط الإنفجار عند نقطة التفجير يساوي 300 بوند للبوصة الواحدة، وجميع المنازل والبيوت في دُمرت وسويت بالأرض في دائرة نصف قطرها 25 كم، وحتى أن أقرب تجمع بشري في بلدة سيفيرني كان قد تم تدميرها تماماً. هذا غير أن المنازل الخشبية على بُعد مئات الكيلو مترات قد احترقت، والبيوت الصخرية طارت أسقفها، وانكسر زجاج النوافذ في السويد وشعر به السكان في فنلندا.
قوة القنبلة كانت تعادل 1.4% من الطاقة المتولدة على سطح الشمس، وجميع من كان على بُعد 100 كم من مركز الانفجار من البشر تعرض لحروق من الدرجة الثالثة، والسحابة المتكونة من الانفجار والتي تشبه عيش الغراب بلغ ارتفاعها 64 كم وقطرها 40 كم.
أما بالنسبة للجزيرة التي تم عليها الانفجار فنتركك مع أحد الباحثين الذين زاروها بعد مدة طويلة من الإنفجار، فقد قال عنها: ” ارض الجزيرة كانت قد جرفت و سويت و صقلت حتى انها أصبحت أشبه بساحة ملعب تزحلق على الجليد , جميع الصخور ذابت و لم يبق اثر حتى لنتوء صغير على الأرض”
الانفجار سبب زلزال بقوة 5 ريختر على الأقل .. وكل هذا والانفجار على بُعد 4000 متر من سطح الأرض، فكيف لو كان على سطح الأرض.
قنبلة القيصر ضبطت ميزان القوة في العصر الحديث بظهورها المرعب، ولكن لم تدخل الخدمة أبداً، حيث أن إجراءات الحفاظ عليها شديدة الخطورة بما يهدد أمن السوفييت، هذا غير أن الجيوش تحتاج إلى قنابل أصغر وأدق في تأثيرها من قنبلة شديدة التدمير كهذه القنبلة.
والآن يوجد نسخة غير حقيقية في المعرض العسكرين بمدينة سنجينسك الروسية، لتلفت انتباه العالم أجمع إلى ما قد يصير عليه العالم يوماً لو تم استخدام مثل هذه الأسلحة.
http://www.shabakaonline.com/2012/11/blog-post_7210.html