تطور الاستراتيجيات النووية الأطلسية(1949 - 2006م)
الكاتب: دكتور / عبد الرحمن سلطان
يعتبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) (NATO) North Atlantic Treaty Organization أعظم قوة عسكرية واستراتيجية في عالم اليوم، وقد ظهر على المسرح الدولي في 4 أبريل (نيسان) 1949م(1). عندما تولت اثنتا عشرة دولة أوروبية وأمريكية التوقيع على ميثاق الحلف في واشنطن وهي (بلجيكا، كندا، الدانمارك، فرنسا، أيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا، النرويج، البرتغال، بريطانيا، الولايات المتحدة) وقد أصبح الميثاق نافذاً اعتباراً من 24 أغسطس (آب) 1949م(2).
وبعد ذلك انضمت إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) كل من تركيا واليونان عام 1952م وألمانيا الاتحادية عام 1955م وأسبانيا عام 1981م(3). ثم انضمت إليه كل من جمهورية التشيك والمجر وبولندا عام 1997م وبحيث أصبح الحلف يتكون من تسع عشرة دولة في ذلك الوقت.
وفي ضوء التحولات الكبرى التي رافقت مسيرة حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ عام 1991م اتجه إلى التوسع والانتشار في أوربا وأخذ يسعى إلى زيادة عدد الدول المشاركة فيه بحيث يضم دولاً في وسط وشرق أوروبا وخصص لذلك مبلغ 35 مليار دولار ساهمت فيه دول الحلف ذاتها(4)،ونتيجة لذلك انضمت سبع دول أوربية جديدة إلى حلف الناتو في 29/ مارس (أذار ) 2004م وهي (رومانيا ـ بلغاريا ـ سلوفاكيا ـ سلوفينيا ـ لتوانيا ـ ولاتيفيا ـ استونيا ) وبذلك ارتفع عدد دول حلف الناتو إلى 26 دولة.
،،،،،،،كان من أهم وأخطر التحولات الكبرى التي شهدتها الاستراتيجيات النووية الأطلسية منذ عام 1991م وحتى اليوم . تركيز محاور ثقلها الأساسية في مجال تهديد دول العالم الإسلامي ووضعها تحت رحمة السيف النووي الأطلسي وإثارة الخوف والفزع بين صفوفها,,,,,,,,, وما يعنينا من هذا الأمر كله هو أن الاستراتيجيات النووية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)
شهدت جملة من التعديلات والتغييرات الجذرية التي أجريت عليها استجابة للتحولات والتطورات الكبرى التي شهدها المسرح الدولي منذ قيام حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 1949م مروراً بقيام حلف (وارسو) (Warso Wpact) في 14 مايو (أيار) 1955م واشتداد الحرب الباردة في العالم وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي (السابق) في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1991م وظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.
وكان من أهم وأخطر التحولات الكبرى التي شهدتها الاستراتيجيات النووية الأطلسية منذ عام 1991م وحتى اليوم . تركيز محاور ثقلها الأساسية في مجال تهديد دول العالم الإسلامي ووضعها تحت رحمة السيف النووي الأطلسي وإثارة الخوف والفزع بين صفوفها وهذا ما يتجلى واضحاً من خلال إستقراء مسلسل التهديدات النووية الأطلسية التالية:-
1- في مارس (آذار) 2002م ، أعلنت الولايات المتحدة عن مفهومها النووي الجديد والذي يقضي بتوجيه ضربات نووية ساحقة ومدمرة ضد أربع دول عربية وإسلامية وهي العراق وسوريا وليبيا وإيران ، وذلك في حال قيامها باستخدام أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيمائية والبيولوجية)، ضد الولايات المتحدة أو ضد أحد حلفائها في أوربا والشرق الأوسط.
2- في نفس الشهر أعلن (جيوف هورن) وزيرالدفاع البريطاني أمام لجنة الدفاع التابعة لمجلس العموم بأن بريطانيا مستعدة لاستخدام السلاح النووي ضد عدد من الدول الإسلامية وذلك في حال قيامها باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد القوات البريطانية في الميدان تحت أي ظرف من الظروف .
3- وفي الشهر ذاته دعت مجلة (ناشيونال ريفيو الأمريكية) عبر مقال أعده أحد محرريها وهو (ريتش لوري) ، إلى ضرب مكة المكرمة بقنبلة نووية ، وتحويل المسجد الحرام إلى تلال من الحطام.
4- في مارس( آذار) 2005م هددت الولايات المتحدة إستخدام السلاح النووي ضد الدول والجماعات الإرهابية المعادية لها تنفيذاً لمبدأ الحرب الوقائية.
5- وفي 19 يناير (كانون الثاني ) أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن استعداد بلاده لاستخدام السلاح النووي ضد الدول والقوى الإرهابية في حال قيامها بشن هجماتها الإرهابية فوق الأراضي الفرنسية.
6- وفي مطلع العام الحالي 2006م وحتى اليوم سعت الإدارة الأمريكية إلى التلويح باستخدام السلاح النووي ضد إيران بهدف إجبارها على إلغاء برنامجها النووي السلمي.
ومواكبة لذلك كله يمكن القول بأن حلف شمال الأطلسي (ناتو) تبنى منذ قيامه عام 1949م وحتى الوقت الراهن عدد من الاستراتيجيات النووية الهامة وكان من أهمها وأعظمها شأناً الاستراتيجيات التالية:
أولاً : استراتيجية الرد الشامل:
كانت الولايات المتحدة تظن أن بوسعها أن تحقق أهدافها السياسية والعسكرية عن طريق التهديد بشن حرب نووية عامة مفترضة أن بلدان المعسكر الشرقي لن تجرؤ على القيام بأية خطوة إلى الأمام بسبب موقفها غير المواتي بالنسبة إلى القوات النووية الهجومية بيد أن (مبدأ ترومان) الذي تبناه الرئيس الأمريكي السابق (هاري ترومان) في مارس (آذار) 1947م وأصبح يعرف بـ (عقيدة الاحتواء) Contan Ment Doctrine مثل النواة الأولى لقيام الاستراتيجية العسكرية لحلف شمال الأطلسي عام 1949م، وينحصر جوهر هذا المبدأ في القضاء على الحركات الثورية في بلدان أوروبا التي يقف وراءها الاتحاد السوفيتي (السابق) عن طريق استخدام المساعدات العسكرية ونشر شبكة القواعد العسكرية الأمريكية في تلك البلدان وحشد قوات أمريكية قرب الحدود السوفيتية(5).
وعندما نجح الاتحاد السوفيتي (السابق) في تفجير القنبلة النووية الأولى في 23 سبتمبر (أيلول) 1949م ومن بعدها القنبلة الهيدروجينية في 12 أغسطس (آب) 1953م اتجهت دول حلف شمال الأطلسي إلى تبني استراتيجية عسكرية حاسمة تجاه الاتحاد السوفيتي (السابق) تسمى (استراتيجية الرد الشامل) Missive Retaliaion والتي ترتكز في جوهرها على حرية الانتقام النووي العنيف ضد الاتحاد السوفيتي (السابق) في أية مواجهة عسكرية محتملة معه(6)، كما ترتكز أيضاً على الافتراض القائل بأن الولايات المتحدة تملك التفوق الطاغي على الاتحاد السوفيتي (السابق) في الأسلحة النووية والطيران الاستراتيجي(7). ولهذا فقد كانت الولايات المتحدة تظن أن بوسعها أن تحقق أهدافها السياسية والعسكرية عن طريق التهديد بشن حرب نووية عامة مفترضة أن بلدان المعسكر الشرقي لن تجرؤ على القيام بأية خطوة إلى الأمام بسبب موقفها غير المواتي بالنسبة إلى القوات النووية الهجومية(8).
وتطبيقاً لهذه الاستراتيجية كثفت الحكومة الأمريكية جهودها لتطوير الأسلحة النووية الاستراتيجية والتكتيكية في حين تخلت إلى حد ما عن تطوير القوات التقليدية ولا سيما البرية منها(9). وأدى هذا إلى نشوب خلاف حاد - في ذلك الحين - بين قيادة الجيش من ناحية وبين قيادة القوات الجوية المدعومة من قيادة القوات البحرية إلى حد ما من الناحية الأخرى(10)، ولا شك في أن هذا التطور في القوات المسلحة قد أدى إلى سخط ممثلي القوات البرية والجماعات الاحتكارية التي تزود هذه القوات بالسلاح والعتاد. وهكذا لم يكن انتصار أتباع (الرد الشامل) مجرد نصر لممثلي القوتين الجوية والبحرية فقط، وإنما مثل أيضاً فوزاً للجماعات الاحتكارية التي تعمل في صناعة أسلحة هاتين القوتين.
ولقد شرعت منظومة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ديسمبر (كانون الأول) 1954م و (لأول مرة) في إعداد المخططات الحربية التي تنطوي على استخدام الأسلحة النووية لكبح جماح الاتحاد السوفيتي (السابق) وقهره وإذلاله(11).
وكانت حرب الهند الصينية عام 1954م بمثابة الاختبار العملي لمعرفة مدى فاعلية وتأثير استراتيجية الرد الشامل على المسرح الدولي وهو الاختبار الذي أثبت بوضوح أن التهديدات الأمريكية باللجوء إلى شن حرب شاملة تستخدم فيها الأسلحة النووية على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي معاً، لم تكن إلا من قبيل التهويش والتهويل، ولا أكثر من ذلك، ومن ثم فإن هذه التهديدات لم تكن قابلة للتصديق، وهي ركيزة أساسية من ركائز الردع الفاعل من قبل الذين هدفت هذه الاستراتيجية بوسيلة التخويف إلى إرعابهم وتهديدهم ولوي أذرعة نزعاتهم وأهدافهم التصادمية(12).
وفي نفس العام صاغت إدارة الرئيس (إيزنهاور) مبدأ استراتيجية الردع النووي أي استراتيجية البقاء بعد الضربة الأولى(13) التي يكملها مذهب الانتقام الكثيف الموجه ضد المدن، والذي يسمح به التفوق النووي ويشكل نظاماً استراتيجياً دفاعياً غايته ثني العدو (المحتمل) عن العدوان المسلح بواسطة تهديده بالرد النووي، ويحسب هذا الرد عادة بطريقة تجعل إثارة مخاطره غير مقبولة.
ويستند هذا المفهوم إلى عنصر موضوعي هو (العقلانية) التي يشترك فيها جميع الخصوم ممن لديهم نفس القدرة على تقييم المخاطرة والمكاسب من الحرب، وتعتمد القضية الجوهرية في الردع على تحديد (مستوى العدوان الذي يؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية في الرد أي في القتال). وبهذا فإن (العتبة النووية) يجب أن توضع على مستوى عالٍ يحفظ مصالح الولايات المتحدة الحيوية دون أن يدفع بها إلى كارثة كبرى ولن تكون في مستوى كافٍ من الانخفاض لكي تنقذ مصالح الحلفاء الأوروبيين دون أن تجر الولايات المتحدة إلى الحرب النووية الشاملة(14)، والتي ستكون نتائجها بطبيعة الأمر نتائج قاتلة ومروعة لدى سائر الأطراف المتنازعة والمتحاربة على حد سواء.
ثانياً : استراتيجية الرد المرن :
لا شك في أن قيام الاتحاد السوفيتي (السابق) في أغسطس (آب) 1957م بإجراء أول رماية بالصواريخ الاستراتيجية عابرة القارات وقيامه في 4 أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته بإطلاق أول قمر صناعي في الفضاء سبوتنيك (Spoutnik)(15) قد أحدث نوعاً من الخوف والفزع لدى الغرب الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي جون كنيدي (1961 - 1963م) يقوم بتجميد استراتيجية الرد الشامل (Missive Retaliaion) والاستعاضة عنها باستراتيجية جديدة أطلق عليها اسم استراتيجية الرد المرن (Flexible Response)(16)، وهي الاستراتيجية التي قام ببلورتها وتطبيقها وزير الدفاع الأمريكي (الأسبق) (روبرت ماكنمار) وانتهجها حلف شمال الأطلسي كأساس لتخطيط سياسته العسكرية فيما بعد(17).
وتعني هذه الاستراتيجية مقابلة العدوان بمقدار متفاوت ومتصاعد من القوى حسب درجته ونوعيته(18). أو تعني حسب ما قاله الرئيس كندي أمام الكونجرس الأمريكي عام 1961م (الرد الانتقامي على العدو "يقصد الاتحاد السوفيتي" (السابق) بما يضمن تدميره وإلحاقه بأضرار تفوق بكثير الأضرار التي ستحيق بأمريكا من جراء ضربته الأولى).
وقال أيضاً (إذا أخفقت القوات المزودة بالأسلحة التقليدية في إنجاز المهام الموكولة إليها فإنه لن يكون ثمة ما يمنع من استخدام الأسلحة النووية في الحروب المحدودة).
الكاتب: دكتور / عبد الرحمن سلطان
يعتبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) (NATO) North Atlantic Treaty Organization أعظم قوة عسكرية واستراتيجية في عالم اليوم، وقد ظهر على المسرح الدولي في 4 أبريل (نيسان) 1949م(1). عندما تولت اثنتا عشرة دولة أوروبية وأمريكية التوقيع على ميثاق الحلف في واشنطن وهي (بلجيكا، كندا، الدانمارك، فرنسا، أيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا، النرويج، البرتغال، بريطانيا، الولايات المتحدة) وقد أصبح الميثاق نافذاً اعتباراً من 24 أغسطس (آب) 1949م(2).
وبعد ذلك انضمت إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) كل من تركيا واليونان عام 1952م وألمانيا الاتحادية عام 1955م وأسبانيا عام 1981م(3). ثم انضمت إليه كل من جمهورية التشيك والمجر وبولندا عام 1997م وبحيث أصبح الحلف يتكون من تسع عشرة دولة في ذلك الوقت.
وفي ضوء التحولات الكبرى التي رافقت مسيرة حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ عام 1991م اتجه إلى التوسع والانتشار في أوربا وأخذ يسعى إلى زيادة عدد الدول المشاركة فيه بحيث يضم دولاً في وسط وشرق أوروبا وخصص لذلك مبلغ 35 مليار دولار ساهمت فيه دول الحلف ذاتها(4)،ونتيجة لذلك انضمت سبع دول أوربية جديدة إلى حلف الناتو في 29/ مارس (أذار ) 2004م وهي (رومانيا ـ بلغاريا ـ سلوفاكيا ـ سلوفينيا ـ لتوانيا ـ ولاتيفيا ـ استونيا ) وبذلك ارتفع عدد دول حلف الناتو إلى 26 دولة.
،،،،،،،كان من أهم وأخطر التحولات الكبرى التي شهدتها الاستراتيجيات النووية الأطلسية منذ عام 1991م وحتى اليوم . تركيز محاور ثقلها الأساسية في مجال تهديد دول العالم الإسلامي ووضعها تحت رحمة السيف النووي الأطلسي وإثارة الخوف والفزع بين صفوفها,,,,,,,,,
شهدت جملة من التعديلات والتغييرات الجذرية التي أجريت عليها استجابة للتحولات والتطورات الكبرى التي شهدها المسرح الدولي منذ قيام حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 1949م مروراً بقيام حلف (وارسو) (Warso Wpact) في 14 مايو (أيار) 1955م واشتداد الحرب الباردة في العالم وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي (السابق) في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1991م وظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.
وكان من أهم وأخطر التحولات الكبرى التي شهدتها الاستراتيجيات النووية الأطلسية منذ عام 1991م وحتى اليوم . تركيز محاور ثقلها الأساسية في مجال تهديد دول العالم الإسلامي ووضعها تحت رحمة السيف النووي الأطلسي وإثارة الخوف والفزع بين صفوفها وهذا ما يتجلى واضحاً من خلال إستقراء مسلسل التهديدات النووية الأطلسية التالية:-
1- في مارس (آذار) 2002م ، أعلنت الولايات المتحدة عن مفهومها النووي الجديد والذي يقضي بتوجيه ضربات نووية ساحقة ومدمرة ضد أربع دول عربية وإسلامية وهي العراق وسوريا وليبيا وإيران ، وذلك في حال قيامها باستخدام أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيمائية والبيولوجية)، ضد الولايات المتحدة أو ضد أحد حلفائها في أوربا والشرق الأوسط.
2- في نفس الشهر أعلن (جيوف هورن) وزيرالدفاع البريطاني أمام لجنة الدفاع التابعة لمجلس العموم بأن بريطانيا مستعدة لاستخدام السلاح النووي ضد عدد من الدول الإسلامية وذلك في حال قيامها باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد القوات البريطانية في الميدان تحت أي ظرف من الظروف .
3- وفي الشهر ذاته دعت مجلة (ناشيونال ريفيو الأمريكية) عبر مقال أعده أحد محرريها وهو (ريتش لوري) ، إلى ضرب مكة المكرمة بقنبلة نووية ، وتحويل المسجد الحرام إلى تلال من الحطام.
4- في مارس( آذار) 2005م هددت الولايات المتحدة إستخدام السلاح النووي ضد الدول والجماعات الإرهابية المعادية لها تنفيذاً لمبدأ الحرب الوقائية.
5- وفي 19 يناير (كانون الثاني ) أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن استعداد بلاده لاستخدام السلاح النووي ضد الدول والقوى الإرهابية في حال قيامها بشن هجماتها الإرهابية فوق الأراضي الفرنسية.
6- وفي مطلع العام الحالي 2006م وحتى اليوم سعت الإدارة الأمريكية إلى التلويح باستخدام السلاح النووي ضد إيران بهدف إجبارها على إلغاء برنامجها النووي السلمي.
ومواكبة لذلك كله يمكن القول بأن حلف شمال الأطلسي (ناتو) تبنى منذ قيامه عام 1949م وحتى الوقت الراهن عدد من الاستراتيجيات النووية الهامة وكان من أهمها وأعظمها شأناً الاستراتيجيات التالية:
أولاً : استراتيجية الرد الشامل:
كانت الولايات المتحدة تظن أن بوسعها أن تحقق أهدافها السياسية والعسكرية عن طريق التهديد بشن حرب نووية عامة مفترضة أن بلدان المعسكر الشرقي لن تجرؤ على القيام بأية خطوة إلى الأمام بسبب موقفها غير المواتي بالنسبة إلى القوات النووية الهجومية
وعندما نجح الاتحاد السوفيتي (السابق) في تفجير القنبلة النووية الأولى في 23 سبتمبر (أيلول) 1949م ومن بعدها القنبلة الهيدروجينية في 12 أغسطس (آب) 1953م اتجهت دول حلف شمال الأطلسي إلى تبني استراتيجية عسكرية حاسمة تجاه الاتحاد السوفيتي (السابق) تسمى (استراتيجية الرد الشامل) Missive Retaliaion والتي ترتكز في جوهرها على حرية الانتقام النووي العنيف ضد الاتحاد السوفيتي (السابق) في أية مواجهة عسكرية محتملة معه(6)، كما ترتكز أيضاً على الافتراض القائل بأن الولايات المتحدة تملك التفوق الطاغي على الاتحاد السوفيتي (السابق) في الأسلحة النووية والطيران الاستراتيجي(7). ولهذا فقد كانت الولايات المتحدة تظن أن بوسعها أن تحقق أهدافها السياسية والعسكرية عن طريق التهديد بشن حرب نووية عامة مفترضة أن بلدان المعسكر الشرقي لن تجرؤ على القيام بأية خطوة إلى الأمام بسبب موقفها غير المواتي بالنسبة إلى القوات النووية الهجومية(8).
وتطبيقاً لهذه الاستراتيجية كثفت الحكومة الأمريكية جهودها لتطوير الأسلحة النووية الاستراتيجية والتكتيكية في حين تخلت إلى حد ما عن تطوير القوات التقليدية ولا سيما البرية منها(9). وأدى هذا إلى نشوب خلاف حاد - في ذلك الحين - بين قيادة الجيش من ناحية وبين قيادة القوات الجوية المدعومة من قيادة القوات البحرية إلى حد ما من الناحية الأخرى(10)، ولا شك في أن هذا التطور في القوات المسلحة قد أدى إلى سخط ممثلي القوات البرية والجماعات الاحتكارية التي تزود هذه القوات بالسلاح والعتاد. وهكذا لم يكن انتصار أتباع (الرد الشامل) مجرد نصر لممثلي القوتين الجوية والبحرية فقط، وإنما مثل أيضاً فوزاً للجماعات الاحتكارية التي تعمل في صناعة أسلحة هاتين القوتين.
ولقد شرعت منظومة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ديسمبر (كانون الأول) 1954م و (لأول مرة) في إعداد المخططات الحربية التي تنطوي على استخدام الأسلحة النووية لكبح جماح الاتحاد السوفيتي (السابق) وقهره وإذلاله(11).
وفي نفس العام صاغت إدارة الرئيس (إيزنهاور) مبدأ استراتيجية الردع النووي أي استراتيجية البقاء بعد الضربة الأولى(13) التي يكملها مذهب الانتقام الكثيف الموجه ضد المدن، والذي يسمح به التفوق النووي ويشكل نظاماً استراتيجياً دفاعياً غايته ثني العدو (المحتمل) عن العدوان المسلح بواسطة تهديده بالرد النووي، ويحسب هذا الرد عادة بطريقة تجعل إثارة مخاطره غير مقبولة.
ويستند هذا المفهوم إلى عنصر موضوعي هو (العقلانية) التي يشترك فيها جميع الخصوم ممن لديهم نفس القدرة على تقييم المخاطرة والمكاسب من الحرب، وتعتمد القضية الجوهرية في الردع على تحديد (مستوى العدوان الذي يؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية في الرد أي في القتال). وبهذا فإن (العتبة النووية) يجب أن توضع على مستوى عالٍ يحفظ مصالح الولايات المتحدة الحيوية دون أن يدفع بها إلى كارثة كبرى ولن تكون في مستوى كافٍ من الانخفاض لكي تنقذ مصالح الحلفاء الأوروبيين دون أن تجر الولايات المتحدة إلى الحرب النووية الشاملة(14)، والتي ستكون نتائجها بطبيعة الأمر نتائج قاتلة ومروعة لدى سائر الأطراف المتنازعة والمتحاربة على حد سواء.
ثانياً : استراتيجية الرد المرن :
وتعني هذه الاستراتيجية مقابلة العدوان بمقدار متفاوت ومتصاعد من القوى حسب درجته ونوعيته(18). أو تعني حسب ما قاله الرئيس كندي أمام الكونجرس الأمريكي عام 1961م (الرد الانتقامي على العدو "يقصد الاتحاد السوفيتي" (السابق) بما يضمن تدميره وإلحاقه بأضرار تفوق بكثير الأضرار التي ستحيق بأمريكا من جراء ضربته الأولى).
وقال أيضاً (إذا أخفقت القوات المزودة بالأسلحة التقليدية في إنجاز المهام الموكولة إليها فإنه لن يكون ثمة ما يمنع من استخدام الأسلحة النووية في الحروب المحدودة).
التعديل الأخير: